
قيمة أرض الأفغان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين , والصلاة والسلام على الرسول الأمين , وعلى أصحابه ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين , وبعد :
إن من المهمات بيان قيمة أرض الجهاد والشهداء والآساد , ليعلم الكل مدى ظلام هذا العدوان المستمر العقيم , وأنه كيف توقف بل خرب هذه الأرضة المقدسة وهي جديرة بالسيادة والريادة والإنتاج والتصدير, لكن هذه السيول الجارفة حطموا وهددوا أكثر سكانها وبساتينها وسهولها وجبالها , ولا تزال هذه السحابة السوداء فوقها لا تمطر إلا بوابل العذاب ولا تنزل إلا بمطر الدمار والخراب , فقد عطلت جميع الخيرات التي كانت تصدرها هذه الأرض المقدسة إلى العالم وإلى الإسلام منه خاصة, خراسان وما وراء النهر على الأعم وأرض الأفغان منها على الأخص كانت ولا تزال أرض المكرمات والأعلام عبر التاريخ , لكن الأعداء لا يتحملون فضلها ولا يقرون لها بالوجود ويريدون أن يمسحوها من سقف العالم لكن أنى لهم ذلك , فقد وهبها لله أبناء يملكونها يدافعون عنها ويكافحون كل من ينظر إليها بسوء , كما لا زالت أحقادهم تتجدد كذلك تتجدد وتزين عزائم الشباب فوق ثرى أرض أفغانستان .
إني لا اشرح أنها أرض المعادن لتقولوا هذه للسكان ولا ينتفع بها العالم إلا بدل العوض والمال إنما أشرح قيمة نفوس هذه البقعة التي انتفع بها العالم و الإسلامي منه كثيرا , فمنها علماء الحكمة كابن سينا والعلوم كالبيروني ومنها علماء الإسلام والملوك والقواد , ومنها الأولياء والصوفية الراشدون.
وأكثر من بيان العلماء والملوك والوزراء وليعلم الأعداء والأصدقاء أنها ليست أرض الحروب إنها مسقط رؤس العلماء الأعلام والملوك الكرام والرجال العظام , وكانت بلخها وهراتها وبستها معاهد علم وفكرفي زمان .
قد كانت للمسلمين حضارة عظيمة تقدمت في الروح والمادة , كما تقدمت في العلم والعمران والإقتصاد والدفاع كذلك تقدمت في الطب والصيدلة والعلوم والرياضيات والجغرافيا والفلك والعلوم الإنسانية , وكان في هذا التطور شطر للرجال الذين ربتهم تربة الأفغان ، فكان منها أبطال مؤمنون وعلماء ربانيون منهم :
۱ـ البرامكة , خالد البر مكي ( من بلخ ) قد تولى الوزارة لأبي العباس السفاح , وكان الرجل الأول بعد الخليفة العباسي .
وأخوه يحيى البرمكي رحمه الله فقد جعل المهدي ابنه هارون الرشيد في حجره , وقد وزر يحيى هذا للمهدي ثم لـ هارون الرشيد , وكان هارون الرشيد لا يخاطبه إلا بـ يا أبتِ.
۲ ـ طاهر بن الحسين ( مؤسس الدولة الطاهرية, الذي ولد في بوشنج من أعمال هرات ) ذاع صيته في الخلافة العباسية ,لما مات الرشيد وتولى الأمين السلطة .قام طاهر بن الحسين وزحف بالجيوش الخراسانية إلى العراق حتى أوصل المأمون إلى سدة الخلافة.
وقد ولاه المأمون قيادة جيوش الخلافة العباسية , كما ولاه شرطة بغداد , و جعله نائبا في خراسان وما وراء النهر,ثم امتد سلطان الطاهر وشمل العراق وإيران وأفغانستان وشمال الهند وباكستان وطاجكستان.
۳-يعقوب بن الليث الصفار (من سجستان , مؤسس الدولة الصفارية) وأخوه عمربن الليث الصفار الذي تولى ولاية خراسان وفارس وأصبهان وسجستان والسند وكرمان وشرطة بغداد في الخلافة العباسية.
۴ ـ سبكتكين وابنه محمود الغزنوي رحمهما الله (مؤسس الدولة الغزنوية)الذي فتح الهند ودلهي وكسر سومنات۱۶/ذي القعدة/۴۱۶.
وسماه الخليفة المقتدر العباسي بـ: يمين الدولة وأمين الملة, نشر الإسلام و بنا المدارس في ربوع الهند، والمحققون يرونه مؤسس أول مدرسة في أرض الهند.
۵ ـ شهاب الدين الغوري رحمه الله من أسرة الدولة الغورية ( من ولاية غور ) لقد وسعوا أركان الخلافة العباسية بعد الغزنويين . انطلق محمد الغوري رحمه الله برجاله الأشداء فأخضع شمال الهند إلى البنغال (بنغلاديش) وللغوريين فضل بعد خالقهم في نشر الإسلام في ربوع البنغال خاصة .ومنهم شمس الدين التمش .
۶ ـ وقد استطاع جلال الدين الخوارزمي مقاومة سيل المغول لمدة في أفغانستان .
۸- مير ويس أفغان رحمه الله .
۹- احمد شاه أبدالي رحمه الله, مؤسس أفغانستان الحالية .
۱۰-كماكان الوزير محمد أكبر خان و الغازي أمان الله (في أول أمره )من الأبطال الذين ألحقوا الهزيمة النكراء بـ بريطانيا. .وآخرون., إن شأن العلماء السامي قد على وارتفع وطاول الثريا برفعته بل تجاوزه,وكفى لهم فضلا وراثة خير خلق الله .
فلا منزلة أرفع من منزلة النبوة , و لا شرف أحلى وأعلى من شرف الخلافة لتلك المنزلة , وللعلماء الكرام – الفضل في نشر دين الله وهداية البشرية بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم, ولهم آثار رائعة تلوح في الأمة الإسلامية في العالم, لأنهم فلك الأمة, فكل ما يتحقق للمسلم في اتجاهه الإسلامي من مجد وشرف فالفضل فيه للعلماء , فكما أن أرض الأفغان لازالت عرين الآساد و ساحة الأبطال –كذالك قد جعل الله من ترابها أعلاما علماء و الأدباء و الفقهاء والمحدثين منهم :
الإمام أبو داؤد صاحب السنن من سجستان, والإمام الرازي من هرات المفسر المحدث المتكلم صاحب التفسير الكبير والمرقاة شرح المشكاة والصغرى والكبرى في الموضوعات وغيرها,و مكحول بن عبدالله إمام أهل الشام من كابول , والإمام الأزهري صاحب تهذيب اللغة ( أضخم كتاب في اللغة ) من هرات . الإمام الخطابي له من التصانيف (معالم السنن مجلدان في شرح سنن أبي داود، وبيان إعجاز القرآن وإصلاح غلط المحدثين باسم إصلاح خطأ المحدثين وغريب الحديث وشرح البخاري باسم تفسير أحاديث الجامع الصحيح للبخاري وله شعر, .
والإمام محمدبن حبان البستي صاحب الكتاب المشهور”صحيح ابن حبان ” وله تصانيف في أسماء الرجال وعلل الحديث قال عنه ياقوت الحموي : “أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره” ,كلاهما من هلمند ( المعروفة في التاريخ بـ هند مند ) من بست وهي في نواحي لشكر كاه اليوم .
العلامة سيد جمال الدين الأفغاني من كونار بين المادحين له والناقدين .
والإمام ابن مسعود الفراء البغوي المفسر المحدث من هرات من مصنفاته المفيدة: شرح السنّة، وهو كتاب عظيم في بابه لا يستغني عنه طالب علم, ومعالم التنزيل, والمصابيح أصل مشكاة المصابيح المعروف, والتهذيب في فقه الشافعية , والجمع بين الصحيحين , وكتاب الأربعين حديثًا وغيرها .
و قرية “بغ” تقع على بعد عشرين ميلا شرق إسلام قلعة , على حدود تركمنستان في الجزء الغربي من هرات .
وخواجه عبد الله بن محمد الأنصاري , من هرات و له تفسير .
و أبوبكر المروزي و أحمدبن طيفور الأديب من مرو الروذ في ولاية بادغيس على حدود مع تركمنستان له نحو خمسين كتابا، منها تاريخ بغداد طبع منه المجلد السادس ، والمنثور والمنظوم أربعة عشر جزءا بقي منها جزآن أحدهما الحادي عشر ، طبعت قطعة منه باسم بلاغات النساء والآخر الثاني عشر، مخطوط.
وله كتاب المؤلفين وسرقات الشعراء وسرقات البحتري من أبي تمام وفصل العرب على العجم وأخبار بشار بن برد وله شعر قليل أورد ياقوت نبذا لطيفة منه .
أبو سليمان الجوزجاني صاحب الإمام محمد , و سعيد بن منصور الجوزجاني ولد بجوزجان، ونشأ ببلخ وتوفي في مكة.
من تصانيفه: السنن ، وتفسير القرآن الكريم ، وأبو بكر
الوراق, و جلال الدين الرومي صاحب المثنوي ,وشقيق البلخي, ومقاتل بن سليمان , وداؤد الطائي , وحاتم الأصم وأبو مطيع البلخي , وأبو الليث السمرقندي الفقيه المحدث الرحال ولد في سمرقند ثم قدم بلخ فدرس و درّس فيها و توفي في بلخ و له تصانيف معروفة يلقب بإمام الهدى , ومكي بن إبراهيم , ورابعة بنت كعب البلخية , كلهم من بلخ , و قتيبة بن سعيد من بغلان , و أبوالريحان البيروني من غزني ,مع ان الإمام أبو حنيفة كان من هذه الأرض, وكثير منهم, رحمهم الله رحمة واسعة.
هذا ولازالت أرض الأفغان تئط بمواكب العلماء الأحرار,ولهم آثار ونقوش رائعة في الشعب الأفغاني.
وإن الشعب الأفغاني من الشعوب التي يقودها العلماء في كل داهية ونازلة, ففي العصور الحديثة ظهر دور علماء الأفغان في الحروب الثلاثة التي قامت عندما حاولت بريطانيا إحتلال أفغانستان .
وقد أشتهرمنهم الملا مشك عالم وآخرون , وعندما إنحرف أمان الله قاموا ضده , وكذا عندما أصيب الملك الضليل ظاهر شاه بلوثة التغريب عام1959وأمر بإختلاط الطالبات مع الطلبة في جامعة كابل , و وطدت علاقات داؤد رئيس الوزراء مع روسيا , وبدأ النشاط الشيوعي في البلاد بمحاولة حزبين شيوعيين” حزب خلق ” لـ نور محمد تراقي , و”حزب بارشام” لـ ببرك كارمل , وأرادوا إطفاء نور الله في البلد , و أبى الله والمؤمنون الا بقاء النور – ظهر مقاومة علماء الأفغان لهذه التيارات الفكرية المهدية للإحتلال , وبدأ الصدام بين رجال الحكومة والعلماء وزج بكثير منهم في السجون ثم دفنوا تحت التراب , فكانت أول ضحايا لهيب الشيوعية العلماء والمؤمنون المخلصون للعلماء .
وكانت أبرز الشخصيات الجهادية آنذاك العلماء فمنهم من قضى نحبه ومنهم من كانوا إلى أن أعلنوا الجهاد ضد هذه الغزوة الصليبية من انحرفوا وسلكوا مسلك بلعام بن باعوراء وجرهم غدرهم وخيانتهم الخفي إلى صف الكفرة .
فكل حركة إسلامية في أرض الأفغان والعالم الإسلامي لابد لها من العلماء , و إذا إصطدمت أي حركة إسلامية مع العلماء – فإنها لن تفوز أبدا.
وعندما اضطرم نار التفرقة والتنافس على سدة الحكم , بوقود دسائس الأعداء بعد هزيمة الروس , وسائت الأحوال وكاد ثمرة الجهاد ان تذوب وتذهب جفائا- قام طلاب المدارس الشرعية يقودهم العلماء , و كانت منهم “حركة طالبان” إمارة أفغانستان الإسلامية.
و انهم من جديد على وشيك الفتح وكسر صنم البيت الأبيض .
حاضر هذا الشعب الأبي
إنها أرض قيمة لا تزال ترضع وتحمل في حجرها رجال المستقبل , وأبطال الجيل القادم , لكن من سوء الحظ أنها تواجه شرا مستطيرا , ولا توجد أي عناية إسلامية أو عالمية في مجال تعليم الشباب والأطفال , وخاصة في مراحل الدراسات العليا , إلا أن هناك مؤسسات يخطفون الشباب بإسم التعليم والدراسات العليا لكنهم لا يعلمهم إلا ما يضرهم ولا ينفعهم , وتعطيهم الشهادات العالية بدل الضمائر والعهود الوثيقة بوفائهم والخيانة مع الشعب والأرض والدين , ويعودون عارا وثقلا وعذابا على الشعب, فكم من شباب يريدون الترقي في الدراسات العليا لكنهم لايجدون إلى ذلك سبيلا , إلا سبيلا سلب الدين والحماسة والوفاء بدل العلم , ونسئل الله سبحانه وتعالى أن يفتح السبل , ويحرر هذه الأرض المباركة , ليترعرع على ظهرها أمناء علماء وأبطال مؤمنون فاتحون , وأختم كلامي بما قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان : قد روي عن شريك بن عبد الله أنه قال خراسان كنانة الله إذا غضب على قوم رماهم بهم وفي حديث آخر ما خرجَتْ من خرسان راية في جاهلية وإسلام فرُدت حتى تبلغ منتهاها.
وقال ابن قتيبة أهل خراسان أهل الدعوة وأنصار الدولة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين .