
فلما تراءى الجمعان
علي فريد
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61].
قال أصحاب موسى: إنا لمُدركون
قال: كلا
(كلا)
(كلا)
(كلا)
إن معي ربي سيهدين
(سيهدين)
(سيهدين)
(سيهدين)
فأوحينا إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر
(اضرب)
(اضرب)
(اضرب)
فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم
(انفلق)
(انفلق)
(انفلق)
وأزلفنا ثَمَ الآخرين (أزلفنا)
(أزلفنا)
(أزلفنا)
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين
(أنجينا)
(أنجينا)
(أنجينا)
ثم أغرقنا الآخرين
(أغرقنا)
(أغرقنا)
(أغرقنا)
أليس هذا كلام ربنا؟!!
إن كنتم تصدقون أن هذا كلام ربنا، ثم تتقلبون في مستنقعات اليأس ومهاوي الإحباط.. فوالله ما صدقتموه حق تصديقه.. بل أردتم أن يعجل اللهُ بعجلة أحدكم.. فيعطيكم على غير استحقاق للعطاء !!
واللهُ ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته.. ثم أسبابٌ يوحي بها إلى عباده ؛ ليتخذوها مدارجَ للنصر ..
وأول الأسباب اليقين ..
انظروا إلى موسى عليه السلام حين قال له اليائسون: إنا لمدركون !!
والله لكأني أنظر إليه وقد انتفض جسده الشريف صارخاً فيهم: كلا كلا إن معي ربي سيهدين !!
يقينٌ تام وتوكلٌ كامل.. فلما رأى الله جل وعلا صدقَ يقين عبده موسى عليه السلام.. قال: (فأوحينا) ..
الله.. ما أسرع الفاء هنا وأقطعها وأجلها !!
بماذا أوحى؟!!
بالضرب بالعصا !!
وماذا تفعل العصا في البحر؟!!
لا تتفلسف ..
اضرب فقط.. افعل شيئاً.. لا تجلس في بيتك تندب حظك وتلعن زمنك وتتهم الآخرين بما فيك من عجز، ثم تُسلمهم وتُسلم نفسك لعدوك وعدوهم !!
وها هي (الفاء) مرة أخرى قاطعة سريعة (فانفلق).. لقد جاءت بعدما فعل موسى شيئاً.. بعدما حرك يده بالعصا.. بعدما لامست العصا صفحةَ الماء ..
كل شئ له سبب.. لن تتكئ على أريكتك ثم ينصرك الله.. ولن تستهين بسبب من الأسباب فتمنعك استهانتُك عن الأخذ به ثم ينصرك الله.. وما أهون العصا أمام البحر !!
بيد أن الله جل وعلا يريد أن يُعلمك أن النصر من عنده والعملَ من عندك !! فاعمل لتُعذر لا لتُنصر !! ..
ثم تأتي (الواو) بدل الفاء في (وأزلفنا ثَم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) ..
فلا داعي للسرعة هنا.. فقد صح يقين موسى أولاً، ثم اكتمل أخذه بالأسباب ثانياً (حتى لو كانت الأسباب تافهة في عرف اليائسين!!!)
فلتسر الأمور هينة لينة – بالواو وليس بالفاء – فقد اطمأن عباد الله بعد خوف، وتيقن بعضهم بعد شك، وصدقوا موعود الله بعدما رأوا بأعينهم أن النصر بالله لا بضربة عصا !!
فلما لم يبق سوى خروج موسى ومن معه من البحر، ودخول فرعون ومن معه فيه.. قال: (ثُم) أغرقنا الآخرين.. الترتيب مع التراخي بعد أن اكتمل النصر.. ونجا الآملون واليائسون معاً.. نجا المتيقنون والشاكون.. نجا الطائعون والعاصون !!
فلا يحقرن أحدُكُم سبباً مع يقين.. ولا يستعظمن سبباً دون يقين …
هذا مدار الأمر كله.. اليقين والعمل.. ولا نصر بدونهما !!
وقد يُنصر الناس بضعفائهم.. ويُمطرون ببهائمهم.. وتشتعل غابةٌ بعود.. وينهدم سَدٌ بفأر !!
فكن فأراً.. أو بهيمة.. أو عوداً.. أو ضعيفاً – إن أحببت – ولكن.. إياك ثم إياك أن تكون يائساً ..
مُت قبل أن تيأس ..
فإنك إن يئست كنتَ أحط من بهيمة، وأهون من عود، وأحقر من فأر !!