مقالات الأعداد السابقة

لماذا لا توجد النساء في الوفد المفاوض للإمارة الإسلامية؟

الكاتب: عبد الستار سعيد
تعريب: أحمد قندوزي

قبل أيام عندما أعلنت الإمارة الإسلامية والطرف الآخر عن أعضاء وفودهما للمحادثات الأفغانية، أثارت بعض وسائل الإعلام على الفور مسألة المقارنة بين الوفدين، فتساءل بعض الصحفيين:

لماذا لم يُسمح للنساء بالمشاركة في فريق طالبان؟ ولماذا لا يضم الوفد الطالباني المفاوض طوائف وعِرقيات مختلفة؟ وأوردوا انتقادات مماثلة أخرى.

لكن من الواضح أن مرحلة المفاوضات التي بدأت حديثًا، هي: الحوار بين الأفغان، أي لا يحضرها غير أفغاني أو أجنبي حتى كمراقب، بل سيناقش المواطنون الأفغان القضايا فيما بينهم فقط.

بما أن المفاوضات أفغانية بحتة يجب أن تكون معاييرها تابعة لما يعتنقه شعبنا عملياً وفكرياً.

إن شعبنا شعب مسلم، ومجال العمل والمسؤولية في الإسلام واضح لكل من الرجال والنساء، وإن ديننا الحنيف، وتاريخنا العريق، وثقافتنا العامة كل ذلك يظهر لنا مدى المسؤولية التي تتحملها المرأة في المجتمع، وما تفعله على المستوى الفردي والاجتماعي.

يمكنكم قراءة العلاقات الدبلوماسية في بداية الإسلام، ثم الخلافة الراشدة، وكذلك أحداث المباحثات مع الأعداء، كما أن تاريخ المفاوضات مع الانجليز قبل مئة عام كنموذج أمامنا.

إن طالبان هم ممثلو الشعب الأفغاني، والأفغان يدينون بالإسلام الذي أنزله الله قبل ١٤ قرناً، ويلتزمون بالهوية الأفغانية التي التزم بها أجدادنا قبل مئة عام، لم يأت أحد هنا بدين جديد، ولم يُغيِّر الشعب هويته الوطنية، وطالبان لم تعتنق فكرة جديدة أو مبدأ حديثا أو معتقدات أجنبية، حتى يُمثِّلوا تقاليد الأجانب على طاولة المفاوضات بين الأفغان.

إن تاريخنا الإسلامي والوطني قد علّمنا كيف يكون التفاهم والحوار والمصالحة، قد علّمنا كيف تكون خصائص المفاوضين؟  ولا يرتاب في ذلك إلا مَنْ جَهِل تاريخَ الشعب الأفغاني وثقافته الدينية والوطنية، أو لا يعتقد بهما أصلاً!
هؤلاء المنتقدون لا يعرفون أن المندوبين لا يتم إرسالهم لاتخاذ القرارات على أسس الجنس والعِرْق والمنطقة والامتيازات الأخرى،

إنما المهم هنا هي القيم العليا والقواسم المشتركة لجميع طبقات المجتمع، سواء كانوا ذكورا أو إناثاً، صغاراً أو كباراً، سواء كانوا من مشارق البلاد أو من مغاربها، فكل من يستطيع الدفاع عن هذه القيم فإنه يمثل كل فرد من أفراد المجتمع.

فالمحادثات الأفغانية هي مجلس اتخاذ القرارات الأساسية بشأن مستقبل أفغانستان، وليست مجرد عَرض للتنوع الجنسي والطائفي والمنطقي للمجتمع الأفغاني، حتى يجب أن يشمل على ممثل من كل طبقة.
وأما ما يتعلق بممثلي المناطق والأعراق المختلفة في وفد الإمارة الإسلامية، فيجب أن نقول أولاً: بأن وفد الإمارة الإسلامية يضم جميع المجموعات العرقية.

ثانيا: أن الإمارة الإسلامية لا تعاني من مرض التعصب العرقي كما هو الحال في إدارة كابُل، حتى يُنظَرَ إلى كل شيء على أساس العرق، بل إن الإمارة الإسلامية تنظر إلى جميع سكان أفغانستان البالغ عددهم ٣٥ ميلون نسمة كشعب واحد، شعب يؤمن بإله واحد وكتاب واحد، ويدين بدين واحد، ويقلد مذهبا واحدا، شعب يرتبط معاً بخيط الأخوة الإسلامية التي لا تعلوها قرابة.

إن اختلاف الألوان واللغات والمناطق تُعد ظاهرة طبيعية، فأصابع اليد ليست مماثلة، رغم كونها في يد واحدة، والأشقاء رغم كونهم في بيت واحد، وميلادهم من رحم واحد لا يشبهون بعضهم البعض، فهذا الاختلاف الطبيعي لن يستطيع تضعيف علاقة الأخوة بين المسلمين.

لذلك من كان مسلمًا صالحًا مخلصًا لآمال الشعب الدينية، يمكنه أن يُمَثِّل كل فرد من أفراد هذا الشعب، من أي ولاية كان، وبأي لفة تحدّث، وإذا دققنا النظر في هذا الأمر، فإنه ليس ضعف الإمارة الإسلامية، وإنما ذلك سرّ قوتها، حيث لا مكان فيها للتعصب المبني على العرق والقبيلة والمنطقة، فهنا روح الأخوة الإسلامية تسود كل شيء، نعم روح الأخوة الإسلامية فقط.

ومن أكبر الجرائم والخيانة التي ارتكبتها إدارة كابل خلال السنوات الـ 19 الماضية، هي: تأجيج نيران الفتن العرقية، والترويج للنفاق العنصري والطائفي والعرقي من خلال تلويث الاعتبارات القومية والعرقية في جميع الأمور، وحالياً لا تستطيع إدارة كابل التخلص منها في أبسط قضية. والأغرب أن مثل هذه التعصبات لا توجد حتى في المجتمعات الغربية التي تقلدها إدارة كابل.

إن التنوع العرقي والقبلي والديني أمر طبيعي في كل بلد، لكن لا أحد يتعامل مع القضايا الوطنية على أساس التمييز العنصري، بل يتصرف فيها بالموقف الوطني الموحد.

على سبيل المثال: تعيش عرقيات مختلفة في إيران وتركيا والعراق وباكستان والعديد من البلدان الأخرى، فهل رأيتم وفودهم للمفاوضات بهذه الطريقة!؟ أبداً.

لذلك، فإن مثل هذه التصرفات للمفاوضين الذين قدموا من كابل إلى قطر، لا تتوافق مع المعايير الإسلامية، ولا تتماشى مع العادات والتقاليد السائدة في العالم الحاضر.

أولئك الذين ينتقدون طالبان من هذا الباب يجب عليهم أن يحاسبوا أنفسهم أولاً وقبل كل شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى