
ماذا نفعل أيام كورونا؟
عبدالمتين
لا يخفى على أحد مايجري في العالم اليوم من انتشار لمرض (كورونا) وهو جائحة اجتاحت العالم أجمع حتى وصل إلى بلادنا أيضًا. ومعظم البلاد طبقت الحجر المنزلي للوقاية من خطر فيروس كورونا وتعطلت الأعمال وتوقفت البلاد والتزم الناس بيوتهم.
فقد أحاط بالمسلمين ما أحاط بغيرهم من خطر هذا الفيروس الجديد كورونا COVID-19)) ولأنّ عقيدة المسلمين تختلف عن غيرهم، فإنهم يتعاملون مع مثل هذه الأحداث بأمور تميِّزهم عمن سواهم، قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” (16/17) في أحداث سنة (449هـ): “ووقع وباء بالأهواز، وبواط، وأعمالها وغيرها، حتى طبق البلاد، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، كَانَ الْفُقَرَاءُ يَشْوُونَ الْكِلَاب،َ وَيَنْبُشُونَ الْقُبُورَ وَيَشْوُونَ الْمَوْتَى وَيَأْكُلُونَهُمْ.
وَلَيْسَ لِلنَّاسِ شُغْلٌ فِي اللَّيْلِ والنهار إلا غسل الأموات وتجهيزهم ودفنهم، فكان يحفر الحفير فيدفن فيه العشرون والثلاثون.
وكان الإنسان بينما هو جالس إذ انشق قلبه عن دم المهجة، فيخرج منه إلى الفم قَطْرَةٌ فَيَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَقْتِهِ. وَتَابَ النَّاسُ، وتصدقوا بأكثر أموالهم، فلم يجدوا أحداً يقبل منهم، وكان الفقير تعرض عليه الدنانير الكثيرة والدراهم والثياب فيقول: أنا أريد كسرة، أريد ما يسد جوعي، فلا يجد ذلك. وأراق الناس الخمور، وكسروا آلات اللهو، ولزموا المساجد للعبادة وقراءة الْقُرْآنِ، وَقَلَّ دَارٌ يَكُونُ فِيهَا خَمْرٌ إِلَّا مَاتَ أَهْلُهَا كُلُّهُمْ”. اهـ
وقد نقله عن ابن الجَوزي الحافظ ابن كثير رحمه الله في “البداية والنهاية” (12/71).
وقال صاحب كتاب “الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى” (1/ 248): “فِي سنة سبع وثلاثمائة كَانَ بإفريقية، وَالْمغْرب والأندلس رخاء مفرط، وطاعون، ووباء كثير، وفيهَا كَانَت الرّيح السَّوْدَاء الشَّدِيدَة الهبوب الَّتِي قلعت الْأَشْجَار، وهدمت الدّور بفاس؛ فَتَابَ النَّاس، ولزموا الْمَسَاجِد، وارتدعوا عَن كثير من الْفَوَاحِش”. انتهى.
قال أبو عبد الرحمن الإرياني: وهذا الذي ينبغي عند المصائب والشدائد: التوبة، والرجوع إلى الله، والتضرع إليه، والفزع إلى الصلاة، وتعمير بيوت الله، فتلك من الحكمة الإلهية في نزول المصائب، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]
وقال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}[الانعام:42].
وقَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الْأَنْعَامِ: 43].
وممَّا علمتنا إياه شريعتنا ألا يُخالط المريضُ الأصحاء، وأن يتوقى الصحيحُ المريضَ، ويبتعد عنه، هكذا علّمنا نبينا هذه الوقاية قبل ألف وأربع مئة وأربعين سنة.
يقول صلى الله عليه وسلم: “لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ ” رواه مسلم. ويقول: “فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَد ” رواه أحمد.
أرأيتم كيف اعتنى الإسلام بأتباعه وحرص على صحتهم وسلامتهم في دنياهم، وعلى أن يعيشوا فيها بكمال وصحة وعافية، فليس هو دين كهنوتٍ، ولكنه منهج حياة كامل شامل.
اللهم جَنِّبنا الوباء والبلاء والغلاء، ووفَّقَ الله الجميع لما يحب ويرضى، والحمد لله على كل حال ومآل.