لقاء مع والي ولاية ميدان وردك؛ قاري بختيار معاذ
ولاية ميدان وردك؛ هي إحدى ولايات أفغانستان، تقع وسط البلاد، وتضم 8 مديريات: (مرکز بهسود، جغتو، حصهٔ اول بهسود، دایمیرداد، چک، نرخ، سید آباد، جلریز، میدان شهر). مركز الولاية هي مدينة (ميدان شهر). تحدها شمالاً: ولاية بروان، وشرقاً: ولاية كابل ولوجر، وجنوباً: ولاية غزني، وغرباً: ولاية باميان.
كان اسم الولاية حاضراً دائماً وبقوة في العمليات الجهادية ضد المحتلين وعملائهم إبّان الاحتلال الأمريكي، فلطالما أذاقتهم الولاية المرّ والعلقم، لا سيما في عمليات الربيع الجهادية السنوية التي كانت تطلقها الإمارة الإسلامية بعد انقضاء فصل الشتاء القارص في البلاد.
وفيما يلي تشارك “الصمود” قراءها الكرام المحتوى النصّي للحوار المرئي الذي أجرته قناة يقين الإخبارية مع والي ولاية ميدان وردك؛ قاري بختيار معاذ (حفظه الله)، والذي تناول فيه عدد من المحاور والموضوعات المهمة، منها: المحطات الرئيسية في حياة الوالي: (النشأة، التعليم، الجهاد والمقاومة، المناصب والمسؤوليات التي تولّاها)، أبرز المنجزات التي تمت في ولاية ميدان وردك، المشاريع والخطط المستقبلية في الولاية، وغيرها من الموضوعات القيّمة.
أجرى الحوار؛ الإعلامي أويس الجلبي. وبثته شبكة يقين الإخبارية في الأول من نوفمبر 2024م.
كما يمكنكم مشاهدة الحوار مرئياً على:
https://www.youtube.com/watch?v=XdCo5m097IM
■ في أي ولاية وُلِدتم ونشأتم؟
أنا وُلِدت في أفغانستان بمحافظة (بغلان)، بمديرية (دهنه غوري)، بقرية (جوي نو)، وترعرعتُ هناك.
■ بأي عمل كانت تعمل الأسرة في بغلان؟
من بين المحافظات الشمالية؛ محافظة بغلان؛ مشهورة بزراعة الأرز، وتنتج محاصيل جيدة، لذلك بالطبع عائلتنا كانت تعمل بالزارعة، وخاصة زراعة الأرز.
■ هل التحقتم بالمدارس الدينية في مرحلة مبكرة من عمركم في بغلان؟
حينما دخلت قوات الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان، هاجرنا من بغلان إلى باكستان، وأنا كنت صغيراً جداً في ذلك الوقت، فقضيتُ مرحلة التعليم في باكستان، ودرستُ هناك في المدارس. فمرحلة التعليم قضيتها في باكستان.
■ هل أكملتم حفظ القرآن في باكستان أيضاً؟
بداية في مرحلة الهجرة درستُ إلى الثانوية، وبعدها شرعتُ في حفظ القرآن الكريم هناك، ودرستُ علم التجويد، وبدأتُ بالدروس الشرعية. والحمد الله درست العلوم الشريعة ستة سنوات.
■ في تلك المرحلة، عندما بدأت المعارك الداخلية بين المجاهدين، هل التحقتم بدعوة الملا عمر -رحمه الله- في بداية انطلاقتها أم لاحقاً؟
عندما بدأت الحركة بانطلاقتها، كنا في دار الهجرة ونسكن في باكستان، وكانت الحروب الأهلية قد بدأت. وبعدها بدأ الراحل الملا محمد عمر مجاهد -نسأل الله أن يرزقه الفردوس الأعلى- يدعو الناس للالتحاق به؛ فلبينا دعوته وتوقفنا عن الدراسة؛ لأن الحالة الأمنية في أفغانستان انهارت انهياراً كاملاً بسبب الحروب الأهلية، والتي كانت نتائجها خطيرة للغاية وأدت لخسائر فادحة في الشعب. فتلقنيا خبر قيام حركة طالبان ببالغ السرور والفرح؛ لأنها ستقتلع الشر والفساد والمشاكل من جذورها اقتلاعاً كاملاً، فانضممنا للحركة مباشرة فور ظهورها.
■ هل التحقتم بطالبان قبل فتح كابل أم بعد الفتح؟
لا، نحن التحقنا بالحركة قبل فتح كابل. في البداية ذهبنا إلى قندهار. وبعد سنة أصدر أميرالمؤمنين فرمانًا بشأن المجاهدين الشباب الذين لم تنبت لحاهم، ونصّ الفرمان بأنه يجب على هذه الفئة أن تعود إلى الدراسة ولا تشارك في القتال تحت قيادة الإمارة. وكنتُ من هذه الفئة، فعدنا مرة أخرى إلى باكستان، وبدأنا بالدراسة؛ تنفيذاً لأمر أمير المؤمنين. وقد عزمت في نفسي أن أعود لميادين القتال فور ظهور لحيتي وأن أنضم لصفوف مجاهدي الإمارة مرة أخرى.
■ ومتى عدتم إلى أفغانستان؟
عدنا بعد سنة ونصف إلى أفغانستان، وكان المجاهدون قد اقتربوا من كابل، ووصلت قواتهم العسكرية إلى ولاية ميدان وردك، وكانت الخطوط الامامية للجبهة في حدود كابل مع ولاية ميدان وردك. وقاتلنا قوات الحكومة الفاسدة لمدة شهر أو شهرين، ثم دخلنا كابل. وبعد دخول كابل توليت عدة مسؤوليات فيها. وهكذا كانت قصة انضمامنا لحركة طالبان.
■ هل هناك قصة تذكرها من الفترة التي قضيتها في ميدان وردك؟
نعم، وقعت لنا قصص كثيرة في ذلك الوقت، ومرت بنا معركة ضارية، مثلاً: كان هناك منطقة اسمها (فريك كري) وكانت خطنا الأمامي، وكان الطرف المقابل لديه وسائل ومعدات كثيرة، ونحن لا نملك إلا القليل، وكان البرد قارصاً جداً لدرجة لا نستطيع معها النوم، ورغم ذلك تمكنّا من الاستمرار في القتال بجانب أمرائنا الذين استشهد معظمهم، مثل: الملا برجان، والملا مشر اخوند. لقد كانت معركة ضارية مع برد شديد، ولكن نصرنا الله وتجاوزنا كل المحن والحمدلله.
■ بعد دخولكم إلى كابل، ماهي المسؤوليات التي توليتموها؟
في البداية، عندما جئت لقندهار كنتُ حارساً ومرافقاً لقيادي كبير اسمه عبدالهادي. ثم حينما دخلنا كابل، عُينتُ مدير المخابرات في الحوزة الأولى، ومن ثم مدير المخابرات في الحوزة الثانية. ولفترة من الزمن كنت مسؤولاً في مديرية بغمان. بعد ذلك اشتدت الحروب في الولايات الشمالية، فذهبت إلى منطقة (وادي بنكي) في ولاية تخار، ثم اشتدّت الحرب في ذلك الوادي، وفي ذلك الوقت أصبحتُ مسؤول الحزام العسكري أو الخط الأمامي في الجبهة، وأُصبتُ؛ فنقلوني للعلاج. وبعد ذلك توليتُ مسؤوليات أخرى.
■ هل بقاؤكم في السلك الأمني والاستخباراتي كان بناءً على رغبة شخصية أم لمميزات معينة تمتلكونها؟
صراحة، ما كنتُ أرغب أن أكون قيادياً كبيراً أو ذا منصب عالي. لا أهتم بمثل هذه الأمور، ولا أبالي بأن أكون مقاتلاً عادياً أو مسؤولاً أمنياً أو حتى من حراس أحد القيادات. ولكن ولاة الأمور هم من يحددون مسؤولياتنا. في البداية كان مسؤول المخابرات (قاري صاحب أحمد الله) الذي استشهد في بداية الهجوم الأمريكي في محافظة (خوست)، والآن مسؤول الاستخبارت العام الحالي (عبد الحق وثيق) هم رأوني مناسباً لأتولى مسؤوليات في الحوزات المختلفة.
■ عادة ما يكون لدى المسؤول عن الجبهة الأمامية قصصاً كثيرة أو عجائب أو كرامات؟ فهل تذكر شيئاً من ذلك؟
نعم، لقد كان جميع المجاهدون ملتزمون بالشريعة الإسلامية وأيضاً كنا في المعارك أقل عدداً من العدو وأضعف تجهيزاً من ناحية السلاح والعتاد والوسائل القتالية، ومع ذلك كانت جيوش العدو تتهاوى وتنهار أمامنا، ولقد رأينا نصر الله في كثير من المواجهات. والعجيب أنه كان هناك سكون وراحة وطمانينة، بحيث لا نلقي بالاً بأننا نعايش هذه الحروب، وهذه السكينة كانت بحد ذاتها نصراً من عند الله.
■ هل كنتم في الشمال عند بداية الاحتلال الأمريكي؟
لا، كنت قد انتقلت إلى منطقة (غوربند)، وكانت تجري هناك معارك كثيرة وشديدة، فأصِبتُ إصابة بليغة، وأصيبت أضلاعي، وأصبحت غير قادر على الحركة وتولي المسؤوليات لقرابة سنة ونصف أو سنتين. بعد هذه المدة بدأت في التعافي من الإصابة، تقريباً في الأيام التي بدأ فيها غزو أمريكا لأفغانستان.
■ هل بقيتم في أفغانستان بعد الاحتلال أم عدتم إلى الهجرة من جديد؟
نعم، طبعاً القوات الأمريكية دخلت قسراً وبحرب شديدة إلى أفغانستان، واستخدمت كل قوتها واستعانت بكل ما تملكه من وسائل التقنية الحديثه في الحرب، وفي ظل ظروف كهذه كان من الصعب جداً العيش هنا واضطررنا للهجرة.
■ هل تمكنت من مقابلة الملا محمد عمر (رحمه الله)؟
نعم التقينا به مرات عديدة، الحمدلله جلس معنا مرات في مجلس واحد وأكلنا معاً وجمعتنا مائدة واحدة.
■ هل هناك موقف معه ما زال عالقاً في ذهنك وأثّر فيك؟
نعم أذكر واحداً؛ أننا كنّا جالسين في حديقة توجد في مبنى الوالي أو مقر ولاية قندهار، وجاء إلينا عندما كنا نتغدى، فشاركنا الطعام وبدأ ينصحنا بنصائحة الغالية، وقال: كونوا ملتزمين جداً بالشريعة الإسلامية، وقال: لو بقينا ملتزمين بالشريعة ومتمسكين بأحكامها فالنجاج سيكون رفيق دربنا. وأذكر جيداً أنه تلا لنا جزءاً من هذه الآية من سورة آل عمران (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وركّز على الجملة الشرطية أو “إن” الشرطية في قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). فقال: إن نجاحنا وفلاحنا مشروط بالإيمان الكامل، وأن نكون ملتزمين بالشريعة متمسكين بجميع أوامر الله، فبذلك يكون النجاح لنا لامحالة ويكون من نصيبنا حتى وإن طال الزمن. وهذه النصيحة والتوصية لا أزال أذكرها جيداً.
■ ونحن نعدّ لهذا المقابلة علمنا منكم أنه كانت لكم قصة هجرة عجيبة مررتم فيها على دول كثيرة، هلاّ حدثتمونا عن هذه النقطة؟
نحن في مرحلة الهجرة مررنا بدول عدة؛ لقد هاجرنا إلى باكستان، وإلى دبي في الإمارات، وإلى أوروبا وأفريقيا، لقد زرنا العديد من دول العالم وتجولنا في كثير من البلدان، ولكن لم نشعر في أيٍ منها بحلاوة الحياة، وكان يرافقني في هذه الرحلات أخي الأكبر الذي استشهد في إحدى المعارك مع الأمريكيين، فنحن كنا مضطرين للهجرة من بلدنا في تلك المرحلة، وزرنا عدداً من دول أوروبا، ولكن ما وجدنا طعم الحياة بالعيش هناك، وما وجدنا حلاوة الحياة التي كنا نعيشها في مرحلة الجهاد، فقررنا بأن نغادر مع عائلتنا جميعاً هذه البلدان ونستمر في جهادنا، فعدنا إلى بلدنا وبدأنا بالجهاد من جديد مرة أخرى.
لقد رأينا فقدان الحرية في معظم الدول والناس يعيشون كالعبيد. نعم، نحن نفهم أن هناك دول مسلمة يعيش فيها مسلمون ولكن ليس هناك تطبيق للشريعة، وليس هناك نظام أو حكومة تحكم بالشريعة، فالحياة والعيش في مثل هذه الدول للمؤمن القوي وللمسلم الملتزم لا يخلو من ضيق. بالطبع هناك يمكن أن تحصل على لعاعة من الدنيا وتكسب مالاً وفيراً، ولكن -مقابل ذلك- ستخسر أشياءً قيّمة معنوياً لا تعوضُ أبداً. الحلاوة التي توجد في العيش تحت ظل الحكومة الإسلامية والشرعيّة لن تجدها في أي دولة أوربية، والحرية والاستقلال لن تشعر بهما ولن تتذوقهما في حياتك هناك. فنحن بخلاف الذين يهربون من أوطانهم إلى أوربا ويلجؤون للعيش الرغيد والرفاهية؛ بخلافهم نحن تركنا تلك الدول بعدما جرّبنا الحياة فيها، فقوي إيماننا بالله عز وجل وخَطّطْنا بجدية للرجوع إلى بلدنا والمواصلة في طريق جهاد ومكافحة المحتل.
وهذه الرحلات والأسفار إلى دول العالم المختلفة كانت تجربة أكسبتنا قوة في إيماننا وشعرنا بقيمة ديننا وأيضاّ سبّبت العودة إلى ديارنا والبدء بالجهاد في سبيل الله.
■ ماهي الدول الأوربية التي مررت وعشت بها في تلك الفترة؟
أنا ذهبتُ وعشتُ في بلجيكا وفرنسا وإنجلترا والبرتغال وهولندا وتجولت في غيرها من الدول الأوروبية.
■ بعد عودتك إلى أفغانستان لمقاومة المحتل الأمريكي -بعدما أعادت طالبان تنظيم صفوفها-، هل هناك قصة تتذكرها في تلك الفترة؟
في مرحلة الهجرة كنا ننتظر بدء المقاومة مرة أخرى من جديد لنعود، والحمدلله -على الرغم من استشهاد وأسر الكثير من قادتنا- فقد أعلن الباقون الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال. وبعد عودتنا انضممنا لصفوف المجاهدين، وكان الترتيب الذي تمّ في ذلك الوقت أن كل واحدٍ يبدأ بالمقاومة المباشرة من مكانه؛ فبدأنا من بيتنا وقريتنا في بغلان.
■ في تلك الفترة هل كنتم فقط مقاتل فردي أم تسلّمتم مسؤوليات كقائد منطقة أو مسؤول عن جبهة ما؟
عندما رجعنا رأينا الأمريكان وعملائهم وجواسيسهم يقومون بمضايقة العلماء والوجهاء وأشراف القوم، وأحياناً يعذبونهم أو يتهمونهم باتهمات مختلفة فيعتقلونهم ويؤذونهم، فبدأنا بالتحركات الفردية السرية ضد الاحتلال. وبمرور الوقت، أصبح لدينا قائدٌ لعله كان (محمد محمدي)، فكنا تحت قيادته لحين استشهاده.
■ من يُقاتل في تلك الفترة يمر بمواقف يكون فيها قريباً من القتل أو الاعتقال، فهل تتذكرون موقفاً كنتم فيه قريبين من القتل أو الإعتقال.
بعد النضال سريّاً أردنا القتال علناً؛ فعُرِفَت شخصيتنا، وكنّا نتخفى وتعرضنا مرات لمواقف خطيرة للغاية، وكانوا يعتقلون أقاربنا ويطلبون منهم المعلومات عني؛ أين هو؟ كيف هو؟ أين يعيش ويسكن؟ ماذا يفعل؟
كنا ننتقل سراً من مكان إلى مكان. وفي البداية داهم الأمريكان بيتنا فجأة ثلاثة عشر مرة ليعتقلوني أو يحصلوا على أي معلومة مني، ولكن نجوتُ والحمدلله. فهكذا تعرضنا لكل أنوع الخطر في ذلك الوقت.
■ هل تعرضتم لقصف بالطيران أو استهداف بالدورن؟
نعم تعرضنا للقصف بالدرون والطيران مرات عديدة، وكانت أكثراستهدافات العدو بالدرون. ومرة استشهد جميع رفاقي. وفي مرة استشهد ثلاثة من مرافقيّ وحُرّاسي، وذلك لأنهم استخدموا هاتفي فكُشِف مكاننا وتم استهدافنا. ومرة استشهد 4 أو 5، ومرة أصبت أنا لكن كتب الله لنا الحياة فنجونا بفضل الله.
■ هل بقيتم كمقاتل في صفوف الحركة أم أصبحتم مسؤولين عن منطقة معينة؟
في البداية كنتُ أحد المقاتلين، وبعد مرور فترة من الوقت أصبحتُ مسؤولاً عسكرياً لمديرية، وبعدها مساعداً لأحد الأصدقاء المسؤولين. ودائما كان مسؤولنا العسكري يكلفنا بالمهام المختلفة حسب الحاجة، لكن في كثير من الأحيان كنتُ أقوم بالأمور والترتيبات العسكرية في صفوف المجاهدين.
■ بعد بدء المفاوضات، أين كان موقعكم بالضبط في أي مدينة؟
كنت آنذاك نائب والي بغلان، وكنت أدير شؤون نائب الوالي والشؤون العسكرية على مستوى الولاية لمدة ثلاث أو أربع سنوات. لم أكن أنتقل لأي مكان، وكنت موجوداً في بغلان صيفا وشتاء، ففي ذلك الوقت مع بدء المفاوضات كانت معظم مناطق ولاية بغلان تحت سيطرتنا، وربما تذكرون أنه في مرحلة التفاوض بدأ (بايدن) يتوعد الحركة بالتوسع في العمليات العسكرية واستهدافات الدرون ليشكل ضغطاً أكبر على الحركة، وبالفعل حدث هكذا فزاد الاحتلال من استهدافات الدرون بشكل كبير وأرسلوا لاحقا قوات (بلاك ووتر) الذين خضنا ضدهم معارك ضارية قتلنا فيها منها أعداداً كبيرة، واستشهد منا كثيرون. وقد حاول الأمريكان في ذلك الوقت استهدافنا، فتعرضتُ لهجوم بالدرون استشهد فيه 13 من رفاقي المجاهدين وأصيب أحدهم وقطعت رجلاه، وأصبتُ بجروح شديدة في رجليّ الاثنتين وكُسِرت عظامها، ولكن قدرالله لي الحياة، لذلك في وقت التفاوض كنت مصاباً.
■ وهذا كله كان في ولاية بغلان؟
نعم، هذا كله كان في بغلان في منطقتنا وفي قريتنا بالضبط.
■ في الأشهر والسنوات الأخيرة عندما بدأت الصورة تتضح بأن الاحتلال الأمريكي سيُغادر وأن النظام الأفغاني السابق سيسقط؛ هل كنتم في تلك الفترة في أفغانستان؟
لا، لم أكن في ذلك الوقت في أفغانستان، لأن جروحي كانت كثيرة جداً لم تلتئم، ورِجْلَيَّ مكسورتين وفيها الحديد، وكنت أتلقى العلاج مهاجراً خارج البلد.
■ وبقيتم في المشفى حتى الفتح؟
نعم، مع مجيء الفتح كنتُ قد تعافيت من جروحي وتمكنت من قبول المسؤولية، وأصبحت مستعدا للعمل.
■ بعد فتح كابل وعودة الإمارة؛ هل استلمتم مسؤولية ولاية ميدان وردك مباشرة أم كانت لكم مسؤوليات قبلها؟
يمكنني القول بأنني من بداية التحاقي بالإمارة تجازوت محناً واختبارات عديدة في قبول المسؤولية، فتدرجت هكذا من مقاتل عادي إلى مسؤول حوزة أمنية، ومنها إلى مسؤول مديرية، ثم نائب والي، وصرت بعدها قائد شرطة عسكرية، وبعدها والي ولاية. هكذا بالتدريج قطعت المسير، وتوليت عدة مسؤوليات، وكُلفت بإنجاز مهام مخلتفة. والحمد الله وبفضله أديت كل مسؤولية بنجاح. وبالإضافة إلى ذلك، تشكلت لدي من خلال ذلك خبرة كبيرة في إدارة الشؤون في مخلتف المجالات.
■ ذكرت أنك كنت نائب والي ووالي قبل ولاية ميدان وردك؛ أين كانت هذه المناصب؟
كنت والي بغلان ونائب الوالي أيضاً، وقائداً عسكرياً لمحافظة (قندوز). وأيضاً قبل الفتح توليت مسؤولية الوالي ونائب الوالي في بغلان.
■ قبل ولاية ميدان وردك؛ ما أبرز الإنجازات التي تفخر بأنك قمت بها؟
الحمد الله لدينا إنجازات كبيرة، فمنذ أن دخلت إلى الإمارة اجتزت مراحل مختلفة، وأعتقد أن كل ذلك كان بفضل الله، فالأمور بيده سبحانه وتعالى. وعندما كنت والي بغلان سابقاً قلت في نفسي وتمنيت أن أكون قائد الشرطة بولاية (قندوز) لوجود بعض المشاكل هناك. والله يشهد أنه بعد أسبوع جاء المرسوم الذي تم فيه تعييني كقائد الشرطة لولاية (قندوز). والحمدلله، فتح الله على مساعينا وأصبحت (قندوز) آمنة حتى لا تكاد ترى حادثة أمنية في كافة الولاية، وحُلت هناك جميع المشاكل الأمنية، وبعدما استتب الأمن في جميع نواحي قندوز، تم تعييني هناك كوالي لميدان وردك.
■ متى استلمتم منصب والي ولاية ميدان وردك؟
استلمت منصب والي ولاية ميدان وردك تقربياً منذ سنة ونصف.
■ ماهي أبرز المشاكل التي واجهتموها حينما أتيتم إلى ولاية ميدان وردك؟
لم نواجه مشاكل كبيرة. فقط كان هناك بعض المشاكل التي لم تُعَرْ اهتماماً في السابق، مثلاً: هناك مشكلة بين قبيلة الهزارة والبدو حول المرعى وهي موجودة منذ فترة طويلة، ولم تحل في الحكومة السابقة طيلة عشرين سنة، فالحمد الله عندما جئنا إلى الولاية، وفي غضون 3 أشهر، حللنا جميع المشاكل بينهم.
إن سكان هذه الولاية شعب محترم ومجاهد، قدم تضحيات هائلة طيلة عشرين سنة من الاحتلال، وقد ظلوا متعاونين مع المجاهدين، وحتى الآن هم متعاونون وليس هناك أي مشكلة، ونحن سعيدون جداً معهم وسنخدمهم إن شاء الله.
■ ماهي أبرز المنجزات التي تمكنتم من عملها خلال فترة استلامكم لهذا المنصب؟
الحمدالله، منذ مجيئنا إلى هنا افتتحت أكثر من 500 من المشاريع الكبيرة والصغيرة في مجال الصحة والتعليم والخدمات العامة، مثل إصلاح الشوراع والطرقات وأيضا بناء الجدران لحماية الأراضي التي تتعرض لخطر الفيضانات. هذه المشاريع كان بعضها من المؤسسات وبعضها من الحكومة. وهكذا تمت مشاريع تنموية كثيرة على صعيد الولاية، وتمت أعمالها بسرعة فائقة. وأيضاً أصلحنا شارعاً كبيراً في مديرية (جلكه)، وهي من أحد المديريات التي قدم سكانها تضحيات هائلة. وطبعاً نقوم بكل هذه الأمور بمساعدة الشعب الذي ظل متعاوناً في تنفيذ كل المشاريع الخدماتية.
وتوجد في هذه الولاية المديريات والقرى النائية والتي ظل سكانها محرومين من الخدمات، مثل: الاتصلات والمياه وتعبيد الطرقات وغيرها من الخدمات الحضارية في فترة الحكومات السابقة، ونحن الآن نبذل جهدنا لتوفير كافة الخدمات الضروية لهم من خلال إقامة المشاريع المختلفة في مناطقهم.
وبالإضافة للخدمات المادية، نقدم الخدمات في مجال تعليم الدين العزيز، والذي ظل السكان محرومين من تعليمه سابقاً، فضلاً عن تطبيقه، لأن الناس في تلك القرى ما وجدوا التعليم الديني المناسب وما ستفادوا من الخدمات الأساسية في ظل الحكومة السابقة، أما الآن فنحن نعمل مع رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشورى العلماء لنقدم لهم خدمات التعليم الدينية والتوعية العامة. والحمدلله الناس فرحون بنظامهم الإسلامي، لأن الإسلام كله خير، ويضمن حقوق البشر وسعادتهم وسرورهم.
■ هل هناك مشاريع استثمارية معينة في هذه الولاية يمكن أن تحدثنا بها، ربما يكون هناك مستثمرون مهتمون بمثل هذه المشاريع؟
نعم، توجد مجالات استثمارية في هذه الولاية، فكما تعرفون أن هذه الولاية زراعية سياحية وتشتهر بزارعة التفاح والكرز، وتنتج محاصيل جيدة، فنحن وعدنا التجار والمستثمرين بالتعاون في إقامة المشاريع لتسويق التفاح، وبناء مركز تجاري للتفاح، وكذلك المصانع. وسنشهد في الأيام القادمة القريبة إن شاء الله استثماراً كبيراً في مجال الصحة ببناء أكبر مستشفى لمرضى السرطان من قبل أحد التجار المسلمين من خارج أفغانستان، والذي يعتزم تنفيذ المشروع على أرض مساحتها تبلغ 150 فدانا، وقد طلب منا الأرض فقبلنا طلبه وقدمنا له التسهيلات وقرّرنا إعطاءه الأرض بالمساحة التي طلبها. وأيضاً خصصنا أراضي للتجار ليتمكنوا فيها من بناء المصانع والشركات للمساعدة في تحسين الاقتصاد وتحسين حياة الناس.
■ هل هناك موارد معدنية في ولاية ميدان وردك يمكن أن تكون متاحة للاستثمار؟
نعم، توجد هنا عشرات من مناجم المعادن المختلفة متاحة للاستثمار، وحالياً هناك حوالي ثلاثين منجماً تستخرج الرخام والجُصْ وغيرها من المواد، وسيبدأ العمل على استخراج معادن أخرى أن شاء الله.
■ هذه المناجم والمعادن تتطلب من المستثمر أن يأخذ الإذن أولاً من الولاية ثم يذهب إلى وزارة البترول والمعادن، أليس كذلك؟
نعم، يتم هذا الأمر بتفاهم وتفاعل كلا الطرفين، ويتطلب الإذن من مقام الولاية ومن وزارة البترول والمعادن. كذلك لو بدأ الإجراء هنا سنرسله نحن هناك لاحقاً، ولو بدأ من هناك فسيرسلونه لاحقاً هنا.
■ هذه الولاية تضم أماكن للسياحة بمناظر طبيعية جميلة مثل مديرية جلريز ومنطقة سنغلاخ. هل هناك خطط لتنشيط السياحة في هذه الولاية؟
نعم، لدينا خطة لتنشط السياحة والاستثمار. وعلي أن أذكر أنه في مديرية (جلريز) فُتح مصنع كبير لتصفية الفحم الحجري، وهذا المصنع نافع للناس حيث وفّر الكثير من فرص العمل للسكان.
أيضاً نخطط للفت أنظار السياح أكثر لهذه المنطقه -أي منطقة سنغلاخ- وذلك ببناء الفنادق وأماكن الجلوس والتنزه هناك. كما توجد هناك مصادر مياه كثيرة، فحن نفكر في إدارة هذه المياه عبر تشييد السدود لنتمكن عبرها من تخزين المياه وتزويد السكان بالكهرباء، ولتصبح منطقة سنغلاخ أكثر جمالاً ببناء هذا السد الذي بإمكانه أن يولد الكهرباء لسكان كابل بالإضافة لسكان ميدان وردك، وهذا من أقرب الخطط المستقبلية. ونحن كلمنا المسؤولين بهذا الموضوع وشاركنا الفكرة مع القيادة ومع وزارة الطاقة والمياه وشركة الكهرباء ومع مسؤولين آخرين، ونأمل أن يبدأ العمل على هذا في أنسب وقت.
■ لهذه الولاية، ماهي خططكم المستقبلية؟
نحن منذ مجيئنا إلى هذه الولاية نرغب في خدمة هؤلاء الناس، ونحاول ونبذل كل ما بوسعنا لنجبر تضحياتهم التي قدموها في الماضي، فهؤلاء شعب مضطهد ومنكوب وعاش مدة طويلة من الزمن في الحرمان من الرفاهية ومن حقوق العيش السليمة بسبب الحروب المتتالية، ونحن نحاول ليلاً ونهاراً أن نكون في خدمتهم وأن نقدم لهم كل شيء، وأن نسعى في توفير التعليم الديني لهم ولأولادهم ليعيشوا حياتهم أربع وعشرين ساعة وفقاً للشريعة الإسلامية. وبالإضافة لهذه الخدمات المعنوية، نهتم بتقديم الخدمات في المجال الدنيوي التي يحتاجونها، ونعمل ليلاً نهاراً في تقديم خدمات التعليم والصحة والأمن، ونعمل على حل جميع مشاكلهم؛ حتى نطبق على أنفسنا القاعدة النبويه التي تقول: (سيد القوم خادمهم).
■ قضيتم فترة طويلة في قتال وجهاد ومقاومة المحتل، فهل هناك قصة لها وقع خاص في نفسكم؟
نعم، القصص في الحياة الجهاديه تكون كثيرة، والحياة في ظل ظروف المقاومة التي امتدت لعشرين سنة مليئة بالأحداث، ويمرّ الإنسان بمواقف أو قصص عجيبة وغريبة؛ أذكر منها أنه ذات مرة دخلنا أربعين يوماً متتالية في معركة في بغلان في منطقة (دهنه غوري)، والعجيب أن عدد العدو كان أكثرمن ألف ومدعوم من الخلف بالمئات من الجنود والطائرات بكل أنواعها؛ الطائرات الحربية والدرون وطائرات الاستطلاع والمروحيات التي لا تكاد تفارق السماء لحظة واحدة، وفي المقابل كان عددنا لا يتجاوزالمائة، وكنا نقول أن الله -عز وجل- قال في كتابه العزيز أن المائة الصابرة تغلب ألفا بإذن الله، فنحن قاتلنا أربعين يوماً وسقط منا شهداء وأوقعنا الكثير من القتلى والجرحى في صفوف العدو الأمريكي. وفي تلك المعركة كنا نرى نصرالله بأعيننا، حتى لو كان عددهم أكثر من خمسمائة، كنا نقاومهم بعشرين مقاتل، وكان هؤلاء العشرين يكفون لمواجهة هذه المئات، كنا نشعر بالإطمئنان والسكينة والهدوء بدلاً من الرعب والقلق والتوتر. هذا كان أحد المواقف العامة.
وهناك حدثت مواقف كثيرة مثل هذا، وأيضاً من العجيب أن الجرحى والمصابين عندنا كانوا يتعافون سريعاً دون أن يتلقون علاجاً متطوراً أو دواءً كافياً، وكانت هذه النقطة غريبة بالنسبة لي ولأنني رأيتها بأم عيني، فقد كنت مسؤولاً عن نقل المصابين والإشراف على علاجهم لفترة من الزمن، فرأيتُ الكثير من الجرحى والمصابين تعافوا بسرعة. لقد رأيت مصابين عاديين احتاجوا لسنوات كي يتعافوا، بينما كان مجاهدونا يتعافون خلال أيام أو شهور. وأنا أيضاً تعرضت مرات عديدة لمداهمات الأمريكان وقوات الاحتلال حتى أكثرمن عشرة مرات وحصلت بيننا وبينهم مواجهات واشتباكات عنيفة سقط في كل مرة شهداء وجرحى من بين أصدقائنا المجاهدين، ولكني نجوت منهم بفضل الله عز وجل.
وقصة أخرى عجيبة حدثت معي، فذات ليلة جاءت مداهمة أمريكية على قريتنا، وكنتُ الهدف، وأنا كنت خارج القرية قد ذهبت من مديرية دهنه غوري إلى مديرية أخرى، وفي طريق العودة كنتُ راكباً السيارة متجهاً إلى قريتي ولم أكن أعلم أن الأمريكان داهموا بيتي وقريتنا محاصرة والجنود منتشرون في القرية، وبسبب صوت محرك السيارة لم نسمع صوت طائرات الاستطلاع، وكنا نسير حتى وصلنا إلى القرية ودخلنا من نفس المكان الذي هبطت فيه مروحيات العدو، وانتشر الجنود في المكان. وفجأة سمعنا أصوات وصراخ الأمريكان يطلبون منا الوقوف والنزول من السيارة، فأوقفت السيارة في منعطف من الطريق أو مكان محاط بجدران البيوت واختفينا عن أنظارهم على بعد 50 متراً، فبدوأ يطلقون النارعلينا ولا نعرف أصلاً مواقع العدو وأي الطرق يسيطرون عليها وأيها غير مسيطر عليها، فانتشر المجاهدون باتجاهات مختلفة. وما حصل معي بعد ذلك عجيب، أرخى الليل سدوله واشتد الظلام، ولم أكن أعرف أين أتجه، وبدلاً من الابتعاد عن أماكن العدو اتجهت لمواقع تواجده، ولما أدركت أني أصبحت بقربهم ورأيتهم ألقيت نفسي في مزرعة أرز كانت بجانبي واختفيت وسط هذه المزرعة إلى الصباح. والمشهد العجيب الذي مرّ علي هو أنني كنت ملقى هناك وسط الماء الذي يوجد دائما في مزارع الأرز وبدأ النوم يغالبني بشدة، وكلما كنت أحاول أن أبقى متيقظاً وأقرأ بعض سورة يس وآية الكرسي أو أذكر الله بالتسبيح التهليل؛ كان النوم يغالبني، ورغم محاولاتي الكثيرة لقراءة الآيات لأنني كنت متيقناً من الاستشهاد في ذلك الموقف، لم أستطع إكمال الآيات وغلبني النوم في ذلك الموقف الرهيب.
كنت قد سمعت عن كلمة السكنية والرحمة من المفسرين في الكرب ومواجهة العدو. نعم، كنا قد نقرأ ذلك في تفسير هذه الآية وسمعنا من شيوخنا عن معنى السكنية في تفسيرقول الله تعالى: (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، فتعلمت من هذا الموقف معنى السكينة، بمعناها الأدق، بشكل عملي، وتذوقتها بعدما طوقني العدو وسُدت الطرق كلها وانقطع الأمل وأنا في وسط الماء والوحل والعدو على بعد خمسين متراً والضوضاء الناتجة عن أصوات هبوط وإقلاع المروحيات قد ملأت المكان. رغم كل ذلك، كانت السكينة عندي مستمرة، ولدي هدوء واطمئنان لا يفارقني، وقلبي مطمئن بشكل يفوق حد الخيال، والنعاس لا يتركني لأكمل تلاوة سورة ياسين، ويأخدني النوم، وربما صحوت عشرة مرات وفي كل مرة كنت أرى العدو حولي وأنا أحاول قراءة السورة إلى الأخير ولكن لا أستطيع وأغفو، وفي آخر مرة أيضاً لم أستطع ثم غططت في نوم عميق حتى طلع الفجر، ووجدت أن العدو قد فك حصار المنطقة وغادرت المروحيات، فنهضت من مكاني وحمدت لله لنصرته لي في هذه الشدة، وتحركت من مكاني فرأيت حولي مخلفات الجيش الأمريكي من الأطعمة وعلب الماء والأسلحة وأشياء أخرى، لقد أعمى الله أبصارهم في تلك الليلة ولم يروني، رغم وجودي قربهم على بعد لا يزيد عن 20 أو 30 متراً، فعرفت معنى السكينة ورأيت نصر الله بعيني.
و في الصباح، لم يكن أحد يصدق هذه النجاة، لقد نجوت بأعجوبة حتى عندما رأيت لاحقاً موقعي وموقع الجنود لم أتقبل عقلياً أنني كنت في هذا المكان والأمريكان كانوا في ذاك المكان ونجوت من كيدهم، وفي هذه الليلة استشهد حوالي عشرة أو اثنا عشرة من أصدقائنا المجاهدين في المواجهات والاشتبكات معهم، وكان من بين الشهداء ابن اخ النائب السياسي لرئيس الوزراء (المولوي عبدالكبير)، وهكذا في كل المداهمات رأينا نصر الله للمجاهدين، كنا نحاربهم ونواجههم ولا نبالي بما لديهم من إمكانيات، رغم أن عقلية كثير من الناس لا تقبل مواجهة الأمريكان؛ لما عندهم من قوة وأسلحة حديثة ومتطورة ذات تقنية عالية وكاميرات المراقبة والطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع التي لا تخطئ في الإصابة أبداً. ومع كل تلك الدعايات والتفاهات كنا نفكر بشكل آخر وبعقلية مختلفة. فالحمدلله القصص التي ذكرتها لكم كانت بعضاً من جوانب حياة المجاهدين، ونصرة الله لهم، وهذه حقاً مشاهد عجيبة وأمور خارقة للعادة.
■ بعد مسيرتك، وأنت تجلس الآن في مقام الوالي؛ ما الذي يثيره ذلك في نفسك؟
نعم، طبعا نحن وصلنا إلى هذه المرحلة بعد تحمل صعوبات ومحن وألم وتعب ومشقات، ونحن لم نكن نتخيل ولا نتوقع النصر بهذا الشكل. ولم نكن نتوقع أصلاً أن نخرج أحياء من القتال في الإمارة الأولى ولاحقاً بشكل خاص في فترة الاحتلال. لقد كنا لا نأمن على أنفسنا من الموت ولا لليلة واحدة، كنا نُرَاقَبُ اربع وعشرين ساعة من قبل الاحتلال وجواسيسهم وعملائهم، بالإضافة لمراقبة طائرات الدورن، وكذلك الاستهدافات اليومية ومحاولات الاغتيال ليلاً ونهاراً، وأنا شخصياً لم أنم ليلاً في فترة الاحتلال لـ15 سنة ولم أبت في مكان واحد. لقد كنا ننتقل من مكان إلى مكان، وكنت أنام بعد صلاة الفجر ساعتين أو ثلاثة فقط، هذا إذا كانت الفرصة تسمح لنا بذلك، وكنا لا نشعر أصلاً أننا على قيد الحياة، وكنا ننتظر الموت والشهادة أو الإصابة في كل لحظة، وأحيانا أتعجب من هذا الأمر كيف خرجت من كل هذه الصعوبات؟! وتجاوزت كل هذه المحن؟!
نعم، إنه أمر مدهش للغاية! ودائماً أشكر الله عز وجل لأننا تجاوزنا كل المحن بفضل الله عز وجل، وإليه يرجع الأمر بتدبيرالإنسان، أما تدبير البشر فليس بشيء، ولو اجتمع أهل الدنيا كلها على أن يفعلوا شيئاً؛ فلن يفعلوا إلا ما كتب الله فعله، وهذا إيماننا وعقيدتنا، وأهم شيء هو الإيمان. وأشكر الله دائماً على جميع نعمه التي أنعم بها علينا، وأسأله أن يجعلني خادماً لعباده. وأنا سعيد وشاكر لله عز وجل بأن كتب لي حياةً وجعلها تحت ظل حكومة الشريعة، وأحمد الله أني أعيش في كنفها. ولكنني أقول أولاً وآخراً أن الحياة التي كنا نعيشها مع المجاهدين في المعاقل رغم صعوباتها القاسية لن نجد حلاوتها ولذتها مهما حصل. لقد مضى كثير من الرجال من أصدقائنا المجاهدين واستشهدوا وأسأل الله أن يتقبلهم ويرفع درجاتهم وأسأله -سبحانه وتعالى- حسن الخاتمة، وأن يرحمني برحمته الواسعة وأن يجعل آخر كلامي (لا إله الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) آمين.
■ نشكر لكم الوقت الذي منحتمونا إياه. شكراً لكم.
شكراً لكم أنتم، شكراً جزيلاً وجزاكم الله خيراً، نسأل لله سبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين والمجاهدين في كل أرجاء العالم، وأن يكتب لهم التوفيق والسداد، ونسأل الله عز وجل أن يجعل النظام الإسلامي حاكماً على الكرة الأرضية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.