مخالفة مفاوضات السلام..من الهمس إلى الصراخ
إنعام الله قاري زاده
تظهر الأحداث المأساوية التي وقعت في الأيام القليلة الماضية أن إدارة كابول تستغلّ التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة كفرصة لزعزعة عملية مفاوضات السلام، بل لم تعد مخالفة المسؤولين في كابول لاتفاق الدوحة والمحادثات الأفغانية-الأفغانية سرّا، فإدارة كابول التي كانت تتحدى في الأشهر الأخيرة بشكل غير مباشر عملية التفاوض بذرائع وعلل مختلفة، أصبحت تحاول الآن أن توصل صوتها إلى الرئيس المنتخب الجديد للولايات المتحدة، فتطلب منه فرصة أخرى للاحتلال واستمرار الحرب في أفغانستان.
لكن نظرا إلى مواقف جوبايدن السابقة بعدم اكتراثه لمواصلة الحرب في أفغانستان؛ تعتزم إدارة كابول تنفيذ مخططات مروعة تدفع الرئيس الأمريكي الجديد لإعادة النظر في حل الأزمة الأفغانية.
المأساة المفزعة في جامعة كابول التي أعقبتها سلسلة من عمليات الاغتيال الغامضة والمتعمدة، أثارت تساؤلات حول دور مخططيها، كما وفرت مجالا لفضحهم وخزيهم. وهكذا الدعائية الواسعة النطاق والمتسارعة لإدارة كابول أثارت أسئلة أخرى لم يتمكن مسؤولوا الأمن في كابول من الإجابة عليها، ومما يثير القلق أيضًا أن (أمر الله صالح) و(حمد الله محب) اللذين يديران بالفعل الشؤون الأمنية لإدارة كابول، رفضا أن يحضرا للاستجواب في البرلمان أو ما يسمى بمجلس الأمة.
يشار إلى أن وزيري الدفاع والداخلية في إدارة كابول يقومان بمهام شكلية صورية فقط، وأصبحت القوة المطلقة لقطاع الأمن بيد (صالح) و(محب) باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين لإدارة كابول، لاسيما (أمر الله صالح) يعتبر حكومة داخل الحكومة، لهذا السبب طالب برلمان كابول، بدلاً من استجواب (أسد الله خالد) و(مسعود أندارابي)، بمحاسبة مسؤولي الأمن الرئيسيين اللذين هما (صالح) و(محب).
إن الأحداث المروّعة الأخيرة التي تؤثر بشكل مباشر على عملية السلام، وقعت في وقت اتضحت فيه للجميع مخالفة (أمر الله صالح) لعملية السلام، فبمجرد أنه وصف الهجوم على جامعة كابول بأنه فشل استخباراتي أو أخبر عن هجمات محتملة على الناشطين؛ يرى نفسه مصونا من أي نوع من الاستجواب، لكن الشعب بات يدرك أن هناك أسرارا وراء الكواليس.
قال (أمر الله صالح) في كلمة في مؤتمر الأمن في هرات يوم الخميس: إن حكومة كابول لم تعترف أو ترحب بالاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة. وقال في وقت سابق (سرور دانش) النائب الثاني للرئيس الأفغاني: إن اتفاقية الدوحة بها العديد من النقص والقصور، ولا سيما أن حكومة كابول لم تكن حاضرة فيها، فلا بد من مراجعتها من جانب حكومة بايدن.
وهذا في الحقيقة يكشف اللثام عن كل تلك الموانع والمشكلات التي صنعتها كابول منذ تنفيذ اتفاقية الدوحة، والفرق هو أنه في الأشهر التسعة الماضية كانوا يهمسون بها، والآن يصرخون بها.
تدعي إدارة كابول الآن أنها لم تستطع قول أي شيء خلال الأشهر التسعة الماضية خوفًا من ترامب. ويظهر هؤلاء المسؤولون في الإدارة (الذين يعتبرون أنفسهم أيضًا مستقلين) أنهم كانوا قلقين بشأن (زلماي خليل زاد)، المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، لكنهم لم يتمكنوا من التعبير عن ذلك.
الآن يريد هؤلاء أن يحل شخص آخر محل (خليل زاد)، لكن السؤال هو: إذا حل شخص آخر محل (خليل زاد) ، فما هو الضمان الذي يمكن أن تتفاوض معه إدارة كابول المُقبلة ومتعددة الرؤوس؟ أو ما هو الضمان لتمنح الولايات المتحدة مثل هذه الفرصة والمصداقية لإدارة غير مؤهلة وغير كفؤ؟
لقد أثبتت تصرفات إدارة كابول أن ركاب هذه السفينة المخروقة في كابول كانوا يرون منذ اليوم الأوّل أن نجاح عملية السلام خسارة لهم، ويبدو أن جميع العقبات التي نشأت بعد توقيع اتفاقية إنهاء الاحتلال كانت نتيجة محاولاتهم للإخلال بالصلح، وبدل أن يتحملوا اللوم، أصبحوا يتباهون من غير أن يخجلوا قائلين: بأن طالبان لا ينبغي أن يتوقعوا المزيد منا.
والسؤال هو، لماذا يتوقع طالبان منكم المزيد؟ فهل سبق لكم أن اتخذتم خطوة فيها شيء من الأمل؟ مع أنكم تصرحون بأنفسكم أنه لم يكن لكم نصيب في الاتفاقية.
إن المقارنة بين نهجي إمارة طالبان وإدارة كابول تجاه عملية السلام يكشف لنا أن طالبان ترى في عملية السلام الحالية أفضل طريق لإنهاء الأزمة في أفغانستان، ولا ترى أي مؤامرة ضدها تصب في مصلحتهم أو الشعب الأفغاني سواء كان ذلك في شكل مخططات مروعة أو ادعاءات مثيرة للجدل.
في حين وصفت الإمارة الإسلامية نقل السلطة في الولايات المتحدة قضية داخلية لتلك الدولة، فقد صرّحت أن تنفيذ اتفاق الدوحة هو وسيلة جيدة ومؤثرة لحل الصراع بين البلدين بطريقة معقولة، وأن إصرار طالبان المستمر على تنفيذ اتفاق الدوحة يشير إلى أنها تدعم المراحل الأخرى للاتفاق في أسرع وقت ممكن. بينما إدارة كابول هي التي أخرت فترة إطلاق سراح 5000 سجين من عشرة أيام إلى ستة أشهر، وفي الشهرين الماضيين، لم يكونوا مستعدين فكريا للتقدم في المحادثات الأفغانية-الأفغانية وربما كانوا ينتظرون مثل هذا التغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه أفغانستان، لكن هؤلاء المساكين قلقون بشأن كيفية استجلاب رحمة بايدن، ولن يألوا في هذا المجال جهدا بارتكاب أي جريمة أو وحشية أو مؤامرة.