قصة عن كارثة هلمند الأليمة
عارف أحرار
مع بزوغ الفجر مسحتْ فاطمة عينيها وتقرّبت إلى أبيها وهو قاصد أن يذهب إلى المدينة، ونادى ابنه الكبير يا عبد الله جئ بسترتي، سأذهب إلى المدينة لاشتراء بعض حوائج البيت، أشتري السكر والحلويات، أخذ عبدالله السترة وسلمها إلى أبيه.
وفي هذه الأثناء لمحت فاطمة بعينيها البريئة أباها ونادته بتدلل: أبتاه غدًا حفل زفاف جارنا، فاشتر لي دفّا وحناء. فأجابها أبوه: أكيد يا بُنيتي سأجيء بما أوصيت.
وكانت الشمس تصفر شيئًا فشيئًا تروم الغروب، سمعت فاطمة صوت السيارة وراء الباب، وكانت فاطمة تنتظر مجيء أبيها مع الحناء والدف بفارغ الصبر، فجرت نحو الباب، وكانت تهمس وتردد: جاء بابا والحناء والدف.
وصل الأب، وقدّم لابنته المدللة الأسوار، والحناء، والدف، ثم قال: بنيتي قومي وارسمي على يديك أجمل النقوش، فغدًا حفل عرس جارنا.
جرت فاطمة عدْوًا إلى أمّها كي تخضّب يديها ورجليها، لبست فاطمة ملابسها الجديدة وببالغ الفرح والسرور ذهبت إلى مكان العرس، تعشت مع البنات اللاتي كنّ زميلاتها، ثم جلست مع صديقتها زهراء في مكانٍ وبدأتا تقصّان من هنا وهناك إذ سمعتا أزيز الطائرات الحربية.
قالت لصديقتها زهراء بصوت مرتعد:« يا زهراء وصلت الطائرات الحربية، لا قدّر الله بأن تتكرر هنا مجازر ننجرهار، وقندوز».
وكانتا في هذه الأثناء في الخوف والذعر إذ فوجئتا بضجيج وضوضاء في الحفل، إذ دخلت جماعة من الجيش في المنزل، وقد بصُرت فاطمة جنديًا وحشيا في غبش الليل فنادت: «يا زهراء جاء الأمريكان».
وبما أنّ الجندي كان أفغانيا فهِمَ ما قالت فاطمة فغضب قائلا: اسكتي وإلا سأقتلكِ، فارتعدت فرائص فاطمة واشتدّ ضربان قلبها اللطيف.
وقال المترجم للجندي: إنّ الأمريكان يقولون اقتلوا كل من تحرّك عن مكانه، وكل من قام من مكانه سيفلق الرصاص هامه.
وفي هذه الأثناء كانت أمّ فاطمة تبحث عن ابنتها هنا وهناك، فلمّا رأت فاطمةَ جرتْ نحوها بسرعة فائقة، ولمّا رأى الجندي تحرّكها أطلق الرصاص نحو هامها كي تسقط شهيدة على الأرض، ولمّا رأت فاطمة أمها مجندلة على الأرض، قامت وأخذت تجري نحو أمّها المخضّبة بالدماء، وكانت تصرخ وتولول: آهٍ يا أمّاه! آهٍ يا أمّاه! ثم قالت للجندي: قاتلك الله وأبادك أيها الجندي الذي قتلتَ أمي.
وفي هذه الأثناء قال جندي قاس آخر: اقض عليها، إنها تضوضئ، وتؤذي الأمريكان.
فما كان من الجندي العميل إلا أنْ يُردي فاطمة قتيلة في أحضان أمها، إنا لله وإنا إليه راجعون.