محمد جــــــــــواد في غوانتــــانامو
بقلم: شهيد زوي
ففي3 من شهر يونيو الموافق 13 من برج جوزا كشفت الصحافة استطلاعا جديدا حول معتقل غوانتنامو ونقلت بأن طفلا باسم محمد جواد والذي بلغ من العمر 12 عاما تم نقله إلی المعتقل المذكور قبل 4 سنوات، ولازال يقضي عمره في ذاك المعتقل دون تقديمه إلی المحكمة لتعيين مسيره، وإثبات الجرم عليه.
وصرح المحامون في العاصمة كابول بأن نقل محمد جواد إلی معتقل غوانتنامو معارض لكافة القوانين المحلية والدولية، لأن عمره لم يتجاوز عن 12 عاما، ولا زالت المدة الطويلة باقية لتكليفه وتحمل عبء مسئوليته، ونوهوا بأنه يجب نقل محمد جواد من معتقل غوانتنامو إلی معتقلات أفغانستان في أسرع وقت ممكن.
وبناء علی استطلاعات الصحافة و وكالات الأنباء فإن القوات العميلة قبضت علی محمد جواد وذلك إثر انفجار استهدف القوات الأمريكية، ثم سلمته القوات العميلة إلی القوات الأمريكية وهي احتفظت به لمدة قصيرة في معتقل بجرام ثم نقتله إلی معتقل غوانتنامو فهو لا يزال يقضي أيامه هناك.
ولاشك أن هذا الخبر متألم للغاية ويحمل في جميع أطرافه الأحزان و المآسي، ويعتبر عارا فاضحا بالنسبة للإنسانية بأكملها ويتبين منها مدی شناعة القوات الأمريكية و وحشيتها وبربريتها تجاه البشرية بأثرها، هذا وسنوضح بإذن الله في الأيام المقبلة كافة تفاصيله، وقصدي منه الآن هو نشر أخباره وإيصال نبأ هذه الواقعة المؤلمة إلی مسامع المسلمين الغيورين، ولكن قبل أن أتحدث عن قضية محمد جواد كان لزاما علي أن أقول: إن محمد جواد ليس هو الطفل الوحيد أو الأول الذي يحتجزه أعداؤنا وينقلونه إلی معتقلاتهم المظلمة خلال معاركنا التي نخوضها ضدهم، كما أن هذه القضية ليست حادث مستغرب ونكبة أولی باعتبار الوحشة والشناعة التي تنسينا جميع أحزاننا السابقة، بل إنها تعتبر حادثة معتادة وبسيطة بالنسبة لما نتحملها خلال معاركنا ضد عدونا اللدود من العواصف العاتية وتحطيم قوة المسلمين، فإن كل القوی الناقمة علی الإسلام اختبأت وراء الاستعمار الحديث لتنال منه بشتى الأساليب، فإذا احتاج الأمر إلی المكر لانت، وإذا احتاج الأمر إلی القسوة بطشت، وهي في لينها تدسّ السموم، وفي شدتها تحترف الهمجية والجبروت، وفي كلتا الحالتين لا تنام عن غايتها أبدا، وإننا بصفة كوننا مسلمين نعتبر أنفسنا جسما واحدا من الشمال إلی الجنوب ومن الشرق إلی الغرب، وأن مأساة أحدنا مآساة للجميع لأن الإخاء تذوب عصبيات الجاهلية فلا حمية إلا للإسلام، وأن ديننا قد علمنا بأن إصابة أحدنا بالأذى إصابة للجميع وأن فوارق النسب واللون والوطن ساقطة، فلا يتقدم أحد إلا بمروءته وتقواه، فالأخوة الدينية عقدا نافذا، لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال لا تحية تثرثر بها الألسنة ولا يقوم لها أثر…!! فعواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، فأخونا محمد جواد ليس هو أول طفل يمكث لياليه في محتجزات عدونا، بل إن 100 ألف فلسطيني يقضون أيامهم ولياليهم في زنازين سجون اليهود بسبب جريمة مطالبة حريتهم الدينية والوطنية، فهم يعانون من شتی أنواع التعذيب والتنكيل والإيلام، وإلی جانب العجزة والشيوخ يقضون مئات الأطفال عمرهم في هذه الزنازين المظلمة الوحشية، ففي غضون 6 سنوات الماضية قام المتطرفون من ذوی النزق والحدة باحتباس آلاف العجزة والشيوخ في معتقل (أبوغريب و بوكا) وانحازوا إليهم كذلك آلاف الأطفال المعصومين، وهكذا الحال في أفغانستان فإن أختنا- عافية صديقي- قد مكثت في معتقل الأمريكان ببجرام خمس سنوات بالإضافة إلی ثلاثة أولادها الصغار، حيث حبسهم الأمريكان في السجن معها أو في بقية سجون قواتهم وبناء علی المصادر الموثقة فإن أحدهم قد استشهد داخل السجن.
ففي العراق لوحدها استشهد أكثر من 100 ألف طفل بيد القوات الأمريكية الغاشمة، وفي الغارات الإسرائيلية الغاشمة علی غزة استشهد أكثر من سبعمائة طفل، وفي أفغانستان خلال الثمان سنوات الماضية استشهد عشرات الأطفال جراء الغارات التي قامت بها القوات الأمريكية المعتدية، وفي حادثة بالابلوك المؤلمة لوحدها استشهد إلی جانب عدد كبير من المدنيين الأبرياء 95 طفلا وذلك إثر الغارة التي قامت بها الطائرات الأمريكية، فهذه الحادثة الموجعة سلسلة لتلك الأحداث المريرة والوقائع الحزينة التي تحدث كل يوم في مختلف بقاع العالم الإسلامي، فآلاف أطفالنا المعصومين صاروا ضحية استكبار فراعنة الزمان وسفاكي دماء البشرية ولازالوا يصيرون ضحايا لأعمالهم الوحشية واعتداءاتهم الطاغوتية، لذا فإن تمخض حقد عدونا واستكباره ضد طفلنا الصغير يعتبر قضية بسيطة وحادثة معتادة.
وإننا نشاهد في حوادث مظالم المعتدين المحتلين في كل قطر من أقطار العالم دفن المظلومين تحت أنقاض التراب من البداية إلی النهاية فلا ينبغي لنا ولا يليق بنا أن نكتفي بحادثة محمد جواد المؤلمة المريرة.
فيا حزناه علی أمة الإسلام، ما أرخص دمها، وأهون أحرارها!! آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والشباب والأبطال تتأرجح جثثهم في مهابّ الرياح دفعة واحدة علی هذا النحو الرهيب، نكالا بأتباع محمد، وترويعا لطلاب الجهاد، وإذلالا لأحرار الناس!! مَعرَض ٌ للردی تتمثل فيه كل ضغائن البشرية الخسيسة علی الدين الذي رفع قدر الإنسان، وتبرز من خلاله الأحقاد التي ورثها المستعمرون الجدد عن الصليبيين الأقدمين، تلك الأحقاد التي لا يخف مع الزمن سوادها، والتي تحيرنا نحن كيف نطفئها ونستريح من نارها ودخانها.
وإننا لسنا بحاجة لتذكر هذه الوقائع المريرة والأحداث المؤلمة بغرض تحريض الشعب وقيامه ضد المحتلين، كما لسنا في مثل هذا الموقف أو المكان، ولكن علی غرار حرية البيان والاستفادة منها نفشي ما في صدورنا، وإن شعبنا قد عرف عدوه الأزلي، ولله الحمد استنفر ضده وقاومه بكل ما في وسعه ومنح الله تعالی لنا ميدانا واسعا لنثلج صدورنا بقتله وتغيير الجو في وجهه، ولله الحمد فإننا قد تجاوزنا تلك الحالة التي نصرخ علی مظلوميتنا ونتضجر علی أوضاعنا ونعاني من اضطهادنا، ونقوم بالمظاهرات المكثفة لنرفع الشعارات ضدهم ونكتفي بالكتابة عنهم، ونعتبر جهودنا المذكورة أعمالا ضخمة وذات نتائج إيجابية قوية، وبفضل الله تعالی إننا في بؤرة الصراع مع أكبر القوة في العالم، وإننا لا نتكبر ولا نتجاوز ونعتبر الغرور أساس هزيمتنا وفشلنا، ونعد التكبر من الأمراض المزمنة التي تؤدي إلی الحرمان والويلات، بل نشتكي إلی الله دائما وأبدا ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا علی الناس، ورغم ذلك فإننا نفهم بأن الله تعالی وهبنا القوة والعتاد وأن تهاويل كثيرة أحاطت بسمعتنا وطاقتنا الحربية وأن الله منحنا قوة وافرة لشل أكبر القوة في العالم وهز عرش فرعون الزمان المستكبر الجبار، وإن مقتل عشر من قواتنا مقابل جندي أمريكي واحد يثلج صدورنا ونتيقن بأننا سنسير نحو الفوز والانتصار وأن العدو سيواجه فشلا لا ينساه التاريخ وسيتحرك بعجالة فائقة نحو الهزيمة والخسران.
ونأتي الآن إلی أصل الموضوع ونقول: لماذا يقوم الأمريكان ببث الأخبار ونشر هذه الحالات؟ ما غرضهم من نشر هذه الأنباء، وما مدی إحراز أهدافهم من بث هذه الأخبار؟
كل واحد يعرف ما نشر من صور مثيرة للدهشة التي كانت تعبر عن مآسي معتقلي غوانتنامو مثل نشر خبر مؤلم عن اعتقال الطفل الصغير –محمد جواد- وكذلك ما قامت به وزارة العدل الأمريكي قبل شهر من نشر استخدام الطرق العشرة لأخذ الإعترافات من معتقلي غونتنامو والتي أجراها شبكة المخابرات الأمريكية (C.I.A) يتضح منها أن أميركا بنفسها قامت بنشر مثل هذه الأخبار مستهدفة منها ترويع الآخرين وتخويفهم حتی يتخلوا عن الجهاد ضدها، وإلا فإن بث هذه الأعمال الوحشية ونشر صورها والمعاملة السيئة ضد المعتقلين المظلومين تؤدي في الواقع إلی تشويه سمعة أميركا وفضح سياستها، فرغم هذه التشويه والخذلان تقوم ببثها ونشرها وذلك لأجل تحقيق أهدافها من ورائها، ولا شك أن وراءها أهداف قوية واستراتيجيات مستحكمة تستهدف إحرازها وتحقيقها.
فالغرض الوحيد من وراء نشر هذه الأخبار والصور هو تخويف المسلمين وترويعهم وإيجاد العراقيل والعقبات أمام سوق الشباب الآخرين نحو الجهاد والفدائية ضدها، وإذا تبين هدفها المشئوم ومقصدها الماكر فهل تمكنت أميركا من الوصول إلی تحقيق هذه الأهداف وهل تتوقع إحراز الانجازات منها في المستقبل؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلی التفصيل ولكن قبل مناقشة الموضوع وإجابة السؤال أری من اللازم عليّ أن أقول بأن جواب هذا السؤال غير مبني علی الجانب الدعائي ولا علی العداوة والبغضاء، وإنني لا أشعر بأي خجل في استمرار العداوة ودوام المعارضة ضد أعدائنا وذلك لأجل انتصار ديننا الحنيف واحتفاظ كرامة أمتنا الإسلامية المنكوبة، ولكن حين أكتب عن موضوع ما فإنني أنظر بأم عيني إلی مرآة التعصب وأحاول أن أتحری الصدق والأمانة والعدالة في كتابتي كما أسعی أن تكون كتابتي مبنية علی الحقائق، لذا فإن جواب السؤال المذكور غير مبني علی العداوة والتعصب والحسد بل أتحری فيه الحقائق حسب استطاعتي، وأن من قام بتتبع عوامل مقاومة المسلمين ضد عدوهم الغاصب لم يقتنع بجوابي قراءنا الأعزاء من المسلمين فحسب بل إن الأعداء أيضا يقتنعون به، لأنهم يعتقدون بأن هذا الجواب مبني علی الحقائق والثوابت، ولا ينكر أحد بأن الباعث الرئيسي لتقوية الجهاد من يوم لآخر وتصاعد عمليات المجاهدين ضدهم هو قيامهم بالمظالم المتعددة والفجائع المتكررة وكيف لا يكون ذلك، لأن الجهاد بدأ لكبح مظالمهم وقمع فجائعهم، وكان العامل الأساسي لقيام الجهاد هو هذه المظالم والفجائع الوحشية، يقول الله تعالی: “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علی نصرهم لقدير” سورة الحج الآية 39.
وأما من لا يفهم مقاصد الجهاد وليس لديه إلمام بفلسفته وحكمته، وغافل عن تقويته واستحكامه وجاهل عن ازدياد المجاهدين وكثرتهم فهم الذين يعتقدون بأن نشر صور معاناة المسلمين وتعذيبهم سيسبب في تضعيف الجهاد وتخويف المجاهدين، ولكن عليهم أن يفهموا بأن هذه خيالات لا حقيقة لها ومحال لا يمكن وقوعه وجنون لا يمكن إفاقته، لأن التاريخ أثبت بأن الجهاد لم يضعف وأن المجاهدين لم يروعوا بسبب نشر صور تعذيب المعتقلين وبث معاناة المسلمين، بل إن الإسلام أحيا من جديد إبان إجراء الفجائع الوحشية والمظالم البشعة ضد المسلمين، وتجددت فكرة الجهاد والفدائية في أذهان المسلمين إثر نشر هذه الأعمال المشئومة، وزالت الغفلة الاجتماعية عن حياة المسلمين و خرج آلاف الأبطال من بطون الظالمين المستكبرين بعد وقوع هذه الأعمال الشنيعة.
هذا ولا نذهب بعيدا عن أحداث أفغانستان المسلمة بل ونركز عليها ونقول: لقد بات معلوما لدی الجميع بأن القوات الروسية أقامت مجازر بشرية جماعية وقتلت مليون ونصف مليون أفغاني في الثمانينات من القرن الماضي، وأقلعت أظافر المعتقلين في سجونها الوحشية وقامت بأنواع عديدة من الظلم والبطش والعدوان مما يعجز القلم عن استيعابها، بل إنها قامت باعتقال أطفال صغار وألقتهم في زنازين السجون وكان أعمارهم لا تتجاوز عن عشر سنين بل أغلبهم كانوا أصغر من محمد جواد فهو أكبر من أولئك الأطفال المعصومين، وحين قتل حفيظ الله “امين” وتولی زمام الأمور بابراك “كارمل” فقام بإخراج المسجونين من معتقل بل تشرخي الذين تم اعتقالهم أثناء نظام نور محمد تراكي و حفيظ الله آمين، وقتلهم بطريقة وحشية لا إنسانية، وقد صرح بعض المسئولين أثناء لقاءاتهم مع قناة التلفاز الوطني بأنهم أخرجوا الأطفال المعتقلين والذين لم تتجاوز أعمارهم سنتين أو ثلاث سنين أثناء أخذ الإقرارات الإجبارية، وكانت أصابع أرجلهم مربوطة بالأصفاد ويتم لسع أّبدانهم بالأسلاك الكهربائية أمامنا، و يضغط عليهم حتی يقروا، بل وكثيرا منهم ماتوا تحت هذا التنكيل والتعذيب.
ولكن الكل رأي بأن استشهاد مليون ونصف مليون من المسلمين المستضعفين وإجراء المظالم البشعة والأعمال الوحشية لم تسبب في ترويع المسلمين وتضعيف روح الجهاد، بل إن إيمان المسلمين قد قوی بسبب هذه المظالم، وارتفعت معنوياتهم واستحكمت عزائمهم، وجاشت نظرية الفدائية في صدورهم، ونشرت فكرة الجهاد أوساطهم، ومن جرائها سقطت الإمبراطورية الروسية وفشلت قوات الاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك حين هاجم التحالف الدولي الكافر علی أفغانستان المسلمة قام الشعب الأفغاني المسلم ببركة هذه النظرية النيرة والفكرة الجهادية القويمة بالجهاد المسلح ضد ذاك التحالف، فكلما زاد مظالمه وأعماله الوحشية زادت المقاومة ضده، فلم يتمكن من تحقيق أهدافه ولن يتمكنها في المستقبل أيضا إنشاء الله تعالی، لأن المسلمين مستعدون لمجابهة مظالمه، وقمع مقاومته بعزم متين وحماس مقدس، وعقيدة راسخة فليس من المستبعد أن يسقط التحالف الدولي وأن يواجه قواته هزيمة مخزية وفشلا مخجلا في وقت قريب إنشاء الله تعالی.