ما أزکی عبق الحرية!
جنيد البلوشي
في الآونة الأخیرة، احتفل الشعب الأفغاني في کل أصقاع أفغانستان بحريته، بالشيء الذي کان ینتظره منذ ما یقارب عشرین سنة؛ لکن کیف حصل علی هذا الإنجاز وکیف حقّق هذا الحلمَ؟
في سنة 2001 للمیلاد، شهد العالم هجومًا عسکريًا ضخمًا من قبل الجیوش الصلیبیة وأحفاد قیصر وأبنائه الجبناء علی أرض أفغانستان، حشدوا کل ممتلکاتهم العسکریة، وأحزابهم المقاتلة، وآلياتهم الرذیلة، ومعهم أعلام الضلالة، وأشیاع الجهالة، وعملاؤهم الذین کانوا طواغي الفتن وأراذل القبائل، وشُذّاذ البلاد وعثْر الأغثار، وارتکبوا جرائم بشعة بحق الشعب، قتلوا وسفكوا الدماء، وقصفوا القرى الآمنة وهجروا الناس.
ولكن رغم كل ذلك، لم ینس الشعب الأفغاني مکانته النیّرة عبر التاریخ، ولم یکن یتحمّل أن يرى کیف یقتل الصلیبيُ الأطفال، ولم یکن يتحمّل أن يرى کیف تنتهك أعراض النساء؛ بل جرَوا کالماء الدافق والشلال المتسع، من كل قریة من القرى، ومن کل صخرة من الصخور، ومن کل مدینة من المدن، ومن کل إقلیم من الأقالیم، ضد هذا الاحتلال الغاشم، وبعد تقديم کثیر من التضحیات والدماء والأشلاء والأرواح والتهجیر والتشرید تحت أشعة الشمس وفي اللیالي الحالکة، سیطروا علی بلدهم حتی یعود الأمل فیها من جدید.
سیطرت الإمارة الإسلامية علی عرین الأسود، وبهذا الظفر والانتصار، عاد الأمل في قلب أم لم تکن تخال یومًا أن هذا النصر سیأتي بالراحة والجلوس في البيوت؛ بل تیقنت بأن هذه القضیة لا بد أن يکون فیها ابتلاء ومحنٍ وإحنٍ، ومكابدة للأواء الطريق، ولا بد من فقدان أفلاذ الأكباد، وصبر وتحمل، حتى تنتصر وتعلو رایتها علی أکتاف رجال حُفرت أسماؤهم ببسالة الوغی وسهر اللیالي.
رجال؛ سطّروا بدمائهم علی کل حصنٍ من حصون التاریخ: أن هذا النصر لا يُسقى إلا بدماء المضحّين، ولا يُروى إلا بعرق السعي، ولن يكون تمكين إلا بعد تمحيص وابتلاء، ولن يكون تمكين إلا بثبات رجالٍ نذروا نفوسهم لهذا الدين وصدقُوا ما عاهدوا الله عليه.
والیوم، ما أجملَ بريق النصرِ في عينينِ طالما بكتَا من قبلُ جراح الأمة!
وما أعزَّ شموخَ الظفر في روحٍ شيَّبتها مآسي المسلمين، وجسدٍ حنَت أنفته أسواط الظلم، ووجهٍ جعَّدت قسماته آهات الثكالى والمستضعفين!
ما أزكى عبقَ الحرية! وما أجملَ صوت انكسار القيد! وما أحلى العدل! وما ألذّ هوان الطغاة! وما أبغضَ أمريكا وأذنابها! وما أغلى هذه الشريعة السمحة الغراء!