لا توقد ناراً لا تستطيع إخمادها!
بقلم: عرفان بلخي
عندما استلم اوباما السلطة قبل سنين، تعهد في تصريحاته آنذاك بعدم استمرار بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وأكد أنه عازم على إنهاء الحروب الخارجية لواشنطن، وبحسب خططه السابقة كان من المفترض أن تخفض واشنطن تعداد قواتها مع نهاية العام 2016 من عشرة آلاف إلى ألف جندي فقط وذلك لحراسة السفارة الامريكية في كابول، لكنه استبدل قراره السابق بقرار تاجيل الانسحاب، وعززه بأن القوات الأفغانية لا تزال غير قوية، مشيراً إلى تحقيق القوات المناوئة للحكومة العميلة مكاسب جمة، وهذا يُعد تراجعاً كبيراً لأسوَد البيت الأبيض الذي رأى إنهاء الحرب في أفغانستان من أعظم إنجازاته عند اعتزامه سحب جميع القوات باستثناء القوات المكلفة بحماية السفارة الأمريكية بنهاية 2015، لكن البيت الأبيض أصرّ على إرجاء سحب القوات بحيلة أن الجنود الأفغان لا يحرزون التقدم والنجاح المنتظر، وأن أدائهم مخيب لآمال الغزاة والمعتدين بكل المقاييس على مستوى السياسة والإدارة واستتباب الأمن والاستقرار والحكم، على الرغم من إنفاق أسيادهم عليهم حوالي 60 مليار دولار منذ 14 عاماً.
أعلنت قناة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية في تقرير لها بثته مؤخراً أن الحرب التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفائها على حركة طالبان في أفغانستان كلفت دافعي الضرائب الأميركيين 3 مليارات دولار. إضافة إلى الفزع الذي عاشته وتعيشه القوات الدولية هناك وكذلك المواطنون أنفسهم … متسائلة: ماذا حققت الحرب علي طالبان؟. وقالت القناة في عرضها للخسائر التي لحقت بالقوات الغربية إن 3500 جندي لقوا مصرعهم، إضافة إلى عشرات الآلاف من الأفغان خلال سنوات الحرب التي بدأت في 2001. وتعرف أفغانستان بـ “مقبرة الامبراطوريات” حيث أنها تشتهر بأنها تذل من يسعى لاحتلالها، مشيرة إلى كل من الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات من القرن الماضي، وكذلك الامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر واضطرارهما للانسحاب منها بعد أن خسرا ما بدا في البداية أنه انتصار سهل التحقيق. واختتمت “سي إن إن” عرضها قائلة: إن القوات الأميركية تعلم الآن أن طالبان يلعبون معهم لعبة الوقت.
نعم إن خسارة الرهان في أفغانستان ليس المعني به أمريكا فحسب؛ بل لقد لحق العار والشنار بقوات التحالف الدولي المتمثلة في حلف الناتو وبعض القوات الصديقة التي نأت بنفسها عن خيار القتال وآثرت أن ترقّع بالمساعدات المادية والصحية ما تدمره آلة الحرب التي أدارتها أمريكا وحلفاؤها.
تورط الأمريكيون ومن غامر معهم بغزو بلادنا أواخر عام 2001 في الوحل والمستنقع، وعاد التراب الأفغاني مجدداً ليتخضب بدم الغزاة المعتدين. وبناء على ذلك نصح الكاتب الأمريكي الشهير روبرت فيسك الإدارة الأمريكية بسحب قواتها من أفغانستان، وتبعه كتاب أمريكيون آخرون تحدثوا عن واقع الجيش الأمريكي المرير في أفغانستان، وبالطبع فإن واقع الغزاة حالياً ليس أفضل حالاً من واقع الغازي السوفيتي والبريطاني.
وقد أثبت التاريخ أن القوة العظمى الوحيدة التي خاضت حرباً لمدة 15 عاما متتالية، ونشرت 100.000 من خيرة قواتها، وضحت بحياة 3500 من هؤلاء الجنود، وأنفقت أكثر من تريليون دولار على عملياتها العسكرية، وخصصت 100 مليار دولار لما أسمته بـ “إعادة الإعمار”، ودعمت صندوق تجهيز وتدريب الجيش بـ 350.000 جندي من الحلفاء، أثبت أنها مازالت غير قادرة على تهدئة الوضع في واحدة من الدول الأكثر فقراً في العالم؟.
والذي يسبب المزيد من الكآبة هو قرار البيت الأبيض بإلغاء المخطط الذي يقضي بانسحاب القوات الأميركية، والإبقاء على حوالي 10.000 جندي في البلاد لأجل غير مسمى؛ من أجل ما يزعم أنه تحقيق للاستقرار في أفغانستان في العام 2016.
يقول أحد الصحفيين (عون هادي حسين) في هذا الصدد: (أعقد المشاهد المسرحية التي وقفتُ أمامها متسمراً، عاجزاً عن فكِّ “شيفرتها” الصورية وفهم أبجدية حروفها الهوليودية، عندما وقف قائد قوات الناتو في أفغانستان، الجنرال “جون كامبل” بشموخٍ، حتى الآن لم أفهم سببه، وإلى جانبه حسب ما أذكر حشدٌ من كبار المسؤولين الأفغان والأجانب يومها، كان أبرزهم مستشار شؤون الأمن القومي في رئاسة الوزراء الأفغانية “حنيف أتمر”، معلناً الجنرال كامبل “افتتاح مرحلة جديدة في أفغانستان”، و”إنجاز المهمة”، والأهم بحسب خطاب النصر ذاك “إخراج الأفغان من اليأس”. طبعاً، والحضور الكريم يصفق لكامبل ولعل ما كان الأكثر غرابة بالنسبة لي “تصفيق الأفغان لكامبل”.
لا أفهم عن أية “مرحلة جديدة ” تكلم كامبل، ولا عن منجزات احتلال أفغانستان. كله في كفة وجملته التي حملت عمقاً صعُب عليّ سبر غورها في كفة، أقصد قوله: “أخرجنا الأفغان من الظلمات واليأس معًا، ومنحناهم الأمل بالمستقبل”.
ولطالما تساءلت: هل ما حققته الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان كان نصراً بالفعل؟ …. و النصر على من؟ فهل تمكنت القوات الأمريكية ودول حلف الشمال الأطلسي مثلاً من هزيمة حركة طالبان؟ أو هل ينعم الشعب الأفغاني الآن برفاه اجتماعي أو استقرار سياسي بعد احتلال لدواعٍ “ديمقراطية” طبعاً، لأكثر من عقد؟!!
وقد اكتملت فصول مسرحية الفشل والدجل الأمريكي في أفغانستان، لكن على حساب من؟ على حساب شعب بأكمله، 14 عاماً من عمر الشعب الأفغاني أهدرتها أمريكا لتحقيق بعض من أطماعها التي تسميها بالمصالح القومية.
في الخلاصة، أمريكا لم تحقق طوال احتلالها لأفغانستان ايًّا من أهدافها المعلنة، لكن ما يمكننا قوله أن الولايات المتحدة حققت بعضاً من مصالحها في المنطقة من خلال احتلال أفغانستان لكن شتان بين النصر وتحقيق بعض المصالح).
لقد أعلنت الولايات المتحدة سحب بعض قواتها في العام 2014، وخفض عدد الضربات الجوية التي تنفذها ضد أهداف طالبان في عموم البلد وأعلن المحتلون في نهاية العام 2014م إنهاء المهمة القتالية في أفغانستان وتعهدوا رسمياً بأن القوات الأجنبية لن تقاتل بعد اليوم في أفغانستان وستبدأ حملة جديدة وهي المساعدة والدعم، ولكن المحللين والخبراء للشئون السياسية شككوا آنذاك في نية المحتلين معتبرين المرحلة المقبلة التي أعلنوا عنها باسم الدعم والمساعدات بأنها مرحلة جديدة لإراقة دماء المظلومين وتدمير بيوت الشعب وكما قالوا “الكاذب يضيع له صدق كثير!”.
إن سيطرة المجاهدين على قندوز سلطت الضوء على كيفية استفادة طالبان المستمرة من حريتها الجديدة من خلال فتح المدينة، وقد فشلت الشرطة العميلة في إبداء مقاومة وهربت بشكل جماعي. وكان المجاهدون سيطروا على المدينة لمدة أسبوعين قبل أن تقوم القوات الأفغانية العميلة والأميركية الغازية بإخراجهم منها.
لا لن نذل فهذه راياتنا *** رغم العواصف والدجى لم تحجم
ومع وعد واشنطن إنهاء المهمة القتالية، وجهت القيادة الأميركية طائرات قتالية لقصف مواقع المجاهدين في مدينة قندوز خلال قتال مكثف من منزل لمنزل، وقد رأى العالم في أثناء ذلك أن القوات الأمريكية استهدف بناية مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود، مما أسفر عن مقتل 42 مريضاً وموظفاً. وقد رأى العالم أيضاً بعد أن وقع الجنود الأميركيون وحلفاؤهم العملاء في كمين بالقرب من بلدة مارجة في مقاطعة هلمند في كانون الثاني (يناير)، كيف نفذ الاحتلال الأمريكي 12 ضربة جوية لصد مقاومي حركة طالبان الإسلامية. ويومياً يتم قصف مواقع وتجمعات المجاهدين في الليل والنهار، الأمر الذي يبرهن على كذب أعداء الله وأعداء خلقه.
يقول الأستاذ خباب بن مروان “إنَّ غمامة الإجرام الأمريكية التي ظلَّلت العالم منذ قرن من الزمان وآذتهم بشتى أساليب الإيذاء، وتعدت على دمائهم بل تغذَّت عليها، إنَّ هذه الهمجية التي تتعامل بها أمريكا مع شعوب الأرض لن تبقى، كيف والله قد توعد الظلمة بالإهلاك، وعدم المكوث الرئاسي على هذه الأرض.
لقد بشَّر الكثير من مفكري أمريكا بسقوط هذه الدولة، وعدم بقائها على ظهر البسيطة؛ لأنها تعدت في حقوق الحق، وفي حقوق الخلق، ومن ذلك ما قاله توماس شيتوم وهو من قدماء المحاربين في فيتنام وصاحب كتاب الحرب الأهلية الثانية: (أمريكا ولدت في الدماء، ورضعت الدماء، وأتخمت دماء، وتعملقت على الدماء، ولسوف تغرق في الدماء!).
(إنَّ التاريخ ـ وبالدقة ذاتها ـ لا يكرر أبداً نفسه، ولكنه غالباً ما يوجه صفعاته، إلى أولئك الذين يتجاهلونه كلياً) بهذا سطَّر أحد أشهر المؤرخين المعاصرين الأمريكان [بول كينيدي] مدير مركز الدراسات الأمنية الدولية بجامعة بيل، وأستاذ التاريخ فيها “وصدق! فإنَّ أمريكا تتجاهل تاريخ الأمم السابقة التي سادت ثمَّ بادت.
(فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)” صدق الله العظيم.