مقالات الأعداد السابقة

لن ترجع العبراتُ حقاً ضائعاً!!!

سعد الله البلوشي
الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی رسول الله وآله وصحبه أجمعین.
لقد تعود المسلمون- عبر القرون الأخیرة – أن یجیبوا الكوارث العظیمة والخطوب الجسیمة ببضاعة مزجاة من الدمع.
كلما یطرق بسمع المسلم خبر موجع مؤلم ، یستقبله بعبرات منسكبة ، وكلما لقي من الأعداء الدواهي والشدائد ، یكون مكدوهاً من الهم ويلألئ الدمع!
ولكن قل لي بربك یا أخي هل أبرأ هذا العمل عليلا أو هل برئ بهذا العمل عليلٌ) وشفى غليلا وهل قدم نحو الأمام شیئاً یسیراً؟؟
هل الدموع التي حفرت علی خدیك شقوقاً ، تكفي لإعادة المجد والعزة للمسلمین؟؟
لماذا أغانت بالغموم سماءُك وبالهموم فضاءُك ، وأنت مكتوفة الأیدي ، مصفود الأرجل ، ولا تتقدم نحو الأمام شبراً؟؟
هل الذروف التي تنحدر علی وجنتیك تكون ریاح النصر تدفع سفینة المسلمین إلی ساحل النجاة؟؟
لا والله!لن ترجع العبرات حقاً ضائعاً،ودماً مهراقاً،وعرضاً متهتكاً!!!
أماسمعت :
والعزفي صهوات الخیل مركبة       والمجد ینتجه الإسراء والسهر
وقال  تعالی :«أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما یعلم الله الذین جاهدوا منكم ویعلم الصابرین» {آل عمران :142}
واعلم، أن الهزیمة قرعت بابك ،ووقعت في المأزق ـ لما تركت رسالتك ودعوتك ،وابتعدت عن أحكام الله ـسبحانه وتعالی ـ وتنفیذ ها ،وكلما سمعت الهیعة أوالفزعة ما طرت إلیها وماألقیت بها بالاً،بل ألقیتها علی دبر اُذنیك.
قل لي  بربك یا أخي! ماذا بقي لنا بعد هذا الذل والهوان ، والإستكانة والإذلال حینما تعرض رسولنا المعظم صلی الله علیه وسلم – فداه أبي وأمي والمسلمین أجمعین ـ  ،للاساءات البالغة في أروبا،من قبل أعداءالله الأ لداء ،أخزاهم الله.
بماذا  تأخذ ثأر النبي   ـ صلي الله علیه وآل وسلم ـ؟
أبدموع ذرفت علی وجنتیك ، أم بعبر ات نهلت علی خدیك ؟ أم بتندیدك في الشوارع ،واستنكارك لهم ؟
أخا الإسلام: لنتیقن حق الیقین بأن موقفنا هذا یفرح الأعداء ، ویفسح لهم المجال نحو خطوات ٍ مد مرة ٍ جبارةٍ أخري ، ولمبالغة الإساءات علی شرائعنا وهدینا، ولإخراج السهام الدفینة المتعفنة   
الأخرى من كنانتهم علی صمیم فواد المسلمین ، وحبلهم الورید.
ویتسبب لاستنزاف طاقات الأمة المسلمة في فتن لا یعرف أحد عقباها ، وبكوارث إنسانیة تواكب الأمة الحین والحین ، ویكون فرصة سانحة سائغة لهم لترنیح أعطاف المسلمین ومشاعرهم.
إذاً ما هو الحل الوحید تجاه هذه الملمة القادحة ، والقضیة الفادحة الكبرى التي أضحكت علینا الأعداء ، وأطرقت لدیها رؤوسنا ،
حتی صرنا نكف ماء وجوهنا خجلا وحسرة وتأسفا ؟
وكیف نستطیع أن نضع سدا منیعا لد ی التیارات  الفتاكة التي كادت تجرف بالبقیة الباقیة من الغیرة الإسلامیة ؟؟
فلا مناص لنا بأن نضع لدی هذا  السیل إلا سیلا أشد منه وأقوي ،
كما قال العلامة أبو الحسن علي الندوي {رحمه الله}  : “إن السیل لا یمسكه إلا سيل مثله ، والتیار لا یدفعه إلا تیار أقوي منه ، فلا بدمن كفاح عنیف ، وصراع شدید یغیر مجری الزمن ، ویقلب تیار الحیاة من جهة الی جهة ، ویحد ث انقلابا في المجتمع والحیاة ، وفي الأذواق والرغبات ، وفي قیم الأشیاء وموازینها ” {محاضرات إسلامیة في الفكر والدعوة ج 1 ص 26}.
فالحل الوحید ـ علی رأي الكتاب ـ سهل جدًا ، إلا تطبیقه عملیا في حلبة العمل ، ومیدان التطبیق غیر میسر بسهولة.
أجل ؛ یرید لهذا الدرب الحمید والطریق الرشید ، رجالاً نجباء ،
فضلاء ، نبلاء، رجالاً أفذاذاً في كل المیادین كي یدبوا الأكسجین في الأمة المسلمة المحتظرة علی أنفاسها الأخیرة، لكي ینفسوا عن كربها .
إذا یمكن أن یتفكر البعض بأن المرء الواحد لا یمكن أن یتجهزفي كل المیادین، فكیف نصعد ، ونرتقي إلی العلی ، وننال مانال الغربیون فیما نالوا من التقدم والإنجاز في شتی المجالات ،حتی  صاروا عمالقة الدنیا ، والبلدان- علی الظاهر- تحت    سیطرتهم ، حتی دول العالم – سیما الإسلامیة – خاضعة لهم مرتبطة بعجلتهم ارتباط العبید بالسادة و صارت أحجاراً علی رقعة الشطرنج لإرادة لها ولا اختيار ؟
نعم ؛ نحن المسلمون تفوق جماعتنا الملیار ، تفوق جماعتنا من جماعة مسلمي القرون  الخالیة ، إلا أن زیادة جماعتنا ما برأت غلیلا ، بل صارت ضغثا علی إبالة ، كمٌ كبیر ولكنه بلا كیف كثرة كغثاء السیل كما جاء في حدیث الصحیح الذي رواه أبو داود عن ثوبان قال : قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: « یوشك الأمم أن تداعی علیكم كما تداعی الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن یومئذ قال بل أنتم یومئذ كثیر ولكنكم غثاء كغثاء السیل ولینزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ولیقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل یا رسول الله وما الوهن؟قال:حب الدنیا وكراهیة الموت».
نعم إننا طیلة الدهور الماضیة ، والقرون الخالیة ما غلبنا علی أعدائنا ، وما امتلكنا ناصیة أمم بعیدة الشاؤ في المدنیة بعِدتنا وعُدتنا
ولا با لكثرة .
فنحن أحفاد أولئك المسلمین الذی حملوا رسالتهم ، وأدوا أمانتهم
ونوروا العالم ضیاء ونورا ، وأخرجوا العباد من جور الأدیان إلی
عدل الإسلام ، وانتصروا علی أعدائهم ، وفتحوا العالم بأسره .
ولكن مع الأسف البالغ نری معظم جیلنا علی هاویة الورطة الغائرة، والضلالة الفادحة . فكم من شباب یتباهون بزي الغربي ـ فكریا وعملیا ـ یقتفون هدیهم، ومازالوا یسلكون دربهم ، و ما حركوا ساكنا لما امتحنهم الغربیون باستهزائهم نبیهم ـ فداه أبي وأمي ـ صلی الله علیه وسلم .
فماذا سیكون موقف شاب تورط في الغوایة ، وتكسع في الضلالة؟
أكید؛ یكون كلاً علی المجتمع
..وكأننی هاهنا – كجزءٍ من أمة الملیار- أخاطب نفسي و بني جلدتي بأن الغیوم الكثیفة ستنقشع والغبار المتطایر سیهدأ بإذن الله إذا أدینا مسئولیتنا ، واستخدم كل واحد منا مؤهلاته – في أي مهنة كانت له – للإسلام  والمسلمین، علی سبیل المثال : إذا كان الكتاب البارعون والأدباء الماهرون  یكتبون من قبل ساعة في الیوم ، لیكتبوا الساعات بل الیوم بكامله عن الإسلام والمسلمین.
والنبلاء من المتفكرین والدعاة المخلصین إذا كانوا یتفكرون – من قبل – في جزءٍ بسیط، لیوسعوا دائرة أفكارهم ودعواتهم ويتوهوا في الأمور ویسبروا غورها، ویتفكروا صباح مساء في حال الأمة الغالیة ویخرجوا آراءً وأفكاراً  جدیدة تنور الطریق للسائرین، بل تغیر المجری للعابرین.
ولكي یتمخض من خلال أفكارهم ودعواتهم رجالاً أفذاذاً كالبطل الهمام صلاح الدین أیوبي ، والإمام الشهید عبد الله عزام ، رحمهم الله جمیعاً- كي یوقظوا الأجیال –خاصة الشباب- وینفخوا فیهم روح الإیمان والحماسة لحمل رسالتهم ، وأداء أمانتهم.
والمخترعون والمهندسون إذا كانوا- من قبل- یأتون في أسبوع باختراع فلیأتوا الآن كل ساعة باختراع جدید، وإبداع قشیب.
وأما الذين یحملون عزنا وسعادتنا ألتمس لدیهم وأجلس أمامهم مطرقاً ، وأطلب منهم بالعجز بأننا نحن المسلمون في صحراءٍ قافر ومعنا سفینة النجاة لكن لا ماء تجري فیه ، فكیف نوصلها إلی الجودي ، وإلی ساحل النجاة؟؟
تقتضي منكم – أیها المجاهدون الذین بعتم نفوسكم ومهجكم لله ، وترشحتم كي تسترجعوا مجدنا الماضي وعزنا السابق – بأن تسیلوا دماءكم حتی تصنعوا من الدماء البحار الكبیرة، كي تجري السفینة بالأمن والسلام، بالباقیة – من الذین تكفلوا واضطلعوا أن یهبوا جیلاً آخر مثلكم – إلی ساحل النجاة.
ولا تخافوا إذا صرنا أقلاء بفوات الرسالة، فإننا أمة حیاتنا بحیاة رسالتنا وموتنا بموتها.
فبالجملة : لابد لكل مسلم  بدل الصراخ والتشدخ والبكاء والعویل أن یؤدي واجبه نحو عقیدته ورسالته، ویبذل قصار جهوده ، ویستخدم طاقاته – في أي مهنةٍ كانت له بعد الإتقان فیها- نحو الإسلام والمسلمین ، فسوف إذاً یتغیر لنا المجری، وینبلج الصبح الصادق في اللیل الغاسق، وتكون كلمة الإسلام الطیبة مرفرفة في شتی بقاع الأرض ، ویأتي النصر الموعود ویفرح المؤمنون یومئذ بإذن الله.
وما ذلك علی الله بعزیز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى