
مساعدة الكافر الأمريكي المعتدي نفاق وخيانة عقلا وعرفا وشرعا
إذاما تصفحنا أوراق تاريخ الأمم الحرة، أو اطَّلَعنا على الأحداث التي مرت بها بلادنا الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا – لعلمنا أن المصائب التي حلت بالأمة كلها أو جُلّها جاءتنا من قبل الخونة والمنافقين بين أظهرنا، والذين عايشونا على أنهم إخواننا أو مواطنونا، وقد سماهم القرآن العظيم بالعدوِّ، وحذرنا منهم تحذيرا بليغا، {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون-4).
هذا، وسبحان الله العظيم!! فقد رأينا بأم أعيننا أن رجالا من جلدتنا والذين كنا نشير إليهم بالبنان، ونسميهم من كبار المجاهدين، ونحسبهم صالحين – سبقهم الكتاب، فزلّت أقدامهم، وبلغ الأمر إلى أنهم قاتلوا المؤمنين دفاعا عن الكفار المحاربين، بل قتلوا العلماء وطلاب العلم لا لذنب ارتكبوه، بل لمجرد مخالفتهم الاحتلال الأمريكي الغاشم.
وفوق ذلك إنهم يعتقدون -والعياذ بالله- أن الأمريكان على الحق، جاءوا لنفع المسلمين، وأن الذين يقاتلونهم من المجاهدين على الباطل، يريدون الضرّ لأهل الإيمان، وهنا يتذكر الإنسان قول الرسول المعظم صلى الله عليه وسلم: (… فَوَاللهِ الذي لا إله غيرُه إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها). الحديث. رواه البخاري.
وقد أشكل على بعض الناس هذا الحديث لما ثبت أن الله سبحانه هو الصادق الوفي، يعامل الناس بالعدل، ويجازيهم بأعمالهم، ولا يخاف المُحسن لديه ظلما ولا هضما: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} فلا يضيعها عليه؛ فإذاً كيف تضيع حسنات هذا الرجل؟.
ويزول هذا الإشكال بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، لما ورد فيه من زيادة توضح السبب؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ). متفق عليه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: “فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ” يوضح أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا، بل يعمل بعمل أهل الجنة (فيما يبدو للناس) فقط، أي رياءً وسمعة، ويدلّ على ذلك سبب وُرُود الحديث، وهو أن رجلا قاتَل قِتَالاً شديدا، فلما كان آخر النهار جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ… فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ… الحديث .
وبعد هذه المقدمة اللطيفة أنتقل بكم إلى حادثة سارّة، وفي الوقت نفسه مؤلمة أيضا، وهو مقتل قائد شرطة (قندهار) أحد عملاء الأمريكان المخلصين في يوم الجمعة (11 جمادى الأولى 1432ه الموافق 15 إبريل 2011م) وذلك في هجوم استشهادي عليه في مقر قيادة الشرطة؛ وبذلك طُوِّيت صحيفة أعماله، وسلم المؤمنون من شره ومضارِّه وسوء فِعاله.
فيا تُرى من هو هذا القائد القاتل؟ من أين جاء؟ ولماذا شايع الأعداء؟ ولِمَ سعى في قتل أهل العلم والإيمان؟. أسئلة تؤلمني وأستعجب منها!! وأكاد أجهش منها للبكاء!!.
فإنه أحد المواطنين عرفته منذ عصر الجهاد ضد الجيش الأحمر، هو خان محمد (مجاهد) بن الحاج داد محمد بن الحاج عبد القادر من قبيلة (ألكوزاي)، من مواليد ستينات القرن العشرين، ولد في قرية (شار قولبه) مديرية (أرغنداب) ولاية (قندهار)، ساهم في الجهاد ضد الاحتلال السوفتي، ولذا لقّب نفسه بـ(مجاهد) مشيرا إلى تلك الفترة من الزمن.
ولكن ساءت شهرته بعد انسحاب القوات السوفيتية، فخاض الفتن الداخلية، واشترك في معارك دامية ضد أمثاله من لوردات الحرب (زعمائها)، وعباقرة الفساد، ثم هرب إلى إيران في عهد حكومة الإمارة الإسلامية، ومن هناك انضم إلى الكتلة الشمالية التي كانت تسعى لإشعال نار الحرب ضد الحكم الإسلامي في البلاد بإيماء الأجانب.
وظهرت عداوته لله ولرسوله وللمؤمنين جليا حينما اعتدت جحافل الاحتلال الأمريكي الغاشم على بلادنا الحبيبة، حيث وقف في صف الكفرة المحاربين الذين أعلنوا في حينه صراحة أنهم إنما جاءوا للقضاء على إمارة المسلمين، وقتل من نسب إليها من العلماء، فقدم إلى قندهار على متن دبابات الصليبيين، وأسند إليه على الفور منصب قيادة (فرقة قندهار) العسكرية.
نعم سبق على المسكينِ الكتابُ، فبدأ يحارب المؤمنين، ويقاتل أولياء الله المجاهدين بكل القوة وكامل الإخلاص؛ وذلك لنيل مرضاة أعداء الله الأمريكان، حيث اختار ولائهم، وترك ولاء المؤمنين، ولكن أنى له ذلك؟ فإنهم لن يرضوا عنه إلا باتباع دينهم، ولم يتمكن هو من الارتداد علنا للحمية والعار، فأبعدوه عن هذا المنصب، وطردوه من قندهار، بدليل أنه من لوردات (زعماء) الحرب.
فذهب إلى مدينة (كابول) العاصمة ذليلا، وتوسط إليهم برئيس الإدارة العميلة (كرزاي)، فعينوه قائدا لشرطة ولاية (بلخ)، ثم طردوه من هناك بحجة أنه من زعماء الحرب، وهكذا كان في موضع كراهة الكفرة، إلا أنهم لما أحسوا بالهزيمة الوشيكة من ضربات المجاهدين – التفتوا إلى زعماء الحرب مرة أخرى، ودفعوهم إلى بؤرة الصراع، ووادي جهنم.
ونتيجة للسياسة الأمريكية الجديدة أرسلوا هذا الرجل (خان محمد) بصفته كبش الفداء إلى المنطقة، وقلّدوه قيادة شرطة (قندهار) يوم الأحد (14 نوفمبر 2010م)، لكن الإمارة الإسلامية أنذرته مطالِبَةً منه الابتعاد من عمالة الأمريكيين؛ كي لا يصير مستهدِفا، لكنه أبى إلا الوقوف بجانب الكفرة، فأعذرت الإمارةُ في الأمر بقتله، فرصده المجاهدون، وتمكنوا من قتله بالتاريخ المشار إليه أعلاه، فتلقى المواطنون نبأ موته بالفرح والسرور، لنجاتهم من بطشه وظلمه.
والذي يؤلمني في هذا الموقف، ويذوب القلب من كمد هو أن ابنًا من أبنائنا، أو مواطنا من بلدنا، أو إنسانا من بني جِلدتنا خاب وخسر في الدنيا والآخرة، وأهل الرشد منا من الآباء والعلماء وأعيان القبائل ما استطاعوا أن يرشدوه إلى سواء السبيل، وفشلوا في أن يمنعوه من الوقوف في صف الاحتلال الأمريكي، رغم أن مساعدة الكافر المحارب على المؤمن الجار المواطن يخالف العرف السائد والعقل السليم، كما يخالف شريعة الله الإسلام؛ فلو سُئلنا عنهم!! وقيل لنا: هل بلّغتم؟ هل أرشدتموهم؟ هل قاطعتموهم إذ لم يقبلوا النصيحة؟ فلا أدري بم نجيب. فأسأل الله العافية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.