
كالتي نقضت غزلها
محمد داود المهاجر
كانت في مكة المكرمة إمرأة خرقاء، تغزل شيئا، ثم تنقضه أنكاثا بعد إتقانها وإحكامها، ضرب الله تعالى في كتابه مثل من ينقض العهد بهذه المرأة، فقال: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}، يقول الإمام المفسر الكبير المجاهد رحمه الله: هذا مثال لمن يقطع عهدا ثم ينقضه.
من الغباء التامّ والسفه الكامل سلوك أولئك الذين يريدون أن يستمرّوا في الحرب بغية أن ينالوا شيئا من مقاصدهم بعد عشرين سنة من حرب هوجاء لم تحمل لهم أدنى فائدة!
إن الإمارة الإسلامية منذ بداية الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة ٢٠٠١م ركزت على أن حل القضية يكمن في تقديم الأدلة والوثائق ومن خلال التفاوض، لكن الطرف المقابل لم يعر أدنى اهتمام لهذا المطلب المعقول، وأراد أن يفرض إرادته على هذا الشعب من خلال استخدام القوة القهرية.
فتوسعوا في استخدام القوة من غير وعي ومن غير أن ينظروا في عواقبها، ومن غير أن يتعمقوا في تبعاتها، لكنهم بعد عشرين سنة وصلوا إلى النقطة التي بدأوا منها أول يوم، والتي تمسكت بها الإمارة الإسلامية سنة ٢٠٠١م.
كل هذه الخسائر المالية والروحية والتكاليف الباهظة للحرب، وهبوط مكانة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العالمي؛ كان من نتائج مخططات وبرامج خاطئة سلمها بوش وعصبته إلى البيت الأبيض. والآن بعد عشرين سنة وقد أدرك العالم أن الشعب الأفغاني لا يتحمل سلطة الأغيار، يجب أن تعود القوات الأمريكية إلى بلادها ليصل الأفغان إلى الوحدة فيما بينهم.
وفي الدوحة -على مرأى من العالم- تم التوقيع على اتفاق يقضي بخروج الاحتلال الأمريكي من أفغانستان. فلو جاء أحدهم بعد هذه المدة من الحرب والنضال والمقاومة الشرسة للشعب الأفغاني وحنكتهم في مختلف الميادين، ونبذ ما تم الاتفاق عليه، وقرع من جديد على طبول الحرب، فهل يعقل سلوك مثل هذا الشخص؟ كلا!
إن عشرين سنة من حرب الأمريكان وحلفائهم -بغض النظر عن جوانبها السلبية وخسائرها المادية- علمت الأفغان الكثير، وزادت من وعيهم سياسيا، وقربت صفوفهم، وأضافت إلى تجاربهم الحربية والسياسية، بحيث أيقن العالم أن هذا الشعب لن يذل ولن يستكين، وإن قُتِل وشُرِد.
إن بقاء القليل من قوات الأمريكان المتواجدة في أرض الأفغان حاليّا وعدم خروجها منها، يعتبر عملهم هذا عودة إلى الوراء، وعودة إلى سنة ٢٠٠١م. لا شك أنها عودة ليس لها سبيل ولا حل إلا الحل الدبلوماسي، لكنه من جانب آخر سيكون وقوعا في مستنقع لن تكون عاقبته كالسابق، بل سيكون أكبر خسارة وذلا، فلو تم تأجيل انسحاب القوات، ستشتعل نيران الحرب من جديد، وسيعود المحتلون إلى الخط الأوّل بعد ما خسروا كلّ شيء على المستوى العالمي، ولن يثق أحد في المستقبل بوعودهم ومواثيقهم.