مقالات الأعداد السابقة

عمالة بلباس حروري

د. نائل بن غازي (فلسطين – غزة)

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد..

في ميدان المدافعة على الأصول، ومنازلة الأفكار الدخيلة، ومحاربة دعاة الاختراع في الدين، لا يبقى للحيادية مكان، والناس على إثرها فسطاطان: فسطاطٌ ملؤه الإيمان والوعي وحسن التدبير، وفسطاط ملؤه الدخن والعبث والشر المستطير.

فسطاطٌ يقود الجيل نحو تحقيق الغاية السامية، وفسطاطٌ يقود الجيل نحو البدعة الخبيثة، والتبعية المقيتة، وفي بعضها نحو المسارعة في الكفر على قاعدة: الجهل أو الخبث المدروس والذي يقوده آلة الشر بأيدٍ حمقاء وعقول خرقاء.

وإنه مما لاشك أن الحوادث أنشأت لنا صنوفا من الناس جاءوا الشريعة بعقليات المستعمر على منبر من منابر العلم أو الدعوة أو الجهاد.

فاختلطت بكثير من الناس سبل التمييز حتى عمت الفتنة وطغت الشبهات ورتع في الهوى دهماء الناس على عاطفة غير منضبطة، أو مصلحة على قاعدة الهوى المستحكم، فعبث الطغاة بالجيل على أساس من الجهل أو الهوى حتى صارت الآيات الشرعية بالتأويل الفاسد، والنظر الأعوج: متكأ الدخلاء وخبيث العملاء.

فبينما عبثت عقيدة الإرجاء بنصوص الشريعة تطويعاً ولياً لها موافقة لأهل الباطل، استسلم الخوارج لعبث الغزاة بعقولهم استسلاماً خبيثاً، فجاءوا بعقلية العمالة في ثوب الشريعة الخارجية، ولباس بسط الشرع –الاستعماري- إعمالاً للسيف في رقاب المسلمين، وسلامةً للغزاة المحتلين، وقد صدق فيهم –صلى الله عليه وسلم-:”إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَخْرُجُونَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ”.

في أفغانستان المجاهدة الصابرة المرابطة رفع الخوارج لشريعتهم الخاصة المرتبطة بالأجندات الغربية المشبوهة: لواء إقامة شريعة عبثت بها أيادي الغزاة، واستنسخوا لها ضباطاً بلحى طويلة، وعزيمة مدفوعة، وجَلد مشبوه، فصاغوا لأجلهم جيلاً مشوهاً غاية همه: تحطيم معاني العزة في الجيل، وطمس معالم أي مشروع إسلامي يقيم في الناس الكتاب والسنة، ويحفظ لهم بيضتهم، ويدافع عن شريعتهم.

فأعملوا السيف في العلماء والدعاة والمجاهدين، وقادوا الغزو المشبوه على المساجد والأسواق والفنادق، ورفعوا لذلك شعار إقامة الشريعة على طريقة ضباط المخابرات العالمية.

فأفغانستان التي طردت المحتل بعد جهاد مبارك استمر لأكثر من عشرين سنة، وصرحت بهويتها الإسلامية التي لا تقبل المداهنة على ثوابت الدين، وأقامت في الناس شريعة الرحمن، وقادت مرحلة تطهير من رجس دولة عميقة عبثت بعقائد وأعراف الناس، ولازالت تقاوم وتجاهد على هذا الثغر، باتت الآن مسرح عمليات الخوارج تحت ذريعة إقامة الشريعة التي وضع أصولها ضباط المخابرات العالمية، ودرَّس متونها قادة الخوارج للجيل المندفع، فارتقى في ميدان منازلة الخوارج على المسيرة المباركة قادةٌ عظام، وأئمة أعلام، وباتت المسيرة التي سلمت منها جيوش الغزاة من الأمريكان وحلف شمال الأطلسي، أمام استحقاق مواجهةٍ أكثر خسة ونفاقا من الغزو الغربي الصريح للبلاد، أمام كذبة الخرافة والوهم والسخافة، والتجييش المشبوه لحرف بوصلة الجهاد المبارك لتعمل الأسلحة في دماء المسلمين من القادة المجاهدين.

 

حدد الخوارج وجهتهم في أراضي الإمارة، وتعاهدوا –غدراً صريحاً- أن ينحصر جهادهم المشبوه في خطة واضحة أبرز معالمها:

  1. الخلاص من قادة الإمارة الإسلامية، وتعطيل عجلة النهوض التي تقودها الإمارة الإسلامية، من خلال: بث الخوف في نفوس الناس، وإشاعة حالة من عدم الأمن من خلال سلسلة تفجيرات لا تحمل إلا طابع التخريب الممنهج وإرعاب الناس.
  2. الاعتداء على المساجد وبيوت العبادة وتنفير الناس من الحالة الدينية، وإشاعة حالة من السخط في نفوس الأقليات من جهة، ونفس الشعب الأفغاني من جهة أخرى، لداعي غياب الأمن وعدم القدرة على أداء شعائر العبادة في المساجد.
  3. استهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية لإشاعة حالة من الاضطراب وغياب الأمن التام، وهشاشة العهود الدبلوماسية التي تقيمها الإمارة الإسلامية مع البعثات الدبلوماسية على أساس من تعامل الشريعة مع السفراء الوافدين، وغاية ذلك: إبقاء الإمارة الإسلامية في حالة مجالدة داخلية أشبه بانعدام الفوضى وعدم القدرة على بسط الأمن وبالتالي عدم استحقاق الاعتراف بها ككيان سياسي له خصوصية يجب احترامها والتعامل معها، وأن الاعتداء على أموالها المحتجزة ومقدراتها المختطفة هو اعتداء على دولة مستقلة يجب إدانته والعمل على رفعه بكل سبيل.
  4. تشويه الإمارة والتشكيك في قراراتها الشرعية لغرض تفريق الكلمة، وتجييش الشباب المسلم المندفع لمنابذتها ومعاداتها ومحاربة قادتها والتقرب بسفك دمها، وبالتالي: إضاعة جهود الرقي بالشعب الأفغاني، وصهره في أتون حرب داخلية تظهر بمظهر تصارع مكونات الشعب الأفغاني فيما يشبه الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر، ولاشك أن هذا له انعكاس سلبي على أطياف الشعب الأفغاني من جهة، ومن جهة أخرى محاولات إظهار عجز الإمارة عن القيام بمهمة قيادة المرحلة التحررية، ما يستدعي التنازل عن كثير من الثوابت موافقة للمنظومة الدولية الاحتلالية السالبة لإرادة الشعوب المسلمة..
  5. الاستهداف المباشر لقادة الإمارة الذين يمثلون تاريخاً ملهما للأجيال وحاضراً أكثر إيلاما للغزاة، لأن مجرد وجودهم يمثل إعلانا متجددا لهزيمة هبل العصر أمريكا

فكانوا ولازالوا مادة الاستهداف على أجندات المخابرات العالمية ينفذها عملاء التواصل بلباس الخارجية المعاصرة.

فنالت أياديهم الآثمة الشهيد الملا محمد داوود مزمل -أحد القادة الذين أذاقوا الأمريكان وحلف شمال الأطلسي بأس عباد الله المجاهدين في السنوات العشرين الماضية- وسارعوا بتبني الاستهداف والتفاخر به على منصاتهم المشبوهة.

استهداف جاء رضاء لشرعة الكفر ومسارعة في المنظومة الغربية الكافرة، وإن ألبسوا أعمالهم لباس الشرع، والشرع منها براء.

فالإمارة الإسلامية التي يحاربونها لدعوى وجوب تحكيم الشريعة، قد دعت الناس لها من غير مواربة، وتحملت لصريح دعوتها معاداة الغرب الكافر، فحوصرت وصودرت أموالها وساوموها على الاعتراف والتمثيل الدبلوماسي لغرض زعزعة عزمها تحكيم الشريعة الاسلامية، وإنه ورغم التصريح الذي لا يحمل لبساً قاتلهم عملاء الغرب بلباس الحرورية على شريعة غير شريعة الإسلام، وإنما شريعة العم سام، وجندوا لها أغماراً من الشباب العاطفي المندفع، ولبسوا عليهم عمومات غير منضبطة، وإطلاقات غير مقيدة بالفهم الصحيح، حتى صاروا مطايا الاستعمار لكن بلحية طويلة وعزم خارجي مذموم.

 

الإمارة الإسلامية أمام استحقاق مجاهدة جديدة، تبدأ:

  1. بوجوب توعية الشباب المغرر بهم.
  2. وتكثيف الخطاب الدعوي المُفْهِم.
  3. ومحاصرة رؤوس الشر والانتهاء من فتنتهم.
  4. والضرب بيد من حديد على غارات الغزو الغربي بلباس الحرورية القبيح.

وهي لها –بإذن الله تعالى– فالدعوة التي خضبتها مسيرة الدم ثباتاً من غير تبديل لن يهزها مكر الخارجية العميل، وغداً تعلو راية الإمارة الإسلامية عزةً وثباتاً لتؤدي دورها على أحسن ما يكون.

حفظ الله الإمارة الإسلامية وقادتها وجندها، وكبت الله عدوها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى