
كنت الشخص الثاني الذي خرجت (سجين يحكي قصته)
راوي القصة: محمد ادريس ، إعداد الصياغة: حبيب مجاهد
محمد ادريس البالغ من العمر 23 عاماً من سكان مدينة قندهار، ومنذ أعوام كان يقوم بتنفيذ عمليات مباغتة في مدينة قندهار تحت قيادة الإمارة الإسلامية، وقد تم عليه القبض قبل سبعة أشهر من قبل العدو في مدينة قندهار، وأرسل إلى سجن قندهار، يقول المذكور بأنه لم تتم محاكمته حتى الآن، ومنذ أسره فإنه كان يعيش في الغرفة التاسعة في السجن الكبير مع خمسة عشر مجاهداً آخر، حيث كان الثاني من جملة مئات المجاهدين الذين خرجوا من السجن من خلال النفق المحفور من ذلك البيت المعلوم إلى السجن.
ولنترك الحديث لمحمد إدريس ليحكي لنا قصة خروجه بنفسه:
أسس سجن قندهار على الشكل الآتي: يقع وسط الجناح السياسي فناء واسع، وأبواب جميع الغرف مفتوحة على هذا الفناء، فدائما يكون الباب العام لهذا الجناح مغلقاً، أما أبواب الغرف الداخلية فتكون مفتوحة دائماً، ولذا كان يستطيع السجناء أن يدخلوا إلى الغرف الأخرى دون أية صعوبة، كما أنهم كانوا يجتمعون لصلاة الجماعة أيضاً.
في ليلة الإثنين كان سجناء هذه الغرفة التي وصلت إليها فتحة النفق قد استضافوا بقية أصدقائهم، ودعوا من كل غرفة شخصاً أو شخصيْن، كما استدعي لهذه الضيافة إمام مصلى هذا الجناح، حيث كان سجينا عالماً، وكنت أنا نائبا عن غرفتي في الضيافة، فذهبنا للعشاء.
تناولنا العشاء، وبعد ذلك بدأ المولوي “إمام المصلى” بالحديث، وبعد نصائح مفيدة أخبر الشيخ الحضور عن تخطيط عملية التحرير، ولم يكن أحد منا يعلم شيئا عن الموضوع حتى هذا الوقت، وخلال حديثه قال للسجناء الجالسين في الغرفة: “ستنفذ في ليلتنا هذه عمليات لفكنا وتحريرنا، فمن الأجدر بأن نكون مستعدين لها”، وقال أيضا: “كل من خرج منكم الأوامر تقتضي ألا يشغل جواله إلى ظهر الغد، وإذا كان يتكلم في جواله فليحترس من بيان كيفية خروجه، وبعد هذه الإرشادات قال المولوي للحاضرين: “لازموا ذكر الله تعالى بنية خالصة، حتى يحقق الله نجاح هذه العملية”، فبدأنا جميعاً نذكر الله، وزهاء نصف ساعة كان الإخوة جميعهم مشغولون في الأذكار والأدعية، وبعد هذا قدم الإخوة العالمين بالتخطيط إلى الغرفة المذكورة، سحبوا المرتب والبساط في جزء خاص من الغرفة، وبعد لحظات طرق المكان المخلوع، فوضع الإخوة الذين هم داخل النفق تحت الغرفة رافعة السيارات تحت المكان المذكور، وواصلوا الضغط عليه حتى حطموا به الأرضية الخراسنية (الإسمنتية)، وكما كان هذا المكان منخفضا فإنهم قد احضروا عدة أعمدة قوية حتى تصل قوة ضغط الرافعة إلى الخراسانية، فكانوا يضعون الأعمدة فوق الرافعة ثم كانوا يرفعونها، وقد كرروا العملية مرتين أو ثلاث حتى وجدت فتحة كبيرة وسط الغرفة.
ثم بعد هذا أعطى الإخوة الذين كانوا في داخل النفق للإخوة الإرتباطيين من السجناء عدة مسدسات، وخناجر وسكاكين، كما اعطوهم صندوقا كانت فيه سماعة الهاتف، كاميرة فيديو، وعدة آلات أخرى، لكني ما عرفتها، ثم نظرت تجاه النفق فرأيت اثنين من المجاهدين أحدهما الذي اعطى الصندوق وآخر معه ثم أحجم كلاهما وانطلقا نحو المنفذ الآخر وهنا فوض أمر إخراج السجناء إلى أولئك العدد من المجاهدين السجناء الذين كانوا مطلعين على العملية، فهؤلاء ربطوا سلك الهاتف مع السماعة وبذلك اقيم ارتباط مع المجاهدين بين كلا طرفي النفق داخل السجن وخارجه.
ثم وزع هؤلاء المطلعين على العملية من السجناء الأسلحة فيما بينهم، وضموا إليهم عددا من المجاهدين الموثوقين، وقد كان يضم هذا الجناح غرفتين من السجناء المجرمين، وكان هناك عدد من جواسيس الحكومة بين السجناء، فقرر المجاهدون بأنهم إذا كان هؤلاء الجواسيس يثيرون خلافاً أو فوضى او يحاولون إخبار موظفي السجن فنقتلهم بهذه الأسلحة والسكاكين، وكما كانوا يقولون بأن هذه العمليات بعيدة الإدراك فلعل بعض الإخوة المجاهدين لم يثقوا أو يتيقنوا بها فيمتنعون عن الخروج، فنجبرهم بهذه الأسلحة للخروج.
وفي هذه الأثناء قال الإخوة المطلعون بالعملية للحضور قبل النزول إلى النفق: “لما خرجتم في الناحية الأخرى من النفق، ستقابلون عددا من المجاهدين، فإنهم يأخذون منكم النقود الزائدة لديكم، والجوالات والأشياء الأخرى، وكذلك فإنهم لا يسمحون لكم بالحديث ولا بالخروج فلا تخالفوهم أمراً وما يقولونه لكم فأطيعوهم”، فقلنا: حسناً نفعل، في هذه اللحظة كنت الثاني من زمرة الجالسين في الغرفة نحو النفق فنزل السجين الأول إلى النفق ثم تبعته، كان النفق واسعاً، لكن ليس واسعا جداً، أعني كنا نستطيع أن نمشي راكعين أو أن نحبوا بسهولة إلاّ أن المجاهدين قد حفروا النفق بشكل عجيب، ففي كل خمسة عشر متراً أوقدوا مصباحاً، لذلك كان النفق مضيئاً جداً، وهكذا فقد مدّ المجاهدون لأجل التهوية أنبوبة بلاستيكية قطرها 6 انتش تقريبا في طول النفق، وفي مبدأ الأنبوبة شغلوا جهازا لدفع الهواء إلى داخل الأنبوبة، ثم جعلوا في الأنبوبة ثقوب صغيرة داخل النفق، لذا لم نحس داخل النفق على قلة الهواء، وهكذا فقد مُدَّ في النفق سلكان، أحدهما كان للهاتف والآخر لا أدري أكان للكهرباء أم لغرض آخر، سرنا حوالي 15 دقيقة داخل النفق حتى وصلنا إلى الجانب الآخر، فكان شخص واحد يسير أمامي وأما من خلفي فيسير عدد كبير السجناء، لما وصلنا إلى مخرج النفق كان هناك 15مجاهدا كلهم مسلحون، هؤلاء كانوا يفتشون جميع الخارجين من النفق بشكل دقيق وجد، وكانوا يأخذون من كل شخص الجوال والشريحة ومن كانت معه النقود يبقون له ثلاثة آلاف روبية ويأخذون مازاد على ذلك، وكان هناك رداء يضعون الأموال التي يأخذونها منا فيها، وأما السجناء الذين لم يكن معهم النقود أو أنها قليلة فكانوا يمدونهم بالنقود ليتوفر لديهم ثلاثة آلاف روبية من تلك الزيادة التي أخذوها من الآخرين، وهذه كانت أحسن طريقة حتى يجد الجميع مالاً يستعينوا به في حوائجهم إلى أن يبلغوا مقاصدهم، لما خرجنا رأيت هناك ثلاثة من المجاهدين كنت أعرفهم، فضموني إليهم في تنفيذ المهمة، وكانت في البيت ست سيارات النقل، وقد أرشدنا الإخوة أن من يخرج من النفق أركبوهم في الناقلات بعد التفتيش، وأمروهم بأن لا يتكلموا ولا يلفظوا بشيء سوى أن يذكروا الله خفية؛ لأنه كان يوجد بمقربة من الفناء برجاً تابعا للسجن ، فإذا عمت الفوضى فسينتبه العدو لما يجري، وبهذه الطريقة خرج السجناء من النفق واركبناهم في الناقلات، وكلما كانت الناقلة تمتلء كنا نغطيها الغطاء ونحجبها، ولما انتهى الإخوة جميعهم، قال بعض الإصحاب، “لم يبق مكان كثير في الناقلات فالإخوة الذين لديهم معرفة بالمنطقة وشعاب المدينة يتوجهوا مشاة نحو ضواحي المدينة فكانت بوابة المنزل في اتجاه السجن أما خلفيته فنحو ضاحية مسكونة، فثقبنا الجدار الخلفي وفتحنا فيه فتحة، ومنها خرج الإخوة الذين لم يتسع السيارات لهم و أرادوا الذهاب إلى ضواحي المدينة مترجلين.
أما أنا وأربعة من رفقائي الذين كنا من سكان المدينة فشاورنا فيما بيننا، واتفقنا على الذهاب نحو المدينة، وفي هذه اللحظة خرجت الناقلات من المنزل، وخرجنا نحن الخمسة كذلك بعد دقائق إلى الشارع، وانتظرنا على رصيف الشارع قليلا حتى جاءت سيارة الأجرة وكانت متجهة نحو المدينة فركبناها، وكانت الساعة الرابعة صباحا، لما اتجهنا نحو المدينة أوقفت الشرطة سيارتنا في دوار “دند” ثم أشار بالذهاب أيماءً، وكُرر نفس عملية التفتيش مرة أخرى في دوار “مدد” ولم يقل الشرطي شيئاً، وبهذه الطريقة وصلنا إلى المدينة ورُزقنا النجاة الخلاص.
وهناك قول يجب أن أذكره هو: أن السجناء في الجناح السياسي بسجن قندهار كلهم مجاهدون، وبقرب الجناح السياسي هناك جناح آخر باسم (توقيف خانه) حيث كانت توجد فيها غرفة سجن فيها المجاهدون، وقد حفر المجاهدون من النفق الرئيسي نفقاً فرعيا نحو تلك الغرفة، وبذلك تم خروج عشرة او خمسة عشر سجيناً من المجاهدون من تلك الغرفة ولله الحمد.
في الصباح لما كنت اتجول في المدينة، وأتتبع الأخبار، فحسب ظني إلى الساعة الثامنة لم يشعر العدو أصلاً على فرار المجاهدين من السجن، لأنني لم أر أي تحرك تفتيشي اضطراري في المدينة، وبعد الساعة الثامنة بدأت هرولة الأعداء، فكان حراس السجن يعدوننا في اليوم مرتين، مرة في الساعة الثامنة صباحاً ومرة في بعد الظهر، أعتقد بأنهم عند قدومهم في الساعة الثامنة إلى الجناح السياسي لعدّ السجناء فلم يجدوا أحداً منهم، وبعد ذالك بدأوا في البحث والتفتيش عنهم.
وبحسب معلوماتي لم يبق مجاهد واحد في الجناح السياسي من السجن، إلا أنه كانت هناك غرفة للمجانيين فهؤلاء بقوا في السجن ولم يخرجوا، أما بقية السجناء حتى الجرحى والمرضى فتم إخراجهم جميعاً، حتى أنه كان سجينا جريحا في رجليه سيخيين حديدين وفي أثناء سيره داخل النفق تقطع السيخين فأغمي عليه من شدة الألم؛ لكن المجاهدين حملوه في حالته تلك وأخرجوه من النفق ونقلوه في السيارة.