مقالات الأعداد السابقة

مجازر أراكان؛ لا يُوقفها إلا قوّة عسكرية!

سيف الله الهروي

 

في قرون الانحطاط التي حلّت بالمسلمين في العالم، خسرنا إمبراطورية إسلامية في الأندلس كانت تقشعرّ منها جلود كفار أوروبا، وخسرنا إمبراطورية إسلامية أخرى في تركستان الغربية كان يرتعد منها كفار المشرق خوفا، خسرنا إمبراطوريات صغيرة وكبيرة في أنحاء العالم كانت ترابط في الدفاع عن الإسلام وشعائره وعن المسلمين وتتصدى للأعداء وتُلقي الرعب في قلوب الذين كفروا، وخسرنا إلى جانب كلّ ما خسرناه إمبراطورية في جنوب شرق آسيا، وهي إمبراطورية أراكان المسلمة التي يجهلها ويجهل تاريخها وموقعها الجغرافي الكثيرُ من المسلمين المعاصرين مع الأسف.

الإسلام وصل إلى “أراكان” في عهد هارون الرشيد في القرن السابع عن طريق الرحّالة المسلمين، حتى أصبحت دولة مستقلة بل إمبراطورية حكمها ٤٨ ملكا مسلما على التوالي لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، وانتشر الإسلام في كافّة بقاع “بورما”، إلى أن احتلّ الملك البوذي البورمي “بودا وبايا” أراكان، وضمّها إلى بورما خوفا من انتشار الإسلام في المنطقة كلها عام ١٧٨٤م.

هذا الملك البوذي هو أول من قام بتخريب ممتلكات المسلمين وتهجيرهم وقتل العلماء وتدمير المساجد، واستمرّ احتلال الملك البوذي المذكور أربعين سنة، إلى أن احتلّ الاستعمار البريطاني “بورما” عام ١٨٢٤م، وضمّها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية.

عام ١٩٣٧م، ضمّت بريطانيا “بورما” مع أراكان التي كان يقطنها أغلبية مسلمة لتكون مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، وعُرفت بحكومة “بورما البريطانية”. وفي عام ١٩٤٨م منحت بريطانيا الاستقلال لبورما المستعمرة، وسمّتها ميانمار، فما إن حصل البورمان البوذيون على الاستقلال حتى نقضوا عهودهم واستمروا في احتلال أراكان دون رغبة سكّانها، ولم يكتفوا بالاحتلال فحسب، بل أعلنوا بكل وقاحة عدم اعترافهم بعرقية الروهينجا المسلمين الذين هم السكان الأصليون في منطقة أراكان المسلمة كمواطني دولة ميانمار، وانطلقت مع الأسف منذ ذلك الوقت قصّة مأساة شعب مسلم في بلد محتلّ آخر بجانب سائر مآسيهم وكوارثهم في العالم المعاصر المليء بالمؤامرات ضدهم وضد بلدانهم.

ما يجرى هذه الأيام من مذابح ومحارق ومجازر وتهجير واسع ليس إلا تكملة للمشروع الذي انطلق منذ قرن بل قرون لتهجير المسلمين، والتصدي لانتشار الإسلام في تلك المناطق. وما يجري هذه الأيام جرحٌ مؤلم يُشبه ما وقع للمسلمين في الأندلس وفي كثير من البلاد الأخرى من قبلُ.

لمنطقة أراكان المسلمة في ميانمار حدود برّية مع دولة مسلمة، وهي بنغلاديش التي لها علاقات جيدة مع الكثير من الدول الإسلامية الأخرى، فكان من السهل على الحكومات الإسلامية أن تقوم معا بدعم مستضعفي أراكان وحمايتهم، لكنّ مع ذلك لم تخرج من الحكومات المسلمة حتى الآن -مع الأسف البالغ- إلا إدانات على الورق، وكان بإمكانها أيضا أن تطالب بنشر قوات محايدة في غرب ميانمار، لكنها لم تعقد جلسة لذلك، ولم تطالب بها حتى في الجلسة الأخيرة لمنظمة الأمم المتحدة، بل المؤسف جداً أن البعض من الحكومات أنكرت وجود جريمة تهجير بحق المسلمين في ميانمار نهائيا، والبعض استغل هذه المأساة للمتاجرة بها على المستويين الداخلي والخارجي.

إنّ المجازر والمحارق والمذابح القائمة والمستمرة بحق الأبرياء المستضعفين وتهجيرهم القسري في ميانمار لن تُوقفها إلا قوة عسكرية، وهذه الحقيقة تدركها القوى المجرمة المسيطرة على مقاليد الحكم في العالم، لكنها لا تسمح بإيقافها؛ لأن انطلاق هذه الجرائم في الحقيقة كان بالضوء الأخضر الذي أعطي للجيش البوذي من جانبهم، وإن خُطّة تهجير المسلمين من جنوب شرق آسيا أتتْ من عندهم لتبقى الأبواب مفتوحة على تبشيرهم النصراني فقط بين تلك الأمم الوثنية التي أصبحت شعوبها يهجرون الأوثان والأصنام في العقود الأخيرة.

لذلك يجب على المسلمين حكاما وشعوبا ومؤسسات وشخصيات أن يتحركوا بكل قوّة لإيقاف هذه المجازر والمذابح ضد مسلمي ميانمار بدعم قضيتهم على نطاق دولي، وبنصرتهم على الصعيد الإعلامي والاقتصادي والعسكري، والتركيز على مناطق جنوب شرق آسيا التي توجد في كثير منها جاليات مسلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى