لماذا لم تشارك الإمارة الإسلامية في عملية السلام؟
بقلم: الدكتور بنيامين
أعلنت الإمارة الإسلامية عدم حضورها مفاوضات السلام، ورفضتها بكل صراحة. ويرجع رفض الإمارة الإسلامية حضور المفاوضات إلى أسباب عدة، منها:
1 – عدم جدية الوفد العميل، ورفضه مناقشة الشروط المطروحة، وتهرّبه من الالتزامات المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين. بالإضافة إلى أن الإمارة الإسلامية تدرك أن الصراع أكبر من تلك القضايا التفصيلية، وأن المفاوضات المذكورة تحوّلت إلى منبر لصراع تقسيم أفغانستان بين دول عدة يستعرض كل طرف منها قدراته على إحراج الطرف الآخر وتفنيد روايته واستقطاب المزيد من المؤيدين له، فلا دول الجوار ولا العملاء مستعدون للتضحية من أجل الشعب، ولا أميركا تعنيها مصالح الشعب الأفغاني.
2 – أن برنامج السلام المزعوم فخ ينصبه العملاء للإمارة وللشعب الأفغاني. وبتكتيكات تفاوضية يحاول كل طرف إيقاع الإمارة الإسلامية خلال المدة الزمنية التي تشغلها المفاوضات؛ أملاً في وصول الأمريكان إلى أهدافهم بنهاية المفاوضات. وكل الأطراف كانت تعي هذه اللعبة، حيث لدى كل طرف رهاناته في الفوز انطلاقاً من رؤيته لموقعه في الصراع ووضع حلفائه والمعطيات في أفغانستان.
وتفاجأت الإمارة الإسلامية عندما أعلنت الحكومة عن عقد جلسات مع الطالبان حول عملية السلام، حيث أعلنت الإمارة عدم اطلاعها على تلك الجلسات. وقد شاهدنا مفاوضات العملاء مع الأمريكان وباكستان والصين في مناخ مثير للشك، حيث عرض العملاء اقتراحات تمنح لأميركا صلاحيات كبيرة جداً دون الحديث عن خروجهم من البلاد. وبدا ممثلو الحكومة العميلة في تلك الجلسات وكأنهم يمارسون عملية لتجربة أطروحاتهم حتى أنهم لم ينخرطوا في نقاشها بشكل جيد لعدم معرفتهم بتفاصيلها، حيث طرحوا مقترحاتهم ثم انسحبوا بعد أيام، فحالهم أشبه بمن يضع سماعات في أذنيه وثمة معد من خلف الكواليس يلقنه الكلمات!.
الردّ الشديد والصريح الذي عبرت فيه الإمارة الإسلامية عن ردها على تلك االجلسات الخاوية كان بمثابة رفع كرت أحمر في وجه أمريكا، مذكراً إياها باستحالة التنازل عن أهداف السلام الحقيقي ومطالب الأفغان واستحالة قبول بقاء الاحتلال بعد كل ما مارسه من إجرام، وأن الدول الكبرى لن تستطيع فرض مواقفها على الشعب الأفغاني مهما تطلب الأمر من تضحيات جسام.
لم يكن صعباً على الشعب الأفغاني اكتشاف نقطة التقاطع التي تجمع كل تلك الاطروحات السلمية وغيرها، وهي أنها كلها تستثني مصير الاحتلال الأمريكي في البلاد، بل وتضع الحلول بوجوده وفي ظل دستوره. ولم يكن من الصعب أيضاً اكتشاف أن مصدر السيطرة على هذه الاطروحات والتنازلات العميقة هو الاحتلال الأمريكي. ومع بقاء أشرف غني وأمثاله من الضعفاء ستنام أميركا قريرة العين طويلاً في ساحات أفغانستان.
هذا الموقف الأمريكي يتزامن مع زيارة قادة أمريكا للصين، والمعلوم أن العلاقات بين الطرفين تشهد حساسية عالية نتيجة السياسات التي تتبعها إدارة أوباما في أفغانستان للنيل الاستراتيجي من الصين ولمراقبة نشاطاتها المختلفة عن كثب.
وإذا كانت أميركا قد استخدمت أفغانستان ميداناً لتجربة أسلحتها، فإن العملاء والصين استخدماها لتجربة سياساتهما وتدريب مفاوضيهما على تحقيق مصالحهما على حساب لحم ودم الشعب الأفغاني، وهذا ما جعل الإمارة الإسلامية تضرب بتلك المحادثات عرض الحائط.
وبعيداً عن الشعارات الكلامية التي مارستها إدارة أوباما منذ سنوات، وبالنظر إلى النتائج، تكون واشنطن أكثر حظاً بتحقق تلك المفاوضات وليس الشعب الأفغاني والأمة. في حين أن خروج أميركا سيعني ولادة مناخ أمني جديد على حدود أفغانستان وعدم السماح لأي دولة بالتدخل في شؤونها.