
مؤتمر لاهاي الدولي و أمنيات الأمريكان وعملائهم
عقد في لاهاي عاصمة ايرلندا مؤتمرا دوليا بتاريخ 31/3/2009م وشارك فيه 72 دولة بينها الولايات المتحدة وإيران بالإضافة إلی الأمين العالم للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس أفغانستان العميل حامد كرزای، وانعقد مؤتمر لاهاي إبان أربعة أيام من كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما المحاور الكبرى لإستراتيجية واشنطن في أفغانستان ولمواجهة النفوذ المتصاعد للمجاهدين.
ونظرا للمؤتمرات الدولية العديدة التي عقدت في الماضي لحل أزمة أفغانستان، واستباب الأمن إلی ربوعها، وحل مشاكل شعبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، يتضح منها أن هذا المؤتمر مثل سابقيه لا ينفع الشعب الأفغاني، ولا يدفع عنه الكربات والصعوبات، بل إن المشاركين فيه يحاولون لتمهيد الفرص لبسط النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتقوية قواتها المتمركزة في أفغانستان، والبحث عن الطرق المؤثرة لكبح هجمات المجاهدين أو علی الأقل تضعيفها بشكل لافت، لأن الكل يعلم بأن هجمات المجاهدين آخذة في التصاعد منذ بدء فصل الربيع، فالغرض من انعقاد هذه المؤتمرات مناقشة تكثيف عمليات المجاهدين وتهديداتهم المتتالية واتخاذ الاستراتيجيات الناجحة والمخططات الموفقة لقمع تلك الهجمات وكيفية مقاومتها وسبل الوقاية منها وتقوية إدارة كرزای العميلة والتي انغمست في الفساد الإداري والاختلاس والرشوة… وضغط أميركا علی الدول المشاركة في المؤتمر بإرسال تعزيزات إضافية إلی هذا البلد المضطهد وتحريضها نحو قيامها بإجراء المجازر البشرية المستنكرة والفجائع البشعة.
ولكن على الجانب الآخر زعماء أميركا وحليفها “ناتو” وقادتها يطلقون التصريحات بعدم تحقيق انتصار قواتهم في أفغانستان، ويؤكدون بأن تصاعد هجمات المجاهدين وازدياد عملياتهم تدهورت الأوضاع وتعقدت الحالات، فليس هناك أي توقعات لانتصار قواتهم وتحقيق أهدافهم، فرغم هذه الاعترافات المتكررة والتصريحات المتتابعة لماذا يصر قادة أميركا والدول حلف شمال أطلسي “ناتو” بمواصلة الحرب واستمرار المعارك وإرسال تعزيزات إضافية إلی هذا البلد المنكوب؟ ألا يليق بهم في مثل هذه الأوضاع الراهنة اتخاذ إجراءات التي تؤدي إلی وقف النار وسحب قواتهم من أفغانستان وترك هذا الشعب ليقوم باختيار حكومة يتفق عليها الجميع؟!!
وإننا لو تتبعنا تصريحات قادة الغرب التي أدلوا بها للاعلام والصحافة والتي أكدوا فيها بعدم تحقيق الانتصار وهزيمة قواتهم لبلغت مجلدات فعلی سبيل المثال :
لقد نوه الجنرال ديفيد مكيرنان القائد العام للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال أطلسي “ناتو” في أفغانستان إن قوات أمريكا وقوات “ناتو” عجزت عن تحقيق تقدم في هذه المناطق الواسعة من أفغانستان، وأدلی به لوسائل الإعلام: (إن الاستراتيجية التي اعتمدها التحالف الدولي كانت غير فعالة، وتفتقر إلی الموارد اللازمة لانجاحها)
وقال الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي “ناتو” هوب شيفر كما أورد -موقع المختصر- إن الفشل في أفغانستان ليس خيارا مطروحا، لكنه رفض القبول بمبدأ انتهاج الخيار العسكري دون غيره من الخيارات الأخری… مضيفا: علينا أن لا نتوهم أن الخيار العسكري هو الحل فقط).
وأوردت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا ذكرت فيه: (إن استقرار أفغانستان لن يتأتی بالقتال وأن إستراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة لم تحمل جديدا) وأضافت الصحيفة: (إن إرسال المزيد من القوات وتعزيز القتال لن يحقق الاستقرار في أفغانستان)
وأشارت الصحيفة إلی أن سياسة أوباما الخارجية لم تحمل جديدا، ونقلت عن مسئوول في حلف شمال الأطلسي “ناتو” قوله: (إنها ليست جديدة بل هي نفس الإستراتيجية المتبعة ولكن بمزيد من المواد).
وصرح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لاهاي الأمريكية “راجان مينون” إن محاولة إقحام التغيير في المجتمع الأفغاني لن تؤدي إلا إلی ردة فعل عنيفة، وأن قرار الرئيس باراك أوباما إرسال قوات إضافية من شأنه أن يدفع بالولايات المتحدة علی نحو أعمق إلی مأزق أصعب، نظرا لكون المهمة غير محددة)
وعلی صعيد آخر اتفق جميع الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين بأن إرسال القوات الإضافية إلى أفغانستان ليس طريقا لحل الأزمة وإنهاء المعضلة، بل الحل الوحيد يتعلق بسحب القوات الأجنبية عن أفغانستان، فالأزمة الموجودة متعلقة بتواجد تلك القوات وقيامها بالقصف العشوائي مما يؤدي في أغلب الأحيان إلی قتل المدنيين الأبرياء وإبادتهم جماعيا وتدمير منازلهم وتخريب حقولهم، بالإضافة إلی الوضع الأمني الراهن وخاصة في المناطق التي تحت سيطرة النظام العميل، وكثرة الفساد الإداري في الحكومة العميلة وزيادة الفقر والبطالة التي يعاني منها الشعب، وتشير الاحصائيات الأخيرة إلی أن نحو ثمانين في المائة من أهالي أفغانستان يعانون من البطالة والفقر والجوع وعدم توفير الخدمات الصحية والتعليمية…. وتأخذ أفغانستان المقام الأخير في الدول الفاشلة والفقيرة.
وهكذا فإن القوات الأمريكية تقوم يوميا بإجراء الأعمال الوحشية التي تخالف جميع القوانين الدولية والمواثيق العالمية فضلا عن الشريعة الإسلامية الغراء وعادات الشعب الأفغاني، فهي تفتش بيوت المدنيين وتضربهم وتأخذهم بقوة السلاح إلی زنازين السجون التي بنتها داخل أراضي أفغانستان مثل معتقل بجرام ومقتل قندهار…..
فمع هذه الاعترافات المتكررة والتصريحات المتعددة بهزيمة القوات الأجنبية وإحباط مخططاتها الماكرة وفشل دسائسها المغرضة، لماذا تناقش مسألة إرسال تعزيزات إضافية، وتقوية الإدارة الفاسدة؟ أليس من المستحسن أن تناقش في مثل هذه المؤتمرات كيفية انسحاب القوات الأجنبية؟ وتعمير هذا البلد المنكوب وبناءه؟ وإعادة الأمن والاستقرار إلی ربوعه؟ وإزالة العقبات والعراك التي تواجهها شعبه؟
فرغم وجود الصعوبات المتعددة والأزمات الكثيرة التي تواجهها الشعب الأفغاني لم نر أحدا بحث الموضوع حسب ما تقتضيه الظروف الراهنة والأوضاع المعقدة في أفغانستان بل ولم يشر إليها أحد.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول بأن انعقاد مثل هذه المؤتمرات ليس لحل أزمات شعب أفغانستان بل لإيجاد العقبات والعراك أكثر فأكثر، لأن المشاركين فيها يناقشون قضية ضخ مزيد من القوات الإضافية وإرسال الوسائل العسكرية المتطورة لاستخدامها ضد هذا الشعب المنكوب، والقضاء علی عاداته الإسلامية الأصيلة ونشر الفواحش والمنكرات أوساطه، فمناقشة هذه القضايا التافهة لا تزيد إلا تورطا في المعضلة ولا تعود علی الشعب الأفغاني إلا بتصعيد القصف البربري وزيادة قتل المدنيين الأبرياء، وتكثيف الفساد الإداري.
هذا وتذكر الإحصائيات الأخيرة بأن الفساد الإداري في حكومة كرزاي العميلة يجري علی المستوی الرفيع أي أن كبار المسئولين في الإدارة العميلة منغمسون في الفساد الإداري، والاختلاس، الرشاوی، وغصب الأراضي الحكومية… بالإضافة إلی ذلك أن تلك الإدارة لا تتمتع بأي شعبية في أفغانستان.
ومن جانب آخر أن تصعيد هجمات المجاهدين وزيادة عملياتهم الساخنة تسببت في ضعف القوات الأجنبية عن مقاومتهم، فليس في وسعها حاليا الدفاع عن نفسها فضلا عن القيام بالهجوم عليهم، وكل ما تقوم به تلك القوات الغاصبة هو قصف منازل المدنيين وتدمير قراهم وتخريب حقولهم.
فمع هذه الأوضاع الراهنة والحالات المتورطة تطالب أميركا الدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي “الناتو” بإرسال تعزيزات إضافية إلی أفغانستان، فهل تقصد أميركا من إرسال تعزيزات إضافية تصعيد الحرب لأجل تغيير المجتمع، وإبادة المجاهدين عن المناطق التي يسيطرون عليها، وإلقاء الهزائم بهم؟.
يبدو أن هذه الخيالات لن تحقق مراميها وأن أمنيات الأمريكان وعملائهم من تحقيق الانتصار ستبوء بالفشل بإذن الله تعالی، وأن انعقاد مثل هذه المؤتمرات لا تمنح نظام كرزای العميل الصبغة القانونية الشرعية، ولا تستطيع أن تحميه من هجمات المجاهدين الناجحة وعملياتهم الساخنة، وأن أمثال هذه المؤتمرات تنعقد كل سنة بل وكل شهر ورغم ذلك لم تحرز إي انجازات.
وبناء عليه فإن إمارة أفغانستان الإسلامية تطالب أميركا والدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي “الناتو” بسحب قواتها عن أفغانستان دون أي قيد أو شرط، وأن القضية لا تنحل بتواجد قواتها فيها، وأنها إن خرجت وتركت الشعب الأفغاني لاختياره فإنه يستطيع بناء النظام وكيفية ممارسة إدارته، كما يستطيع إعادة الأمن إلی مختلف ربوع البلاد دون تحمل أي مشاق في تطبيقه، لأن الإمارة الإسلامية قدمت أروع الأمثلة في استباب الأمن وتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء أثناء حاكميتها للبلاد، فهي كذلك قادرة اليوم بتوفير الحماية لشعبها، وحفظ دينه وأصالته والدفاع عن أعراضه وأمواله، وكان من المتحتم علی المشاركين في المؤتمر بحث كيفية انسحاب القوات الأجنبية وبناء أفغانستان وإعادة عمرانها، وليس إرسال مزيد من القوات وتصعيد الحرب وسخونة المعارك، لأن الكل أدرك أن القوات الأجنبية لم تستطع خلال الثمان السنوات الماضية تحقيق أي انتصار ضد المجاهدين أو التمكن من الوصول إلی أهدافها، فهذه الفترة الطويلة والتي اندلعت فيها معارك دامية واشتباكات عنيفة أثبتت بأن الحرب ليست وسيلة لحل المنازعات وإنهاء الخصومات وتحقيق الأهداف، فلو كانت الحرب وسيلة لحل الأزمات لحلت قضية أفغانستان في السنة الأولی من الهجوم الأمريكي الوحشي علی هذا البلد المنكوب، ولكن قلنا مرارا وتكرارا بأن الحل الوحيد متعلق بانسحاب القوات الغاصبة دون أي قيد وشرط وليست الحرب واستخدام القوة طريق لحل المنازعات وإنهاء المشاكل كما أشرنا إليها أنفا. والله أعلم