
ما الذي يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من إقامة العلاقات مع الإمارة الإسلامية؟!
أبوسلمان
رغم حرص الولايات المتحدة الأمريكية على امتلاك كل شيء في العالم، ورغم أنها تعتبر نفسها أقوى الدول في السياسة والاقتصاد، وتدّعي سيادة العالم، ورغم أنها لا تود أبدًا أن تتخلف عن الدول المنافسة لها مثل الصين وروسيا، لا سيما في بلد مثل أفغانستان؛ يمتلك احتياطات قيمة من مناجم مختلفة وموارد تحتاجها التكنولوجيا الحديثة؛ ويتمتع بموقع جغرافي وبأهمية جيوسياسية لا يمكن تجاهلها، رغم كل ذلك لم نجد للولايات المتحدة الأمريكية -لحد الآن- أي تحرك ملحوظ للتفاعل مع أفغانستان والاستثمار في مواردها القيمة، والانخراط في قائمة الدول الجديدة المستثمرة فيها، والتي أقامت مع الإمارة الإسلامية العلاقات السياسية والاقتصادية الشاملة، فما الذي يمنع الولايات المتحدة من الدخول إلى أفغانستان من بابها الصحيح؟
لم يمنع أمريكا من هذا الأمر إلا حالة تطرأ على القوى المنهزمة بعد الهزيمة، والتي في كثير من الأحوال تذهب فيها كل مخططاتها أدراج الرياح، لا سيما وأن أمريكا أنفقت أموالًا باهظة وفقدت أرواحًا في أفغانستان، وكانت قد اطمأنت على أنها لن تنسحب منها دون إنجاز ودون الحصول على مطامعها المحددة، وأنها ستبقى فيها طويلًا تخوض في مغامراتها وفي تطاولاتها.
حالة طرأت عليها إثر هزيمة لحقتها وهي في أقوى حالاتها، علی يد جماعة صغيرة، وفئة قليلة، لا تمتلك شيئًا مما تمتلكه الدول القوية، فدمّرت كل أهدافها المخطط لها، وحطّمت جبروتها بين عشية وضحاها، حتى كانت الهزيمة والخسارة، بفضل الله ثم بضربات الصادقين وصبر شعبٍ لم ينكسر رغم عشرين عامًا من الاحتلال.
وهذا الأمر لا نطرحه دون استناد إلى دليل ودون شواهد ترمي إلى الواقع، ولا نتحدث عن الهوى، لأن تصريحات المسؤولين الأمريكيين في مختلف الأصعدة تؤكد على أن المانع الأكبر هي تداعيات الهزيمة التي أشرنا إليها، وقد وصفها مسؤولون أمريكيون بـ “الإذلال” أو بـ “الفشل الاستراتيجي” ووصفه العالم بـ “الهزيمة النكراء” وبـ “خسارة عظمى”.
وقد وصف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل أن يحتل مقعد الرئاسة في القصر الأبيض، انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بأنه “إذلال” و”أكثر يوم محرج في تاريخ بلادنا”، ووصف مسؤولوا إدارة بايدن نهاية الوجود الأمريكي في أفغانستان بـ”الفشل الاستراتيجي”. وقال بومبيو: “انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان كان فشلًا كاملًا للقيادة”.
فهذا وأكثر من هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الولايات المتحدة ومسؤوليها مازالوا يتخبطون في عواقب هزيمتهم التي أُلحقت بهم في أفغانستان أخيرًا، ولم يخرجوا من تبعات هذه القضية بعدُ، ومازال يلوم بعضهم بعضًا وربما يصعب عليهم العودة إلى أفغانستان من الباب الذي دخلت منه دول كالصين وروسيا.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتمكن أمريكا من استيعاب هذه الهزيمة النكراء وتهضم هذه الحالة النفسية الحرجة، وتتمكن من الجلوس على الطاولة مع الذين وصفتهم يومًا بالإرهابيين، وإقامة علاقات واسعة معهم، الفئة التي لم تحسب الولايات المتحدة لها حسابًا، والتي كانت تظن أنها قادرة على هزيمتهم على أية حال.
الغطرسة التي تمتلكها الولايات المتحدة تمنعها من أن تمضي قدمًا، وأن تدخل من الباب الصحيح المعترف به دوليًا وعقليًا، والخروج من هذه الحالة -المماثلة للأزمة النفسية- يحتاج إلى زمن، فالزمن دواء كل داء، وكفيل بعلاج الجروح.
ولعل هذا هو الفرق بين أفغانستان وسوريا، اللتان كان نصيب كل منهما سياسة العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط السياسي وفرض الإملاءات الظالمة على الدول التي لا تتماشى مع رؤية أمريكا الاستراتيجية، إحداهما خرجت من حقبة الحروب والصراعات وتحررت من الاحتلال السوفيتي ثم الأمريكي، والأخرى حررها ثوارها من النظام الاستبدادي الذي أهلك الحرث والنسل لصالح القوى الخارجية.
وجاء ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الأخيرة إلى دول الخليج من أن بلاده ستلغي الحصار المفروض على سوريا، ولم يشر إلى المقاطعة الظالمة ضد أفغانستان من هذه الناحية، وكأن الولايات المتحدة هضمت ما حدث في سوريا ولم تهضم ما أُلحق بها في أفغانستان، وهضم بعض الأمور من أصعب الأمور.
لكن المؤكد أن العالم لن ينتظر أمريكا، وأن الزمن لن يتوقف لها، لتجدد النظر في سياساتها المبنية على تقارير لوبيات سياسية من مؤيدي النظام السابق، وأفغانستان اليوم قد حققت الاستقرار الذي كانت تبحث عنه بعد نصف قرن، وكما قيل: “من الخطأ اختبار المجربين” فهي بالقطع لا تريد أبدًا اختبار استراتيجيتها الفاشلة، وبقي بين يديها الطريق الصحيح وهي الدبلوماسية والمضي قدمًا في إطار الصدق والاحترام.