عمل المرأة في الإسلام
المهندس فراس أبو حمدان
كما هو معلوم أن الإسلام أسقط عن المرأة – لأجل الخروج – واجبات أوجبها على الرجل، ومن تلك الواجبات صلاة الجماعة وصلاة الجمعة، فأسقط عنها الخروج، وبين أن صلاة المرأة تكون في بيتها، فهو خير لها. عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)، ولكن الإسلام مع ذلك لم يحرم خروجها إلى الصلاة بل أجاز لها ذلك، ونهى الرجل أن يمنع نساءه الخروج إلى المسجد إذا استأذنّه بشرط أن يخرجن بالحجاب الشرعي غير متطيبات ولا متعطرات حتى لا يَفتن ولا يُفتن، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها). ولما رأت عائشة ما أحدث النساء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل).
لذلك فإن موضوع عمل المرأة من أهم الأمور التي يجب الإسراع في ضبطها شرعا لتسيير أمور المجتمع، وحتى لا تتعطل مصالح كثيرة، سواء اجتماعيا أو فيما يخص حق المرأة في العمل، أو إعانة زوجها أو أهلها.
وهذه الأمور ورد فيها ما يبينها في السيرة بل حتى في القرآن، فقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: (قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير). (القصص: 23). وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
عمل المرأة خارج المنزل قسمان:
- أعمال تمس فيها الحاجة إلى المرأة: كالتوليد والتطبيب للنساء، وكتعليم النساء في مدارس خاصة لهن، فمثل هذه المرافق ينبغي للأمة أن تهيئ لها طائفة من النساء تسد حاجة المجتمع وتقوم بمتطلباته، فكما أن الأمة يجب أن توفر من يقوم بفروض الكفايات – كالجهاد والدفاع عن الحمى –، فإن هذه الأمور النسائية من أهم فروض الكفايات التي يجب أن توفر من يقوم بها ممن لهن القدرة على ذلك من النساء.
- أعمال يقوم بها الرجال، ولا تتوقف الحاجة فيها إلى النساء: كالزراعة والصناعة والتجارة، فهذه الأعمال يجوز أن تزاول المرأة فيها أعمالاً حسب ضرورتها ومقدرتها وإمكانيتها، ولكن بشروط سيأتي ذكرها لاحقاً.
فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل. وقبول الرجل في بعض أعمال المرأة يكون مـن بـاب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة. فعمل المرأة الذي يختص بأمور النساء فقط أو تأدية الأعمال التي تخص النساء يجب أن توفر هذه الفرص للنساء فقط، ولا تختلط النساء إلا بنساء يقمن بأعمالهن أو ينجزن حاجتهن.
فالشريعة الإسلامية – كقاعدة عامة – لا تمنع أحد من العمل والتكسب، ولكنها تضع الحدود، والضوابط التي تلائم، وتفيد المجتمع وأفراده.
وحيث إن المجتمع الإسلامي والمرأة المسلمة قد تحتاج إلى عمل المرأة ببعض الأعمال، والمهام على سبيل الضرورة كأن تعمل معلمة لتعليم بنات جنسها، وطبيبة لمعالجة وتطبيب الإناث، أو أن تعمل بأي عمل يفيد المجتمع وبنات جنسها مع مراعاة الضوابط الشرعية والتي من أهمها:
1 – ألا يكون لعمل المرأة تأثيرا سلبيا على حياتها العائلية:
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
ذلك أن المرأة راعية لبيتها، ولأولادها وإن عملها خارج بيتها فيه مضيعة للأولاد، وتقصير لحق الزوج، لذلك فإن عملها محرم للفساد الذي ينتجه من خلال عمل المرأة خارج بيتها.
قال الشيخ ابن باز عليه رحمة الله: ( أن عمل المرأة بعيدا عن الرجال، وكان فيه مضيعة للأولاد، وتقصير بحق الزوج من غير اضطرار شرعي لذلك يكون محرما، لأن ذلك خروج عن الوظيفة الطبيعية، وتعطيل للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها، مما ينتج عنه سوء بناء الأجيال، وتفكك عرى الأسرة التي تقوم على التعاون، والتكافل .
2 – ألا تعمل عملاً فيه محذور شرعي، كالاختلاط والخلوة:
لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59).
عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه، وسلم أن نخرجهن في الفطر، والأضحى العواتق، والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها.
فالرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر جميع المسلمات أن تلبس الحجاب إن أردن الخروج، وعند عدمه لا يمكنها أن تخرج.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو، قال الحمو الموت).
عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ لَا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ومَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، ولَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوةِ كَذَا وكَذَا. قَالَ: (انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ).
3 – ألا يؤثر عملها على عمل الرجال:
كأن تكون سببا في قطع رزقه، فالمرأة قد تقبل أن تعمل بأجر زهيد على عكس الرجل الذي يعيش هو، ومن تحت جناحيه من هذا العمل، مما يؤدي إلى انتشار البطالة، وتفاقمها في صفوف الرجال.
لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء). سورة النساء الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).
4 – أن يتوافق عملها، وطبيعتها الأنثوية:
فقد أثبتت الدراسات الطبية أن كيان المرأة النفسي، والجسدي الذي خلقه الله تعالى على هيئة تخالف تكوين الرجل، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفتها الأمومة ملائمة كاملة، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة، وسيدة بيت، وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها، وأسرتها نتائج فادحة في كل مجال.
يقول تقرير الصحة العالمية: أن كل طفل مولود يحتاج إلى رعاية أمه المتواصلة لمدة ثلاث سنوات على الأقل. وأن فقدان هذه الغاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لدى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العنف المنتشر بصورة مريعة في المجتمعات الغربية وطالبت هذه الهيئة الموقرة بتفريغ المرأة للمنزل، وطلبت من جميع حكومات العالم أن تفرغ المرأة، وتدفع لها راتبا شهريا إذا لم يكن لها من يعولها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها.
وقد أثبتت الدراسات الطبية، والنفسية أن المحاضن، وروضات الأطفال لا تستطيع القيام بدور الأم في التربية ولا في إعطاء الطفل الحنان الدافق الذي تغذيه به.
ويجب أن تراعي الإمارة الأمور التالية:
- أن لا تلزم المرأة العجوز التي لا تستطيع العمل، والطفلة الصغيرة التي لم تصل إلى سن العمل، والطالبة التي لم تتأهل للعمل بعد، فليست كل النساء قادرات على العمل في الوظائف الحكومية.وهذا يلزم الإمارة توفير راتب يكفيهن حاجتهن.
- أنه حتى المرأة المؤهلة للعمل لا تستطيع العمل بشكل تام كل الأيام، بل إنه يعتريها ما يعتريها من العوارض كالحيض والنفاس والحمل والولادة والإرضاع وغيرها من الأمور التي تعطل مسيرة العمل، فبالتالي لا يمكن لها العمل بشكل تام كالرجل، وبالتالي على الإمارة اعطاؤهن إجازة كاملة بما يتناسب مع الحمل والولادة والرضاعة.
- أن تتناسب أوضاع العمل بحيث لا يعطل المرأة العاملة عن عملها الأهم في بيتها الذي، لا يستطيع القيام به على الوجه الأتم غيرها.
- علينا أن نوجد أعمالاً ذات ثمار عظيمة، وجهد أقل، وأكثر مناسبة للمرأة، ومن ذلك: العمل التطوعي الخيري النسائي كالدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم، فهي من الأمور التي تشغل وقت المرأة وتؤدي ثماراً عظيمة إضافة إلى انتفاء الضرر الديني والأخلاقي.
- أن توفر الإمارة في مكان العمل الوضع الذي يصون شرفها وعفتها، وتزداد فيه علما بدورها الرئيسي كمسلمة عليها دورا أعظم خصها الله به وهو تربية أولادها وإعداد الأسرة المسلمة التقنية النقية العفيفة.
وختاما تم نقله على عجالة، والمكتبة الإسلامية غنية بهذه الأمور بتفصيل أعظم.
____________
تم الاستفادة في محتوى هذه المقالة من:
عمل المرأة المسلمة – الدكتور مسلم اليوسف زيد – موقع صيد الفوائد.
عمل المـرأة.. حقيقته وضوابط – إسلام أون لاين.
ضوابط عمل المرأة في الإسلام – أبو زيد – موقع صيد الفوائد.