لماذا يهتم الغرب بالمرأة الأفغانية؟
أويس علي
لا شك أن المتابع للإعلام الغربي وتوابعه من الإعلام العربي يجد كافة وسائله الإعلامية بشقيها: الفضائي، والتواصل الاجتماعي؛ تواصل الهجوم المستمر على تجربة الإمارة الإسلامية في أفغانستان، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، وفي هذا المقال نحاول أن نفكك هذا الأمر الذي يبدو بسيطًا لكن بالتدقيق نجد أسبابًا جوهرية، لذلك فهذا الهجوم في الحقيقة يعكس صراعًا عميقًا بين نموذجين حضاريين متناقضين:
الأول: هو النموذج الغربي الذي يسعى لترويج مفاهيمه عن الحريات الفردية وحقوق المرأة وفق معايير غربية.
والثاني: هو النموذج الإسلامي الذي تسعى الإمارة الإسلامية لإرسائه، والذي يتمسك بقيم المجتمع الإسلامي ويراعي خصوصياته الثقافية والدينية.
وسنتناول الأسباب العميقة التي تجعل الغرب يحارب هذه التجربة، وخصوصًا فيما يتعلق بقضايا المرأة.
عندما أعجز عن الحسم العسكري سألجأ للتشويه
منذ دخول الولايات المتحدة وحلفائها إلى أفغانستان في عام 2001، خاض الغرب حربًا طويلة ومعقدة ضد الإمارة الإسلامية.
ورغم التفوق العسكري والتقني، إلا أن الغرب لم يحقق انتصارًا، بل انتهى به الأمر إلى الخروج المذل من أفغانستان بعد حرب دامت عشرين عامًا، فعادت الإمارة الإسلامية إلى السلطة.
هذا الفشل في كسب الحرب على الأرض دفع الغرب إلى استخدام وسائل غير عسكرية للنيل من الإمارة الإسلامية، وعلى رأسها التشويه الإعلامي.
الهجوم الإعلامي الغربي على الإمارة الإسلامية وخصوصًا فيما يتعلق بحقوق المرأة، ليس مجرد قضية حقوقية، بل هو جزء من استراتيجية أعمق.
هذا النوع من الهجوم يعتمد على تشويه صورة الخصم أمام العالم وأمام الشعوب الإسلامية.
فعندما يعجز الغرب عن هزيمة خصومه في ميدان الحرب، يلجأ إلى “الحرب الباردة” أو الحرب الثقافية والنفسية. ومن هنا، تأتي حملات التشويه التي تهدف إلى تصوير الإمارة الإسلامية كنظام “قمعي” و”رجعي” لا يحترم حقوق الإنسان، وخصوصًا حقوق المرأة.
الهدف من هذه الحملات ليس الدفاع عن حقوق المرأة في الحقيقة، وإلا فأين هم من نساء غزة!
بل هو ضرب شرعية الإمارة الإسلامية أمام المجتمع الدولي وأمام الشعوب الإسلامية التي قد تجد في هذا النموذج نظامًا بديلًا ينسجم مع قيمها وهويتها.
فالغرب يدرك جيدًا أن العديد من المسلمين حول العالم يبحثون عن نموذج يعيد الاعتبار لقيمهم الإسلامية، ونموذج الإمارة الإسلامية يهدد بنجاحه هذا التوجه الغربي، ولذلك يتم استخدام ملف المرأة كأداة لتشويه هذه التجربة.
نجاح الإمارة الإسلامية يمثل تهديدًا أيديولوجيًا للغرب
الغرب يعتبر نفسه حاملًا لقيم “الحرية” و”حقوق الإنسان” و”المساواة”، ويروج لهذه القيم كقيم عالمية يجب أن يتبناها الجميع.
من هذا المنطلق، يرى الغرب أن نجاح الإمارة الإسلامية، خاصة في تقديم نموذج يُحترم فيه دور المرأة وفق الشريعة الإسلامية، يمثل تهديدًا لقيمه التي يريد نشرها عالميًا. فالغرب يعتمد بشكل أساسي على ترويج ثقافته وقيمه كوسيلة لفرض هيمنته على العالم، ويعتبر أن أي نموذج إسلامي ناجح قد يزعزع هذه الهيمنة ويطرح نموذجًا بديلاً.
إذا نجحت الإمارة الإسلامية في تقديم نموذج يحترم المرأة ويعزز دورها في المجتمع بما يتماشى مع القيم الإسلامية، فإن هذا سيشكل ضربة قاسية للغرب الذي يسعى منذ عقود إلى تصوير الإسلام كدين “متخلف” وغير متناسب مع حقوق المرأة.
هذا النجاح سيجعل من الصعب على الغرب الاستمرار في نشر سردياته السلبية عن الإسلام وعن المرأة المسلمة، وسيجعل من الإمارة الإسلامية نموذجًا يجذب انتباه المسلمين في مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا الصدد يشير تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي (2021) إلى أن هناك مخاوف من أن يؤدي نجاح الإمارة الإسلامية في تحقيق مجتمع مستقر وحقوق للمرأة ضمن إطار الشريعة الإسلامية؛ إلى تشجيع التيارات الإسلامية في دول أخرى على السعي لتحقيق نظم سياسية مماثلة.
خصوصًا أن كثير من الدراسات تشير إلى أن المجتمعات الغربية تعاني من مشاكل متزايدة تتعلق بارتفاع نسب الطلاق، والعنف الأسري، وتفكك الأسرة، وهي قضايا تتأثر بشكل مباشر بالتحرر المفرط والانحلال الأخلاقي الذي يروج له الغرب تحت غطاء “الحرية الفردية”. في المقابل، إذا نجحت الإمارة الإسلامية في بناء مجتمع مستقر وقيم متينة تراعي حقوق المرأة وتحافظ على الأسرة، فإن هذا النجاح سيعزز من مصداقية القيم الإسلامية ويطرح تساؤلات حول جدوى النموذج الغربي.
الإمارة تهدد الاقتصاد الغربي في تجربة المرأة
من المهم أن نفهم أن الغرب لا يكتفِ بفرض قيمه من خلال الخطاب السياسي والإعلامي فقط، بل يقوم بدعم هذه القيم بميزانيات ضخمة تُنفق على مشاريع تهدف إلى نشر المفاهيم الغربية حول “حقوق المرأة” و”الحرية الفردية” في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات الإسلامية.
فوفقًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للمرأة (2020)، تنفق الدول الغربية ما يزيد عن مليار دولار سنويًا لدعم مشاريع في الشرق الأوسط، تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية لدور المرأة، وتحقيق ما تسميه “تمكين المرأة” بناءً على النموذج الغربي.
هذه المشاريع تعمل على تعزيز مفاهيم “تحرير” المرأة وفق النموذج الغربي، وتروج لصورة نمطية حول المرأة المتحررة كمثال يجب أن تتبعه النساء في المجتمعات الإسلامية. هذه الاستثمارات ليست بريئة، بل تهدف إلى تغيير ثقافة المجتمعات المستهدفة من الداخل، لتصبح أكثر تقبلاً للقيم الغربية وأقل تمسكًا بقيمها الإسلامية.
لكن إذا نجحت الإمارة الإسلامية في تقديم نموذج اجتماعي ناجح يحافظ على كرامة المرأة ويعزز دورها ضمن إطار الشريعة الإسلامية، فإن هذا النموذج سيثير تساؤلات حول فعالية هذه الاستثمارات الغربية وجدواها.
وسيصبح من الصعب على الغرب إقناع المجتمعات الإسلامية بضرورة تقبل قيمه إذا كان هناك نموذج إسلامي ناجح يحقق توازنًا بين حقوق المرأة والتمسك بالهوية الإسلامية.
ضرب الثقة بالنفس لدى المجتمعات الإسلامية
إن تصوير النموذج الإسلامي كتصور فاشل فيما يتعلق بحقوق المرأة هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف الثقة بالنفس لدى المسلمين. الغرب يسعى إلى جعل المجتمعات الإسلامية تشعر بأنها متأخرة وغير قادرة على التقدم أو تحقيق العدالة الاجتماعية إلا من خلال اتباع النموذج الغربي. وبالتالي، فإن نجاح الإمارة الإسلامية في تطبيق نموذج يتماشى مع القيم الإسلامية سيعيد الثقة للمسلمين في هويتهم وقيمهم.
فإذا رأت المجتمعات الإسلامية أن الإمارة الإسلامية قادرة على بناء مجتمع يحترم المرأة ويعزز من كرامتها وفق القيم الإسلامية، فسيعيد هذا الثقة لهذه المجتمعات ويجعلها أكثر استعدادًا للتمسك بقيمها الثقافية والدينية بدلاً من الانجراف وراء القيم الغربية. وهذا بدوره سيحد من قدرة الغرب على التأثير في هذه المجتمعات ويضعف من قوته الناعمة التي يعتمد عليها لتحقيق مصالحه.
مواجهة بين نموذجين حضاريين
في نهاية المطاف، الصراع بين الغرب والإمارة الإسلامية حول قضية المرأة هو جزء من مواجهة أكبر بين نموذجين حضاريين متناقضين. الغرب يسعى لإرساء قيمه كقيم عالمية يجب أن تتبناها جميع الشعوب، ويعتبر أن نموذجه هو الطريق الوحيد لتحقيق حقوق المرأة والحرية. أما الإمارة الإسلامية، فتسعى لتقديم نموذج إسلامي يتمسك بالقيم الإسلامية ويعزز من كرامة المرأة ودورها في المجتمع دون المساس بالهوية الدينية والثقافية.
الهجوم الغربي على تجربة الإمارة الإسلامية لن يتوقف، لأنه يعكس مخاوف الغرب من نجاح نموذج إسلامي يطرح بديلًا حقيقيًا للنموذج الغربي. هذا الهجوم يعتمد على التشويه الإعلامي والدعم المالي الضخم للمشاريع التي تروج للقيم الغربية، ولكنه في النهاية يعكس قلقًا عميقًا من قدرة الإمارة الإسلامية على تحقيق نجاحات تزعزع من هيمنة الغرب الثقافية.
يبقى السؤال المهم هنا: هل يمكن للإمارة الإسلامية الصمود أمام هذا الهجوم، وتحقيق نموذج يثبت أن الإسلام قادر على تعزيز حقوق المرأة ودورها في المجتمع دون المساس بالقيم الثقافية والدينية؟
والسؤال الأهم: هل يدرك المسلمون أن دعم الإمارة الإسلامية والوقوف بجوارها ليس فقط دعم دولة مسلمة وهذا يكفي، بل هو أكبر من ذلك بكثير فهو دعم لنموذج حضاري مسلم يسعى الغرب بكل قوته إلى محاربته.