محاكمة الفاسدين
عمادالدين الزرنجي
في غضون الأسابيع الماضية أحالت إدارة كابل عددا من المسؤولين الكبار وفيهم الوزراء ومساعديهم والولاة إلى المحكمة بجريمة التورط بالفساد. إن هذه البادرة جديدة من نوعها، خاصة في السنوات الأخيرة؛ حيث اجترأ أشرف غني على إحالة شخصيات كبيرة إلى المحكمة. لاشك أن مثل هذه الإجراءات تلقى ترحيبا ومباركة شعبنا الذي تضرر كثيرا من الفساد المهيمن على إدارة كابل.
إن مكافحة الفساد واجتثاث جذوره من أفغانستان، مطلب جميع أبناء شعبنا، بيد أن هذه الأمنية لم تتحقق خلال سنوات الاحتلال. البادرة الأخيرة لإدارة كابل في إحالة عدد من مسؤوليها إلى المحكمة أوجدت الأمل في شعبنا لمكافحة الفساد، لكن هل الإدارة صادقة في عزمها، أم أنها محاولة لخداع الشعب وذر التراب في العيون؟
إدارة كابل خلال السنوات السالفة أحالت مجرمين آخرين إلى المحكمة، لكن رأى الشعب بأم عينيه أن المجرمين لم يعبأوا بالقضاء، وحتى لم يذهبوا إلى المحكمة. لذلك يرى كثير من المراقبين أن هذه البادرة ماهي إلا لخداع الشعب والمجتمع الدولي، حيث مباشرة بعد إعلان هذا الخبر، أعلنت جميع وسائل الإعلام في موقف واحد أن وراء مشروع إحالة هذا العدد الكبير من القادة إلى المحكمة خطة لترضية الدول الغربية. وبما أن ميزانية البلد مازالت تتدفق من البلاد الغربية، وإلى الآن لم تستطع إدارة كابل تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الاقتصادي، وتعهدها بمكافحة الفساد، فهي مجبرة على اتخاذ بعض المواقف لترضية الحكومات الغربية.
السؤال الملح هنا: هل حقا سيعاقب هؤلاء المجرمون؟ وهل سيشاهد شعبنا وزيرا أو واليا في غياهب السجون؟
إن التجارب المريرة خلال سنوات الاحتلال الأمريكي أثبتت أن محاكمة المجرمين والمتورطين في ملفات الفساد في إدارة كابل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. إن علة العلل في هذا المجال هي أن أكثر قادة كابل من أعلاهم إلى أدناهم، متورطون في الفساد. والمتتبع لقضية أفغانستان يعلم جيدا أن أسماء قادة كابل مسجلة في جميع ملفات الفساد في هذا البلد، ولذلك إن قامت المحكمة بمحاكمة مجرم سوف تنزلق أقدام كثير من القادة.
وحتى العاملين في المحكمة ليسوا في عصمة عن الفساد، بل المحكمة تحولت إلى متجر لجمع المال. فكيف يمكن محاكمة المجرمين؟ وهل يمكن لمجرم أن يعاقب مجرما!
كلما تحدث قادة كابل عن مكافحة الفساد ومعاقبة المجرمين، يتساءل الشعب عن ملف (بنك كابل). ملف بنك كابل من أكبر وأشهر ملفات الفساد في أفغانستان، والمتورطون في هذه القضية مازالوا متواجدين في إدارة كابل ومتمتعين بكافة الامتيازات التي يتمتع بها قادة إدارة كابل. لذلك انقطع الرجاء في معاقبة المجرمين والذين سرقوا أموال هذا الشعب المظلوم.
هؤلاء القادة قبل أن ينخرطوا في إدارة كابل، كانوا إما فقراء وإما كانوا من الطبقة المتوسطة. أما اليوم صاروا من الأثرياء؛ يملكون مليارات الدولارات، ولهم ممتلكات شامخة داخل أفغانستان وخارجها، ويركبون هم وأولادهم سيارات فخمة. من أين لهم هذا؟
إن هذه الإدارة الفاسدة التي وصل الفساد إلى مخها، لن تستطيع مكافحة الفساد، لذلك لانشك أن ما قام به أشرف غني من إحالة بعض الوزراء والقادة إلى المحكمة مجرد لعبة يخدع بها الشعب أولا والبلاد الغربية ثانيا لاستجلاب مساعدات أخرى.
والذي يريد مكافحة الفساد فعليه أن يكافح إدارة كابل، لأن الفساد متغلغل في أحشائها، حتى صارت عيناً للفساد، فلابد من إزالتها حتى يزول الفساد.