مقالات الأعداد السابقة

مجزرة المسلمين في ميانمار والصمت الدولي!!!

يعاني المسلمون في ميانمار ـ خاصة الأقلية القاطنة في مناطق غرب ميانمار والمعروفة باسم ‘الروهينجا’ ـ ممارسات عنصرية من قبل البوذيين المتطرفين والسلطة البورمية، مما ضاق الخناق بالمسلمين، ونزح آلاف منهم إلى بلدان أخرى، وقتل عدد كبير منهم. وأما النهب والتشريد وتدمير البيوت والمساجد ومسخ هويتهم وطمس شعائرهم، وسلب أموالهم ومصادرة أراضيهم وحرمانهم من حق المواطنة، والمحاولة لإبادتهم الجماعية وما إلى ذلك من فنون الظلم والعدوان وأساليب الاعتداء والوحشية فحدّث عنها ولا حرج.
ولقد هجر آلاف منهم إلى البلدان الإسلامية الأخرى، ولكن مما يزيد في الشجى أن هؤلاء الفارين لا يرحب بهم في أي بلد هاجروا إليه، بل مهما تعرضوا للإهانة والاستحقار.
إنه ورغم التعتيم الإعلامي الذي تمارسه حكومة ميانمار لتغطي على إحصاءات القتل والذبح والقمع ضد مسلمي ميانمار إلا أن الأخبار ترد بكثرة عما يعانيه هذا الشعب من المذابح البشعة والممارسات القمعية على أوسع نطاق.
وقد نددت بعض العناصر العالمية هذه الإجرامية تنديداً وطالبت الحكومة بوقف تيار العنف والإبادة وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي،  واعتبرتها إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم إلا أن هذا التنديد لم يكن سوى مجموعة من الشعارات الخاوية والجمل الرنانة دون أن تغيّر من الموقف شيئاً.
جاءت زيارة أوباما لهذا البلد لتلعب دوراً رئيساً في تخفيف المعاناة، وكان المتوقع أن تكون زيارته ـ التي كانت استجابة لمعاناة الشعب ـ  خطوة هادفة لتهدئة الأمور وتطبيع الأوضاع، إلا أن زيارته زادت في اندلاع العنف والتنكيل، واقتصر عمله على القول بإنهاء العنف الديني، ووضح للعيان أنه لم يرد بهذه الزيارة إلا دعم المشاريع التجارية وتوثيق الأواصر بين البلدين.
لقد دخل المسلمون هذه المنطقة  في القرن السابع الميلادي، إبان عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وأسسوا إمارة أراكان التي استمر الحكم الإسلامي فيها نحو ثلاثة قرون، منذ عام ۱۴۳۰م وحتى عام ۱۷۸۴م، اعتنق خلالها كثير من السكان المحليين الإسلام، إلى أن احتل البوذيون أراكان عام ۱۷۸۴ وضموها إلى بورما، ومن ذلك التاريخ بدأت موجات العنف ضد المسلمين، واستمرت حتى احتلال البريطاني لبورما عام ۱۸۲۴٫. وينبغي أن نشير هنا إلى أبرز موجات العنف التي مرت بالمسلمين خلال عشرات السنين:
في عام ۱۹۴۲ قام البوذيون بمذبحة كبيرة ضد مسلمي الروهينجا بمساعدة بريطانيا، أودت بحياة أكثر من ۱۰۰ ألف مسلم معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال.
وفي عام ۱۹۴۸استقلت بورما عن الاحتلال البريطاني، مع إبرام اتفاقية تقضي بتعهد بورما بمنح الحكم الذاتي أو الاستقلال لكل العرقيات الأخرى بأقاليم الدولة المختلفة في غضون عشر سنوات.
وفي عام ۱۹۶۲استولى الشيوعيون على الحكم في بورما، بعد انقلاب عسكري قاده الجنرال «تي ون»، وكان من أول قراراتهم مصادرة ما يزيد على ۹۰% من أراضي المسلمين
وممتلكاتهم.
وفي عام ۱۹۶۷أصدرت  الحكومة الشيوعية في بورما قراراً بسحب الجنسية من آلاف المسلمين بولاية أراكان وأجلي نحو ۲۸ ألف مسلم إلى حدود بنجلاديش.
وفي عام ۱۹۷۴ طردت حكومة بورما ما يزيد على ۲۰۰ عائلة مسلمة بأراكان إلى جزيرة نائية، بالإضافة إلى سحب الجنسية من نحو ۳۰۰ ألف مسلم وطردهم إلى حدود بنجلاديش.
وفي عام ۱۹۷۸ تعرض أكثر من نصف مليون من مسلمي الروهينجا للطرد من ديارهم والإبعاد إلى حدود بنجلاديش، ما أدى إلى وفاة حوالي ۴۰ ألفا منهم في المنفى.
وفي عام ۱۹۸۲ أصدرت الحكومة الماركسية قرارًا يقضي بحرمان المسلمين من عرقية الروهينجا من حقوق المواطنة والجنسية البورمية واعتبرتهم منذ ذلك التاريخ مهاجرين بنغاليين غير مرغوب فيهم.
وفي عام ۱۹۸۸ أجلي نحو ۱۵۰ ألف مسلم من ديارهم بأراكان، لبناء قرى ومنازل للبوذيين.
وفي عام ۱۹۹۱ طرد أكثر من نصف مليون مسلم انتقاما منهم بسبب تصويتهم لصالح المعارضة في الانتخابات النيابية التي أجريت في ذلك العام وتم إلغاء نتيجتها، كما قامت الحكومة بسحب الجنسية من مئات الآلاف من المسلمين واعتبارهم أجانب.
وفي عام ۱۹۹۷ بدأت موجة جديدة من موجات القتل والتشريد والطرد تعرض لها مسلمو ميانمار في ولايات مختلفة قام البوذيون خلال تلك الموجة بهدم عشرات المساجد.
وفي عام ۲۰۰۱ بدأت موجة منظمة من أحداث العنف والقتل بحق المسلمين في كل مدن بورما، على خلفية أحداث ۱۱ سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد استولى البوذيون بدعم من الجيش على الكثير من ممتلكات وأراضي المسلمين.
وفي عام ۲۰۱۲ أعلن رئيس ميانمار «ثين سين»  أنه لابد من طرد مسلمي الروهينجا من ميانمار وإرسالهم إلى مخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وذلك على خلفية حادث اغتصاب فتاة بوذية قيل إن شبان مسلمين قد تورطوا فيه، ما أدى إلى مقتل العشرات من مسلمي الروهينجا على أيدي قوات الجيش والمتطرفين البوذيين وإحراق عشرات المنازل ومصادرة الكثير من الأراضي.
وأما القوانين التي أجريت للتضييق بالمسملين، وممارسة القمع التينفّذتها الأكثرية المتطرفة من البوذية أخيراً فهي كالتالي:
ـ حرمانهم من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف وحق التصويت في الانتخابات، وممارسة النشاطات السياسية. كما فرضت عليهم ضرائب قاصمة.
ـ منعوا من التعليم العالي، والذين ذهبوا إلى خارج البلد للتحصيل سجنوا بعلة الخروج اللاقانوني.
ـ منعوا من ممارسة شعائرهم الدينية، وفتح المساجد، والتعليم الديني ونشر الدعوة، كما يحظر عليهم استخدام مكبرات الصوت للأذان أو الخطابات الدينية. كما منعوا من أداء فريضة الحج اللهم إلا نادراً.
ـ إن الأعمال التي يزاولونها تقتصر على المهام الشاقة كالبناء وتعبيد الطرق بثمن في غاية الزهادة.
ـ لا تسمح الحكومة لأفراد عرقية الروهينجا بالحصول على الجنسية، وتعتبر المسلمين من ذوي الأصول البنغالية مهاجرين غير قانونيين من بنغلاديش المجاورة، وإن عاشوا في ميانمار دهراً طويلاً.
ـ أجريت برامج تحديد النسل فيما بين المسلمين، حيث إن المرأة المسلمة لا تستطيع الزواج إلا بعد عشرين سنة، والرجل بعد ثلاثين سنة،كما لا يسمح للإنجاب أكثر من 3 أو أربعة أطفال، مع فرض قيود وشرائط وتقديم مبلغ كبير من الرشوة مما يشكل الزواج على الرجل.
ـ وفي الآونة الأخيرة أصدرت الحكومة قراراً بمنع العاملين والموظفين بإطلاق لحاهم وارتداء الزي الإسلامي، وإلا يحرم من الوظيفة، ونتيجة لذلك حرم الكثير من الوظائف الحكومية.
ـ قام البوذيون في ميكتيلا الواقعة في ماندالاي بقتل أربعين شخصا مما أدى إلى نزوح أكثر من 12 ألف شخص، وهذا بالإضافة إلى تدمير مساجد في شمال رانغون.
ـ شهدت ولاية أراكان العام الماضي أعمال عنف أسفرت عن مقتل 180 شخصا ، ونزح115 ألفا.
ـ وكما تقول بعض المصادر والوثائق: فإن أكثر من 97% من 36394 شخصا فروا خلال أعمال العنف الأخيرة من المسلمين، ويعيش كثيرون الآن في مخيمات. وأبحر آخرون إلى بنغلاديش وتايلند وماليزيا على قوارب متداعية، وتشير تقارير إلى أن قاربين انقلبا وعلى متنهما ما يصل إلى 150 شخصا قد غرقوا.
ـ وتقول بعض الإحصاءات:إن عدد من تشرد من أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار أكثر من مليوني لاجئ، هُجروا من ولاية أراكان في العقود الستة الماضية.
ـ وفي بلدة كياوفيو لم يبق سوى مسلمة واحدة وهي عجوز أصيبت بمرض عقلي، وكثيرا ما تشاهَد بالقرب من السوق تمشي وسط المنازل المدمرة والمنهوبة.
أجل إن ما يجري في ميانمار قليل من كثير ما يحدث في العالم من الاضطهاد على المسلمين، حيث أصبح القتل والاغتيال في البلاد المسلمة أو على الأقليات الإسلامية شيئاً عادياً، لا يثير السخط ولا يدعو إلى التأسف، بينما إذا وقع اعتداء صغير  على غير المسلم في أي بقعة كان ترتفع أصوات الأمم المتحدة والمحافل الدولية للدفاع عنهم واسترداد حقوقهم.
إن توفير الأمن في تلك البلدة وإعطاء المسلمين الحرية التامة لممارسة شعائرهم الدينية تكمن في سعي الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية في ذلك، وإلا سيستمر هذا القمع والإبادة، وهل يفعل ذلك المجتمع الدولي؟ الجواب لا، فهل فعلت ذلك في العراق وأفغانستان وسورية والبوسنة والهرسك؟! كلا وألف كلا، بل هو المحرك لإثارة الفتن وإشعال الحروب في كثير من الأحايين.
والحق أن هذا الصمت الدولي على المجازر الإنسانية يعود إلى تساهل قادة المسلمين بالنسبة إلى قضايا الأمة الإسلامية وعلى قلة الشعور وفقدان الوعي الاجتماعي في الأمة الإسلامية، وإلا فلو رفع القادة الشكوى ونقدوا هذا العدوان، وقامت الشعوب بمظاهرات واعتصامات ومقاطعات مع الدول المعتدية لصلحت الأمور، ولحسبت الأمم على المسلمين حسابا، وخشيت جوانبهم، وكان بإمكان الدول العربية والإسلامية أن تتخذ إجراءات عملية جادة كالمقاطعة وطلب المجتمع الدولي لإيقاف المجازر، كما كان بإمكان الشعوب الإسلامية أن تقوم بمظاهرات مندّدة لهذه الجريمة’ وأن تقيم مؤتمرات وندوات واسعة النطاق ليظهر العدوان على الناس، كما كانت على وسائل الإعلام أن تقوم بدورها للإشعار بهول الفاجعة، ولو فعلوا ذلك لتغير مجرى الأحداث، ولكان للتاريخ صفحة أخرى. ولكن الذي يثير العجب هو الصمت المطبق على الدول العربية والإسلامية، وعدم اهتمام الصحافة الإسلامية بهذه الناحية إلا نادراً. وإن هذا الصمت المطبق وهذا الموقف الحيادي إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الأمة الإسلامية حكومة وشعباً فقدت الوعي، وتبلد شعورها، ومات حسها، وغلبت فيها النزعة المادية، ومات ضميرها الإنساني.
إن قضية بورما كارثة إنسانية منقطعة النظير تستدعي من المجتمع الدولي أن يبادر إلى إنقاذ هذا الشعب المضطهد، وأما الأمة الإسلامية فمسؤوليتها أعظم وأضخم، لأن الشعب الروهنجي شعب مسلم  يناشد الأمة الإسلامية حكومات وشعوباً أن يبادروا إلى إنقاذ إخوانهم.
إن من كان له ضمير حي وقلب واع وشعور بأحوال الأمة ولو إلى حده الأدنى لاقشعرت جلوده ولاضطرب على ما يجري في ميانمار، إلا أن الذي يثير القلق أن الدول العربية والإسلامية لم تحرك ساكناً ولم تنبس ببنت شفة تجاه هذه المجزرة الوحشية.
فأين أنتم يا عرب والمسلمون من ميانمار التي تتعرض للأزمة الإنسانية الكبرى من القتل والنهب والطرد والتدمير الشامل، وهل تألم قلبكم بصرخات الثكالى والأرامل اللائي يبكين بتعذيب أزواجهن، يخطف أزواجهن ويعلّقون على جذوع الأشجار فيُمثَّل بهم ، ويموتون بأبشع صورة، وبصيحات آلاف من الأطفال الذين  يمشون حيارى، ثيابهم بالية وأقدامهم حافية وأصواتهم مرتفعة لما يرون من اعتداءات البوذيين على آباءهم وأمهاتهم؟!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى