لجنة استعادة العقارات المغصوبة
رضوان الكابلي
من المشهور أن أحد مستشاري أشرف غني، جاء إلى عمدة كابل وبيده حكم رئاسي على توزيع أرض له في وسط كابل. فطلب الرئيس أحد مستشاريه وقال له: اكتب له قطعة أرض في فناء القصر الرئاسي. فرد المستشار قائلا: أتهزأ بي؟! فقال عمدة كابل أن جميع عقارات كابل وزعت واغتصبت ولم يبق شيء إلا القصر الرئاسي.
هذه القصة الحقيقية التي سمعتها من غير واحد، تكشف الكواليس عن أزمة غصب العقارات في أفغانستان وخاصة في كابل عاصمة البلاد.
الأوضاع الأمنية غير المستقرة خلال العقود الماضية دفعت بالمافيات لاستغلال الفرصة ووضع أيديهم -ظلماً وبغير وجه حق- على الأملاك والعقارات الحكومية والشعبية. وكانوا يتوهمون أنه لن تستقر الأوضاع ذات يوم لاسترداد هذه العقارات المغصوبة.
إن تاريخ غصب العقارات في أفغانستان ليس بالبعيد، بل يعود إلى عصر ما بعد الحكم الملكي في أفغانستان. تحديدا عندما توتّرت الأوضاع الأمنية إثر تدخل المحتلين في قضايا أفغانستان وظهرت العصابات المسلحة التي كانت تتصرف خارج إطار القانون. فكل من كان يحمل سلاحا كان بإمكانه غصب عقار.
وفي تسعينيات القرن الماضي عندما ظهرت التنظيمات الجهادية، اغتصبت كثير من العقارات على صعيد البلد وخاصة في كابل. فلم يتركوا عقارا إلا وقد قاموا بغصبه ثم بيعه على الشعب المسكين.
حتى إنهم غصبوا السهول والجبال. وكان من ذكائهم أنهم قيدوا في الوثيقة العرفية أنّ البائع غير مسؤول أمام الحكومة. أما النصيب الأكبر من الغصب كان لقادة الجمهورية إبان الاحتلال الأمريكي؛ حيث لم يبق أحد من قادتها إلا ويوجد اسمه في قائمة الغاصبين. وحسب تصريحات يعقوب حيدري، الوالي الأسبق لكابل: بعد سقوط الإمارة الإسلامية غُصبت كثير من عقارات كابل وقد اشتدت عملية الغصب بين عامي 2009 و2010. وأضاف يزيد حيدري: أن أكثر الأراضي المغصوبة في كابل تقع في مديريات جار آسياب، ده سبز، بجرامي، شكردره وبغمان.
أمّا على صعيد الولايات، فقد اغتصب أكثر العقارات في ولايات: كابل، هرات، بلخ، كندهار، ننجرهار، كندز، كابيسا، بغلان، تخار، نيمروز، خوست، لوجر وغزني.
ويمكن تقسيم الغاصبين إلى أربعة فئات؛ الفئة الأولى: هي من غصبت فوق مائة جريب، والفئة الثانية: هي من غصبت أقل من مائة جريب، والفئة الثالثة: هي من غصبت أكثر من جريب، والفئة الأخيرة: هي من غصبت أقل من خمس مائة جريب.
هنالك أنواع عدة من العقارات المغصوبة؛ منها الأراضي الحكومية، وغالبها اغتصبت من جانب أصحاب الحكم، وغصبها كان سهلاً جداً لأن دفة الحكم كانت في أيديهم. وكان أصحاب الحكم لهم أساليب مختلفة في غصب الأراضي. فوفقا لتحقيق نشرته إحدى الصحف: زاد عدد الأراضي المغصوبة على مليوني فدان. وهذا رقم تحصلت عليه بعض منظمات مكافحة الفساد لكن الرقم الحقيقي أكبر منه. أما العقارات الحكومية المغصوبة تشمل الأراضي الزراعية والاستملاكية والمساحات الخضراء والأراضي المخصصة لبناء المكاتب والمشافي.
وبناء على ذلك بنيت في كابل مئات الأبنية والمنازل على العقارات الحكومية. فوفقا لتصريحات الشيخ حمدالله النعماني، وزير الإعمار، اغتصب أكثر من ثمانين بالمائة من الأراضي الحكومية في أفغانستان.
والقسم الثاني من العقارات المغصوبة هي عقارات عامة الشعب. فالحروب والنزاعات الداخلية سببت هجرة واسعة في عموم البلاد فاستغل الغاصبون الأوضاع في غصب العقارات والمنازل. وهنالك عدد كبير من العقارات المغصوبة في كابل والولايات الأخرى. لذلك من المعضلات التي تواجهها بلدية كابل أنّه توجد للعقار الواحد أكثر من عشرة وثائق! من المضحك أن أصحاب الحكم والقدرة عندما كانوا يريدون غصب عقار، كانت الدفاتر والسجلات تنقل إليهم.
والقسم الثالث هي عقارات مواطنين هندوس. وأفاد تحقيق منظمة خانه آزاد أفغانستان أن تسعين بالمائة من عقارات هندوس أفغانستان في ولايات كابل، خوست، ننجرهار، غزني، هلمند وكندهار قد اغتصبت. حتى في بعض الولايات طالت عملية الغصب معابد الهندوس ومكان حرق موتاهم. وقبل أشهر التقى جمع منهم بعمدة كابل واستعانوا به في استعادة عقاراتهم المغصوبة.
وقد حاولت الحكومات المتعددة في أفغانسان استعادة الأراضي المغصوبة من قبضة الغاصبين لكن الفساد المستشري وضعف القانون عرقل العملية. وقد بادر برلمان النظام السابق بتصويب لائحة استرداد العقارات المغصوبة لكنها بقيت حبرًا على ورق. وكان التطرق إلى قضية الغصب والغاصبين من الجرائم الكبيرة التي لا تسامح فيها. لذلك عندما قامت إحدى الجرائد الرسمية بنشر قائمة الغاصبين، قام الغاصبون بتهديد وإرعاب كتاب الجريدة حتى أنهم لمدة كانوا تحت مراقبة قوات الأمن. وهكذا كان الحال في جميع الحكومات التي شهدتها أفغانستان بعد عصر داوودخان عدا المدة القصيرة لحكم الإمارة الإسلامية في التسعينات القرن الماضي.
وقبل سنتين عندما فتحت مدينة كابل بأيدي أبطال الإمارة الإسلامية واستقرّ الأمن والسلام في البلاد، كان من المتوقع مبادرة قادة الإمارة في استعادة العقارات المغصوبة. سواء كانت عقارات حكومية أو شعبية. لذلك أصدر أمير المؤمنين الشيخ المجاهد هبة الله أخندزاده -حفظه الله- قرارًا تاريخيًا حول استعادة العقارات المغصوبة. ففي المرسوم الذي صدر من مكتب أمير المؤمنين -حفظه الله- أمر بتشكيل لجنة من الوزارات التالية: وزارة العمل والقضايا الاجتماعية، وزارة الإعمار، وزارة الزراعة، ورئاسة بلدية كابل تحت رئاسة وزارة العدل لمتابعة قضية الغصب والاستماع إلى شكاوى من لديه سندات تثبت أن عقاره قد اغتصب. جنبا إلى ذلك، أمر أمير المؤمنين بتشكيل محاكم خاصة في هذا الشأن.
وقد بدأت اللجنة عملها رسميًا بداية العام الجاري، ومن المقرر مراجعة ملفات جميع العقارات التي اغتصبت خلال عصور التوتر والتأزم. وحسب تصريحات المتحدث باسم اللجنة: استطاعت اللجنة -حتى الساعة- استرداد أكثر من 589,499 عقار من أيدي الغاصبين. وأحيلت ملفات أكثر من أربعة مليون قضية غصب إلى المحكمة لإصدار القرار.
لاشك أن مشكلة غصب العقارات تعد من أعقد القضايا في أفغانستان وحلها يحتاج إلى صبر ودقة. لذلك جعلت اللجنة الصبر والبحث الدقيق نصب عينيها حتى لا يضيع حق ولا يظلم أحد. إنجازات اللجنة خلال الأشهر القليلة بعد انطلاقها جعل الناس متفائلين باستعادة جميع الأراضي المغصوبة، وإغلاق ملف الغصب في أفغانستان، ولا شك أنّ هذا التوفيق والنجاح من الإنجازات المهمة للإمارة الإسلامية.