غزة الآساد
غزة الآساد
المقبور رابین قال مرّة: أتمنی أن أستیقظ یوماً وقد غمر البحر غزة واختفت! فالصهاینة یعلمون تماماً أنّ شرارة العزّ ستخرج من غزّة، ولذا یتمنون أن تغرق في البحر، ولكنّ الله سینصر غزّة وأهلها ومجاهدیها البواسل.
يعلن نتنياهو الحرب الثالثة على قطاع غزة، لكنها ستفشل كما الأولى والثانية، فغزة لن تستسلم وسترد بما تيسر لديها من سلاح بعد غياب التنسيق الأمني عن القطاع، بينما سيكون همُّ عباس وسلطته هي منع الاحتجاجات المتضامنة مع أهالي القطاع. وقد وُفقت كتائب القسام إذ أطلقت على الحرب الجديدة مسمى “انتفاضة القدس”، لربطها بالقضية الأساسية.
وكما أننا واثقون بأن غزة لن تستسلم، وستقاوم بلحمها الحي غطرسة العدو، فنحن واثقون أيضا، أن الانتفاضة الشعبية الشاملة هي قدر الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. الجزم بتطور ما يجري حالياً أو انتظار جولة أخرى جديدة، يبدو صعبا في ظل الظروف الراهنة، لكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وسينفض الشعب غبار الذل، وينتفض في مواجهة المحتل، وفي مواجهة سلطته الخادمة له في آن واحد.
غــزة التــي خاضــت وحيــدة معركتي (٢٠٠٨ و ٢٠١٢م)، يمكنهــا أيضــا أن تواجــه هــذه المعركة الجديــدة فــي (2014)، بــل هي الآن أقــدر من ذي قبــل على الصمــود وتحقيق النصر، وفرض شــروط الشعب الفلسطيني على حكومة الاحتلال. ربما تعمل المقاومة في هذه المعركة الإجبارية على تحرير قطاع غزة مــن الحصار، ومن حالة العســرة التــي فرضتها أطراف عديدة على غزة، تحت مسمى أن المقاومة في غــزة فقدت أوراقها العربيــة، والإقليمية، وأن حماس الآن باتت خارج الحكومة.
وكالعادة اختارت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين، لإظهار «قوة ردعها» فتضرب مناطق مدنية خلال هجماتها، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
وفي أول يومين من الحرب شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على منزل لعائلة «كوارع» في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مخلفة سبعة شهداء، بينهم ثلاثة أطفال صغار أعمارهم أقل من خمس سنوات، لتقوم في ساعات الليل بشن غارة مماثلة على منزل لعائلة القائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، حافظ حمد في بيت حانون شمال القطاع، وأسفرت عن سقوط ستة شهداء، فقتل حمد وشقيقاه وثلاثة من نساء المنزل، قبل أن تكرر المشهد في مخيم المغازي وفي مدينة خان يونس من جديد، بقتلها أطفال وأمهاتهم في غارات تستهدف المنازل.
وتثير أصوات الانفجارات الضخمة الناجمة عن أصوات الصواريخ التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية، علاوة على أصوات هدير الطائرات في الجو، الخوف والريبة في صفوف السكان، لا سيما الأطفال منهم.
منذ نشأة القضية الفلسطينية كان وما زال قطاع غزة أرض رباط، كانت وما زالت سماء غزة فضاءً لأرواح الشهداء وفي حالة ارتقاء من الأرض إلى السماء لا تنتهي.
منذ نشأة قضية شعب فلسطين كان قطاع غزة حاضنة للمهجّرين والمنكوبين من عمق فلسطين، صار القطاع عنواناً لفلسطين وقضية شعبها ومقاومته.
نتيجة العدوان الحالي على غزة معروفة سلفًا، وهي النتيجة ذاتها التي تتكرر منذ عام النكبة حتى يومنا هذا عدوانًا بعد عدوان وجولة بعد جولة. بعد كل مواجهة تعود فلسطين وقضيتها إلى المربع الأول، تتجدد نكبة فلسطين مع شروق ومغيب شمس كل يوم، ويتجدد الإصرار على إعادة الحق لأصحابه.
قطاع غزة يقول في لغته الخاصة التي لا يفهمها صديق ولا شقيق ولا عدو، لا يفهمها إستراتيجي ولا تكتيكي، لا مدني ولا عسكري، القطاع يقول إنه لن يركع حتى لو ركع العالم كله للصهيونية وأطماعها وابتزازها وعربدتها بما في ذلك دول عظمى عالمية وإقليمية، لم يركع من قبل ولن يركع الآن ولا من بعد، لأنه عصارة ألم وأمل وتجربة شعب فلسطين، لأنه ما من سلاح إلا وتمت تجربته في صدر القطاع، إلى أن صار الموت أليفًا، فما الذي يمكن أن يفعله العدوان أكثر من القتل، وماذا يضير الشهداء أن يستشهدوا مرّات ومرّات، فقط في غزة يستشهد الناس أكثر من مرة بل مرات ومرات.
مساحة قطاع غزة ثلاثمائة وستون كيلو مترًا(360)، عرضه من خمس (5) إلى ثمانية عشر كيلو مترا(18)، يشكل أقل من واحد ونصف في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، ويساوي صفرًا من مساحة العالم العربي ذي الثلاثة عشر مليون كيلو متر مربع ويساوي صفرين من مساحة سوريا وثلاثة أصفار من مساحة مصر، هذه المساحة في كل الحسابات العسكرية هي قضية منتهية ومحسومة خصوصًا أمام من يملك أحدث وأشد التكنولوجيا تقدمًا وقدرة على الرصد والتنفيذ والفعالية، هي في المعادلة العسكرية منتهية فما بالك وهي محاصرة لا ظهير لها ومحرومة من المدد حتى قبل بدء هذا العدوان، فالعدوان مستمر أبدًا ولم يتوقف يومًا منذ عقود!
جريمة غزة أنها فضحت العهر وأسقطت الأقنعة. جريمتها هي مقولتها غير القابلة للتفاوض بأننا قادرون رغم كل شيء، جريمتها أنها تقول، «إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا».
یقول أحد المفكرین: ( دماء غزة لم تسل لأجل سلطان أو كرسي سلطة حقير، فقادة المقاومة هم أول المستهدفين في بيوتهم وأملاكهم وأرواحهم وقوافل الشهداء تشهد، يرحلون بلا رتب عسكرية ولا نياشين، لا يحملون رتب الجنرال أوالمشير أو العميد أو العقيد ولكنهم صادقون، وهذا يكفي لعناق تراب الوطن ولقاء الله بقلب سليم.
لا أحد يستطيع أن يزاود أو يدعي بأنهم قادة مثل غيرهم، يدمّرون البلاد لأجل الكراسي، لأجل الحكم وملذاته، غزة ليست مثلهم، لا حكم ولا ملذات ولا توريث، لا طائفية، لاعشائرية ولا إقليمية، غزة هي قلب العروبة والإسلام والإنسانية متجلية بأرقى صور العزة والكرامة، منذ كان جمال عبد الناصر ومقاومة العدوان، ثم منظمة التحرير الفلسطينية، والمقاومة الفردية والمنظمة، ثم الإنتفاضات المتكررة، منتفضة أبدًا يا غزة، وقوافل الشهداء تترى، هي كذلك منذ كان من هم أعتى من نتياهو ويعالون بعقود، وبقيت غزة التي لن يبتلعها البحر، مهما حاول الأعداء والأشقاء والأخوة. ستبقين يا غزة مهما طال ليل الظلم والظلام، مهما عبسوا ومهما أحبطوا وأثبطوا وتآمروا وحاصروا، ستبقين غــــرزة في عيونهم، ستبقين منارة في ليل العرب الطويل رغم شحة الوقود، ستبقين يا غزة نفسًا نظيفًا رغم كل الملوثات والأوبئة في فضاء الوطن العربي الكبير.
ستبقين يا غزة رغم حصارك، أملا للقدس ورام الله، وأختا لحمص والفلوجة وغيرها من مدن عربية محاصرة وشهيدة بين المحيط والخليج، ستبقين ياغزة بنيانا مرصوصًا في مواجهة الجرف الحاقد كما واجهت حقد الرصاص المصبوب وما سبقه، ستكونين يا غزة هاوية للمعتدين وللمتخاذلين، يا قطاع الصمود والنضال والعطاء، أيها البنيان المرصوص).
فغزة تنادیكم … أین أنتم یا من تتنافسون علی بناء ناطحة سحاب وتفحیط السیارات الفارهة. مابالكم لا تقدمون لغزة سوی الكلام المعسول أو بیانات الشجب والمشاعر الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، تماماً كالزیارة الفولكلوریة لقندیل أمس.