مجانين، أم بُناة المجد والتاريخ؟
أبو غلام الله
عندما جاء الأمريكان بقضّهم وقضيضهم، وحدّهم وحديدهم، حاربناهم ونحن شعب أعزل. وبعد انحياز المجاهدين للجبال ظنت الدول الكافرة أنها انتصرت على الدولة الفتية المسلمة، فسكرت بخمرة الظفر، وحسبت أنها شاركت الله في ملكه، وزاحمته على سطانه وكبريائه، فقابلتها شراذم منا هنا وهناك، في الجبال والسهول والوديان، ما لها سلاح إلا سلاح الحق وما ننتزعه من أيدي عدوّنا، والعدوّ مدجج بأفتك أنواع الأسلحة المتطوّرة، فالطائرات والبارجات، والصواريخ والقنابل، والمدرعات والدبابات، وكل سلاح متطور في حوزته، حينئذ نصَحَنا البعض أن نترك جهادنا ضدّهم، مستدلين بالآية الكريمة: “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، ورأوا بأنّ قيامنا أمام هذا العدوّ المارد، شعبة من الجنون، وأنّ الذين يريدون مقاومة هذا العدوّ الفتّاك هم مجانين!
وبين الفينة والأخرى كانت تتصدر أخبار هؤلاء (المجانين)، أخبار مجانين يُقدمون على الموت الأكيد، وهي كذلك حقا، والجنون في الدفاع عن الحق، واقتحام الموت في سبيل الله إحدى المكرمات، ومثل هؤلاء المجانين يبنون للبلاد حريّتها واستقلالها وعزّها وشرفها على أساس متين من قبور المحتلين وأشلائهم.
أجل، إنكم جئتم في القرن الواحد والعشرين، تأتون وترجعون بالعالم إلى الوراء قرونًا ثلاثة. فأين أنتم من تشدقاتكم الفارغة من نصرة الشعوب والحرية وإعانة المظلومين والمضطهدين؟
في القرن الواحد والعشرين الذي قلتم بأنه قرن النور والحضارة، لم نر سوى بريق البارود، ولهيب النار، ولم نبصر من حضارتكم إلا البنادق والدبابات وهاكم انظروا:
في كل رابية جسوم مزقت *** وبكل نادٍ رنّة وعويلًا
توراة موسى تشتكيك وتحتمي *** بالله والقرآن والإنجيل
ليس الشعب الأفغاني عدوًّا للشعب الأمريكي، ولكنه لا يحب من ينازعه حقه في الحياة والحرية، لا يحب من يسلبه أرضه، ويضع المسدس على صدغه. فهل هو ملوم في هذا؟
هل في الدنيا أمة تحب من يسطو على حريتها؟
هل في الأرض عاقل يحب من يغلبه على داره، وينزع منه أمواله؟ ويتحكم في نفسه وأهله؟
هل تحبون من ينازعكم أرضكم وبلادكم؟
فعلامَ إذن لا تعطونا من الحق مثل ما تأخذون لأنفسكم، وتعطون الناس أجمعين؟
ألأننا لا نستطيع أن نخاطبكم بلغة المدفع؟
ألأننا لا نملك جيش أمريكا وأسطول الإنكليز؟
ألأنّ حقنا لم يؤيد بالقوّة؟
فأين إذن مبادئكم التي علمتموناها في مدارسكم؟ وأين حقوق الإنسان؟
إنّ الضعف ليس عارًا ولكن الجبن هو العار، ونحن ضعاف ولكننا لم نجبن أبدًا، ولا نعرف ما هو الجبن، نحن مغلوبون على أمرنا ولكنا لم نذل أبدًا، ولا ندري ما الذل، إننا نعرف كيف نموت كرامًا إذا نحن عجزنا أن نعيش كرامًا.
نعم؛ هؤلاء المجانين الذين صمدوا أمام الأعداء الغاشمين، يقطفون اليوم ثمار صبرهم، صحيح بأنهم خسروا منازلهم ورجالًا من أكرم رجالهم، وملايين من حرّ أموالهم، ولكنهم ربحوا الخلاص منكم، والاستقلال عنكم، وسيبنون الدور، ويلدون الرجال، ويعوّضون المال، فماذا ربحتم أنتم أيها الأعداء؟
يا من كشفتَ للنّاس عن حقيقتك، وأنك ما خلقت لتسوس الأمم، ولا لتحكم الشعوب، ربحت بغضاء لا تُمحى، وسيتوارث أبناء الأفغان كلهم هذه البغضاء بطنًا بعد بطن، وستزيد وتعظم، وتغدو تراثًا مقدّسًا لا يشذّ عنه إلا هؤلاء النفر الذين باعوا دينهم وإخوانهم بحفنة من الدولار، وهؤلاء ليسوا منا.