مقالات الأعداد السابقة

محاولات دعائية فاشلة قامت بها الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان وجعلتهم يبدون كالحمقى

أحمد مولانا

 

تلعب صناعة الدعاية والعمليات النفسية خلال الحروب والصراعات دوراً مهماً، وخلال الحرب الأمريكية على أفغانستان برز دور أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون في صنع عمليات دعاية تلبي مصالح واشنطن، لكنها وقعت في أخطاء فجة نتيجة ضعف فهمها للخصائص الاجتماعية والثقافية للمجتمع الأفغاني، فضلاً عن محدودية المعلومات التي جمعتها قبل بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2001.

 

نماذج للدعاية الأمريكية الفاشلة

هدفت الأنشطة الدعائية الأمريكية في البداية إلى نيل قبول الجمهور الأفغاني للإطاحة بحكم طالبان، وتقبل وجود القوات الأجنبية، ودعم تأسيس حكومة أفغانية جديدة. ففي 12 سبتمبر/أيلول 2001، أي في اليوم التالي لأحداث سبتمبر، بدأت مفرزة العمليات النفسية التكتيكية بالجيش الأمريكي التي تدعى (TPD- 940) بتحليل الجمهور المستهدف في أفغانستان، وفي 4 أكتوبر 2001، جرى تفعيل فرقة عمل العمليات النفسية المشتركة المكونة من 95 رجلاً في قاعدة فورت براغ بولاية نورث كارولينا، ووُضعت تحت السيطرة العملياتية للقيادة المركزية الأمريكية المشرفة على مسرح الحرب بأفغانستان. وبعد أسبوع من اندلاع الحرب وبالتحديد في 14 أكتوبر 2001، بدأت طائرات من طراز بي 52 في إلقاء منشورات دعائية فوق أفغانستان. ولا تكفي تلك الفترة الزمنية القصيرة لتحديد العمليات النفسية المناسب تنفيذها في أفغانستان.

في البداية سُميت العملية العسكرية الأمريكية في أفغانستان باسم “العدالة اللانهائية”. ولكن مع الانتباه إلى أن في الإسلام لا يوجد شيء أبدي من فعل البشر، سارع المخططون الأمريكيون إلى تغيير الاسم ليصبح “عملية الحرية الدائمة” لتشير إلى أنها تهدف إلى تحرير الأفغان من حكم طالبان.

ولتبرير أسباب قدوم الجيش الأمريكي إلى أفغانستان، ألقيت منشورات تتضمن صور الطائرات المدنية التي اصطدمت ببرج التجارة العالمي، لكن اكتشف الأمريكيون لاحقاً أن أغلب المواطنين الريفيين الأفغان لم يروا ناطحة سحاب سابقاً ولا يمكنهم ربط الصور الفوتوغرافية لمركز التجارة العالمي بوجود أعداد كبيرة من البشر داخله، ومن ثم لم يكن المنشور مفهوماً لدى الجمهور المتلقي.

كذلك حرص اختصاصيو الدعاية النفسية على بث رسائل توضح تمتع المسلمين في أمريكا بحرية العبادة في المساجد والمراكز الإسلامية، ووزعوا منشورات تقول إنه “يوجد أكثر من 6 ملايين مسلم و1200 مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية”. “يعيش أكثر من 6 ملايين مسلم ويعبدون الله بسلام في الولايات المتحدة، وهو عدد يساوي ما يقرب من نصف سكان أفغانستان”. “المسلمون الذين يعيشون في أمريكا لهم نفس حقوق العبادة مثل أي مواطن آخر من أي دين آخر”.

لكن تصريح الرئيس الأمريكي بوش آنذاك بأن “الحرب على أفغانستان والإرهاب جزء من حملة صليبية” أدى إلى تقويض الرسالة الأمريكية التي تتحدث عن أوضاع المسلمين الجيدة في أمريكا.

أما الواقعة الأبرز للدعاية الفاشلة فتمثلت في إلقاء الطائرات الأمريكية ملايين المنشورات التي تحمل الجملة التالية “إرهابيو القاعدة هم أعداؤنا. وهم أيضاً أعداء لاستقلالك وحريتك. دعونا نجد أماكن اختبائهم الأكثر سرية. ابحث عنهم وأبلغ جهاز المخابرات، واحصل على الجائزة الكبرى”. ومن بين تلك المنشورات وُزع قرابة 2.5 مليون نسخة من منشور يتضمن صورة شخص زُعم أنه الملا عمر الذي لم تتوافر له صور سابقاً، مع وعد بمكافأة 5 ملايين دولار زيدت لاحقاً إلى 25 مليون دولار لمن يبلغ عنه، لكن الصورة كانت لشخص آخر من العناصر غير القيادية بطالبان يدعى مولوي حفيظ الله.

وقد أجرت صحيفة التليغراف ومجلة نيوزويك حواراً مع مولوي حفيظ الله قال خلاله إنه يخشى من مغادرة منزله تجنباً لتعرضه لبلاغات بطريق الخطأ، وكشف أنه عند بداية ترويج المنشورات التي تحمل صورته، اقترب منه جار مسن في قريته وعرض عليه المنشور، وسأله عما إذا كان هو الملا عمر قائلاً: “الآن نحن فخورون أكثر بمعرفتك”!

واللافت أن حفيظ الله والملا عمر رغم أن لكل منهما لحية سوداء كثيفة؛ فيوجد اختلاف جوهري تجاهله ملصق “المطلوبين”، فلحفيظ الله عينان بينما لدى الملا عمر عين واحدة فقط بعد أن فقد عينه الأخرى خلال القتال ضد السوفييت في ثمانينات القرن العشرين.

 

البث الإذاعي ومحدودية انتشار الراديوهات

في 30 يناير/كانون الثاني 2002، بدأ بث برامج ضمن إذاعة راديو أفغانستان الحرة باللغتين الدارية والبشتو. وكان بالإمكان سماع البث على الموجات القصيرة والمتوسطة، وعبر الإنترنت. وسعى البث الإذاعي إلى إيصال رسائل تبرر التدخل الأجنبي، وتندد بطالبان بالتوازي مع إذاعة أغانٍ لأبرز المطربين الأفغان مثل المطربة نغمة.

لكن المشكلة أن أغلب الأفغان لم تكن لديهم أجهزة راديو لتلقي البث الإذاعي، فاشترى الجيش الأمريكي أجهزة راديو يابانية طراز “Kaito” ووزعها على المواطنين الأفغان، لكن اكتشف الأمريكيون لاحقاً أن تلك الأجهزة تلتقط أيضاً الإذاعات التابعة لطالبان، فاشتروا أجهزة راديو “Freeplay” تحتوي على برامج خاصة تسمح بالاستماع فقط إلى برامج البث التابعة لقوات التحالف الذي تقوده أمريكا، ووزعوا تلك الأجهزة مجاناً على العائدين من الحج كي يصطحبوها معهم إلى سائر أنحاء أفغانستان بما فيها من مناطق نائية فضلاً عن تقديمها كهدية للطلاب في المدارس.

ومن باب التقرب للجمهور الأفغاني وزع الجيش الأمريكي بناءً على توصية خبراء الدعاية كرات قدم ملونة ألقتها مروحيات بلاك هوك من ارتفاعات منخفضة، بحيث تحمل كل كرة علم دولة صديقة لواشنطن. وكان من بينها العلم السعودي المكتوب عليه شهادة التوحيد. فشعر العديد من الأفغان أن ركل كرة تحمل علم السعودية أمر مهين للإسلام، مما دفع الجيش الأمريكي للاعتذار عن ذلك.

 

نظام التضاريس البشرية ومشاكله

الأخطاء المتكررة في ملف الدعاية والعمليات النفسية مثّلت تهديداً لنجاح الجيش الأمريكي في تحقيق أهدافه في ظل أن مركز الثقل في حروب مكافحة التمرد والعصابات يتمحور حول كسب ولاء السكان، وهو ما عبَّر عنه أليكسي جافريل، عالم الأنثروبولوجيا في قوة الإيساف التابعة للناتو بأفغانستان قائلاً: “النوع الحالي من الحرب مكلف للغاية، وإن نهج العمليات النفسية المعتمد على فهم المجتمعات المحلية ضروري جداً”.

الضعف في تلك المساحات دفع الجيش الأمريكي في عام 2006 لتأسيس نظام التضاريس البشرية (HTS)، وهو نظام يتكون من فرق مُشكلة من عسكريين وعلماء اجتماع وباحثين ومحللين ثقافيين يتركز عملهم على تحصيل المعرفة الاجتماعية والثقافية بالشعوب المستهدفة، وتغذية قاعدة بيانات موحدة كي يستخدمها القادة في العمليات العسكرية.

لتجميع البيانات والمعلومات المطلوبة وُزعت تلك الفرق على المدارس والمستشفيات والقواعد العسكرية والمؤسسات العامة لرصد آراء المواطنين الأفغان حول موضوعات معينة عبر إجراء استطلاعات رأي مُصمَّمة بعناية.

لكن نتائج نظام التضاريس البشرية تعرضت للنقد والتشكيك في ظل خشية فرق جمع المعلومات من الذهاب للمناطق الخطرة والنائية، واكتفائها بإجراء أغلب المقابلات مع مواطنين أفغان يعملون بالقواعد العسكرية الأمريكية والأجهزة الحكومية الأفغانية، مما جعل النتائج مضللة لا تعكس آراء عامة المجتمع الأفغاني بدقة.

الأمثلة السابقة توضح أحد أسباب الفشل الأمريكي في أفغانستان، والمتمثلة في محدودية فهم طبائع وثقافة وعادات المجتمع الأفغاني، والتعامل معه بأساليب تناسب ثقافات وشعوب أخرى، وتنفيذ عمليات نفسية انطلاقاً من تصورات ذهنية مجردة مبنية على الثقافة والعقلية الأمريكية، وبالتالي جاءت النتائج مخيبة للآمال الأمريكية. وهو ما يؤكد أن حرب العقول تحتاج إلى العقل البشري وإبداعاته أكثر من اعتمادها على التكنولوجيا المتطورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى