مقالات الأعداد السابقة

فقدنا الأمير الباسل

بقلم: المولوي عماد

فوجئ العالم الإسلامي بشهادة أمیر المومنین، الملا أختر محمد منصور -رحمه الله تعالی-  بعد عمر قصیر من قيادته للإمارة الإسلامیة. كان الخبر محزناً ومؤلماً، ولكننا لا نقول إلا كما قال ربنا الرحمن: إنا لله وإنا إلیه راجعون.

ومن ثم أعلن الطغاة المتربعین في البیت الأبیض، أن الأمیر كان بالنسبة لهم حجر عثرة في طریق الصلح، فمكروا وخططوا لاغتیاله وقتله.

ما أسخف هذه العقلیة الردیئة، حیث تبحث عن الصلح والسلام في ركام القتل والاغتیال وإهراق دماء الأبریاء. بئست هذه العقلیة وبئست الرؤوس التي تحتويها.

وهنیئا لأمیرنا المحبوب، الشهادة والفوز برضوان الله تعالی، ونحسبه من أولئك الذين قال الله فيهم: (من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا الله علیه فمنهم من قضی نحبه ومنهم من ینتظر).

لقد خطّ -رحمه الله- بدمائه تاریخ الأمة الإسلامیة، كما یقول الدكتور الشهید عبدالله عزام رحمه الله: “إن الأبطال الحقیقیین هم الذین یخطون بدمائهم تاریخ أمتهم ویبنون بأجسادهم أمجاد عزتها الشامخة”.

لقد قدّم أمیرنا الشهید في قیادته القصیرة للإمارة الإسلامیة مآثر جلیلة لن ینساها التاریخ -إن شاء الله-، وإن استشهاده كشف الستار عن لعبة الصلح  التي تلعب بها الدولة العمیلة بإيعاز من سادتها المحتلین. والیوم بات واضحاً للجمیع أن دعایة الصلح ومحادثات السلام، ماهي إلا لإخفاء مظالم وجرائم الدولة العمیلة. وقد أثبتت حادثة استشهاد أمیر المؤمنین -رحمه الله- عجز العملاء، وأن أبناء الإمارة الإسلامیة مازالوا سائرین علی دربهم وثابتین علی الأصول والقیم والمبادئ.

ولكن هل كان أمیرالمؤمنین حجراً أمام طریق الصلح فعلاً؟ وهل استشهاده سیساعد الجانبین علی الوصول إلی الصلح؟

 إن الإمارة الإسلامیة بصفتها ممثلاً شرعیاً للوطن وللشعب، أعلنت مراراً أنها ترید الصلح ولكن تحت شروط ومبادئ، على رأسها: خروج قوات الاحتلال؛ لأنّ لتواجد القوات المحتلة في البلد مخاطر وأضرار لا تخفی علی الخبیر بطبیعة الغرب وفلسفته الحضاریة والثقافیة. وقد كان أمیرالمؤمنین الملا محمد عمر -رحمه الله- سائراً علی هذا الدرب وملحاً علی تطبیق هذا الشرط الأساسي والشروط الأخری. ولكن لأن في تحقیق هذا الشرط وبقية الشروط الأخرى تبديد لأطماع المحتلین واعتراف صارخ أمام العالم بفشلهم في أفغانستان، تعلل المحتلون في هذا المجال وأعلنوا كذباً وزوراً أن قیادة الإمارة الإسلامیة هي التي تقف حجر عثرة أمام نجاح مشروع الصلح. فظنّوا أن تغییر القیادة ربما یثمر تغییراً في الرؤی والأفكار. لذلك لما توفي مؤسس الإمارة الإسلامیة وتسلم أمیر المؤمنین الملا أختر محمد منصور -رحمه الله- دفة القيادة، بدأ الإعلام الغربي یتحدث عن البشائر في استقرار السلام في أفغانستان وفق إرادتهم، وعن تنازل القیادة الجدیدة عن شروط الحوار والسلام. ولكن الأمیر الجدید أعرب عن أمله في استقرار السلام في أفغانستان ولكن بعد انسحاب المحتلین من البلد. وأعلن أمیر المؤمنین الملا أختر منصور -رحمه الله- في رسالته بمناسبة عید الأضحی عام 1436هـ.ق. للشعب قائلا: “إن الإمارة الإسلامیة بجانب بقیة فعالیاتها تقوم بمساعي سیاسیة أیضاً. والمكتب السیاسي للإمارة الإسلامیة هو الجهة المختصة بمثل هذه الفعالیات منذ عدة سنوات، وقد منحناه صلاحیات الاتصال بالجهات المتعددة والتفاوض معها. إن المكتب السیاسي أوصل رسالة الإمارة الإسلامیة القائلة بأننا نرید العلاقات الحسنة والمشروعة مع دول الجوار والمنطقة والعالم، وخاصة الدول الإسلامیة”.

یقول المحلل الأفغاني وحید مژده: “إن الملا أختر منصور كان رجلاً ممتازاً؛ لأنه كان یحب الصلح والسلام. ومن ابتكاراته في هذا المجال، تأسیس المكتب السیاسي في الدوحة، لإجراء مفاوضات الصلح، وإنه كان رجلاً معتدلاً وكان ذا علاقات واسعة بالمجتمع الدولي”.

كان الأمیر جاداً في جهوده الحثیثة لإرساء قواعد الصلح في أفغانستان، كان مؤمناً بهذه الآیة القرآنیة: “والصلح خیر”، ولكن لم یكن ليرضى بصلح فیه اعتراف بشروط المحتلین. فكان في موقف القائد البطل الذي یسعی لتحقیق صلح جذري یمهد الطریق لتطبیق الشریعة الإسلامیة. وكان موفّقاً في جهوده وتقریب وجهات النظر للضغط علی أمریكا للانسحاب.

وهذا التوفیق والنجاح الباهر في المدة القصیرة من قیادته وإخلاصه في هذا المجال جعل المحتلین یأتمرون به ویخططون لاغتياله.

لاشك أن استشهاد أمیرالمؤمنین كان خطأ استراتیجیاً ارتكتبته أمریكا، وأنها بارتكاب هذه الجريمة النكراء كمن يسكب الزيت علی النار. فلا تزید النار إلا لهیباً. إن هذه الجريمة الشیطانیة أجهضت جمیع الجهود في الصلح، وكشفت الستار عن عدم جدية المحتلین في مفاوضات الصلح، وأثبتت أن استشهاد أمیر المؤمنین لم یزلزل أبناء الإمارة الإسلامیة، بل جعلهم أكثر عزماً وإصراراً علی تحقیق شروطهم.

ولیعلم المحتلون والعملاء الخونة أنهم باستشهاد أمیر المؤمنین حُرموا فرصة طیبة لإجراء مفاوضات الصلح. وأن تغییر القیادة في الإمارة الإسلامیة، لا یغیر الأصول والقیم والمواقف، وأن الأمیر الجدید، فضیلة الشیخ هبة الله آخوندزاده، لن یتنازل قید شبر عن مواقف سلفیه الصالحین.

نسأل الله التوفیق والسداد لأمیرنا الجدید. وننتظر بفارغ الصبر النصر القادم الذي یكرم به الله عباده المجاهدین المخلصین. وماذلك علی الله بعزیز.  ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظیم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى