
فليتعظ الجبابرة من هزائم المحتلين في أفغانستان
بقلم: فضل الرحمن
إن الشعب الأفغاني بطل، شجاع، مقدام، أبَيَ، مؤمن، تغلغل حب الدين في قلوب أبنائه، واختلطت الحرية بدمائهم وجرت في عروقهم، حيث لا يعيشون بدون الإسلام؛ وإن الشعب الأفغاني يجمع بين الرجولة والإباء، والكرم والحياء، والترفع والوفاء، والشرف والسخاء يحب الشجاعة، ويعشق العلياء، ويكره الدنية،
ويمقت الاستخذاء؛ وإنه شعب يحب الجهاد والرباط والتمسك بالدين؛ وإنه شعب لم يعطِ الدنية في دينه، مشى على جراحه، وتحمّل لأواء الفقر والضناء والعناء، روَى أرضه بالدماء. ومن استخف من الأعداء بضعفه الاقتصادي والعسكري، واحتل بلده، فقد أوقع نفسه في مستنقع يصعب منه الخروج، وخابت ظنونه وخسر أمواله وانهزم في الحرب وواجه الفضائح، وطرده الشعب وأخرجه يجرَ أذيال الخيبة والندامة، ولقَنه درسا لن ينساه أبدا.
قد شهدت أفغانستان على مر التاريخ انتفاضات عديدة ضد المحتلين المتكبرين الذين كانت لهم قوة بارزة، وكانوا يُعتبرون أكبر الإمبراطوريات في زمنهم، لكن عندما وقع اصطدامهم بهذا الشعب ورفع الشعب الأسلحة ضدهم؛ ساءت أحوالهم، ووضع هذا الشعب نقطة النهاية لتواجدهم في هذا البلد، ولقنهم درسًا لن ينسوه، وها أنا أذكر أبرز تلك الانتفاضات وأشهرها:
■ احتلت بريطانيا الهند وكانت تعتبر درة التاج البريطاني، فخافت عليها من أطماع باتجاه أسيا الوسطى، لأن أفغانستان بموقعها الطبيعي تشكل البوابة الطبيعية لوصول الروس إلى الهند، ولذلك قررت بريطانيا احتلال أفغانستان لتحويلها إلى خندق أمامي دفاعا عن درة تاجها.
نظمت بريطانيا حملة عسكرية قوامها 58 ألف جندي واحتلت قندهار وكابل سنة 1839م، وما أن سيطرت علی البلد حتى جاءت بشاه شجاع (عميل بريطانيا) عن طريق كويتا ونصبته ملكا لأفغانستان.
أبى الشعب المسلم الاحتلال، ورفض أن يُفرض عليه الملك من قبل الإنجليز فانتفض الشعب ضد الملك العميل وقتلوه، ودارت المعارك الطاحنة بين الشعب والقوات الإنجليزية، فاضطرت للخروج وقررت الانسحاب 1842\1\6، إلی الهند عن طريق (جلال آباد). وفي طريق الانسحاب قتل جميع جنودهم وما نجا منهم إلا جندي واحد وهو (الدكتور برايدون) ليخبر قومه بما حدث معهم في الطريق. وأسر الغازي محمد أكبرخان (زعيم المقاومة) قائد الجيش البريطاني “لفنجسون” ومات في السجن معتقلا، وتحررت أفغانستان من الاحتلال الإنجليزي، وما استطاع الإنجليز أن يستعمروا أفغانستان رغم أنهم استعمروا الهند كلها لما يزيد علی قرنين.
■ القوات السوفيتية كانت من أعظم قوات العالم، واحتلت عشرات البلدان الإسلامية، حتى قيل عن جيشها: “الجيش الأحمر هو الجيش الذي لا يقهر”، فاغترت وقامت بالهجوم على أفغانستان، ودخلت قواتها أفغانستان في 24 ديسمبر\كانون الأول سنة 1979، فثار الشعب وانتفض وشارك في معارك وطيسة وحروب طاحنة، وبدأ الجهاد ضد القوات السوفييتية بالنفس والنفيس والغالي والرخيص، وفشل الروس في كسر شوكة المقاومة؛ فقرَر الاتحاد السوفيتي سحب قواته بعد عشر سنوات، حيث غادر آخر جندي روسي في 5\شباط\فبراير1989م الأراضي الأفغانية، لينتهي بذلك رسميا الاحتلال الروسي في أفغانستان.
قتل من القوات السوفياتية 14 ألفا، وأصيب 53 ألف عسكري روسي. وقُتل من الشعب ميلون ونصف مليون قتيل، وشرد أكثر من خمسة ملايين أفغاني، وفقا لبيانات الأمم المتحدة، وهاجروا إلى دول المجاورة وعاشوا ظروفا عصيبة.
لم يكن يتوقع أحد هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، والنتيجة العظيمة المباركة التي آل إليها الجهاد الأفغاني. ما كان أحد يصدق أبدا أن الشعب سيقف أمام الروس سبعة أيام، وإذا به يصمد لعشر سنوات إلى أن أذلَ الله على يديه الجيش الأحمر، وكان انهزام الروس هزيمة انتشرت تداعياتها في أنحاء المجتمع السوفيتي ومؤسساته السياسية وساهمت بدرجة كبيرة في تفكيك الإمبراطورية السوفيتية.
■ وبعد الروس، هاجمت أمريكا أفغانستان وخاضت في الصراع مع الأفغان، واستدرج الرئيس الأمريكي (مع قوات أمريكا) قوات أربعين دولة من أعضاء الناتو وغيرهم من حلفاء واشنطن تقريبا، وأدت إلى إسقاط النظام الإسلامي.
ثار الشعب وضحى بالدماء تحت قيادة الإمارة الإسلامية وامتدت الحرب عشرين سنة، وشارك في معارك لا هدأة لها، وقتل مئات الآلاف من الشعب، لكن أخيرا بفضل الله وعونه انتصر الشعب، واستطاع أن يهزم أمريكا، فاضطرت أمريكا إلى اتفاق سلام في الدوحة، وقررت سحب القوات وتخلية أفغانستان خلال 14 شهر، وكان يبلغ عدد القوات الأمريكية وحلفائها 140 ألف جندي مدعومين بأحدث الأسلحة والموارد المالية غير المحدودة.
وكلفت الولايات المتحدة -وفقا للأرقام الرسمية لوزارة الدفاع الأمريكية- نحو ترليون دولار. وإلى جانب ذلك تكبدت خسائر بشرية أمريكية، حيث قتل 2439 جندي وأصيب 20500 آخرون، وكذا تسببت في مقتل عشرات الألاف الآخرين من القوات العميلة الموالية لأمريكا.
فالقتال ضد أمريكا من الانتفاضات العظيمة التي هب فيها الشعب المسلم الأفغاني للجهاد، فحيرت هزيمة أمريكا العالم، كما نفخت هذه المقاومة والثبات على دين الله من قبل الشعب الفقير ضد الدول الكفرية والأمم المتحدة؛ نفخت في المسليمن روح اليقظة والنشاط وأيقظتهم من سبات عميق.
فليعرف العالم أن أفغانستان بلد الأحرار، ووطن الأبطال، ومقر المجاهدين، ودار العلماء االعاملين؛ وأنّ الشعب الأفغاني لا ينحني لغير الله، ولا يخضع لأعداء الدين، ولا يطأطئ رأسه أمام الظلمة والجبابرة؛ وأن الشعب يحرَر بلده مهما كلفه من التضحيات والأشلاء والجماجم. لكن العالم لا يعرف ما يتمتّع به هذا الشعب من عزيمة وإرادة قوية لإسقاط الإمبراطوريات وطرد المحتلين وإلحاق الهزائم بالجبابرة، لذا تتسابق القوات العالمية في احتلال بلاده لموقعها الاستتراتيجي، فيتعثر فيه ويتورط ويغدو تائها يفقد طريق الخروج.
وليعرف العالم أنّ الشعب مهما حدث له من الأحداث العظيمة الخطيرة يريد النظام الإسلامي والاستقلال، فهؤلاء المحتلون قد ارتكبوا بحق الشعب الأفغاني الأبي جرائم شنيعة، وفجائع كبيرة، ومجازر إنسانية أليمة؛ وقاموا بسفك دماء الأبرياء وهتك الأعراض المصونة والاستخفاف بالمقدسات الدينية، وبالأخلاق الإسلامية النبيلة، لكنهم فشلوا وخابوا في تحقيق أهدافهم، وسالت دماء المحتلين سدى، وهذه حقيقة يعترف بها من له أدنى معرفة بالتاريخ ولا ينكرها إلا مكابر.