مؤامرة الأعداء في إضرام نار العصبیة في أفغانستان
تورجان سلامي
العصبیة القومیة شجرة خبیثة تؤتي ثمرة مُرّة تكدّر الحیاة علی جمیع أطیاف المجتمع. فهي كالنار التي تأكل الأخضر والیابس. وكم من الأرواح أُزهقت في سبیلها! وكم من الدماء أهریقت في قضائها!. والتاریخ البشري أثبت في صفحاته نماذج لا تعد ولا تحصی من الآثار التخریبیة للعصبیة، قومیة كانت أو مذهبیة. وإن أشهر نماذج العصبیة المنقولة إلینا كانت في العصر الجاهلي في القرن السادس المیلادي، حيث كان الأعراب قبل بزوغ فجر الإسلام یتقاتلون للقضایا التافهة سنوات عدیدة، وكان منشئها العصبیات الجاهلیة. ولكن الرسول صلی الله علیه وسلم اقتلع جذور العصبیة بأنواعها من المجتمع العربي والإسلامي. فقال صلی الله علیه وسلم: دعوها إنها (أي الدعوة إلی العصبیة) نتنة. وقال: (لا فضل لعربي علی عجمي). وفي المدینة المنورة آخى بین جمیع الصحابة لیكوّن جیلاً صافیاً موحداً بعیداً عن العصبیات الجاهلیة.
والیوم صارت الأمة الإسلامیة بعد ابتعادها عن تعالیم الإسلام الصافیة، صیداً للعصبیة.
وأعداؤنا یضرمون نار العصبیة في المناطق المختلفة. ففي منطقة یشعلون نار العصبیة القومیة، وإذا لم یجدوا طریقاً في ذلك فیشعلون نار العصبیة المذهبیة والدینیة.
أما أفغانستان فنظراً لاحتوائها على قومیات متعددة من البشتون والطاجیك والأوزبیك والبلوش وغیرهم من الأقوام، تُعد أرضاً خصبة لاشتعال العصبیة القومیة. ولكن إیمان شعبنا واجتماعهم تحت قیادة واحدة منعهم من الوقوع في شباك العصبیة.
إن وحدة شعبنا كانت سبباً لانتصارنا في جمیع المعارك، خاصة في انتصارنا على الروس، وقبل ذلك على المحتلین البریطانیین. وإن هذا التماسك والوحدة المنیعة أفشلت خطط الأمریكان وأذنابهم من تحقیق أهدافهم الشیطانیة. لذلك ومنذ باكورة الاحتلال، بدأ المحتلون بضغط زر العصبیة بین الأقوام الساكنین في أفغانستان، وقد ساعدهم في هذه الرحلة الفاشلة زعماء دولة كابل الذین يقتاتون من تنافر الشعب وتقاتلهم. وقد ثبت للشعب عیاناً أن دولة الوحدة الوطنیة، دولة لتسویق العصبیة. وهنالك دلائل واضحة متعددة لإثبات أن الدولة هي العامل الأساسي لاندلاع الخلافات القومیة، وهنالك دلائل واضحة للإجراءات المؤدیة إلی العصبیة وتقویتها بین الأقوام في أفغانستان من قبل الدولة، فعلی سبیل المثال: التأخر في توزیع بطاقة الهویة الإلكترونیة. إن هذا التأخیر الطویل في هذا المجال نشأ من التعصبات القومیة، لا نرید الدفاع عن قومیة أمام الأقوام الآخرین، ولكن الحقیقة أن الدولة الحاكمة في كابل تتحرك بإشارة من قیادات القومیة الدریة والأوزبكیة والهزارة، وبمشاركة ضئیلة من الأقلیات الأخری.
مع الأسف أن هذه القیادات تحمّل مسؤولیة مشاكل أفغانستان علی عاتق أكثریة البشتون. وعلى الرغم من أن الرئیس من البشتون، إلا أن هذه القیادات لا تألوا جهداً في إیذاء البشتون. يدل على هذا ما قام به عبدالرشید دوستم من قتل وإبادة لجمع من المواطنین البشتون في ولاية فاریاب.
وقد شاهد العالم قمة العصبیة في الدولة ودورها في إحیائها من جدید، في قضیة دفن الملك الأسبق لأفغانستان، حبیب الله الكلكاني. فكما یعلم الجمیع أن المذكور كان فارسیاً، وعدوه كان نادر شاه البشتوني. وكانت القضیة سهلة هكذا بتلقي الشعب لها. لكن بعض الخونة أثاروا هذه القضیة لینالوا شهرة، فلعبوا بأحاسیس إخواننا المتحدثین باللغة الدرية، وقاموا بدفن بقایاه مع رفقته المقتولین علی تلة “شهر آرا”. وفي المقابل قام دوستم مع ملیشیاته بالاعتراض على دفن حبیب الله في شهر آرا. وبصرف النظر عما جری بین الطرفین، لكن دفن رفات حبیب الله في شهر آرا، منعطف كبیر في إیجاد الخلاف بین البشتون والطاجیك، وقد كانت القضیة مقتصرة علی بطون الكتب. أما الیوم فیجل الطرف الآخر حبیب الله كلكاني ویلعن نادر شاه، وفي المعسكر الآخر محبي نادر شاه یجلّونه ویلعنون حبیب الله كلكاني.
ألیس من المتوقّع اندلاع صراعات دامیة بین محبي الملكین النائمین في قبريهما؟! وقد كانت هذه القضية قبل ذلك مطمورة ومقصورة علی صفحات الكتب. في رأيي المتواضع: إن إحياء قضیة حبیب الله كلكاني من جديد كانت مؤامرة دقیقة من جانب المحتلین؛ لأن من دأبهم إیجاد الخلاف في كل بلد محتل بعد مغادرته. ففي العراق لما خرجوا أشعلوا نار الفتنة بین الشیعة والسنة، وفي أفغانستان سلكوا طریقاً آخر وهو العصبیة القومیة. وقد كانت قضیة حبیب الله كلكاني الأمر الوحید لإیجاد الخلاف بین البشتون والتاجیك.
والقضیة لم تنته إلی هنا؛ بل تغییر التاریخ وتغییر الكتب الدراسية خطوة أخرى یخطوها محبوا حبیب الله كلكاني. وبعد ذلك الاحتفال بذكری وفاته أو قتله، والخروج في الشوارع كما یفعلون في ذكری قتل “أحمد شاه مسعود”. إذاً ماذا سیحدث؟! يمكن التكهن بحدوث اشتباكات عنیفة ودامیة في وطننا العزیز. زد على ذلك إيجاد كثیر من الجمعیات والمنتدیات القومیة داخل البلد. فللبشتون جمعیة وللتاجیك جمعیة وللتركان والبلوش وغیره من الأقوم جمعیات خاصة؛ تسعی لیلاً ونهاراً في تقویة العرق القومي.
المجلات والمواقع حتی الشبكات التلفازیة التي تعمل في نشر الفكر القومي والعصبي كثیرة جداً. وبعض هذه الوسائل ترفع مكانة قومها عن جمیع البشر، وتراهم أفضل قوم طلعت الشمس علیهم.
إن أفغانستان الیوم، بسبب هذه الصراعات العصبیة ولتدخل الأیدي الخائنة في إضرامها، صارت علی وشك السقوط والوقوع في البركان. وأدق تعبیر لها، هو أنها كقنبلة تكاد أن تنفجر.
لو دققنا النظر في تاریخنا الطویل، فلن نجد صراعات قومیة بهذه الشناعة، مع الاعتراف بأن حدوث وقائع قومیة أمر طبیعي في بلد یعیش فيه قومیات مختلفة. إنها مؤامرة من جاتب الأعداء لیشغلوا شعبنا عن قضایاه الأساسیة، ولیفرضوا حكمهم علی هذا البلد الحبیب.
فالحل الوحید للقضاء علی أزمات هذا البلد، هو طرد المحتلین وأذنابهم الخونة من هذه البقعة المباركة بالجهاد والتضحیة. ویجب علی شعبنا صغاراً وكباراً، علماءً وعامة الانتباه إلى مخططات الأعداء في إشعال الصراعات القومیة والطائفیة. نرجو الله التوفیق والسداد.