مقالات الأعداد السابقة

عن أفغانستان الحديثة وعن رجالها الجدد

صادق رحمتى

 

لقد تغير حال أفغانستان هذه الأیام وتحول کليا عما كان عليه قبل سنوات؛ في الحكم والسياسة، في الأمل والعمل، في التطلع والطموح. كثر فيها المسارعة إلى الخيرات والحسنات، والإرتقاء نحو المعالي والقمم، والعفو عن الزلات، وانبعثت فيها الإيجابية تلو الإيجابية، واجتمع فيها الحكام والرعية تحت لواء الشريعة الغراء، لا فرق بينهم، كلهم يعملون لله، يشد بعضهم بعضا، لا يعملون عبثا، ولا يلهثون وراء الشهوة والشهرة، وليس لديهم غضب أعمى، ولا حب أعمى، وهم بعيدون كل البعد عن التكبر والخيلاء، ويموج فيهم البِشر والإخاء والوفاء والمحبة والمبادرة، لا يلتفتون في حكمهم إلى شيء سوى إلى ما أمرهم به ربهم، ولا يستمسكون بالحياة جبنا ولا حرصا، وإنما ليرتفعوا بأنفسهم عليها، مبتعدين عن قشور الحياة المزيفة، يعملون عن روية، ويستغلون كل فرصة لیصنعوا جيلاً مؤمناً صالحاً مقداماً في كل شيء، صابرا مصابرا مرابطا، أنفسهم مطمئنة هادئة مستريحة مفعمة بالآمال والسعادة وليست مضطربة مبتلاة بالأطماع والشهوات، يقلّبون الأمور ويتحرون أفضل الطرق في مسيرهم وأسرع السبل في مهامهم، نزّاعين إلى السبق في مختلف الأصعدة، مترفّعين عن الضعف والهوان، ويرمون لأبعد مدى في كل خططهم، فلا يألون جهدا إلى غاية الطاقة ومبلغ القدرة. هذا هو السّر في نجاحهم، وعنوان توفيقهم، وقد أكسبهم الجهاد والكفاح حكمة وحنكة، غير أنهم بشر، غير معصومين، لهم زلات وعثرات في عالم البشرية.

لبست أفغانستان اليوم لباسا جديداً بعد أن تولت الإمارة الإسلامية حكمها من جديد، فلم يمض وقت طويل، حتى تطُهّرت من الهرج والمرج، وتنزّهت عن الأنجاس والأرجاس، وخلعت عباءة الظلم والفوضی، ونفضت عنها فصائل السياسيين اللصوص، ولم يبقَ مكان للظلم والعدوان والاختلاس والاحتيال والسرقة والنهب والتطاول، وتهاوت أوكار التخويف والتطرف والتهريب.

هذه أفغانستان قد توشحت بالنقاء، فلابد أن يُنظر إليها بأعين نقية عن التحيز والادعاءات الباطلة والزور والبهتان، وذلك يحتاج إلى فهم جديد، وشعور جديد، وأن يؤخذ كل شيء من مصدره. فحانت الإلتفاتة إلى أفغانستان الحديثة، التي سيكون لها دوراً إيجابياً في الأحداث العالمية، وحُقّ لها ذلك، لأنها تمتلك قيما وثوابت قلما نجدها في غيرها، وتمتلك مقومات ربما يفتقدها غيرها.

لقد فشلت وسائل الإعلام المختلفة في العقدين الأخيرين، في تصوير الإمارة الإسلامية على أنها فرقة متطرفة متخلفة معادية لكل شيء يحدث في العالم. وحتى بعد عامين من حكمها الجديد، استمرت تلك الحملة الإعلامية المزورة، لكن محاولاتها تلك عادت بالفشل، وخابت آمالها. لم يكن العالم ليتصور قدرة الإمارة الإسلامية على تجاوز أزمات وصعاب كثيرة واجهتها مع بداية حكمها للبلاد، بادئة فصلا جديدا رائعا في تاريخها العظيم، ومسارها الحق المبين.

ولن ننسى أبدأ أنه حينما دخل الرجال الجدد؛ رجال الإمارة الإسلامية كابول عاصمة البلاد، وسيطروا عليها، أرجف كثير من الناس وزعموا أن هولاء قوم حاقدون سيجعلهم الحقد يُعمِلون السيف فيهم، وأنهم غلاظ الأكباد لا سبيل للرحمة في قلوبهم، وسيتعاملون معهم معاملة القصابين لضحيتهم، وأن النساء لسن عندهم بشيء، وأنهم لا عهد لهم ولا وفاء! ولكنهم بعدما عرفوهم عن قرب، ورأوا معاملتهم الحسنة، وسلوكهم الطيب، عرفوا كُنه الحقيقة التي ظلت في منأى عنهم، محجوبة وراء ستار حديدي طوال العقدين الأخيرين، وعرفوا أنهم حُبسوا في بؤرة الدجل والوهم، وأدركوا عين الحقيقة التي أخفيت عنهم طوال هذه المدة المديدة.

كل هذا كان بفعل دعایة الإعلام ضد الإمارة الإسلامية على مدى عقدين من الزمن. وحتى زمن حكمها الأول لم تكن وسائل الإعلام كوسائله اليوم، وكانت الإمارة الإسلامية آنذاك في بداية تأسيسها، فلم يكن لديها تجارب في هذا الإطار، وإن كان؛ فكان ضئيل نظرا لقلة وجود وسائل الإعلام في تلك الفترة، لاسيما تلك التى تتعلق بالتواصل الاجتماعي، والتي توجد اليوم بشكل هائل في أيدي الكبير والصغير.

ولا يزال الإعلام المعادي يسعى لمهامه، ولكن بأشكال جديدة، وأساليب حديثة، لابد لنا أن نعرفها ونكافحها.

 

تسير أفغانستان اليوم نحو الصعود فلابد للعالم، بما فيه الدول والشعوب والمذاهب والتيارات أيما كانت في الأفكار والسياسة، أن يتغير تجاه أفغانستان وحكومتها وشعبها، ومصيرها ومسارها، وأن يحترم قيمها وثوابتها، متخذا موقفا إيجابيا إخائيا، بعيداً عن المكائد والمؤامرات، مبنياً على التعاون والتفاهم والاحترام.

إن أفغانستان اليوم تدعو الجميع إلى ساحتها ليروها عن كثب دون ستار، ودون شاشات، ودون أن تقف وسائل الإعلام المختلفة حاجزا لذلك، بعيداً عن كل الأكاذيب التي يتداولها الإعلام بين الناس زورا وبهتانا. وقد زار أفغانستان في هذه المدة الكثيرون، بما فيهم السياسيون والعلماء وذوو الوجاهة من مختلف أنحاء العالم، واعترفوا بانهزام وسائل الإعلام الكاذبة الخادعة في مهمتها وفشلها في غايتها.

تدعو الإمارة الإسلامية الجميع أن يروا أرضها وجبالها وتلالها وسحرها وجمالها وبهاءها، ليخرجوا من أسر الدعايات الخلقة المندفعة من وسائل الإعلام المضللة، وليفيقوا من سكرة النوم إلى اليقظة، وليروا دون أي ستار حقيقة الجمال والشعاع الذَين أضاءا الوجوه والقلوب جميعا.

كما تنادي الإمارة الشعوب لينزلوا بسهولها وصحاریها، ولیحلوا بمدنها وقراها، ليروا هذه الأرض الأبية التي نهضت من تحت الأنقاض شامخة، ودحرت الأعداء الألداء الظلمة الذين تنفسّوا في أجوائها، واستنفعوا من أنوارها ونسماتها، ثم ضربوها بأشد ما في أيديهم ضربا مبرحا مميتا، والتي أسقطت أقنعة مدّعي الصداقة من أبنائها، الذين اندمجوا في جلود الأعداء، فضربوها ضربة أشد مما ضربه أولئك، فأكملوا بسيفهم وخيانتهم ما عجزت عنه حملة الأعداء.

إن من لديه بقية إنصاف سيرى أفغانستان نابضة حية متطلّعة نحو الأمام، وسيرى فيها نمطاً جديداً من الحياة يختلف اختلافا كليا عما تصفه وسائل الإعلام المختلفة؛ تلاعبا بأفكارهم وضمائرهم، بتضخيم المثالب، وإغفال المحاسن، وقلب الوقائع، وتحريف الحقائق، تجاه أفغانستان.

ومن العجب العجاب أن بعض الصحف العريقة ذات الصيت في العالم، والتي توزع على صعيد واسع؛ تنقل أخبار أفغانستان بين فترة وأخرى ممتلئة زورا وكذبا! ويبدو أن مسؤولي هذه الصحف، لا يعتنون بصحة الأخبار ودقتها، ولايهمهم ذلك، بل ربما يكفيهم أن تطبع وتوزع على نطاق واسع فقط، وليست وسائل الإعلام الأخرى أحسن حالا منها.

 

هاهي أفغانستان وإمارتها الإسلامية التي تتنفس نسائم عامها الثالث من ربيع حياتها؛ مطمئنة شامخة داعية الجميع إلى السلم والتعاون، ضمن الاحترام المتبادل. ولا یمکن اختزال جهود الإمارة الإسلامية ودورها في أفغانستان الحديثة، بل إنه لولا الله ثم الإمارة الإسلامية لكانت أفغانستان اليوم مرکزا للفکر الغربي وملجأ للثقافة الغربية المدمِرة، ولم يكن في أفغانستان صبغة إسلامية ولم يبق للإسلام أثر في البلاد، ولکن الله رحم أفغانستان وشعبها بإنقاذها من مخالب الغرب الغاشم وأذياله.

اللهم بارك في أفغانستان حاضرة ومقبلة، واحفظها وجميع مسؤوليها من كل مكروه، وأدم أمنها واستقرارها مادام الليل والنهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى