مقالات الأعداد السابقة

كلمات من نار (1)

إعداد: أبو غلام الله

 

كلما فترت الهمم وضعفت، وكلما اثّاقلت نفوس المؤمنين إلى الأرض، ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، وكلما ابتعدوا عن ساحات الجهاد، عذّبهم الله سبحانه وتعالى عاجلا قبل يوم القيامة، بعذاب المذلة والاستكانة، وهي ضريبة لا بدّ من دفعها لكل من أعرض عن الجهاد وإعلاء راية الإسلام خفّاقة على وجه البسيطة.

وفي كل زمان قيّض الله ويقيّض رجالا من المؤمنين الصادقين كي يحرّضوا المتثاقلين، وينفخوا فيهم روح الجهاد والبسالة والفداء والتضحية كي يستردّوا سالف مجدهم التليد، وفي هذه السلسة نسعى كي نجمع في كل عددٍ خطبة نارية كلماتها من نارٍ، تنفع جيلنا الناشئ بإذن الله.

 

بعثت فتيات من دمشق بضفائرهن إلى سبط بن الجوزي خطيب المسجد الأموي بدمشق لتكون قيوداً ولجماً لخيول المجاهدين الذين يخرجون لتحرير فلسطين من براثن الصليبيين، فخطب الشيخ خطبة حروفها من نار، تلدغ الأكباد وهو يمسك بشعور الفتيات، وقال:

يا من أمرهم دينهم بالجهاد حتى يفتحوا العالم، ويهدوا البشر إلى دينهم، فقعدوا حتى فتح العدو بلادهم، وفتنهم عن دينهم، يا من حكم أجدادهم بالحق أقطار الأرض، وحُكموا هم بالباطل في ديارهم وأوطانهم، يا من باع أجدادهم نفوسهم من الله بأن لهم الجنة، وباعوا هم الجنة بأطماع نفوس صغيرة، ولذائذ حياة ذليلة..

يا أيها الناس .. مالكم نسيتم دينكم، وتركتم عزتكم، وقعدتم عن نصر الله فلم ينصركم، وحسبتم أن العزة للمشركين، وقد جعل الله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؟!

يا ويحكم.. أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم يخطو على أرضكم التي سقاها بالدماء آباؤكم ويذلكم ويتعبكم وأنتم كنتم سادة الدنيا؟!

أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم، أن إخواناً لكم قد أحاط بهم العدو وسامهم ألوان الخسف؟!

أما في البلد عربي؟ أما في البلد مسلم؟ أما في البلد إنسان؟

العربي ينصر العربي، والمسلم يعين المسلم، والإنسان يرحم الإنسان.. فمن لا يهب لنصرة فلسطين لا يكون عربياً ولا مسلماً ولا إنساناً…

أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب، ويخوضون النار، وينامون على الجمر؟!

يا أيها الناس.. إنها قد دارت رحى الحرب، ونادى منادي الجهاد، وتفتحت أبواب السماء، فإن لم تكونوا من فرسان الحرب، فافسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها، واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل، يا نساء بعمائم ولحى .. أو فإلى الخيول وهاكم لجمها وقيودها…

يا ناس أتدرون مم صنعت هذه اللجم و القيود؟

لقد صنعتها النساء من شعورهن، لأنهن لا يملكن شيئاً غيرها، يساعدن به فلسطين..

هذه والله ضفائر المخدرات، التي لم تكن تبصرها عين الشمس، صيانة وحفظاً، قطعنها لأن تاريخ الحب قد انتهى، وابتدأ تاريخ الحرب المقدسة، الحرب في سبيل الله، وفي سبيل الأرض والعرض، فإذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها بها، فخذوها فاجعلوها ذوانب لكم وضفائر..

إنها من شعور النساء، ألم يبق في نفوسكم شعور..!!

وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس، وصرخ: تصدعي أيتها القبة، ميدي يا عمد المسجد، انقضي يا رجوم، لقد أضاع الرجال رجولتهم…

فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها، ووثبوا يطلبون الموت!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى