مأساة حلب الشهباء وخزي العالم
أبوصلاح
يرى العالم أنّ المقاتلات الحربية الروسية والسورية تمطر بالقنابل والبراميل المتفجرة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب في أعنف قصف تتعرض له المدينة منذ شهور، فتقصف الأحياء السكنية مُوقِعة مئات القتلى وآلاف الجرحى؛ وهدفهم من ذلك إخضاع الأهالي وإجبارهم على الاستسلام.
فأحياء حلب وسككها وشوارعها طافحة بسيول الدماء ومتناثر الأشلاء. لقد تحولت سكك حلب إلى أطلال ومقابر جماعية لسكانها، وحقول تجارب لأسلحة فتاكة تجرب لأول مرة. وما من مغيث ولا من منجد إلا الله.
العالم المتحضر يتشدّق ببعض الكلمات، ثم يتعامى عن بقية المجازر، بينما لو لقي بعض الشواذ في شوارع أروبا مصرعهم بيد مسلم لثار العالم بما فيه المسلم والكافر! ولقاموا قومة رجل واحدٍ لاستنكاره وشجبه بأشدّ الكلمات! ولاستنفرت الجيوش لنجدتهم وإغاثتهم! بينما يتفحّم أطفال حلب وشيوخها ونساؤها العجزة بنار الشيوعيين والبعثيين، ولا يعبأ بهم أحد؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
تنقل وسائل الإعلام بعض مآسي مجازر حلب، فترى على شاشة التلفاز جماعات من الناس يزدحمون هنا وهناك حيثما وقع القصف، فترى الأبنية الشامخة بعد دقائق من القصف تلاّ كالقبر العظيم، كأنه لم يكن منذ ساعات يبسم للحياة، فيُعمل الناس مساحيهم ومعاولهم في هذه الأنقاض فيكشفون عما تنفطر لهوله القلوب، ويلقون من غرائب الحياة ومآسيها ما يُخجل أكبر القُصّاص ويدفعه إلى كسر القلم وهجر الكتابة؛ لأن الواقع الذي وقع ويقع منذ أيام على حلب أبلغ من كل ما قد يتخيّله الأدباء والقصّاص، وإن جميع أفلام الرعب الهوليودية بخدعها السينمائية، تقف عاجزة عن تجسيد ما يجري في حلب.
النساء يولولن ويصِحن على زوج ضائع أو ولد مفقود، ويقعن على أرجل الكشافة وأصحاب المساحي يسألنهم الإسراع بالكشف عمّن افتقدن من أقربائهن، والرجال… وليس الرجال بأجلد من النساء في هذه الأيام، وكيف يتجلّد الرجل ويصبر وحبيبه تحت الأنقاض، وكلما مرّت لحظة دنا منه الموت شهراً! كيف يصبر وهو يظنّ أن في يده حياة حبيبه المدفون حياً تحت الثرى، ويتصور كيف يعيش من بعده إذا توهّم أنه هو الذي قتله بتقاعسه عن إسعافه؟
إنّ ما يجري الآن في حلب من الفواجع والمآسي والمجازر لا يقدر على وصفه لسان ولا قلم. فينتشل الحفّارون جثثاً مفحّمة ومشوّهة لا يُعرف أصحابها، أو طفل رضيع يجدونه حياً، يرضع من ثدي أمه الميتة، حقائق لو كانت خيالاً لكانت من أغرب الخيال.
أين الذين كانوا يتبجحون بحقوق الإنسان؟
لماذا تهدمون الآن ما بنى أجدادكم وترجعون بالعالم إلى الوراء قروناً ثلاثة؟
أم قد نسيتم ما أعلنتموه من أنكم أنصار للشعوب وللحرية وللمظلومين؟ أفي هذا القرن الذي هو قرن الحضارة والنور، فلِمَ لم نرَ من نوره إلا بريق البارود ولهيب النار، ولم نُبصر من حضارته إلا البنادق والدبابات والحرائق والمجازر بحلب وأخواتها من الأراضي الشامية.
إن حلب المدمرة على رؤوس أصحابها ستبقى عاراً على جبين الإنسانية، وستبقى لعنة الدماء المسفوكة تلاحق تجار المال والسلاح وعشاق لحوم الأطفال المشوية في أزقة حلب وغيرها من المدن السورية.
فيا شعبنا المظلوم في حلب ويا أيها المنكوبون! يا من قوي عليهم عدوّهم وعدوّ دينهم ونالهم بالأذى وسامهم الخسف، وطغى فيهم وبغى حتى ظنّ أنّ الله غافل عما يعمل، اصبروا فإنّ النصر صبر ساعة، وأنّ الفرج بعد الشدّة وأن مع العسر يسران، وعد الله لا يُخلف وعده بأن ينصركم، وينصر دينكم وينصر أشبالكم الذين يقضون قرابين في سبيل الله، وإنكم منصورون، وإنّ دينكم لمنصور وإن تمادى الظالمون، وتعدى الغاشمون، ولم يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة وأشبعوكم قتلاً وجرحاً وخسفاً ومسخاً، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.