مقالات الأعداد السابقة

كرامات المخلصين في ميدان الشرف لإعلاء كلمة الله

أبو طلحة

 

قد ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم معجزات حسية في المعارك الحربية، وفي خارجها، وقد شهدها آلاف من الصحابة – رضوان الله عليهم- وكانت تأييدًا له في دعوته، وتثبيتًا للمؤمنين في جهادهم، وهذا ثابت في نصوص متواترة صحيحة.

والأمر الذي لا مرية فيه أن الصحابة – رضوان الله عليهم- (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). وقد أخلصوا لله في جهادهم لإعلاء كلمة الله، فكان حقًا على الله أن يؤيدهم بكرامات من عنده، وينصرهم على أعدائهم، وقد نقلت إلينا هذه الكرامات بأحاديث وأخبار صحيحة – وهي أكثر من أن تعد- لتكون هديًا لجيوش المسلمين، وتثبيتًا لهم، ليطمئنوا على مصائرهم بعد الظفر بإحدى الحسنيين؛ النّصر أو الشهادة، فيبيع المسلم نفسه وماله ليعقد بهما صفقة رابحة مع ربه.

ومن فضل الله ورحمته بالمؤمنين أن أظهر لهم بعض كراماتهم في حال حياتهم وبعد ظفرهم بالشهادة في سبيله وابتغاء مرضاته. وها أنذا أعرض قبسًا من هذه الكرامات لتكون سراجًا أمامنا نستضيء به معالم الطريق في ساحة الشرف والكرامة، وبخاصة أنّ العالم الإسلامي في هذه الفترة العصيبة من الزمان يموج بالفتن والاضطرابات التي خطط لها المستعمرون والمحتلّون أعداء الإسلام، وبثوها في قلب الأمّة الإسلامية، وقد نجحوا، ووقفوا متفرّجين، وما أحوجنا أن نرجع لنطالع بعض صفحات من تاريخنا الإسلامي المشرق، ليكون هداية لنا على الطريق المستقيم.

1 – كان البراء بن مالك إذا أقسم على الله أبر قسمه. فقد روى الترمذي عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ”.

وكان إذا اشتدّت الحرب على المسلمين، في الجهاد يقولون: يا براء أقسم على ربك، فيقول: يارب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، فيهزم العدوّ، فلمّا كان يوم القادسية قال: أقسمت عليك يارب لما منحتنا أكتافهم وجعلتني أول شهيد، فمنحوا أكتافهم، وقتل البراء شهيدًا.

2 – ومن الذين منّ الله عليهم باستجابة الدعوة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقد روى الترمذي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم استجب لسعد إذا دعاك»، وفي رواية: «اللهم استجب دعوته وسدّد رميته» فكان لا يدعو إلا استجيب له. فما دعا قط إلا استجيب له، وبفضل إخلاصه لدينه نصره الله على كسرى فهزمه، وفتح العراق، وله مواقف مشرفة في قيادة المعارك الحربية، تدل على صدقه مع الله، وإخلاصه لإعلاء كلمة الله.

3 – وعمر بن الخطاب لما أرسل جيشًا أمّر عليهم رجلًا يسمى سارية، فبينما عمر يخطب، فجعل يصيح على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فقدم رسول الجيش فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدوًا فهزمونا، فإذا بصائح: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله (رواه البيهقي، وقال ابن حجر في الإصابة إسناده حسن).

 

قلوب العارفين لها عيون              ترى ما لا يراه النّاظرون

وأجنحة تطير بغير ريش             إلى ملكوت ربّ العالمين

 

4 – والعلاء بن الحضرمي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين، وكان يقول في دعائه: (يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم)، فيستجاب له. ودعا الله بأن يسقوا ويتوضأوا لما عدموا الماء والإسقاء لما بعدهم فأجيب. ودعا الله لما اعترضهم البحرولم يقدروا على المرور بخيولهم فمرّوا كلهم على الماء ما ابتلت سروج خيولهم. ودعا الله ألا يروا جسده إذا مات، فلم يجدوه في اللحد.

5 – وجرى مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني الذي ألقي في النّار، فمشى هو ومن معه من المعسكر على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: تفقدون من متاعكم شيئًا حتى أدعو الله – عزوجل – فيه؟ فقال بعضهم: فقدت مخلاة، فقال: اتبعني فتبعه، فوجدها قد تعلقت بشيء فأخذها، وطلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة، فقال له: أتشهد أنّي رسول الله؟ قال ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بنار فألقي فيها، فوجدوه قائمًا يصلي فيها، وقد صارت عليه بردا وسلاما.

وقدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله، ووضعت له جاريته السم في طعامه فلم يضره، وخببت امرأة عليه زوجته، فدعا عليها فعميت وجاءت وتابت، فدعا لها فرد الله عليها بصرها.

6 – وروى البخاري في المغازي أن خبيب بن عدي كان أسيرا عند المشركين بمكة و كان يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وإنه لموثق في الحديد وما كان إلا رزق رزقه الله.

7 – وقصة الصديق في الصحيحين (لما ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة إلا ربى من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا).

8 – روى ابن سعد أنّ أم أيمن خرجت مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها.

9 – ولما عذبت الزبيرة على الإسلام في الله فأبت إلا الإسلام وذهب بصرها؛ قال المشركون: أصاب بصرها اللات والعزى. قالت: كلا والله فرد الله عليها بصرها. ودعا سعيد بن زيد على أروى بنت الحكم فأعمي بصرها لما كذبت عليه فقال: (اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت) رواه أبو نعيم

10 – وروى البيهقي أنّ وصلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: (اللهم لا تجعل لمخلوق علي منة ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه، فلما وصل إلى بيته قال يا بني خذ سرج الفرس فإنه عارية فأخذ سرجه فمات الفرس). وجاع مرة بالأهواز فدعا الله عز وجل واستطعمه فوقعت خلفه دوخلة رطب في ثوب حرير فأكل التمر وبقي الثوب عند زوجته زمانا. وجاء الأسد وهو يصلي في غيضة بالليل فلما سلم قال له اطلب الرزق من غير هذا الموضع فولى الأسد وله زئير.

وكان سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات وكان المسجد قد خلا فلم يبق غيره.

ورجل من النخع كان له حمار فمات في الطريق فقال له أصحابه هلم نتوزع متاعك على رحالنا فقال لهم: أمهلوني هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه.

11 – وعامر بن فهيرة قتل شهيدا فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة: فيرون الملائكة رفعته.

إلى غير ذلك من كرامات الشهداء التي لا تكاد نحصيها، فضلا عن كراماتهم في حياتهم العامّة، وقد أجرى الله لهم هذه الكرامات لإخلاصهم وتضحياتهم التي سجلها التاريخ، والتي تركت بصمات مشرقة في البلاد التي فتحوها، وأشرق فيها نور الإسلام، وأضحت سجلا زاخرًا بآثارهم المباركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى