
متألهون وهم عبيد!
صلاح الدین (مومند )
من طبائع كل فرعون طاغية وظالم أن يظن أن لديه إمكانات يستطيع بها أن يسحق جماجم المعارضين، وهذا هو نموذج العبد المتأله. وكذلك كان فرعون موسى عليه السلام، حيث أعلن بوقاحة تامة اغتياله لحرية الاختيار لجماعة مؤمنة في أن تفيء إلى مولاها الحق، بعد أن أكرهها فرعون على عبادته من دون الله؛ لذا ليس عجبا أن يرفع سوطه الغليظ؛ ينذر ويتوعد بالويل والثبور. فهل إعلان عقيدة التوحيد، حينما تخالط أنوار الهداية ونصاعة البراهين وقوة الحق؛ يحتاج الى إذن من أحد؟ وهل يُعدّ هذا جريمة تؤدي إلى القضاء على معلنها؟! إن فرعون لا يعلم أن النفس البشرية حين تدرك حقيقة الإيمان، تستعلي على قوة الأرض، وتستهين ببأس الطغاة والفراعنة، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة، إنها لا تقف لتسأل:ماذا ستأخذ وماذا ستدع؟ وماذا ستلقى في الطريق من صعاب وأشواك؟ لأن الأفق المشرق الوضيء أمامها هناك، فهي لا تنظر إلى شيء في الطريق.
وتأسيا بالفراعنة الغابرين هاهو فرعون العصر ترامب أعلن استراتيجيته الحربية الجديدة التي فرضت الحرب على الأفغان لا محالة، وأمطر على المجاهدين وعامة الشعب -بحجة أنهم لا يعبدونه ولا يطيعونه- أطناناً من القنابل القاتلة الفتاكة. وهاهم جنوده الغزاة يقصفون القرى في أرجاء البلاد، فقتلوا آلافاً من أبناء الشعب الأعزل، فضلاً عن المقاومين، في مداهمات ليلية وغارات عشوائية، فخلال شهر فقط أمطر الغزاة الشعب الأفغاني ب 700 قنبلة مدمرة وآلاف الغارات، فما بقي للمجاهدين من خيار للسلم والأمان والسكون. وكما يقال: إن كل اختناق يفضي إلى انفجار؛ فهاهي ثلة من الفدائيين تتقدم مشمرة عن ساعد الجد إلى ميدان المعركة حاملة رؤوسها على الأكف، وفي مدة قصيرة، زلزلت أركان الاحتلال وعملائه. ففي 5 يناير شهدت العاصمة هجوماً استشهاديا على مركز للشرطة أدى إلى مقتل 13 شرطيا.
كما اقتحم المجاهدون فندق إنتركونتيننتال بالعاصمة في 21 يناير كانون الثاني واشتبكوا مع القوات الخاصة أربعة عشر ساعة أثناء الليل والنهار، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 قتيلا وإصابة 38، ومن المقتولين 15 أجنبياً بينهم أربعة أميركيين، وأوكرانيين وفنزويليان وألماني و…
وبتاريخ 23 يناير، قتل رئيس شرطة مقاطعة في ولاية فراه غرب البلاد، كما قتل 18 فردا من الميليشيات المحلية عند نقطة تفتيش في إقليم بلخ بشمال البلاد.
وبعد ذلك وقع هجوم في 27 كانون الثاني/يناير2018 قرب مبنى وزارة الداخلية، أوقع 103 قتيلا من الجنود العملاء و151 جريحا.
والجدير بالذكر أن المنطقة التي شهدت الانفجار يقع بها مبنى -مايسمى- المجلس الأعلى للسلام ومقر شرطة كابول ومكتب للاتحاد الأوروبي، وتقع بها سفارتا السويد وهولندا ومكتب تمثيل الاتحاد الأوروبي ومكتب القنصلية الهندية. وهذا هو رد عملي على استراتيجية ترامب وما اقترف زبانيته وعملائه من القتل والدمار. وكما يقولون إن الجزاء من جنس العمل، ولله در الشاعر حيث قال :
فَلا تَجزَعنَّ مِن سُنَّةٍ أَنتَ سِرْتَها *** وَأَوَّلُ راضِيْ سُنَّةٍ مَن يَسِيرُها
وبالتزامن مع هذه الوقائع الدامية في مدة قصيرة عنونت صحيفة فرنسية صفحتها الأولى بالقول “أمريكا خسرت حرب أفغانستان منذ زمن، ولكن قوى الغرب أمعنت منذ سنين بنفي فشلها”. وخصصت صحيفة (لوفيغارو) ملفاً كاملاً عن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان “مقبرة الامبراطوريات كافة” كما عنونت افتتاحيتها. “كم من إمبراطورية انهارت أمام أفغانستان” وها هي الولايات المتحدة تخوض فيها أطول حرب لها منذ 1945 وتكتب فيها تاريخ هزيمتها”.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الامارة الاسلامية تدافع عن عقيدتها وموطنها، ولها مكانة في قلوب الشعب، وأنها -كما تسيطر على 70% من البلاد- تسيطرعلى القلوب قبل سيطرتها على ساحات البلاد، فلها مساندة كاملة وحاضنة لامثيل لها من قبل الشعب الأبي الغيور. وهاهي شبكة بي بي سي بثت تقريراً استندت فيه إلى تصريحات وآراء أكثر من 1200 مصدر محلي، يؤكد أن الأراضي التي تسيطر عليها الإمارة الإسلامية أكبر بكثير مما يعلن عنه، وقد أثبتت الحوادث التي وقعت مؤخراً قدرة المجاهدين على شن هجمات ضخمة حتى في قلب العاصمة كابول التي تعد أكثر المناطق تحصينا. هذا بعد أن خاض أكثر من مئة ألف من جنود الغزاة المعتدين خلال مدة أكثر من عقد ونصف، معارك ضارية ضد الإمارة الإسلامية. وعلى الرغم من كل ذلك الفشل الذريع الذي لحق بالغزاة؛ لازال ترامب المجنون يهدد “الطالبان” ويتوعدهم بأنه لن يسمح لهم بالانتصار، ولازال ينفي الهزيهة عن جيش بلاده المحتل. ولكن غدا لناظره قريب!.
قال أميرنا الراحل ملا محمد عمر رحمه الله: إنّ الله وعدنا بالنّصر وأمريكا وعدتنا بالهزيمةـ وسيرى العالم من أصدقُ وعداً؟
إن كنت أبصرتني عيلاً ومصطلماً *** فربما قتل المكاء ثعباناً
يقول شهيد الإسلام في ظلال القرآن: “إن وعد الله بهزيمة الذين يكفرون، قائم في كل لحظة. ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قلّ عددها- قائم كذلك في كل لحظة. وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف. وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة.
(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام). صدق الله العظيم.