
في متاهات الهروب !
المعركة بين الحق والباطل وبين حزب الرحمن وحزب الشيطان معركة قديمة حتى سبقت هذه الحياة البشرية على الأرض فالحرب لا تهدأ مادام هناك حق وباطل وخير وشر وما دام الشيطان يحثّ أعوانه على إطفاء نور الله ومقاتلة المؤمنين ولما كانت الحرب بلاء الإنسانية وفيها تسيل الدماء وتزهق النفوس وتواجه الشدائد والمكاره فعلى المؤمن ان يدرّب نفسه على الصبر في الشدائد والمحن والمؤمن المجاهد لا ينفد صبره على طول المجاهدة وإن حاول الأعداء أن ينفد صبره بل يظل اصبر من أعدائه وأقوى منهم في تحمل المصائب والمشاق ولقد أثنى الله على الصابرين وارشد المؤمنين الى طريق السلامة من شر الكفار وكيد الأشرار بالصبر والثبات والجهاد في سبيل الله ليس مجرد اندفاع إلى ميدان القتال ولا حماسة في موقع الشدة ولا إقدام في المعركة فحسب ولكنه الكفاح الدائم الذي لا ينقطع انه البذل المتواصل الذي يستنفد النفس والمال في سبيل الدفاع عن حوزة الإسلام وحرية أهله وهناك سنة الله في الكون انه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم فإنه لا يغير نعمة أو بأسى، ولا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة ولا العبودية او الحرية . . . إلا أن يغير الناس من مشاعره وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم .
وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون . ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم .
وقد جاهد شعبنا الأبي العدو الغاشم مدة ليست قصيرة وقد أثمر جهاده وما يمر يوم إلا وفلقة النصر تتجدد في الأفق القريب وقد أذل الله الجبابرة المعتدين الذين زعموا احتلال بلادنا لقمة سائغة وظنوا استتباب حكمهم فيها في غضون الأشهر والأسابيع ولكن خسر ظنهم وخاب حيث طال الأمد إلى أكثر من عقد وإنهم ما استطاعوا خلاله من تكريس حكمهم النحس كاملا حتى في شبر واحد من هذه الأراضي الطاهرة المخضبة بدماء الشهداء الأبرار ولن يستطيعوا في المستقبل بإذن الله .
إن القمع والإرهاب الذي مارسته القوات الغازية وتمارسها لم ولن يثنيا من إرادة وعزم شعبنا على مواصلة المقاومة والجهاد المقدس حتى تحقيق النصر النهائي وربما تكون الحرية بتضحية الأنفس والأرواح ولكن هذا الشعب يتقن التضحية والموت في سبيل الله كما وصفه احد العلماء الأعلام.
أراد الاحتلال أن يكسب الحرب بالآلة العسكرية ومن المعلوم إن كسب الحرب ضد الأفكار والمعتقدات لا يكون بالبطش والجبر ولا بالآلة العسكرية ، ولا بالحرب المدمّرة ولا بإلقاء القنابل العملاقة عبر استخدام طائراتٍ من دون طيار ولا بتلفيق التقارير الكاذبة المختلقة والترهات الباطلة فإن شعبنا الأبي مسلح بسلاح الإيمان ومن ثم بالعزّ الأفغاني الذين لا يتوفران في مخازن أسلحة أمريكا الحديثة ولا في مخازن حلفائها النذلاء ، ولا يملك العدو وسائل الدفاع عن ذلك السلاح الفذ العجيب، ونحن على يقين أن في النهاية سينتصر سلاح الإيمان على سلاح المادة بمشيئة الله عز وجل كما انتصر قبل ذلك مرارا في أحقاب التاريخ .
لقد آن أوان هروب المحتلين لكنهم لم ولن يهربوا سالمين وغانمين فإنهم يواجهون في سبيل هروبهم مصاعب جمة وما يمر يوم إلا ويتكبدون الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات وخير شاهد على ما نقول أن قوات الإمارة الإسلامية قامت بتاريخ 14 سبتمبر الماضي ردا على الفيلم المسيء للإسلام بتدمير قاعدة باستيون في محافظة هلمند وقد دمرت فعلا ست طائرات بكاملها كما تضررت اثنتان بشكل كبير نتيجة ذلك الهجوم الجريء في حين لقي أربعة جنود من المحتلين مصرعهم وكانت الأضرار في قاعدة باستيون كبيرة جدا اذ دمرت ثلاث محطات للمؤن وأصيبت ستة مواقف للطائرات وتم تدمير ما يصل قيمته إلى أكثر من 200 مليون دولار من الطائرات والمعدات والتجهيزات والجدير بالذكر أن تكبيد القوات الغازية مثل هذه الخسائر الجسيمة في المعدات والتجهيزات لم يسبق له مثيلا .
على الصعيد نفسه قتل شرطي أفغاني مجاهد أربعة من الغزاة وهم أمريكيون من القوات الخاصة وأصاب اثنين آخرين بجروح خطيرة جدا بتاريخ 16 سبتمبر أيلول الماضي في نقطة تفتيش في محافظة زابل بعد ان نشب خلاف بين رجال الأمن الأفغان والعسكريين الغزاة وقد جاء هذا الحادث بعد ساعات من قتل جنديين بريطانيين في جنوب البلاد بنيران مجاهد يرتدي زيا للشرطة وتزامنت هذه الوقائع جميعا مع غضب المسلمين عبر العالم من الفيلم المسيء للإسلام الذي أنتجه أعداء الإسلام والمسلمين .
ومن جانب آخر قتل اثنين من الأجانب احدهم جندي أمريكي والآخر مقاول جراء هجوم مسلح في إقليم وردك والذي نفذه احد الأبطال من الجنود الأفغان بتاريخ 30 سبتمبر وقد وصفه متحدث باسم ما يسمى قوة ايساف انه نيران من الداخل ويرى المراقبون إن هذه الأحداث تتميز بخطورتها في حين ان غالبية الكبرى من الجنود الأجانب موجودون في البلاد وهم في انتظار حزم أمتعتهم استعدادا للانسحاب او بالأحرى للهروب من أفغانستان .
وقد أكد تقرير أمريكي سري ان هناك تزايدا واضحا في عدد الجنود الأمريكيين والتابعين لقوات الناتو الذين يقتلون على أيدي الجنود الأفغان وذلك نتيجة العداء والكراهية التي تولدت لدى الأفغان عموما تجاه الوجود العسكري الغربي في البلاد وأوضح التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز أخيرا انه تعرض الاحتلال لهجمات عديدة وحوادث إطلاق النار من قبل الجنود الأفغان وهذه الهجمات القاتلة التي تتعرض لها القوات الغربية ليست نادرة ولا فردية بل تظهر تسارع خطر التهديد بتعرض هذه القوات للقتل إلى حد قد يكون غير مسبوق بين الحلفاء في التاريخ الحديث .
كما نشرت صحيفة الجارديان الأمريكية تزايد التحديات والمخاطر التي تواجهها القوات الأمريكية وحلفائها في أفغانستان وتحول جنود الجيش والشرطة الأفغانية إلى قنابل موقوتة تهدد بالانفجار في أي لحظة وقالت الصحيفة: “أن حركة طالبان نجحت في اختراق المؤسسات الأمنية والعسكرية وهو ما أمكنها من عمليات مؤثرة…. ونتيجة ذلك بدء الجنود الأجانب في جميع أفغانستان يحملون كامل أسلحتهم في كل مكان حتى صالات الألعاب الرياضية لحماية أنفسهم من أي شخص يقترب منهم حتى لو كان من حلفائهم في الجيش او الشرطة الأفغانية وقد أدت الهجمات من أفراد الجيش والشرطة على أفراد العدو إلى انخفاض الروح المعنوية لهذه القوات المعتدية ولها تأثير استراتيجي هائل وكبير على تلك القوات وقد ظهر تأثيرها السياسي عندما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مايو الماضي انه يعتزم سحب القوات الفرنسية مبكرا وكان السبب وراء هذه الخطوة الايجابية الهجمات المتتالية من قبل أفراد الشرطة والجيش المناضلين على قوات الأجانب ومنها القوات الفرنسية.
هذا وقد قتل 14 شخصا من بينهم أربعة جنود من الحلف الأطلسي وثلاثة من العملاء في إقليم خوست بعد يوم واحد من مقتل المحتلين في وردك وتحديدا بتاريخ 1 أكتوبر تشرين الأول في هجوم استشهادي استهدف مركبة مشتركة للقوات الدولية والعميلة وبذلك ارتفع عدد قتلى القوات المتجاوزة إلى 783 شخص منذ بداية العام الحالي وقد أتى هذا الهجوم بعد يوم واحد من اعتراف القوات الصليبية مقتل أمريكيين بأيدي الجنود الأفغان الأبطال والذي يسمونه “نيران صديقة “.
وقد تجاوز عدد الجنود والمرتزقة الأمريكيين الذين قتلوا منذ بداية الاحتلال إلى أكثر من 2032 شخصا إلى حين تسويد هذا المقال حسب وذلك اعترافاتهم الكاذبة .
في هذا الصدد أورد وكالات الأنباء انه بلغ حجم «الهجمات من الداخل» التي يشنها جنود وشرطيون أفغان ضد القوات الأطلسية، حدا غير مسبوق في تاريخ الحرب المعاصرة وكان شهر آب أغسطس الماضي الأسوأ في هذا المجال خلال حوالي 11 عاما من الحرب في أفغانستان اذ أن ثلث الجنود الأطلسيين الذين سقطوا في أفغانستان قتلوا برصاص عناصر من القوات الأفغانية التي يقومون بتدريبها.
ومعظم الجنود الغربيين القتلى أميركيون لاسيما وإنهم يشكلون الغالبية الكبرى بين جنود قوة ايساف الأطلسية وازدادت ظاهرة «الهجمات من الداخل» هذه وانتشرت هذه السنة حيث سجل حتى الآن خمسة وثلاثون هجوما أسفرت عن مقتل 65 من جنود ايساف، يمثلون 16%
من عدد الجنود الغربيين الذين قتلوا حتى الآن.
ويشير بعض المحللين إلى أن هذه الظاهرة لم تلاحظ من قبل في أي من حروب الحقبة المعاصرة، من فيتنام إلى العراق.
وحقا ما كتبت صحيفة السياسة الإيرانية أخيرا إن: “التطورات التي تشهدها أفغانستان حالياً تشير الى ان الغرب والناتو لم يتمكن من تحقيق ما كان يصبو اليه رغم مرور 11 عاماً على احتلال هذا البلد.
وبما ان الغرب والأطلسي بذل محاولات حميمة ليكون تواجده في أفغانستان مكللاً بالنجاح إلا ان السياسات التي انتهجها في هذا البلد أفرزت نتائج أخرى…. وان الكثير من المحللين السياسيين يؤكدون بان الذي قام بقتل جنود قوات الاحتلال هم من الجنود الأفغان الذي طفح بهم الكيل جراء ما يجري من مذابح ومجازر بحق المواطنين الأفغان وجراء تواجد القوات المحتلة في بلدهم وهم يسعون من خلال تكبيد المحتلين اكبر حجم من الخسائر في الأرواح والمعدات ان يجبروهم على مغادرة بلدهم.
والشعب الأفغاني الذي يشهد له التاريخ بأنه تمكن من إخراج قوات الاتحاد السوفيتي السابق والقوات البريطانية يرفض بلا شك احتلال أميركا لبلده و هو يبذل كلما لديه ليتمكن في النهاية من طرد هؤلاء المحتلين أيضا وان مصير قوات الاحتلال في أفغانستان سيكون نفس مصير قوات الاتحاد السوفيتي السابق والقوات البريطانية .”
هكذا ينصر الله المؤمنين هذا هو القاعدة الأصيلة الدائم (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم).
ومن كان الله مولاه وناصره فحسبه، وفيه الكفاية والغناء، وكل ما قد يصيبه إنما هو ابتلاء وراءه الخير، لا تخليا من الله عن ولايته له، ولا تخلفا لوعد الله بنصر من يتولاهم من عباده . ومن لم يكن الله مولاه فلا مولى له، ولو اتخذ الإنس والجن كلهم أولياء .
فهو في النهاية مضيع عاجز، ولو تجمعت له كل أسباب الحماية وكل أسباب القوة التي يعرفها الناس.
وما النصر إلا من عند الله .