لقاء مع والي ولاية بنجشير السيد قاري محمد آغا حكيم
أجرت شبكة يقين الإخبارية، لقاءاً مرئياً مع والي ولاية بنجشير؛ السيد قاري محمد آغا حكيم، تناولت فيه عدة محاور على صعيد الحياة الشخصية للوالي، ودوره في الجهاد ضد السوفييت، ودوره زمن الإمارة الأولى، ثم دوره في الجهاد خلال حقبة الاحتلال الأمريكي للبلاد، وأخيراً دوره ومسؤولياته بعد طرد المحتلين وفتح كابل وحكم الإمارة الإسلامية للبلاد.
أجرى الحوار؛ الإعلامي أويس الجلبي، وبثته شبكة يقين بتاريخ 23 يوليو 2024م.
وفيما يلي نقدم للقراء الكرام محتوى اللقاء مفرغاً:
♦ اسمح لي أن أبدأ بالولادة والنشأة؛ معالي الوالي إلى أي ولاية ينتمي، أين وُلِد، وأين ترعرع؟
اسمي قاري محمد آغا حكيم، وُلدت في ولاية لوجر، وقضيتُ مرحلة طفولتي هناك، ودرستُ الدروس الابتدائية عند إمام المسجد في قريتنا هناك في لوجر.
♦ هل بقيتم في محافظة لوجر إلى سن البلوغ أو حتى الشباب أم ظروف الحرب اضطرتكم لمغادرتها؟
بقيت في لوجر إلى أن أصبحت ابن ثمانِ سنوات. ومع الاحتلال السوفيتي أصبَحَت الظروف صعبة، وبسبب الحرب والقصف وسقوط الشهداء؛ اضطررنا إلى الهجرة إلى باكستان واستقررنا هناك.
♦ هل سمحت الظروف في باكستان أن تواصلوا في دراستكم وتعليمكم؟
حينما هاجرنا إلى باكستان؛ استقررنا في مخيم اسمه (خساره) في منطقة (كارماهيجنسي)، وبقينا في ذلك المخيم لمدة سنة، فدرست الصف الأول هناك، ثم انتقلنا إلى بشاور في منطقة (مهاجر بازار، حي الهجرة) وبقينا هناك. وأتممت دراستي الثانوية. وبعدها التحقت بإحدى الجامعات التي كانت هناك.
وكما تعلمون، فقد كانت الأجواء أجواء النضال والكفاح، وكنت أحب الجهاد، فغلبني حب الجهاد وتركت دراستي، والتحقتً بالجبهات، وكان هذا بعد عام من انسحاب الروس، أثناء المواجهة مع الحكومة الشيوعية. ثم في فترة لاحقة عدتُ مرة أخرى لدراسة الجامعة، ثم انقطعت عن الدراسة مرة أخرى بسبب الجهاد. وبعد ذلك لم أتمكن من استكمال دراستي الجامعية.
♦ هل هناك قصة أو مشهد مازال عالقاً في ذهنكم من مرحلة الجهاد ضد الحكم الشيوعي (حكومة الدكتور نجيب)؟
نعم، في ذلك الوقت كنتُ في ريعان شبابي، وكان عمري حوالي 15 سنة عندما التحقتُ بأول معسكر جهادي، فقمنا بالإعداد والتدريب العسكري، وتعلمنا استخدام الأسلحة.
وبعد مرحلة التدريب، خرجنا لنشارك في أول عملية حربية، وعندما اقتربنا من مكان تنفيذ العملية تعرضنا لقصف بالطائرات الحربية التي ألقت علينا قنابل عنقودية كبيرة تحوي بداخلها 50 إلى 60 قنبلة صغيرة، تعرضنا لهذه الغارة ونحن نستقل شاحنة محملة بالصواريخ وقذائف الهاون. وعندما علم السائق أن الطائرات قد شنّت علينا غارة جوية؛ خفّض السرعة وألقى بنفسه خارج السيارة دون أن يوقفها، فحاولنا جميعاً ترك السيارة وهي تسير ببطء، فقذفنا بأنفسنا خارجها.
وتم قصف المنطقة، وانتشرت القنابل في كامل المنطقة، وكان هذا المشهدُ غريباً عليّ؛ لأن عمري كان صغيراً، وكنت أواجه هذا المشهد لأول مرة، لكن رغم كل المخاطر كنا فرحين وراضين.
ثم بادر أحد رفاقنا وجلس مكان السائق وأوقف السيارة، ثم وصلنا إلى موقع تنفيذ العملية، واستهدفنا مراكز العدو بالصواريخ التي كانت بحوزتنا.
كانت هذه أول عملية صواريخ ننفذها في ولاية جلال أباد في منطقة (فارم اثنان). كانت أول رحله جهادية لي، وذكرى جميلة مازالت عالقة في ذهني، ولن أنساها طيله حياتي.
♦ في المرحلة التي أعقبت الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، ودخول المجاهدين إلى كابل ثم نشأة المشاكل بين قياداتهم؛ هل لديكم أي قصة أثّرت فيكم في تلك الفترة، قبل التحاقكم بحركة طالبان؟
عندما دخل المجاهدون إلى المدن وسقطت الحكومة الشيوعية، دخلنا نحن مع رفاقنا إلى جلال أباد، وبعد ذلك وبرفقة بعضهم ذهبت إلى لوجر، وكنتُ هناك في بداية الفتح، وحينما شاهدنا الفوضى في صفوف المجاهدين وعدم الاهتمام برعاية المال العام ووضعه في مصارفه الصحيحة؛ شعرنا بعدم تحقق الهدف الذي جاهدنا من أجله، وكان هذا قدر الله سبحانه وتعالى.
كنا نأمل أن يكون هناك نظام يطبّق الشريعة ويعيش الناس تحت ظله آمنين مطمئنين، وهذا لم يحصل؛ لذلك تركنا جميع الأحزاب وعدنا إلى مواصلة دراستنا، ولم ندخل مع أي حزب ولم نشاركهم في شيء ولم نتورط في أي مشاكل داخلية، بل كنا حزينين جداً، ونتساءل: لماذا يوجه المسلمون بنادقهم لبعضهم ويتقاتلون؟
كانت هذه خطط أعدائنا وأعداء أفغانستان، بحيث يسعون لإلقاء العداوة والبغضاء بين المجاهدين ليتواجهوا بالسلاح، وبالتالي لا ينشأ نظام شرعي مستقر في أفغانستان.
♦ بعد عودتكم إلى الدراسة في هذه المرحلة، هل تذكرون أحد المشايخ أو الأساتذة الذين كانت وصاياهم أو كلماتهم مازالت تؤثر فيكم وعالقة في ذهنكم؟
عندما عدنا إلى مدارسنا، كان الأساتذة كلهم، ولا أذكر أستاذاً بعينه، كلهم كما كانوا يربوننا على الفكر والعقيدة الجهادية؛ كانوا يوصوننا دائماً بعدم الدخول في هذه الأحزاب التي تتصارع فيما بينها، وكانوا يحذروننا من رفع البندقية ضد المسلمين والخوض في معارك داخلية، ويقولون: هذه حروب بين المسلمين تراق فيها دماء المسلمين فلا تشاركوا فيها أبداً.
وأثناء سعينا لاستكمال الدراسة، ظهرت حركة طالبان. وابتداءً تواجدتُ في (سبين بولدك) وهي إحدى مديريات قندهار، فجئنا وانضممنا للحركة تحت قياده الملا محمد عمر مجاهد -رحمه الله-، وواصلنا الطريق في مسيرنا الجهادي.
♦ هل سنحت لكم الفرصة بأن تلتقوا الملا محمد عمر؟
في ذلك الوقت كنا شباباً متحمسين ورغبتنا هي التواجد في ميادين القتال، كان عمرنا صغيراً فلم نطلب زيارته أو لقاءه، وكنا مشغولين جداً في المعارك، فلم تسنح لنا الفرصة بلقاء الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
♦ في فترة الإمارة الأولى هل كانت لكم أي مشاركة في أي مستوى من مستويات الحكم؟
في بداية حركة طالبان لم يكن الحكم في يدها، وكنّا جميعاً في ساحات القتال. وبعد فتح كابل بقليل، تم تعييني ضمن وزارة التعليم العالي، تحديداً في رئاسة جامعة (بوليتكنيك)، وهذه الجامعة الواقعة في كابل بناها الروس خلال فترة احتلالهم لأفغانستان، وفيها كليات الهندسة، كنتُ في هذه الجامعة نائباً إدارياً.
♦ هل بقيتم في هذا المنصب لحين الحرب الأمريكية على أفغانستان؟
بقيت في هذا المنصب لمدة سنتين. ثم ذهبت إلى مناطق المتمردين في الشمال، وانخرطتُ في العمل العسكري هناك. وبقينا في الحصار لمدة طويلة تصل إلى ستة أو سبعة أشهر.
وحينما عدنا، بدأت الحرب الأمريكية على البلاد، وسقطت الإمارة، وبالتالي لم تسمح الفرصة بتعييني في منصب آخر.
♦ بعد أن سقطت الإمارة الأولى، هل بقيتم في مناطق الشمال لتبدأوا مقاومة الاحتلال الأمريكي أم انتقلتم إلى مناطق أخرى؟
حينما انتهى حكم الإمارة الأولى كنت في كابل، وبدأ السقوط أو التراجع من الشمال إلى الجنوب والجنوب الغربي من كابل إلى ميدان وغزني، ومن هناك باتجاه لوجر وباكتيا وبكتيكا. فنحن كنا في لوجر وخرجنا إلى باكتيا والى خوست، إلى أن سقطت جميع المحافظات.
وفي النهاية، ذهبنا إلى منطقة وزيرستان، ومن هناك إلى بيشاور -دار الهجرة الأولى-، وأيام السقوط هذه كانت أياماً مؤلمة ومؤسفة جداً.
♦ ما هو الفرق بين الهجرة الأولى إلى باكستان وأنتم في عمر ثمان سنوات والهجرة الثانية إليها وأنتم في عمر أكبر؟
الفرق هو أننا في الهجرة الأولى كنا صغاراً لا نعلم كثيراً من القضايا، ولا ندرك عمق ما يجري وأين نذهب، ولكن الهجرة الثانية، عندما فقدنا النظام الإسلامي وفقدنا النظام الذي حصلنا عليه بتضحيات هائلة؛ كانت تلك الفترة مليئة بالحزن والهم والغم، وأصبح حال البعض كأنه في سكرة لا يعلم ماذا حدث وكيف حدث. ولكن -الحمد لله- بسبب وجود حب الجهاد الذي كنا نحمله في صدورنا وقلوبنا لم نيأس.
حينما عدنا إلى دار الهجرة استطعنا في مدة قصيرة أن نجمع شتاتنا ونبدأ المقاومة ضد الاحتلال اليهودي-النصراني، واستطعنا العودة إلى ميدان الجهاد والاستشهاد في وقت قصير، وتمكّنا من تجميع رفاقنا الذين كانوا معنا في الإمارة، فتشاورنا وشددنا أزرنا جميعاً للجهاد مرة أخرى، ودخلنا أفغانستان بنية الاستشهاد، وبدأنا بتنفيذ العمليات على العدو.
♦ كم بقيتم في باكستان في تلك الفترة؟
في تلك المرحلة عندما ذهبنا إلى باكستان؛ بقينا أقل من سنة إلى أن نسقنا أمورنا ونظمنا صف جهادنا، فتشاورنا بأن كل واحد سيذهب إلى ولايته أو محافظته ويقيم علاقة مع الرفاق الذين كانوا معنا في البداية، وليبدأوا بهجمات الكرّ الفرّ والكمائن ضد الاحتلال.
تقريبا قضينا عشره أشهر قبل أن نعود لأفغانستان ونبدأ العمليات الجهادية.
♦ هل ذهبتم إلى منطقتكم كمقاتل أم كقائد عسكري للمنطقة؟
في البداية عندما بدأ الجهاد كان كل واحد منا يقاوم منفرداً بنفسه، وكل شخص يذهب لمنطقته أو إلى ما يجاورها وكان المطلوب منه أن يزور كل شخص يعرفه ومتأكد من أن هذا الشخص لديه الرغبة في الجهاد فيذكّره بأن العدو قد احتل بلادنا وانتهك مقدساتنا ويعمل خلاف معتقداتنا. لذا في البداية بدأنا بالجهاد بشكل فردي، والحمد لله الشعب الأفغاني شعب مجاهد، وكلما كنا نتشاور مع الناس ونعرض عليهم الأمر كانوا يتفاعلون بإيجابية ويساندوننا، إلى أن استطعنا في وقت قصير بدء الهجمات المباغتة على العدو.
والمقاتلون كلهم كانوا يقاومون بشكل فردي بلا قيادة موحدة.
♦ في أي سنة تقريباً كان هذا الوضع؛ قبل أن تتشكل القيادات والمناطق العسكرية؟
كان هذا تقريباً في بداية عام 2002 حيث بدأنا بالتحركات الجهادية.
♦ هل تم تنظيمكم لاحقاً وتم تكليفكم بمهام ضمن هيكلية الإمارة في ثوبها الجديد؟
الحمد لله، عندما بدأنا بالفعاليات الجهادية أمر قائدنا الراحل المرحوم ملا محمد عمر مجاهد كل قادة الإمارة بالاختفاء لحين استبانة الأمر، ثم تم التشاور لتعيين المسؤولين، وبدأت المقاومة ضد الاحتلال.
وبعد ذلك بقليل، عيّن الملا محمد عمر -رحمه الله- نائبين له، وأرسل لنا عبر الأشرطة المسجلة: بأن فلاناً وفلان نائبان لي، وأن القيادة في يديهما، وأن على كل فرد في الإمارة أن يطيعهما. وبعدها كان أفراد الإمارة يذهبون إلى قيادات الحركة للبيعة، وتنظمت الحركة الجهادية. وبعد ذلك بقليل، عُيّن مسؤول وقائد لكل ولاية، وتحت قيادته تُنظم صفوف الجهاد ويتم تطويرها من وقت لآخر.
♦ في تلك المرحلة هل توليتم أي قيادة أم كنتم تابعين لأحد القادة المعروفين حالياً؟
في ذلك الوقت كانت التشكيلات في مراحلها الابتدائية وكان الكل لا يقبلون المسؤولية بسهولة. وفي ذلك الوقت عُرِض علي أن أختار استلام المسؤولية بين ولايتين، وأنا رفضت؛ لأنني كنتُ أحاول أن لا أتولى المسؤولية وأن أبقى في المقاومة الفردية؛ لأن قبول المسؤولية يجعلك مشهوراً وينكشف أمرك وبعد ذلك يصبح تنقلك صعباً ويصعب عليك القيام بالمهام الجهادية بشكل جيد؛ لذلك لم أتولى مسؤولية معينة، بل كنت مع رفاقي نقاوم بشكل فردي وكنا نجهز رفاقنا من المقاومين في خمس أو ست ولايات أخرى. كانت عملياتنا مستمرة، وكان الأغلب يفرون من المسؤولية. ورغم ذلك، تم تعيين مسؤولين، وكنا نطيعهم.
♦ هل هناك قيادة من قيادات الحركة جمعتك به علاقة خاصة أو تذكر له مواقف معينة؟
بعد توغل الاحتلال وفي بداية ظهور الحركة من جديد، كانت لدينا علاقة مع خليفة سراج الدين حقاني في مناطق شمال وزيرستان، وكانت تجمعنا الصداقة الجهادية، وتحت قيادته كنا نقوم بالعمليات العسكرية، فكنا في هذا الطريق معاً، منذ ذلك الوقت وحتى الآن نحن بفضلهم وتحت إمرتهم نخدم في الإمارة.
♦ هل استمررتم على هذا الوضع لحين فتح كابل أم كانت هناك تغيرات في مسيرتكم؟
في مسيرة الجهاد هناك تحديات كثيرة؛ هناك السجن، والأسر، والشهادة، والجرح.
ونحن كان هدفنا وتركيزنا في العمليات على المدن، وخصوصاً كابل وجلال باد ومدن أخرى، ولدينا تجربة كافية في تنفيذ العمليات في المدن، وكنا فاعلين جداً في مدينة كابل.
وفي سنة 2005 اعتُقِلتُ في كابل من قبل الأمريكان، ثم انتقلت إلى سجن باغرام. وبقيتُ في السجن هناك حوالي خمس سنوات ونصف. وبعد الإفراج، ذهبتُ مباشرة إلى الجبهة الجهادية في منطقة (أميري) بميران شاه.
وخلال الفترة التي كنت فيها مسجوناً، وبفضل الله ثم بفضل حسن القيادة والإدارة والتنظيم؛ تحسّن ترتيبنا وتنظيمنا بشكل كبير عمّا كان عليه قبل سجني، وقد لاحظتُ التطور الكبير في كل النواحي؛ في المهارة العسكرية، وقدرات المجاهدين. كانت القدرات قد تطورت وتضاعفت بنسبه 60%، حتى من حيث عدد المجاهدين الذين تدربوا في المعسكرات وتعلموا المهارات العسكرية. وأصبح صف الجهاد أكثر تنظيماً ويُقاد بشكل أفضل. والحمدلله التحقت بهم وواصلتُ مسيري الجهادي.
♦ عادة ما تكون فترة السجن فترة قاسية على من يخوضها. ما الذي يمكن أن تحدّثنا عنه بخصوص مرحلة سجن باغرام؟
حينما اعتُقِلتُ في كابل وضعني الأمريكان في مكان مؤقت، وقاموا بالتحقيقات الأولية وأخذوا المعلومات وفتشوني وكتبوا اسمي وعنواني ثم نقلوني إلى سجن باغرام. طبعاً الأمريكان خلقوا أجواء مرعبة ووحشية في هذا السجن؛ وذلك لزرع الخوف والرعب في نفس كل من يدخله. لقد كانوا يعاملون الأسرى بقسوة.
وعندما دخلت السجن نقلوني إلى (تور زندان) أي السجن الأسود، وكنت أول سجين بقي في هذا السجن لمدة شهرين، وكان هناك ظلم ووحشية لدرجة لا يمكن للإنسان أن يتصورها. بالطبع كنا في مرحلة جمع المعلومات؛ لذلك كل أنواع التعذيب التي يمكن أن تخطر بالبال كان يتم استخدامها، وكان التعذيب النفسي أكثر من التعذيب الجسدي.
استمر استكمال ملفي لشهرين. وكان الوقت بداية فصل الشتاء والجو بارد، وكانوا يضعوننا في الغرف المظلمة ويتم تشغيل التكييف، وكانت هناك غرف متتعددة؛ غرف مضاءة بشدة، وغرف حارة جداً، وغرف باردة، وغرف تحت الأرض، وحاويات الكونتينر المختلفة. وكانوا يغيرون المكان كل يوم ويضعون السجين تحت الضغط والتعذيب؛ ليدخلوا الرعب والخوف إليه فيعترف بما يريدونه ويقبل ما يطلبونه منه.
بقيت شهرين في السجن الأسود، ثم نقلتُ إلى الزنازين العامة، وكان أحدها باسم (مين فورم) وآخر باسم (كي سبين). وفي هذا السجن كان هناك في كل زنزانة تقريباً 20 رجلاً.
حينما نُقلتُ إلى باغرام، كان عدد السجناء 500 إلى 600، وكان هناك انتهاك للدين والمقدسات وانتهاك لكل حقوق الإنسان، بل لا يوجد أي حقوق للسجين، وليس هناك أي تعامل إنساني، حتى لا يُعطى السجين حقوق الحيوان. كانوا يستخدمون كل أنواع التعذيب والطرق للوصول إلى الهدف الذي يريدونه ويأخذون من الأسير كل الاعترافات حسب رغباتهم ليكملوا ملفه ويضعون فيه المبرّرات لإبقائه طيلة المدة التي يريدونها.
طيلة خمس سنوات مكثتها، لم نكن نخضع لأي قانون خاص أو عام، ولا يوجد أي قانون من قوانين العالم مطبق، فلا يوجد مدعٍ ولا قاضٍ ولا محامٍ، ولا يعرف أي أحد منا كم مدة سجنه وإلى متى سيكون في السجن؛ هل مدى الحياة أو 50 سنة أو 20 سنة.
طيله الوقت كان السجناء تحت ضغط نفسي عالٍ، وكل واحد يفكر بأنه سيبقى مدة طويلة، وكان المحققون يشيعون بين السجناء أنكم ستبقون 50 إلى 60 سنة ولا يمكن لأحدكم أن يخرج من هنا، ولن يرى شيئاً من الدنيا، وعندما تخرجون من السجن لن تروا آباءكم لأنهم سيكونون قد ماتوا، وسيصبح أبناؤكم شيوخاً كباراً. وهكذا يخوفون السجناء ويعذبونهم نفسياً، فيقضي السجناء أوقاتهم مظلومين يائسين ومحرومين من أبسط حقوقهم.
السجن الذي يحكمه أي قانون أو تكون فيه حقوق السجين واضحة؛ يعرف السجين إلى أي مرحلة وصل ملفه، وإلى متى سيكون أسيراً.
80% من السجناء لم يعترفوا بشيء، ومع ذلك يبقون خمس أو ست أو سبع سنوات رغم أن ملفهم أبيض، أي ليس فيه تهمة ولا اعتراف بشيء.
عندما اعتقلوني، استخدموا كل ما يمكن استخدامه في سبيل أخذ المعلومات والاعتراف. والحمد لله، لم يحصلوا مني على أي اعتراف. وعندما سلموا ملفي لحكومة كابل كان أبيضاً.
قضيت خمس سنوات ونصف بباغرام خلافاً لكل القوانين والمعايير ودون أي حق من حقوق الإنسان. سُجِنت دون ملف، ودون اعتراف، ودون دليل أو شهود. وبعد هذه السنوات، قالوا: معذرة، أنت لم تقترف شيئاً، وملفك أبيض، فاذهب إلى بيتك وعد إلى حياتك!
في السجن تعايش اليأس والقلق. ولو يتصور الإنسان مثل هذه الحياة؛ يأخذه الخوف والرعب. السجن هو مكان مواجهة الصعوبات والتعذيب والتنكيل. ولكن الحمد لله، الشيء الوحيد الذي كان معنا ويجعلنا مطمئنين؛ هو عقيدتنا وإيماننا وثقتنا الكاملة بربنا بأننا سوف ننجح. ولأننا خرجنا في سبيل الله وفي سبيل الكفاح المقدس؛ كنا نؤمن إيماناً جازماً بأن الله -سبحانه وتعالى- سينصرنا، وكنا نؤمن بتحقيق هدفنا بأن الله سيحققه ذات يوم إن شاء الله، وسيوصلنا إلى الهدف.
والحمد لله، لقد منّ الله -سبحانه وتعالى- علينا بكثير من إحسانه وإنعامه. نحن عشنا أوقاتاً في السجن وكأننا في مدرسة، وحوّلنا السجن إلى مدرسة دينية، وكنتُ أدرّس القران لحلقة تحفيظ داخل السجن، وأنا كذلك حفظت القرآن في السجن، ومن ثم -بحمد الله- درستُ كتب الفقه وكتب الحديث الصحاح الستة والتفاسير، يعني لم نضيع دقيقة من الوقت في السجن باللهو واللعب والخمول.
في جميع الأوقات كنّا ندرس عند بعض الأساتذة أو ندرّس الآخرين، حتى أنه تقريبا 60% من السجناء أصبحوا حفاظاً للقرآن. وكنا نقيم حفلة لتكريم هؤلاء الحفاظ والذين درسوا كتب الفقه والحديث.
والكفار كانوا يقولون لنا: أنتم هنا لستم في السجن، أنتم في مدرسة أو جامعة! وفي السجن، ذات مرة، أخذني المحقق وسألني: أين أنت مسجون؟
فأجبتُ قائلاً: إنني سجين في سجن لا يحكمه أي قانون، وسجين في أبشع وأقبح سجون العالم الذي لا يعرف كرامة للبشر؛ فلا يوجد أي حقوق للبشر هنا، ولا يوجد شيء سوى الرعب والتهديد والوحشية، هنا ليس للإنسان أي قيمة، ولا معنى لكرامته.
فقال لي المحقق: أنت أخطأت في رأيك هذا.
قلت: كيف؟
قال: أنت الآن هنا جالس في جامعة الدعوة والجهاد، أنت كل يوم تدعو الناس إلى الجهاد وتشجعهم على القتال، أنت كل يوم في السجن تدرس أو تدرّس التلاوة، وتدارسون القرآن، وتقيمون الليل، وتصلون وتتعبدون، يعني أنتم في جامعة الدعوة والجهاد، ولستم في السجن كما قلت.
فالحمد لله، نحن حقاً غيّرنا أجواء السجن وأصبحنا كأننا في معهد ديني أو مدرسة أو في جامعة. ونحن -الحمد لله- تعلمنا الكثير من السجن، وأخذنا فوائد كبيرة، ومن خلال تعامل الكفار واعتداءاتهم؛ رأينا عدوانهم وعداوتهم وبغضهم الذي يحملونه في قلوبهم وصدورهم تجاه المسلمين والأمه الإسلامية. نحن أخذنا عِبراً وفوائد كبيرة، وتعرّفنا على عدونا بشكل أعمق، وأصبحنا متيقنين بأن هذا العدو هو من عرّفه لنا الله تعالى في القرآن بقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). والحمد لله، عندما خرجنا من السجن كانت قوتنا المعنوية قد ارتفعت وقويت هممنا؛ ما دفعنا بحماس لاتخاذ قرار العودة لصفوف المجاهدين فور خروجنا من السجن، وواصلنا مع رفاقنا مسيرتنا الجهادية. والحمد لله.
♦ هل الاعتقال تم بناء على وشاية أم اعتقال عشوائي؟
لدى الأمريكان شبكة استخبارات قوية جداً، وكانوا يراقبون الاتصالات، فوصلت المعلومات لهم، وعبر مراقبة رقم هاتفي تم تحديد مكاني واعتقالي. ولأنه ليس لديهم أكثر من معلومات الهاتف وشهادة جاسوس أن هذا الرجل له نشاط؛ لم يتمكنوا من إثبات شيء علي، فقط لديهم معلومات أن هذا الرجل لديه تحركات في منطقة كذا، وما سوى ذلك لا شيء.
♦ وعلى أي أساس تم إطلاق سراحكم؟
كما ذكرتُ سابقاً؛ بأنهم لم يحصلوا على المعلومات من قبل، وعلى حسب قوانينهم: فإن السجين لابد أن يعترف بنفسه هو أو على لسانه بأنه هو فعل كذا. ونحن -والحمد لله- كنا مستعدين لهذه المرحلة، وبما أن لدينا معلومات حول الوضع في السجن وكيف تكون التحقيقات، وكيف ينبغي التعامل مع الموقف أثناء التحقيق، فالحمد لله كنا نعرف كيف نجيب على المحقق، ومهما ضغطوا علينا ما استطاعوا أن يحصلوا منا على الاعترافات أو المعلومات التي تهمهم أو بأني فعلت شيئاً ضدّهم؛ فنتيجة لذلك أطلقوا سراحي.
♦ بعدما تم الإفراج عنكم، تقريباً في سنة 2011، في هذه المرحلة هل كنتم مستمرون في القتال على الأرض أم أصبحت لديكم مهام أخرى؟
عندما تم الإفراج عنّا؛ ذهبنا مباشرة إلى ميدان القتال، والتقينا قائدنا وأخذنا منه الأوامر والإرشادات، وكنّا متحمسين جداً وهمتنا عالية ولدينا حماس للبدء بالجهاد والقتال؛ بحيث لا يشفي صدورنا تولي أي مسؤولية أخرى. فالتحقنا بصفوف المقاتلين، والحمد لله، نفذنا عمليات ضد العدو أوجعنا بها قلوبهم ولقنّاهم دروساً وعِبَراً لن ينسوها. وأدت هذه العمليات لقرار التفاوض معنا، وعلِموا بأن أفغانستان لن تكون بيتاً آمنا لهم، ولن تتقبلهم أبداً.
ونحن بقينا إلى النهاية في صف المقاتلين، وفي ساحة المعركة.
♦ قد تمر على الإنسان في حالة الجهاد وحالة السجن قصصاً، أو كما تسمونها: كرامات، فهل ممكن أن تشارك معنا بعض القصص من هذه المرحلة؟
في فترة السجن تمرّ على الإنسان كل يوم حالة جديدة، وخاصة في السجون الأمريكية؛ يخطّطون كل يوم خطة جديدة ليقوموا من خلالها بتعذيب السجناء نفسياً؛ كي لا يكون السجين في راحة: يأكل ويشرب وينام، بل كل يوم توضع خطة ليكون السجين تحت الضغوط النفسية العالية، ولجعله يشعر بالقلق والضيق النفسي والحزن والاكتئاب؛ حتى إذا خرج من السجن، لا يخرج سليماً، بل يخرج متوتراً ومريضاً نفسياً، وبالتالي لن يتمكن من المقاومة ضد الاحتلال. هذه خطتهم.
حقيقة هناك آلاف من القصص في السجن. أذكر واحداً منها: وهو بما أن الأمريكان يخططون يومياً للضغط أكثر على السجين نفسياً، فقد عينوا لهذه المهمة أشخاصاً، فكانوا يُخرجوننا من الزنازين إلى الخارج في الأسبوع مرة أو مرتين، وكان لدينا مصاحف وقليل من الكتب حصلنا عليها بعد محاولات كثيرة ومظاهرات عديدة، وحينما كانوا يُخرجوننا، يقومون بتفتيش كل زنزانة، وتخيّل أن كل زنزانه كانت تُخصص لعشرين شخصاً ويُوضع لهم حمامٌ واحدٌ في زاوية المكان بشكل مخالف لأصول الأخلاق والغيرة الأفغانية، حمامٌ واحدٌ بحالة سيئة ويُستخدم للاستحمام عند الضرورة، وكذلك للوضوء من قِبَل 20 شخصاً! المهم كانوا خلال التفتيش يُلقون المصاحف في الحمامات، وعندما يعود السجناء من الخارج، يرون المصحف في الحمام؛ فيغضب السجناء ويبدأون في المظاهرات ويضربون الأسوِجة، فيأتي الأمريكان ويُطلقون علينا قنابل الغاز، التي كانت تسبّب الاختناق وتؤدي لوفاة البعض أحياناً، وإذا لامست هذه المواد أي جزء من بدنك؛ تشعر بالحرق لمدة أسبوع وكأنها تشتعل.
فالسجناء في مثل هذه الأحوال يتظاهرون ويقومون بكسر الأسوِجة والأنابيب وكل ما يمكن أن يصل إلى يد السجين، مثلا: مناديل ورقية يبللونها ويرمون بها الأمريكان، أو يرمونهم بعلب الماء، أو بتفاحة أو برتقالة تُعطى أحياناً للسجناء.
أحياناً هذه المظاهرات تُصبح قوية ويضطر الأمريكان لترك السجن خوفاً من أن تُكسر الأسوِجة ويتمكن السجناء من مهاجمتهم، وكانوا يكتفون حينها بالمراقبة عبر الكاميرات.
وفي كثير من الأوقات إذا اشتد الأمر، ينادوننا عبر مكبرات الصوت ويطلبون الجلوس للتفاوض، وكان هناك رئيس عيّنه السجناء، فيذهب رئيس السجناء ورئيس من كل زنزانة ويُعقدُ اجتماع. ويسألوننا: لماذا عملتم مظاهرة؟
فنحن نقول لهم: أنه في سياج فلان أو تلك الزنزانه أُلقي المصحف أو كتاب الحديث في الحمام، ولأجل ذلك نحن نتظاهر، ولأجل هذا الكتاب نحن نحاربكم، ولأجل هذا نضحي بأنفسنا في السجن وخارج السجن إلى أن يكون القرآن في مجد وعزة.
نحن تظاهرنا مئات المرات وأجبرناهم بأن يصنعوا لنا رفوفاً في السجن في أعلى الجدار، لأنه لم يكن هناك شيء لنضع فيه المصاحف، وكذلك أجبرناهم على قبول مثل هذه الطلبات، وقلنا لهم: أنتم أنجاس لا تمسوا القرآن. فالحمد لله من خوفهم كانوا لا يمسون القرآن. وعندما نجتمع مع قادتهم كنا نطلب أن لا يفعل العساكر كذا ولا يفعلون كذا، لا يمسّون القرآن ولا الكتب الدينية ولا يلقونها في مكان غير مناسب ولا يفتشونها، وإن كان هناك ضرورة، فيقوم بهذا العمل المترجم، لأنه مسلم. فيضطرون لقبول هذه الطلبات.
نحن تظاهرنا لثلاث سنوات من أجل القرآن. فأولاً أعطونا كرتونات صغيرة نضع عليها المصاحف، ومن ثم صنعوا لنا الرفوف الحديدية في الأعلى.
فالحمد لله، السجناء المجاهدون الأفغان كانوا يدافعون عن معتقداتهم وعن مقدساتهم، حتى داخل السجن، وفي الأغلال، وإلى آخر رمق في الحياة. ولقنوا الكفار درساً وأقنعوهم أنهم لن يتراجعوا إلا لو قُتِلوا جميعاً، وبخلاف ذلك، فإنهم يدافعون عن معتقداتهم ومقدساتهم ولا يمكن أن يتخلوا عنها أو يقدموا التنازل، بل يوماً بعد يوم تزداد قوتهم ويتحملون الشدائد بشكل أكبر، أما الكفار فيوماً بعد يوم كانوا ييأسون ويقنعون أن هؤلاء الناس لا يمكن التغلب عليهم مهما حدث. فإن كان الشخص في السجن مربوطة يديه ورجليه، ومع ذلك يدافع عن عقيدته ومقدساته مقابل حياته، فهذا منتهى الشجاعة والمقاومة.
هذا العدوان والظلم والوحشية الأمريكية، جعلت أعداد الاستشهاديين في الميدان بالآلاف، ليدافعوا عن مقدساتهم ومعتقداتهم، لأن السجناء كانوا يحكون القصص للناس عندما يُطلق سراحهم، ويقولون للناس أن هؤلاء يُلقون المصاحف في الحمام ويدوسونه بالأقدام.
تلك القصص كان يسمعها الشباب المتحمسون، كانوا يتهيئون للقتال والاستشهاد، وتشتد عزائمهم، وبالتالي تزداد قوة المجاهدين يوماً بعد يوم، بينما تضعف قوة العدو.
العساكر والمحققون الأمريكان كانوا يقولون لنا: نحن تجولنا كثيراً في العالم، ورأينا كثيراً من المسلمين، ورأينا العالم العربي كله، والعالم الإسلامي كله؛ أندونيسيا، ماليزيا، تركيا، قطر، الإمارات، ويذكرون جميع البلدان الإسلامية، ثم يقولون: هم مثلنا، لا يوجد عندهم حساسية تجاهنا، لكنكم في أي موضوع -صغير أو كبير- تتشاجرون معنا وتتنازعون، في حين أنكم مقيّدون وأسرى وسجناء داخل الزنزانة، أنتم لستم في حال الدفاع عن مقدساتكم وأنتم في السجن. ولكن المجاهدون والسجناء -في كل الأحوال- كانوا يُدافعون عن مقدساتهم وقيمهم الدينية.
ثم كانوا يقولون لنا: أنتم أناس عجيبون! لا يوجد أناس مثلكم في العالم! كانوا يحرّكون رؤوسهم، ويقولون: إننا لا نعرف كيف نتحدث معكم، وكيف نتعامل معكم! ثم يتركوننا ويذهبون.
♦ عند اقتراب مراحل المفاوضات من نهايتها، أي في الفترة الأخيرة قبل دخول الإمارة لكابل للمرة الثانية، هل كنتم أيضاً مستمرين في أعمال القتال أم كانت لكم مسؤوليات أخرى؟
قبل الفتح تقريباً بستة أو سبعة أشهر، وكالعادة؛ الإمارة الإسلامية في بدايه كل سنة تُعلن عن تشكيلها الإداري الجديد والتغييرات والإنتقالات في المسؤوليات والوظائف. ففي بداية السنة، انتقلت إلى ولاية نورستان كقائد عسكري، وكان التوجيه الحاسم الذي وصلني؛ أنه يجب على كل المجاهدين استخدام كل قوتهم ضد العدو، فكنا نعمل على إسقاط المديريات، وصولاً إلى مركز الولاية، ولم نكن نتوقع أن نفتح أفغانستان بأكملها، بل في المخطط أننا سنبدأ العمليات بالمديريات ومن ثم نقترب إلى مراكز الولاية.
والحمد لله، عندما جئنا إلى نورستان حاصرنا تقريباً أربع مديريات، وبدأنا بها العمليات، فأسقطنا مديرية واحدة تلو الأخرى تزامناً مع بدء الفتوحات في جنوب البلاد والجنوب الغربي، وجرى تنفيذ العمليات سريعاً إلى أن فُتِحت جميع المديريات ووصلنا إلى المراكز. ثم تقريباً في 11 يوماً سقطت جميع الولايات، وجاء الفتح من الله -سبحانه وتعالى-، ودخل المجاهدون إلى كابل، وتمت السيطرة على كامل أفغانستان، وارتفعت الرايات البيضاء في كابل، ودخل المجاهدون إلى المدن متضرعين مستغفرين شاكرين لله -سبحانه وتعالى-، وسيطر المجاهدون على الحكم في البلد بإذن الله.
♦ بعد فتح كابل، هل تسلمتم منصباً قبل منصب والي بنجشير؟
بعد الفتح، نزل المجاهدون من الجبال ودخلوا إلى المدن. فكان القرار من أمير المؤمنين أن جميع المسؤولين حسب هيكلة الإمارة، كما كانوا في السابق يشغلون مناصبهم ويقومون بوظائفهم ومهامهم؛ فعليهم الاستمرار، مثلا: الوالي يذهب إلى منصب الوالي، ومسؤول اللجنة العسكرية يشغل منصب قائد الشرطة.
الحمد لله، كان هناك -قبل الفتح- تشكيل خاص للإمارة. فوفقاً لهذا التشكيل تم تعيين المسؤولين. لذلك فكما كنتُ قائداً عسكرياً لولاية نورستان، استلمتُ مقام الولاية من والي الجمهورية السابقة، واستأنفنا عملنا مرة أخرى، وبدأنا كل شيء من الصفر.
والحمد لله، لقد فعلنا الكثير ورتّبنا الإدارات لتقوم بالخدمات للناس، وبدأنا في تنفيذ المشاريع، وفتحنا للناس مجال العمل.
وخلال العشرين سنة الماضية، كان هناك بين الناس عداوات وبغضاء واقتتال في نورستان، ولم تُحلّ هذه المشاكل، والسبب: أنه ليس هناك نظام ليقوم بحل المشاكل، لأن النظام (السابق) لم يكن يفكّر في مثل هذه الأشياء، بل أفراده يفكرون فقط في ملء جيوبهم ولا يهتمّون بأمور الشعب، ولا يشغلون بالهم بها، كانوا لا يهمهم جوع الشعب وفقره ولا رُقِيّه ولا تطوره، بل كل واحد يسرق بقدر ما يستطيع ليُشبِع نفسه. فنحن -الحمد لله- تحت ظل الإمارة، قمنا بالتشكيل الإداري المنظم، وعيّنّا المجاهدين حسب تأهلهم في مناصب مختلفة، وكمدراء؛ رسمنا المخطط للنظام، وبدأت الإجراءات تسير بشكل طبيعي، وأصبحت معاملات الناس تمضي بشكل ميسّر.
أنا بقيت لمدة سنتين هناك كوالٍ لولاية نورستان، وبعد سنتين، ووفقاً لسياسة الإمارة بالتغيير والانتقال، وحسب فرمان أمير المؤمنين؛ انتقلتُ من ولاية نورستان إلى الخدمة في ولاية بنجشير.
♦ هل يمكن أن تذكر لنا إنجازاً تفخر به في فترة ولايتك لمدة سنتين؟
في محافظة نورستان -الحمد لله- نحن قمنا بوضع أساسات النظام والترتيب الإداري وفقاً لسياسة الإمارة الإسلامية، وقمنا بتفعيل جميع الإدارات والأقسام.
وشيء يمكننا أن نفخر به ونذكره على سبيل المثال، وهو كإنجاز كبير لدينا في نورستان: كانت هناك عداوة بين قبيلتين منذ 100 سنة، وتقريباً منذ 27 سنة تحوّلت إلى اقتتال، وأدى ذلك إلى مقتل 500 شخص من القبيلتين، وأصيب 800 آخرون، بعضهم بُترت أيديهم أو أرجلهم بسبب الاقتتال، واحترقت قرية بكل منازلها ومدارسها ومستشفياتها حتى اختفت من الخريطة، وكان يُصاب أو يُقتل في كل يوم شخص أو اثنان؛ فجمعنا العلماء والشيوخ ورؤساء القوم وقمنا بتشكيل مجلس على مستوى الولاية بأكملها لإنهاء العداوة بين هاتين القبيلتين، وفي هذا المجلس نوقشت هذه القضية لمدة أربعه أشهر، حتى رشّحت القبيلتان ممثِلَيهما، وأُجريت محادثات مع ممثلي الجانبين. وبطبيعة الحال، في الأنظمة السابقة، كان هناك ما يقرب من عشرة محاولات لتشكيل مجلس لحل هذه المشكلة وإنهاء العداء بين القبيلتين، وكلها لم تنجح. لكن السيادة والسيطرة الكاملة للإمارة الإسلامية على الجغرافيا أدّت إلى حل هذا العداء، وأيضاً عمل الحكومة على مثل هذه القضايا والاهتمام بها بصدق وإخلاص قد أدى إلى حل هذه المشكلة وإنهاء الصراع. فحولنا تلك العداوة بينهم إلى مودة وأخوة.
وكان الشيء الذي سبب العداوة بينهم؛ جبل وقطعة أرض، وقد جعلنا لهما حدوداً في تلك الأرض، وعقدنا اجتماعاً كبيراً على مستوى الإمارة، وقمنا بالصلح بين القبيلتين، وكان هذا اجتماعاً كبيراً وصلحاً عظيماً في تاريخ نورستان، والتي -بفضل الله- ثم جهودنا وجهود المجلس، تحقق الصلح.
والآن -الحمد لله- تعيش القبيلتان في سلام، ولا توجد مشكلة بينهما.
♦ ماهي مشاعركم وأنتم تأتون إلى هذه المنطقة التي كانت خارج سيطرة الإمارة الإسلامية الأولى والتي حاصرتموها 6 أشهر آنذاك، واليوم تدخلونها في الإمارة الثانية؟
الحمد لله، بعد الفتح، جاء مجاهدوا الإمارة الإسلامية إلى بنجشير، ولم تكن هناك مقاومة كبيرة هذه المرة، والحمد لله سلّمنا الله بنجشير دون أي مشاكل.
نعم، كانت هناك مقاومة ضعيفة وسطحية، ونصر الله المجاهدين.
أولئك الأشخاص كانت لديهم الرغبة بالقتال والتمرد ضد الحكومة، ولكن -في وقت قصير- اهتزت هذه الإرادة وارتعدت أرجلهم وغادروا بنجشير سريعاً، فبسطت الإمارة الإسلامية سيطرتها.
ونعم، لفترة قصيرة من الزمن -بعد دخول المجاهدين- كان هناك من يثير الشغب، لكن الحكومة قد عيّنت المسؤولين في الولاية باستراتيجية قوية للغاية، وأرسلت أفراداً عسكريين مهمين وبارزين، فقاموا بتنفيذ خطط وتكتيكات عسكرية دقيقة لفرض الاستقرار الأمني، ووضعوا شبكة أمنية من خلال إنشاء النقاط العسكرية في جميع المناطق التي يمكن أن يتسلل منها العدو ويزعزع الاستقرار، فتمت السيطرة على جميع الأبواب والمناطق، ومرّ 14 شهراً من مجيئي إلى هنا ولم تُطلق رصاصة واحدة خلال هذا الوقت من قبل المتمردين، ولم تطأ أقدامهم أرض بنجشير. والحمد لله، الأمن سائد هنا، وقُطِعت أذرع العدو التي تسعى لإثارة قلق الشعب تحقيقاً لأغراضهم الشريرة.
♦ ماهي أبرز الإنجازات التي تفتخرون بأنكم تمكّنتم من تحقيقها خلال فترة ولايتكم؟
الحمد لله، حينما رأت القيادة أن آتي لبنجشير، وتم تعييني هنا، كنا نعلم أن بنجشير بقيت في حالة عداء مع الإمارة لثلاثين سنة؛ بسبب الدعاية السلبية التي مورست على الشعب هنا. كانت هنا فجوة بين حكومة الإمارة الإسلامية والشعب. فكانت مهمتنا الأساسية أن نكسب ثقة الناس ونقلل الفجوة بين النظام والشعب، وأن نحل مشاكل الناس في الوقت المناسب. وبما أن عدد العسكريين في الولاية كان كبيراً، فبالطبع سيكون هناك بعض المشاكل البسيطة.
وبعد مجيئنا، تم تنسيق قوي بين جميع مفاصل الإدارة في الولاية، وتم التشاور حول جميع المشاكل التي يعاني منها الناس لتتم معالجتها في وقت قصير، وتم منع كل من يسبب التحرش بالناس.
فالحمد لله، تقاربت المسافة بين الإمارة الإسلامية والشعب، ويستمر التقارب كل يوم، ونحن نسير في اتجاه إيجابي، وتزداد ثقتنا ببعضنا البعض.
والشيء المهم بالنسبة للحكومة، وما يهم الإدارة الإسلامية هنا؛ هو إزالة المسافة بين الشعب والنظام، وأن يتعامل النظام مع رعيته كإخوة، وأن ترى الرعية مسؤولي نظامهم كإخوة وأبناء، والحمد لله لقد حققنا نتائج إيجابية للغاية.
في السابق، تم تعريف المجاهدين للشعب هنا بشكل سيء، وكأنهم ليسوا أفغان وليسوا مسلمين ولا يحملون الشعار الإسلامي، وأنهم حركة عرقية تشكّلت على أساس العصبية وتتعامل على أساس العصبية، ولو جاؤوا فسوف يقتلون شعب بنجشير ويخرجونهم من بيوتهم ويسلّمون المنطقة للبشتون أو لقبائل أخرى!
إلى هذا الحد تم إيغار صدور وعقول الناس هنا. ولكن، الحمد لله، مجاهدوا الإمارة الإسلامية لما دخلوا، وبسبب تعاملهم مع الناس بالحسنى واللطف في إطار الشريعة والأخلاق النبوية، وأخيراً خلال هذه السنوات الثلاثة؛ ثبت للناس هنا أن المجاهدين أفغان ومسلمون وجنود للنظام الإسلامي، وقاموا من أجل قضية مقدسة وهي تحكيم النظام الشرعي، ولا يتعاملون بالعصبية والتحيز، ولا يعاملون الآخرين بعداء، بل ينظرون بنظرة الأب والأخ والإبن، ويشفقون على الناس.
والحمد لله الأغلبية المطلقة قبلت هذه الحقيقة؛ بأن هؤلاء ليسوا أعداءنا.
♦ على صعيد ما تقدمونه -كوالي- لهذه الولاية؛ هل هناك خطط مستقبلية تستهدف التطوير أو تعديل في السياسات أو الإجراءات يمكن أن تخبرونا بها؟
الحمد لله، بعد استلام الإمارة الإسلامية للحكم وتعيين المسؤولين على الولايات، أول ما قام به المسؤولون هو ترتيب هيكل العمل الإداري. وبعد ذلك، الحمد لله، بدأ العمل في المشاريع التنموية وفسح المجال للعمل لكل الناس في المشاريع المختلفة.
حينما جئت إلى هنا، كان عدد المؤسسات قليلاً جداً، وكذلك المساعدات والمشاريع وفرص العمل، كلها كانت قليلة، لقد وجدت شعب بنجشير فقراء مظلومين، واقتصادهم ضعيف تحت الصفر، رغم أنه في العشرين سنة الماضية كان يُتصور أن السكان قد شبعوا من الدولارات، وأن يكونوا كلهم أثرياء، وهذا التصور كان بسبب 20 أو 30 لصاً استولوا على المناصب في الحكومة الماضية، بدعوى أنهم يمثلون شعب بنجشير، لكنهم كانوا يعملون لأنفسهم ولجيوبهم فقط، وبدل أن يمثلوا بنجشير، احتجزوا الشعب كرهائن؛ من خلال احتكار تمثيلهم بالقوة، فظلّ الأهالي فقراء محرومين مضطهدين.
والحمد لله، الآن، فقط مناجم الزمرد يعمل فيها أكثر من 10 آلاف شخص، وهؤلاء يعيلون أسرهم. وهناك عشرات المشاريع، وكذلك إنشاء الشوارع، ومشروع توفير المياه، كلها تعمل على صعيد الولاية، والأهالي يعملون فيها.
كما يوجد هنا منجم كبير للحديد، وهو الآن في إطار الطرح للمزاد، وجاءت شركتان أو ثلاثة من الشركات الأجنبية وقامت باستطلاعه، وبعد أن تعقد اتفاقية الاستخراج؛ سيفتح ذلك فرص عمل كبيرة للسكان هنا.
وفي الخطة المستقبلية، نحن لدينا مشاريع لتوفير الكهرباء، وفي القريب العاجل سيُفتتح مشروع كهرباء سيوفر 4 ميجاوات. وهناك مشروع آخر تتم دراسته، وسيوفر 5 إلى 6 ميجاوات.
بالأمس القريب، تم إجراء استطلاع من قبل مهندسين أجانب لتنفيذ مشروع، من خلاله، ستُنقل مياه الشرب عبر الأنابيب إلى كابل.
فالحمد لله، نحن على استعداد كامل لتنفيذ المشاريع التنموية في كثير من المجالات.
وفي المستقبل، وفقاً لميزانية البلاد، ستحظى ولاية بنجشير بحظها من تنفيذ المشاريع التنموية مثل بقيه المحافظات.
وهنا نقطة مهمة تجدر الإشارة إليها؛ أن المناجم تتبع لوزارة البترول والمعادن، لكن توجد هنا رئاسة تابعة لهذه الوزارة ويتم الاستخراج باشرافها، وعلى المستثمر أن ياخذ موافقة من هنا أولاً، ثم يذهب للوزارة في كابل لاستكمال إجراءات العقد.
هنا في بنجشير حالياً 500 منجم فعّال يعمل فيه الناس وينتج الأحجار الكريمة، وقد تم استكشاف 1200 منجم. وهناك -كما ذكرنا- منجم كبير للحديد تجري المزايدة عليه، وسيوفر وظائف كثيرة بعد اكتمال منح العقد.
وشيء اخر؛ نحن خصصنا الأراضي اللازمة لبناء المصانع والشركات التجارية بناء على توجيهات وزارة الصناعة والتجارة، وسيتم الافتتاح هذا العام، وسندعو المستثمرين المحليين والأجانب للقيام بإنشاء المصانع التي ستوفر فرص العمل لشعب بنجشير، وستلعب دوراً كبيراً في نمو الاقتصاد وتنميته، وسيؤثر ذلك على عموم الحياة الاجتماعية للشعب هنا.
♦ ولاية بنجشير تتميز بطبيعتها الساحرة؛ نهر بنجشير الجاري، والجبال المحيطة، هل هناك أي خطط من قبلكم في الولاية لجذب السياح لهذه المنطقة؟
تتمتع الولاية بمناظر طبيعية جذابة وجميلة؛ وادٍ أخضر ويجري فيه نهر جميل، وهو مكان ممتع للغاية يزوره آلاف السياح والأجانب والمحليين في المواسم المختلفة. ونحن قمنا بعمل بعض الخطط، بالشراكة مع قسم السياحة في وزارة الثقافة والإعلام. وبالأمس القريب، جاءت هيئة فنية من الوزارة، وكان رأيها أنه يجب أن يكون هناك أماكن للجلوس وحدائق وفنادق لسكن السياح، وتم التشاور بأن يكون هناك فندق جميل لسياح الخارج والداخل الذين يزورون الولاية، وأيضاً تهيئة أماكن للجلوس على ضفاف النهر. لذا سنبدأ العمل بهذا المشروع بالتواصل مع الوزارة، وسنبذل جهدنا في تهيئة أماكن التنزه والجلوس والإقامة هنا.
♦ المرافق السياحية، وحتى الاستثمار في المعادن أو الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة الموجودة هنا في الولاية تحتاج للإستثمار، هل من رسالة توجهونها للمستثمرين الداخليين والخارجيين؟
ولاية بنجشير مهمة للتجار، وجميلة لجذب السياح. نحن ندعو المستثمرين الداخليين والأجانب للقدوم إلى أفغانستان أولاً، ثم إلى ولاية بنجشير للاستثمار في المعادن وتأسيس الشركات الصناعية هنا.
الولاية تتمتع بالأمن والأمان الكامل، وهي مهيأة تماماً لكل أنواع التجارة والاستثمار. توجد فرص عديدة للعمل هنا، والحكومة تسعى جاهدة لجذب المستثمرين للاستثمار في مختلف المجالات في أفغانستان.