
كن ربانياً لا رمضانياً
الحمد لله الذي جعل الحياة أيامًا وشهورًا وفضل بعضها على بعض يقدر ذلك بعلمه وحكمته، فجعل الجمعة خير الأيام ورمضان سَيِّد الشهور وأعظمها. قال تعالى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) فرمضان هو شهر القرآن الذي فيه نزل وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر.
قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فإنك لتعجب حينما تقلب صفحات تاريخ أمتنا التي أخذت بهذا الدين، وعضت عليه بالنواجذ، وأنت ترى في شهر رمضان مثل غزوة بدر الكبرى، التي تعتبر غرة في تاريخ الأمة الإسلامية، علماً أنها أول غزوة في تاريخ هذه الأمة يلتقي فيها عدد قليل من المسلمين عزل من السلاح مع عدد كبير مدجج بأرقى أنواع أسلحة في ذلك العصر، ثم يكون النصر للأمة الإسلامية والهزيمة للكافرين: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:13].
تلكم المعركة التي سماها الله عز وجل الفرقان؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل، وكانت في ليلة السابع عشر من شهر رمضان، والتي نزلت فيها الملائكة تقاتل مع المسلمين قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال:12 – 13]، يقول أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف لنا مجريات المعركة: (والله إننا لنرى الرأس يطير من مكانه، ونرى اليد تطير ولا نرى من يقطعها)؛ لأن الله تعالى يقول: (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).
وفي ليلة العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة فتح المسلمون بقيادة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وغيرّ ذلكم الفتح مجرى تاريخ الحياة كلها حتى تحولت مكة من أرض للوثنية يعبد فيها غير الله عز وجل في ستين وثلاثمائة صنم إلى أرض يعبد فيها الله وحده، وصار الناس بعد ذلك يدخلون في دين الله أفواجاً.
وفي رمضان فتح المسلمون بلاد الأندلس ودخلوها، وفي شهر رمضان وقعت موقعة عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون بقيادة قطز على التتر، وكان المثل السائد وقتئذ: إن التتر لا يغلبون.
وهكذا يجب أن يفهم المسلمون كافة أن شهر رمضان ليس موسم نوم وموائد خاصة، ولكنه موسم عبادة وجهاد في سبيل الله تعالى، حينما يدرك المسلمون هذه الدروس، وهم يضمدون الجراح التي تتكرر في كل يوم، بل في كل لحظة على الأمة الإسلامية، حينئذ ينهضون من جديد ليكون الدين كله لله: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193].
فشهر رمضان شهر الخير والبركات والعِبر والعظات، شهر يستبشر بقدومه المسلمون في كل مكان، لما فيه من حُسن الجزاء من الله تبارك وتعالى لعباده، ولما فيه من عظيم المثوبة، وجزيل الأجر، فهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لأصحابه: ” قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتَّح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” [ أخرجه أحمد والنسائي، وصحح إسناده حمزه الزين في تحقيقه على المسند 9/70 ]، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً: “أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله” [ أخرجه الطبراني ورواته ثقات ].
كل ما قيل وكتب ونشر في المواقع الإسلامية وفي وسائل الإعلام عن الشهر المبارك حق لا ريب فيه. فشهر رمضان شهر الخير والبركة والصفاء والارتقاء الروحي.
ولكن هناك عدة دروس كانت متميزة في هذا الشهر، وهذه الدروس تعتبر محاور رئيسية في توجيهات المربين، لذا يجب أن نعمل بها بعد رمضان، وننمي شخصيتنا روحياً ونفسياً وعقلياً وبدنياً بهذه القواعد الربانية:
1. الاستمرارية على الورد القرآني، والتذكر الدائم لشهر القرآن.
2. قيام الليل إقتداء بصلاة التراويح.
3. صيام ستة من شوال إقتداء بشهر الخير والاستمرارية على بركة الصيام والحرص على صيام النفل.
4. الصدقات، إقتداء بشهر الجود ولو كان بشق التمرة، فالاستمرارية تؤدي إلى البركة.
5. الاستعداد الأكبر لمواجهة الشيطان لأنه أكثر نشاطاً بعد رمضان.
6. الالتزامات الأخلاقية والسلوكية إقتداء بـ (وإن سابك أحد فقل أنى صائم).
7. صلاة الجماعة إقتداء بالظاهرة الإيجابية في رمضان.
وهكذا تكن ربانياً وليس رمضانياً فقط.