مقالات الأعداد السابقة

لا فناء لثائر!

اعترف الكاتب الصهيوني المعروف، إيال حنانيا، بالحقيقة التي ترعبه وترعب كيانه المحتل في فلسطين، والتي لطالما حاولوا -عبثاً- طمسها وتكذيبها، فقال كاتباً:

“عندما تأملت الحرب في الأيام الأولى قدَّرت أن حماس ستركع وستستجدي وقف إطلاق النار؛ فلقد حشدنا سبعة ألوية على رأسها أقوى لوائين واللذين لم يهزما أبدا في أي حرب مع العرب وهما رأس الحربة؛ لواء جفعاتي ولواء جولاني، وجندنا سلاح الطيران بأكمله، وهو من أقوى أسلحة الطيران في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

وضعنا ثلاث أسراب خفيفة ومتوسطة من البحرية قبالة غزة وحشدنا أفضل كتائب سلاح المدرعات على رأسها كتيبة 401 المكونه بأكملها من دبابات ميركافا 4 فخر صناعة جيش الدفاع وتعد من أقوى دبابات العالم وأكثرها قوة نارية وتدريعاً.

وفوق كل ذلك بعض الزعماء العرب يؤيدون العملية.

أما حماس فهي تعيش في حصار خانق فرض عليها منذ عشرين عاماً.

حماس في الأيام الأخيرة عاشت في أزمة انقطاع الرواتب على الموظفين من قبل سلطة رام الله دفعتها إلى الهروب إلى المصالحة مع أبي مازن الذي أراد تسخير موضوع الرواتب لإذلال حماس وتركيعها.

تأملت المستوى السياسي بهذا الوضع، خرجت بتقديرات تفيد باستسلام حماس في حالة عملية عسكرية واسعة، بل ونزع سلاحها أيضا بغطاء عربي وأممي.

بدأت المواجهة، وخرج علينا ناطقوا حماس على التلفاز بأسلوب من يقود قوة عظمى وجيشا جراراً عرمرماً.

وكان الرئيس الأمريكي بنفسه يرأس مجلس الحرب (الإسرائيلي) من تل أبيب، وفتح مخازن الجيش الأمريكي لتزود (إسرائيل) بجسور جوية وبحرية من اليوم الثاني للقتال، من أجل اجتثاث حماس من على وجه الأرض.

تصورنا أن خطاب قادة حماس نوع من المكابرة السياسية وعدم تقدير قوة التحالف، الذي لا يقف خلف (إسرائيل) فحسب، بل يقف معها جنبا إلى جنب. وأن خطابات قادة حماس هي مجرد ممارسة اللعبة النفسية ليس أكثر، لكن صمودهم في القصف الجوي، واستمرار إطلاق الصواريخ طيلة الأسابيع الأولى من الحرب بوتيرة عالية، غيّر ميزان المعركة وموازين الردع تماما، وكان لزاما التدخل البري الكاسح المدعوم من الجو والبحر.

واجَهَنا (مقاتلوا) حماس بصلابة أربكت كل مستويات جيش الدفاع، ودمرت صورة الجيش وقوة الردع التي أردنا ترميمها.

(مقاتلوا) حماس بعتاد متواضع مضحك مصنوع محلياً صمدوا بشكل غريب يستحق الدراسة والتحليل في المدارس العسكرية الشرقية والغربية لأخذ العبر.

فقمت بالبحث عن الجانب الأيديولوجي لهذه الحركة فوجدت أنهم يربّون مقاتليهم، منذ نعومة أظافرهم، تربية دينية قبل التربية العسكرية الصارمة، ويلقنونهم إيديولوجية إسلامية جهادية بما يعرف بنظام المساجد.

إمام المسجد هو قائد الفرقة، والمصلون خلفه هم الجنود، على طريقة المسلمين قبل 14 قرناً

(مقاتل) حماس يعتقد أنه عندما يموت فإنه يحيا ويذهب فوراً إلى الجنة، كما جاء في قرآنهم الذي حفظوه عن ظهر قلب، وأن أفضل طريق للموت هو الجهاد؛ تقاتل اليهود وأن تموت على أيديهم.

إنه يقتدي بالنبي محمد ﷺ الذي حارب الكفار واليهود.

إنه يستسقي إيديولوجيته من تعبئة فكرية تقوم على دراسة تاريخ الإسلام والمعارك والبطولات والفتوحات الإسلامية.

مستعدون لتفجير أنفسهم دون تردد والقيام بأعمال خيالية حطمت كل النظريات العسكرية المعروفة، بظروف قتال تكاد تكون مستحيلة.

إنهم يواجهون أرتال الدبابات والوحدات الخاصة والقوات الجوية بلا شيء.

لا شيء، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فتسليحهم بالنسبة لتسليح حتى أتفه المليشيات الأفريقية الجائعة هو لا شيء، ومع ذلك فقد استطاعوا التصدي والصمود وعدم الانكسار، قتال بصورة صلبة ومدهشة.

إنها أيديولوجيتهم المبنية على التجرد من الشهوات والسمو الروحي واحتقار العدو الكافر.

إنهم يقاتلون بعزة نفس واستعلاء نفسي معتبرين أنفسهم متفوقين دينياً وفكريا على عدو كافر.

أيديولوجيتهم تدفعهم للعمل 24 ساعة في سبيل دينهم وتحقيق المستحيل لأنهم بهذا يعتقدون أنهم يخدمون دينهم وأمتهم وأنهم سيدخلون الجنة.

إنها أيديولوجية مدمرة ديناميكية لا تستكين ولا تهدأ يعرفون من خلالها هدفهم جيدا.

أيديولوجية تمسكوا بها في الضفة، رغم حملة الاجتثاث التي تشنها عليهم (إسرائيل) بالتعاون مع الأمن الفلسطيني المدرّب والمموّل أمريكيا و(إسرائيليا). فتمسكوا بأيديلوجية الجهاد رغم التنكيل والقمع، ليعودوا الآن إلى واجهة العمل بالضفة الغربيه بقوة وكأن شيئاً لم يكن.

عندما أرى (مقاتل) يندفع صوب الميركافا 4 التي تشبه وحشا فولاذيا أسطوريا حاملا عبوته، مفجرا نفسه فيها، دون أدنى ذرة تردد؛ أرتعبُ خوفا؛ كيف لهؤلاء لو امتلكوا أسلحة أقوى، ولو اقتدى بهم شباب المسلمين في الدول العربية والإسلامية.

أعترف أن هذه الايديولوجيا هزمت الميركافا في هذه الجولة.

وأنها ستكون الخطر الأكبر على وجود (دولة إسرائيل).

علينا أن نأخذ الدروس والعبر، وأن حربنا ضد حماس عليها أن تكون حرب اجتثات وحشية، إما نحن أو هم، لأننا إن تهاونا اليوم، فسنراهم خلال العقد القادم على أبواب (تل أبيب) يكبرّون.

عندها ستكون النهاية!”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى