مقالات الأعداد السابقة

ماذا ترید منا أمريكا؟!

بقلم: عماد الدين الزرنجي

یقول الإعلامي “نصیر شنساب” عن رحلته الأخیرة إلی أفغانستان وانطباعاته في مقال طبع في مجلة نیوز مكس: “في رحلتي الأخیرة إلی كابول وجّه إليّ كثیر من الأفغان هذا السؤال: ماذا ترید منا أمريكا ؟!

في بدایة الأمر لم أفهم غایتهم من هذا السوال؛ لذلك قلت لهم: ألم تأتي أمريكا إلیكم لتطهير بلادكم من الإرهاب وإرساء قواعد الأمن فیها وتنمیة اقتصادكم وتطبیق مشاریع مختلفة تفیدكم في عصر العلم والعولمة؟

فكان الرجل الأفغاني یرد علی كلمتي بسخریة ویقول: هل تعلم أن أمريكا هي أكبر داعم للقتل والقتال في بلدنا؟ هي التي وترت الأضاع الأمنیة، وهي التي أحیت العصبیات الجاهلیة بیننا، وهي التي جعلت الأفغاني يبغض الأفغاني الآخر ويقوم في وجهه، وهي التي زلزلت كیان كل شيء في بلدنا.

عندئذ تساءلت: ماذا ترید أمريكا في أفغانستان؟ ماذا نرید في أفغانستان؟ إننا بعد مقتل 2300 شخص من جنودنا وإنفاق میزانیة ضخمة تبلغ تریلیون دولار، لم نزل محبوسین في أفغانستان.

إن الولایات المتحدة الأمریكیة فشلت في تحقیق أهدافها، وإننا بعد أطول حرب خاضتها الولایات المتحدة في تاریخها، نواجه بدولة فاشلة كابل لا تستطیع الحفاظ علی نفسها وحدودها في غیاب جنودنا ولا تستطیع تأدیة میزانیتها إن لم تحمها الدول الخارجیة مالیاً واقتصادیاً.

وإن الطالبان لم تزل مسیطرة علی أكثر من أربعین بالمائة من أراضیها، وهي الیوم قائمة علی قدمیها أقوی من ذي قبل. وكان الطالبان موجودین قبل ذلك في الولایات الجنوبیة، ولكنها الیوم وسعت نطاقها إلی الشمال، تلك المأمن الآمن علی مدار الأعوام الأخیرة. وقد أعلنت الولایات المتحدة أن القوات الأفغانیة قادرة علی القیام بعملیات ضد طالبان ولكنها في العام الجاري خسرت كثیر من المناطق وستخسر مناطق أخری في العام القابل.

وقد صرح مفتش موسسة “سیجار” في تقریره الأخیر: إن الجهل والأمیة تغلبان علی أكثر من 89 بالمائة من الجنود الأفغان، وشهریاً یفر منهم 5000 شخص.

یقول نیكولاس: إن الفقر بین الشعب الأفغاني تجاوز 46 بالمائة إلی أن وصل لـ 49 بالمائة. وفي عام 2015م هاجر من البلد أكثر من 25.000 شاب یأساً منهم في مستقبل البلد. وأكثرهم من الطلاب الجامعیین”. [صحیفة إطلاعات روز الأفغانیة /14 ثور1395]

وهذا التقریر ومئات التقاریر الأخری المنشورة یومیاً في الإعلام الغربي تكشف الستار عن حقیقة مسلمة لدی الجمیع وهي إخفاق المشروع الغربي التوسعي الذي أراد إطفاء نور الله والقضاء علی الجهاد والحماسة، وإخماد جذوة الإیمان في قلب الشعب الأفغاني. (یریدون لیطفئوا نورالله والله متم نوره ولو كره الكافرون).

ورغم التطبیل الإعلامي الواسع، فإن الشعب الأفغاني رجالاً ونساءً، شباباً وشیوخاً ينفرون من الاحتلال وعملائه الخونة. وإن الظلم، والعدوان الخارجي، وانتشار الفوضی والفساد علی مدى 15 عاماً، حرّك الساكن في أبناء الشعب الأفغاني وأثار فیهم الغضب والاستنكار. ويظهر هذا الغضب بأشكال مختلفة؛ من مظاهرات في بعض الولایات، والتحاق الشباب بجنود الإمارة الإسلامیة. والهجرة الشاملة من البلد خیر دلیل علی إخفاق النظام الحالي.

لم تحقق الهجمة الغربیة شیئاً من أهدافها ولم تحقق خیراً، بل تسببت في تدهور الأوضاع الأمنیة وتوسع خرق الاختلافات الداخلیة وغیر ذلك من المصائب العدیدة التي يعاني منها الشعب الأفغاني.

ولا ننسی تلك الشعارات والدعایات التي نادى بها الرئیس الأمریكي السابق، جرج دبلیو بوش، من القضاء على الفكر الجهادي وتدمیر صرحه الشامخ. فاحتلوا بلدنا، وشنّوا حملة شعواء ضاریة عالمیة النطاق لقتال الشعب الأفغاني، اشترك في هذه الحملة -بإیعاز من أمريكا- دول لم یٌتوقع منها أن تشترك فیها، بل كان یٌتوقع منها التصدي لها والقیام بجانب الشعب الأفغاني وحكومته التي تبنّت تطبیق الأحكام الشرعیة في تعاملها مع الشعب والدول.

والیوم بعد تلك الهجمة المدمرة الفتاكة مازال صرح الجهاد شامخاً يناطح كبری القوات الطاغوتیة، وأبناؤه البررة رافعوا الرأس أمام العالم والتاریخ، وقد ألحقوا الذل والعار بالأمريكان وحلفائهم. وهي سبة علی الحلف الأطلسي لو كانوا یعلمون.

فأصبحت أرض أفغانستان مقبرة جماعیة للمحتلین، وبُني فيها صرح من جماجم المحتلین بأیدي أبناء الجهاد والمقاومة. وكسرت المقاومة شوكة الكفر وغروره وجعلته يتخبط لا یدري ماذا یفعل.

والیوم أسود الإمارة الإسلامية یسألون المحتلین: أین تلك الاستعدادات العسكریة الضخمة المتفوقة التي كنتم تباهون بها العالم؟ أما جئتم إلی أفغانستان لتقصموا ظهر الإسلام؟

حقا إن حكایتكم تشبه تلك القصة الطریفة التي سجلتها لنا كتب السیرة، حيث یروي ابن هشام عن ابن اسحاق قصة طریفة في فتح مكة، وخلاصتها: أن رجلا من الكفار من بني بكر، اسمه حماس بن قیس بن خالد، كان دائم العنایة بسلاحه، فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أری؟ قال: لمحمد وأصحابه. قالت: والله ما یقوم لمحمد وأصحابه شيء. قال: إني لأرجو أن أخدمك بعضهم (أي آتیك بخادم من المسلمین) ثم قال:

إن یقبلوا الیوم فمالي علة

هذا سلاح كامل وآلة

وذو غرارین سریع السلة

وجاء یوم الفتح، والتفت مجموعة من صنادید قریش في الخندمة (مكان أسفل مكة) وكان من بینهم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمیة وسهل بن عمرو، وقابلهم خالد یقود المجنبة الیمني لجیش الفتح الزاحف، فناوشهم خالد شیئاً من قتال، فأصابوا من المشركین إثنی عشر رجلاً. فانهزم المشركون وانهزم حماس بن قیس الذي كان یعد السلاح لقتال المسلمین حتی دل بیته. فقال لامرأته :أغلقي علي بابي. فقالت: وأین ما كنت تقول؟ فقال:

إنك لو شهدت یوم الخندمة

إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة

واستقبلتنا بالسیوف المسلمة

یقطعن كل ساعد وجمجمة

ضرباً فلا یسمع إلا غمغمة

لهم نهیث خلفنا وهمهمة

لم تنطقي في اللوم أدنی كلمة

[الرحیق المختوم/473].

تقریر “نصیر شنساب” حكایة عن حسرتهم علی ما بذلوا في أفغانستان. وقد صدق الله تعالی: (إن الذین كفروا ینفقون أموالهم لیصدوا عن سبیل الله فسینفقونها ثم تكون علیهم حسرة ثم یغلبون والذین كفروا إلی جهنم یحشرون).[ الأنفال/ 36]

وها نحن الیوم نری هذه الحسرة في كتابات أمثال “نصیر شنساب”، وسیأتي ذلك الیوم الذي يعلن فيه البیت الأبیض رسمیاً فشله في أفغانستان. وما ذلك علی الله بعزیز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى