مقالات الأعداد السابقة

قوات الاحتلال صيدٌ سهل للجنود الأفغان

عرفان بلخي

بمرور كل يوم يزداد كره الشعب الأفغاني للمحتلين وتزداد ظاهرة «الهجمات من الداخل» وتنتشرفي جميع أرجاء البلاد. يقول المحللون إن هذه الظاهرة لم تُلاحظ من قبل في أي من حروب الحقبة المعاصرة، من فيتنام إلى العراق. إنهم يجدون صعوبة في توضيح أسبابها وخلفياتها التي نعرفها نحن الأفغان جيداً.

من جانب آخر، ترصد التقارير الإعلامية الالتحاق المتزايد من قبل الهاربين من الجيش إلى صفوف الإمارة الإسلامية بكل ما يحملونه من أسلحة ومعلومات وعتاد، بل وبعضهم ينفّذ عمليات لصالح الجهاد في معسكرات الاحتلال والجيش، وكثيراً ما يفتحون النار على الجنود الأمريكيين قبل الفرار. وإذا كان بعض الجنود والضباط لم يستهويهم القتال في صفوف الحركة، فإنهم يبيعون أسلحتهم وكل ما يملكون من عتاد.

ومؤخراً، قُتِل جنديان أمريكيان، وجُرِح ثلاثة آخرون، بعد أن شنّ جنديٌ مجاهد هجوماً عليهم في قاعدة “ريشخور” في العاصمة كابول. واعترف الجنرال الأميركي جون نيكولسون قائد قوات الاحتلال الأمريكي في بيان، أن: «جندياً ومدنياً أميركياً قُتلا، وأُصيب جندي ومدنيان أمريكيان». وأضاف: «نتألم بشدة في كل مرة نفقد عنصراً منا».

الهجمات من الداخل مرة أخرى!

الحق يُقال: ليس كل من التحق بالقوات الأمنية تحت إدارة الاحتلال، في البلاد المحتلة، هو بالضرورة بائع لوطنه أو عميل أو مخلص للعدو المحتل، ولكن العدو لم يترك له فرصة للعمل والعيش بعد تخريب الحرث والنسل في البلاد إلا بالالتحاق بالقوى الأمنية العميلة، ولهذا يتم تسجيل أعداد من المواطنين في سلك الشرطة والجيش الوطني والحرس. فهو كما يسمونه التحاق المضطر، وعندما تحين الفرصة المواتية يبرز لهم نفس المجاهد الذي يقاتل أعداء البلاد والعباد.

إن تصاعد الهجمات التي يشنها الجنود الأفغان على مدربيهم وزملائهم من جنود أمريكا والناتو، والتي أسفرت خلال الأعوام الماضية عن مقتل المئات من الجنود؛ جاء ليبرهن على فشل ورقة الموالاة والصداقة بين الأفغان والمحتلين، وذلك بعدما فشل الأمريكيون طوال أكثر من خمسة عشر عاماً في “كسر شوكة” الإمارة الإسلامية، أو إحلال الديمقراطية الجوفاء وتثبيت سلطة ونفوذ الحكومة الموالية لها في البلاد.

إن الأفغان يتقنون تكتيكات تبديل الولاءات، والقدرة على الاندماج في صفوف الأعداء ثم العودة إلى المعسكر الذي ينتمون إليه أصلاً. وفي السابق انشق الجنود الأفغان عن الجيش البريطاني عندما دقّت ساعة الحسم في الحرب الأفغانية البريطانية الثانية 1878م-1880م، ثم حدث ذلك ثانية إبّان 1979م-1989م. واليوم يُعيد التاريخ نفسه، حيث يوجّه العساكر الأفغان فوهات بنادقهم إلى صدور عناصر قوات التحالف متى ما سنحت لهم الفرصة.

تطور غير مسبوق

 وفي تطور غير مسبوق، أعلن المتحدث باسم الإمارة الإسلامية أن الإمارة تستخدم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار للتخطيط في الهجمات، منذ 18 شهراً. وقال المتحدث باسم الإمارة (ذبيح الله مجاهد): إن التكنولوجيا تلعب دوراً حيوياً في قتال الإمارة ضد قوات الاحتلال والقوات الأفغانية شمال شرق البلاد وجنوبها.

انجز حرٌ ما وعد

هذا وقد قطعت الإمارة الإسلامية على نفسها عهداً بمقاومة المعتدين وعملائهم عند الإعلان عن انطلاق عملياتها باسم (العمليات العمرية) لهذا العام. واليوم بعد مرور 15 عاماً منذ إعلان أمريكا حربها على ما تسميه الإرهاب، لا يزال القتال مستعراً، والمقاومون يحققون تقدماً كبيراً في مواجهة الجيش العميل وأسيادهم. وقد أنجز حرٌ ما وعد.

وأصبح التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان الأطول زمنياً، والأكثر كلفة بتجاوزه ألف مليار دولار، وقد بلغ الوجود العسكري الأجنبي ذروته في العام 2012م مع انتشار أكثر من 150 ألف جندي، بينهم 100 ألف أمريكي. وفي الآونة الأخيرة، اعتبر ضباط أمريكيون أن الوضع في أفغانستان بات “في مأزق”. ويؤكد مراقبون أوروبيون أن 80 بالمئة من هذا المبلغ يتم توزيعه “على الجيوب الأمريكية” على شكل أرصدة للعسكريين وعقود ومهمات صيانة واستشارات مختلفة، وارتفعت الخسائر العسكرية في صفوف التحالف، إلى 3700 قتيل، وأكثر من 33 ألف جريح وعشرات الآلاف من المختلين عقلياً.

هذا بالنسبة للمحتلين، أما عملاءهم فإننا نسمع ونرى كل يوم مبشرات النصر ميدانياً، وعلى سبيل المثال: قال شهود عيان يوم الجمعة 4-10 إن المئات من عناصر الشرطة والجيش قتلوا مؤخراً في الهجمات التي شنها المقاومون بالمدينة الرئيسية في ولاية هلمند الواقعة جنوبي البلاد. وقالوا إن عدد القتلى في صفوف الجيش والشرطة على مدار الأيام العشرة الماضية في مدينة لشكرغاه وما حولها يزيد على 200 قتيل.

وتقاتل قوات الجيش والشرطة جنباً إلى جنب على جبهات القتال.

واعترف مسؤول في الجيش أن أربعة مواقع أمنية أخرى سقطت في أيدي عناصر طالبان في مدينة لشكرغاه، عاصمة إقليم هلمند جنوبي البلاد، حيث تجري اشتباكات عنيفة مستمرةً. ونقلت وكالة “باجواك” الأفغانية عن مسؤول من المنطقة الرابعة لشرطة لشكرغاه أن الاشتباكات العنيفة التي بدأت الليلة الماضية ما زالت مستمرة بين القوات الأفغانية وطالبان في المنطقة الثالثة للشرطة بالمدينة.

ويُذكر أن طالبان عبَرَت المنطقة الرابعة للشرطة وتقاتل في المنطقة الثالثة. ويُشار إلى أن حركة المقاومة تستهدف رجال الأمن الأفغان ومراكزهم، فقد قُتل 14 شخصاً، بينهم 10 من رجال الشرطة، وأصيب 10 آخرون بجروح خطيرة، في هجوم بدأ بسيارة مفخخة، بحسب تقرير رسمي. وكان هذا الهجوم هو محاولة للسيطرة على مدينة لشكرغاه المحاصرة، كبرى مدن ولاية هلمند. وأدت الهجمات التي شنتها حركة “طالبان” الإسلامية في شمال البلاد وجنوبها إلى مقتل المئات من عناصر الأمن.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، شنّ المجاهدون هجوماً شاملاً على مدينة قندوز شمال البلاد، ودخلوها عنوة، وأدى ذلك إلى اندلاع قتال عنيف مع القوات العميلة، قبل أن تصل تعزيزات من القوات الحكومية العميلة.

عدة للفرار

شهدت هلمند أسوأ الاشتباكات، منذ بداية الحرب ضد حكومة كابول المدعومة من الغرب وأمريكا، وقد قُتل فيها العشرات من عناصر قوات الأمن، وفُقِد عدد مماثل أو أكثر خلال أسبوعين فقط.

وفي هذا الصدد، استسلم 70 جندياً للإمارة الإسلامية في هلمند. وفي ولاية أورزجان -شمال ولاية هلمند-، استسلم 150 جندياً للإمارة الإسلامية، وتحديداً في ترينكوت. استسلموا بأسلحتهم وذخيرتهم و20 عربة “همفي” الأميركية.

وفي مثل هذا يُروى أن الحجاج أُتي من دواب بني أمية قد وُسِم على أفخاذها (عدة)، فأمر الحجاج أن يُكتب تحتها (للفِرار).

الثغرات في صفوف العملاء

بالتزامن مع هذه الانتصارات، انتقد قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، الجنرال الأمريكي جون نيكولسون، 23 أكتوبر/تشرين الأول، الثغرات داخل قيادة العديد من وحدات الشرطة والجيش الأفغانيين. وشدد جون نيكولسون على أن تلك الثغرات تؤدي بصفة مباشرة إلى ارتفاع عدد الضحايا في صفوف القوات الحكومية. وقال نيكولسون، الذي يتولى أيضاً قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان: “نشعر بقلق بالغ حيال ارتفاع عدد الضحايا”، متوقعاً أن تبلغ الخسائر رقماً أكبر من تلك التي سُجلت عام 2015م.

وفي العام 2015م، قُتل أكثر من 5000 جندي وشرطي أفغاني، وأصيب 15 آلفاً آخرون في المعارك ضد قوات الإمارة الإسلامية.

وأضاف الجنرال الأمريكي أن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع عدد الضحايا هي الثغرات داخل القيادة، وفي الدرجة الأولى داخل الشرطة، وبالدرجة الثانية في الجيش.

واستطرد قائد قوة حلف شمال الأطلسي، قائلاً: “هؤلاء الضباط الشبان في الشرطة والذين يقضون عند نقاط المراقبة، يفتقرون غالباً إلى كميات كافية من الطعام والمياه أو الذخيرة”، مندداً في ذات السياق بالفساد في وزارة الداخلية.

ونحن نقول إن الاحتلال وقع في هوّة تترامى به أرجاؤها، وإن الأفغان ليس ممن يُهزمون في الحرب، وإن تاريخهم التليد سطّر بأحرف من نور شجاعتهم وبطولتهم وإيمانهم الراسخ في قلوبهم، فهم لا يتزلزلون من لقاء عدو مهما بلغت قوته، بل يزيدهم إيماناً فوق ايمانهم وثقتهم بربهم متوكلين عليه.

وعلى المؤمن أن لا يخاف عندما يقف أمام الكثرة من أعدائه، فالإيمان القوي يرتفع بصاحبه إلى قمة التوكل على الله تعالى، والثقة في نصره على أعدائه، ولو كان أعداؤه أكثر عدداً وعدة؛ لإيمانه بأن الله هو الذي يتولى المعركة، وهو الناصر الحقيقي، وما النصر إلا من عند الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى