مقالات الأعداد السابقة

فشلٌ جُرّبَ مرّتين

أبو عبدالله

 

الجمهورية نظام حكم متداول في عصرنا يطبل له الكثيرون، لكنها لم تتحقق عمليا في أي بلد من البلدان الإسلامية، بل كانت دائما وسيلة لتخدير الشعوب وتحميقها واستحمارها باسم الرأي والانتخاب والديموقراطية والدولة المدنية وحكم الشعب…

فكان القرار دائما بيد عصبة فاسدة من الجنرالات يحكمون حسب أهوائهم ورغباتهم، وكلما اعترض الشعب على الأوضاع الموجودة الفاسدة؛ بادر هؤلاء الجنرالات إلى قمعهم وأسكتوهم بحجة أنهم انتخبوا الدولة….

فالذي ينتخبه الجمهور في الأنظمة الجمهورية يرى نفسه فوق الدستور والقانون والجميع، وهو مخدوم وليس بخادم، وهو سائل وليس بمسؤول. هكذا خطط الغرب للجمهوريات في العالم الإسلامي، وهكذا كانت في أرض الواقع، ففي أكثر الأنظمة الجمهورية المعاصرة والتي خبرناها، لم نجد فيها كرامة للمواطن، فلا المال فيها مصون، ولا الدماء فيها محفوظة، ولا الأعراض فيها محظورة.

ثمّ الجمهوريات دائما كانت توفّر للقوى الكبرى فرصة التدخل والتلاعب بمصير البلاد الضعيفة، فأكثر البلاد الضعيفة ذات الحكم الجمهوري، لا تتمتع باستقلالية، بل تتلاعب القوى الكبرى بمصيرها السياسي  والثقافي والعسكري، كيف شاءت.

أما في أفغانستان فيمرّ نصفُ قرنٍ على الجمهورية، لكن منذ أن علتْ راية الجمهورية في هذا البلد لم يجد سكان أفغانستان خيرا ولا راحة ولا هدوءا، وصل الشيوعيون إلى الحكم رغم أنهم كانوا قلة قليلة، وشرذمة منبوذة -لكن هكذا طبيعة النظام الجمهوري يعلو فيه كل صوت وضيع-  فتعرضت البلاد لغزو السوفيات، واستمرت الحروب مدة طويلة. وبعد الانهيار السوفياتي، رضيت الجماعات السياسية بالحكم الجمهوري لكن لم يرضوه للشيوعيين، فسقطت دولة نجيب الشيوعية، لكن دخل خصومه أيضا في صراع بعضهم مع بعض، بحيث صارت المدن الكبرى -ولا سيما العاصمة- عرضة لحروب داخلية مدمرة دمرت كل شيء في البلاد.

فشلت الجمهورية من جديد ودخلت البلاد في نزاعات طائفية وقومية وقبائلية شرسة، وفقد الشعب أمنه وراحته، إلى أن ظهرت الإمارة الإسلامية، فرفعت راية التوحيد والوحدة، وكادت أن تكون بلسما لجراحات الشعب، حتى تعرضت لحرب شاملة غاشمة من قبل القوى الكبرى، فأبعدت الإمارة عن المدن، وحلت محلها الجمهورية مرة أخرى بقوة السلاح الأمريكي والغربي، والنظام الجمهوري الذي أتى به الأمريكيون وفرضوه على الشعب، ولا يزال الشعب الأفغاني يلعنونه ويسبونه بسبب كثرة مفاسده ومساوئه، وضعف قادته وفسادهم.

هكذ فشلت الجمهورية في أفغانستان مرتين فشلا ذريعا، فشلتْ مرّة قبل ظهور (طالبان) الإمارة الإسلامية، ومرّة بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، والسبب الرئيسي لفشل الجمهورية في أفغانستان هو ضعفُ قادتها وفسادهم وعمالتهم لجهات أجنبية، والتدخلات الأجنبية في شؤون البلاد.

فشلُ الجمهورية في أفغانستان جُرّب مرّتين، وقالت العرب قديماً: من جرّب المجرّب عقلُه مخرّب.

لذلك على الجميع في أفغانستان علماءً ونخباً أن يلتفّوا حول الإمارة الإسلامية، ولا يستجيبوا لدعوات الجمهورية التي ليست إلا دعوات إلى الخراب والدمار والبوار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى