قصة الإسلام في بلاد الأفغان
أبو سعيد راشد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاحَتْ روائحُ زُهرةِ بني زُهْرةَ سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم في العالَم، فوصلت إلى خراسان والهند، ووصلت إلى الشام والروم والحبشة.
أما الشام والروم فقد كان هناك علماء أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وكان هؤلاء العلماء من أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قصة أبي سفيان وهِرَقْل والحوار اللطيف الذي جرى بينهما ونقلها ابن عباس رضي الله عنه.
وأما الحبَشة فقد كانت أول الهجرة للمسلمين إلى هناك، وكان بَلاط النجاشي مركزا هاما للدَّعوة الإسلامية.
وتدل الأخبار على أن روائع قصةِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت قد انشرت هنا أيضا بتلك الكمية التي كانت في الشام والروم.
أما الهند فقد وصلت أخبار الإسلام بسبب التجارة التي كانت آنذاك بين الهند والحجاز، قال يونس: كان عثمان بن أبي العاص له تُجَّارٌ يَحْضُرُونَ إلى أرض الهند وإلى المدائن (مدينة كانت قُرْبَ بغداد)، فكان إذا قَدِمَ تُجَّارُهُ يَقسِم في جِيرانِه حتى تَبْلُغَ قِسْمَتُهُ دُورَ بَنِي فُلَانٍ([1]).
عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه قال: أهدى ملكُ الهند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جَرَّةً فيها زَنْجَبِيلٌ، فأَطعَم أصحابَه قِطعةً قِطعةً، وأَطْعَمني منها قِطعةً ([2]).
وأما خراسان فإن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه كان من أصبهان، وكان البحث عن الحق أوصله إلى المدينة فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا غرو أن أخبار المسلمين كانت تجول في أصبهان وفارس بسبب إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه ومقامه الرفيع بين الصحابة.
وكان سيدنا “مَاناهِيَه” محمد -مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- من مَرْوَ(في تركمانستان) وكانت من أهم مدن خراسان بل كانت عاصمة خراسان آنذاك.
عن مقاتل بن محمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه أن محمدا كان اسمه “ماناهيه”، وأنه كان مجوسيًّا، وكان تاجرا، فسمع بِذِكْر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجِه، فخرج معه بتجارة مِنْ مَرْوَ(تركمانستان) حتى هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم على يديه، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدًا وأنه مولاه، ورجع إلى منزله بمرو مسلمًا، ودارُه قُبالة المسجد الجامع (بمرو) ([3]).
وكان سيدنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلخ (في أفغانستان) وكان من خدَّام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان اسمه مِهران أو رُومان البلخي، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينةً.
عن سفينة قال: أَعْتَقَتْني أمُّ سلَمة واشترطت عليَّ أن أخدِم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَاعِشْتُ، قلت: ولو لم تَشترِطِيْ عليَّ لَـخَدِمْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، أو ما فارقتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقَتْني وشارطَتْنِيْ أنْ أخْدِمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَاعِشتُ. عن أبي ريحانة عن سفينة قال: خدَمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنين ([4]).
وكان سيدنا محمد بن يَفْدِيدوَيه الهروي من هراة، وكان قد ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به، كان اسمه يفودان فسمّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم محمّداً.
ذكره أبو إسحاق (أحمد بن محمد) بن ياسين في تاريخ هراة، فيمن قدِمها من الصّحابة.
قال أبو إسحاق: حدّثنا إبراهيم بن علي بن بالَوَيْه الزَّنجانيُّ بهراة، عن محمد بن “مَردانْ شاهْ” الزّنجانيّ – وزعم أنه ثقة، وكان قد أتى عليه مائة وتسع سنين – عن أحمد بن عَبْدَةَ الجُرجانيّ، عن يَفودان بن يَفْدِيدويه الهرويّ قال: حاربتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في شِركي، ثم أسلمتُ على يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمّاني محمداً قال: قال رسول الله: إذا قّلّ الدُّعاء نزل البلاء، وإذا جار السلطانُ اُحْتُبِسَ المطرُ، وإذا خان بعضُهم بعضاً صارت الدَّولة للمشركين، وإذا منعوا الزكاة ماتت المواشي، وإذا كثُر الزّنا تزلزلت الأرضُ، وإذا شهدوا بالزُّور نزل الطاعون من السماء.
وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم خليلُ المؤمن، والعقل دليلُه، والعمل قَيِّمُه، والرِّفْقُ أميرُ جُنوده.أخرجه أبو موسى ([5]).
وهراة لم تكن بعيدة عن بلاد العرب، فقد كانوا يأتون إلى هراة للتجارة، وقدِم سيدنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى هراة تاجرًا، وهذا يدل على أنه بَثَّ في هراة مع العشرات الآخرين أخبارَ نبوة ابن أخيه وأخذه الناس عنه.
قال السمعاني: الفُوشنج: بضم الفاء وفتح الشين المعجمة بعدها نون ساكنة وجيم، هذه النسبة إلى بوشنك، وهي بلدة قديمة كثيرة الخير على سبعة فراسخ من هراة بخراسان، والنسبة إليها فوشنجي، وبوشنجي، وكثر أهل العلم والفضل بها. وكان عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في الجاهلية قد سافر إليها للتجارة وقال: كنتُ أَقِيْلُ تحت شجرةِ صنوبَر بها ([6]).
والفوشنج هذه هي اليوم مدينة الزِّندَجان قرْبَ هراة، وكانت الزِّندَجان قرية من قرى بوشنج في الماضي، واليوم اشتهرت مدينة بوشنج باسم قريتها تلك. قال ياقوت: الزِّنْدَجان إحدى قرى بوشنج ([7]) .
وكذلك كان سيدنا باذان رضي الله عنه من مَرْوَ الرُّوذ (بالامَرْغاب بادغيس أفغانستان) وكان والياً لليمن من قبِل كسرى، ثم أسلم، وانتشرت أخبار إسلامه في مدينة مَرْوَ الرُّوذ (بالامَرْغاب بادغيس أفغانستان). وهذا يعني أن الإسلام قد سطَعَ نورُه وفاحَ في هذه البلاد قبل وصول كتائبه.
ثم جاءت كتائب الإسلام، فاصطدمت بالكفار في القادسية ونهاوند في العهد الفاروقي فكسرت شوكتَهم، وبلغ خط النار الأول إلى حدود بلاد الأفغان، ثم جاء جيش الإسلام في العهد العثماني فبلغ كابل، وأخيرًا عاد آخرُ الأكاسرة مهزومًا إلى مدينة مَرْوَ، وقُتِل إثْرَ عودَته بيد -والي مَرْوَ- ماهويه السُّوري الأفغاني، وانتهت بذلك دولة الأكاسرة في الشرق، وحلّتْ محلّها الإسلام.
بارك الله في أرض الأفغان وفي سائر ديار الإسلام، وجزى اللهُ الصحابةَ خيرَ الجزاء.
_____________
([1])البر والصلة للحسين بن حرب ص ( 129)
([2])المستدرك على الصحيحين للحاكم، كتاب الأطعمة (4/ 150) العقد الثمين فيمن ورد الهند من الصحابة والتابعين، للقاضي أطهر المباركبوري (ص 24)
([3]) الجامع لما في المصنفات الجوامع للحافظ أبي موسى الرُّعيني عيسى بن سليمان الأندلسي المالِقي المتوفى 632هـ(1/161)، طبع مبرة الآل والأصحاب، الكويت. وفيه أيضًا: قيل كان مجوسيا، واسمه ماناهيه، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدًا، ذكره الحافظ أبو زكريا قال: ذكره الحاكم أبو عبد الله البيع فيمن قدم خراسان من الصحابة.