مقالات الأعداد السابقة

مستويات العدوان الأمريكي على الأمم والشعوب

Kandahar 1691249c lnd thumbالحرب الناعمة ـ حرب الإستخبارات ـ الحرب النظامية
:::::::::::::::::::::
# نظرية “حرب الجيل الرابع” أو “حرب التدخل الخفيف” هي خلاصة الفشل الإستراتيجى في أفغانستان.
# شركات المرتزقة وعصابات المافيا مكونات أساسية من الجيش الأمريكي.
# عومل الضعف الداخلي في المجتمعات والدول هي خير معين لحروب العدوان الأمريكية.
# الورقة الإسلامية إستخدمتها أمريكا بنجاح ضد الإتحاد السوفيتى في أفغانستان، والآن تعيد إستخدامها بمنطلق طائفي لتدمير بلاد المسلمين بحروب إستئصالية.
:::::::::::::::::::
تعانى الولايات المتحدة تراجعا شاملاً لاشك فيه، نتيجه تراكم الخطايا الإقتصادية التي فاقمتها مغامرات عسكرية مجنونة في أفغانستان والعراق، كان لإخفاقها أثرا كبيرا في حالة التراجع الأمريكي، بل وتهديد مكانة الغرب المتسلطة على العالم منذ عدة قرون. التهاوى الأخير / بسبب الفشل الكارثى العسكرى والسياسى في أفغانستان / تحاول ماكينة الدعاية الأمريكية تغطيته بتهويلاتها المعتادة، وتعيد رسمة كمخطط إستراتيجي مبتكر يتناسب مع المرحلة “الجيوسياسية” الحالية.

http://oi47.tinypic.com/2mqj9dd.jpg
وكما ظهرت في السابق التعبيرات الرنانة والفارغة مثل العولمة والنظام الدولي الجديد وما بعد الـ… إلخ. ظهر مؤخراً مصطلح “الحرب الرابعة”، للإشارة إلى أساليب قديمة منذ فجر التاريخ، مع فارق التكنولوجيا غير المسبوقة ولكن الفكرة قديمة للغاية، والجديد هو لغة التنظير المضافة إلى التقنيات الحديثة فيظهر الأمر وكأنه إختراع جديد.
قلصت أمريكا ميزانية الدفاع – وكذلك فعلت إسرائيل والإتحاد الأوربى- كما تنوى تقليص بعض الفائض في مخزونها النووى الإستراتيجى. وتنوى تقليص الإعتماد على جيوشها في فرض هيمنتها الدولية على ضعفاء العالم – والمسلمين منهم خاصة – والإستعاضة عن القوة العسكرية البحته بالمزيد من الإجراءات الأخرى وفي مقدمتها الأساليب الإستخباراتية والضربات الإقتصادية وتصديع بنيان الدول والمجتمعات بالحروب الإقليمية أو الإضطرابات الداخلية التي قد تصل إلى حد الحرب الأهلية، وتسليط فوهات الإعلام ليصب عليها شلالات من القبح والبشاعة، حتى يسقط قيمتها البشرية ويجعل التخلص منها أملاً إنسانياً إلى جانب كونه مصلحة أمريكية أوروبية. تلك الأساليب القديمة يطلقون عليها الآن “حرب الجيل الرابع” ولكنها إجراءت قديمة للحروب الأوروبية لإستعباد العالم، فقط تراجعت “مؤقتاً ” مكانه الجيوش لصالح الإجراءات الأخرى الأقل تكلفة، أى أن ضرورات الإقتصاد المترنح هي التي أملت تلك التعديلات في أسلوب الحرب القديمة المستمرة.
مستويات العدوان في الحروب القادمة:
من ناحية عسكرية تتحرك الولايات المتحدة ساحبة خلفها حلف الناتو (كما في أفغانستان) أو دافعة إياه في المقدمة كما في ليبيا وسوريا. وأثناء هجومها السياسى العدوانى تفعل نفس الشئ مع الإتحاد الأوروبى.
قد تستهدف تلك الحروب دولة “مارقة” تعادى سياسات الولايات المتحدة ولا تنصاع لمطالبها كما في أفغانستان في عهد طالبان قبل 2001، وإيران حالياً. أو أن تغييرات جوهرية ينبغى إدخالها على أوضاع تلك الدولة بحيث تتناسب مع مرحلة جديدة من مطالب الولايات المتحدة وأمن بعض حلفائها خاصة إسرائيل، كما في عراق صدام حسين، وسوريا الأسد. 
ويجرى العدوان الأمريكي على مستويين أساسيين:
الأول ـ المستوى الداخلي للعدوان (حرب من الداخل ضد الداخل): 
أى من داخل الدولة المستهدفة نفسها لتقويضها من الداخل إن أمكن، أو إضعافها إلى أقصى حد ممكن بحيث يكون التدخل الخارجي أقل ما يمكن أو “أرخص ما يمكن”.
والمستوى الداخلي يعتمد على الثغرات والعيوب التي لدى الخصم “الدولة المستهدفة أو المارقة”. والمجهود الأمريكي يركز على إخضاع تلك الثغرات الداخلية إلى ما يعرف “بهندسة الفتنة”، أى مفاقمة العيوب والتناقضات وإيصالها إلى درجة التفجير من الداخل. أو كما قال كاتب شهير، تحويل الخدوش التي على الدهان الخارجي إلى شرخ في الجدار ثم إلى تصدع في الأساس يؤدى إلى إنهيار البنيان. إنه فن إشعال الفتن الداخلية، وهو فن برع فيه الصهاينة منذ آلاف السنين، وكان إلى جانب إتقانهم فن الربا، أحد أسباب ظهورهم وسيادتهم على باقى شعوب الأرض.
ولنا أن نتأكد من أن تأثير أخطاء النظام الحاكم في البلد المستهدف، أو العيوب المتوارثة بداخله، والتي تمس سلامة بناء المجتمع وتماسكه وقوة الدولة وفاعلية دورها، تتحول كلها إلى قنابل موقوته يسهل على العدو الأمريكي إستخدامها بمهارة.
الثانى – المستوى الخارجي للعدوان:
وهو مجهود عدوانى قادم من الخارج ومتجه إلى داخل الدولة المستهدفة، وغالباً ما يستهدف تصعيد عناصر التمزق الداخلي وفتح الباب بعنف لإسقاط الدولة في اليد الأمريكية (الإسرائيلية/ الأوروبية) وإعادة صياغتها طبقاً لمتطلبات مرحلة إقليمية ودولية جديدة.
المستوى الخارجي للعدوان يشمل ثلاثة أنواع من الحروب هي: 
أولا ـ حرب بالقوة الناعمة: 
هي حرب بأنواع القوة الناعمة كلها، أى: حرب بالقوة الثقافية – حرب بالقوة الإعلامية – حرب بالقوة الدبلوماسية – حرب بالقوة الإقتصادية ـ حرب بقوة التجسس التقليدى الناعم.
ثانيا ـ حرب إستخبارية / غير تقليدية:
وتستخدم أساليب العمل غير التقليدية ولها شقان أساسيان هما: 
1ـ الضرب بالمجموعات الخاصة / 2ـ بناء جيش التمرد الداخلي.
ثالثا ـ حرب نظامية / غير تقليدية: 
يلاحظ هنا وصف ذلك النوع من الحروب بصفتين متعارضتين: أى بكونها نظامية، وغير تقليدية في نفس الوقت. ولكنها نظامية من حيث أن القائم بها جيش تقليدى، ولكنها غير تقليدية من حيث طريقة الإدارة العسكرية والسياسية لتلك الحرب وكذلك طبيعة القوات الداخلة في تشكيل الجيش النظامى نفسه، الذي تسانده قوات غير تقليدية تشمل شركات المرتزقة وقوات عصابات المافيا العاملة في مجال الجريمة المنظمةعلى النطاقين الأمريكي والدولي. وتأتى تلك الحرب في ذيل قائمة الإختيارات، فهي مثل “الكىّ” الذي يأتى في آخر خيارات العلاج. وقد إتخذت صوراً وأساليب جديدة، في ظل “النظام الدولي الجديد” الذي فرضته أمريكا على العالم من جانب واحد بعد هزيمة الإتحاد السوفيتى وسقوطه المدوى في أفغانستان. كما أكتسبت أدوات دمار جديدة تتناسب مع التطور التكنولوجى الهائل الذي شهده العالم في تلك الحقبة نفسها.
# ونشير هنا إلى أن المناخ السياسى الدولي الجديد قد أثر كثيراً في طريقة إدارة تلك الحروب، والهدف الظاهرى المعلن لها، كما تنوعت جهات منح “الشرعية”، وتعددت التحالفات والصفقات الإقليمية والدولية التي ترافق تلك الحروب وتسهل دوران آلتها الطاحنة وتحدد جهات إستقبال الغنائم. وذلك هو الجانب الأشد غرابة، بل ودناءة، في تلك الحروب الظالمة غير الأخلاقية. 
:::::::::: 
مستوى العدوان الداخلي (الحرب من الداخل ضد الداخل):
وهي حرب التمزق الداخلي، أو بالأحرى تمزيق الدولة بواسطة أوجه القصور والتناقضات الموجودة بداخلها. بعضها يتعلق بأخطاء نظام الحكم وطريقة إدارته للبلاد، والبعض الآخر يتعلق بتناقضات تاريخية تعيش منذ عصور، ولكن يجرى تفعيلها وفقا لهندسة الفتنة، وتحويلها إلى فتن عاصفة قد تصل إلى حد الحروب الأهلية على أسس طائفية ومذهبية، على سبيل المثال (سنية / شيعية ــ سلفية / صوفية)، أو أسس عرقية بين مكونات سكانية مختلفة، أو حتى صراع داخل عرقية أو طائفة واحدة ولكن على أسس إقتصادية أو إجتماعية، ما بين أغنياء وفقراء، وما بين متحكمين في كل شئ وآخرين مطرودين إلى خارج تيار الحياة.
# وكأمثلة على أنواع التشققات ونقاط الضعف والأخطاء نسوق ثمانية منها. ولكن سنتكلم عن أشد صورها فداحة وهي الحالة التي ظهرت عليها دول ” الربيع العربى ” عندما تفجرت فيها موجات الغضب الذي أسقط حكامها. ويوجد بعض أو كل تلك الأخطاء في الكثير من الدول ولكن على درجات متفاوتة من الشدة. بعض أنظمة الحكم تنجح في السيطرة على تلك العيوب وكبحت جماحها بأساليب مناسبة، وبعض الأنظمة فشلت في ذلك، بل وقد تستخدم أساليب غير مناسبة فتنفجر الإضطرابات في المجتمع وقد يسقط النظام، وبشئ من التدخل الخارجي المدروس قد تتفتت الدولة إلى شظايا على أسس عرقية أو دينية مذهبية وطائفية وهي أخطار تهدد دولا عربية مثل اليمن وسوريا وليبيا والعراق وربما مصر أيضا. 
1ـ ضعف القيادة السياسية:
أى فقدانها للحكمة والرؤية الصحيحة لظروف مجتمعها وتاريخه وما يحيط به من مناخ اقليمي ودولي. تلك القيادة تغلب الرؤية العرقية التي ترفع قوماً وتخفض آخرين على أساس الإنتماء العرقى أو الحزبى أوالسياسى أوالدينى أوالقبلى، بدون إعتبار للكفاءة والإخلاص. فيتحول المجتمع إلى قنبلة كبيرة قابلة للإنفجار. والعدو “الأمريكي/ الإسرائيلى” المتربص لا يفوت تلك الفرصة السانحة لتركيع أى دولة يرغب في إزاحة نظامها ثم السيطرة عليها بشكل كامل. فمن السهل تحويل ذلك الإنقسام إلى معسكرات متقاتلة يأتيها السلاح والدعم من الأعداء في الخارج، إلى أن يتم القضاء على الدولة وتقسيم المجتمع بشكل نهائى يصعب جداً إصلاحه مرة أخرى. القيادة الفاشلة هي التي تفتقد الثقه بالنفس ولا تثق بالشعب ولا بقدراته، و ترتمى على أقدام أعداءها الخارجيين وتستقوى بهم على شعبها وتستمد شرعيتها من تأييدهم لها. إنها القيادة التي تفتقد إلى المبدأ والعقيدة، وبالتالي لا ترى لنفسها ولا لشعبها رسالة كبرى في الحياة أو في مسيرة الإنسانية، ولا ترى غير القضايا الصغيرة المباشرة، والمصالح الضيقة.
2 ـ قوة النفوذ الأجنبى وفقدان القرار الوطنى:
ويرجع ذلك إلى ضعف النظام الحاكم في النقاط التي أشرنا إليها سابقا. فتفقد الدولة إستقلالها وتصبح تابعة لعدوها الخارجي، والأدهي أنها قد ترتبط مع ذلك العدو / علنا أو سرا / بمعاهدات “سلام” أو ” صداقة إستراتيجية” أو ” تعاون طويل الأمد ” أمنى وثقافي وتعليمى، ويصبح دور النظام هو مجرد القيام بمهام إستعمارية بالوكالة داخل دولته وخارجها، وذلك كان حال الدول العربية التي شهدت عواصف الغضب الشعبي التي أطلق عليها الغرب “الربيع العربى” كنوع من الخداع والتملق، في محاولة للإستحواذ على تلك الغضبات وأضافتها إلى حساباته الإستراتيجية. ويستغل العدو قوة نفوذه وشبكات المتعاونين معه داخل وخارج أجهزة الدولة المترنحة، في إعادة السيطرة على الثورات وجعلها مجرد إمتداد للنظم السابقة من حيث الجوهر، مع تعديلات في الإسلوب، وتغيير أشكال العملاء والمتعاونين، وإبقاء الحكام الجدد “كنوزا إستراتيجية” لإسرائيل، حسب التعبير الإسرائيلى في وصف دكتاتور مصر السابق. إن قوة النفوذ الأجنبى في بلد ما يعنى تلقائيا ضياع القرار الوطنى وإرتهانه بالخارج الإستعمارى، والثورات الحقيقية هي تلك التي تستطيع منذ لحظاتها الأولى إغلاق منافذ التدخل في وجه العدو الخارجي، وتكبيل شبكات المتعاونين معه في كافة مواقعهم. ويلاحظ في ثورات “الربيع العربى !!” أنها فشلت حتى الآن في مجرد تحديد هوية عدوها الخارجي، بينما تقوم شبكة المتعاونين مع ذلك العدو بتصنيع إعداء وهميين لصرف الأنظار إليهم، وتلك أهم وسائل تضليل الشعوب والثورات. 
3 ـ أزمة الولاء السياسى:
وهي تترتب على ما سبق ذكره من ضعف القيادة وقوة النفوذ الأجنبى الذي يتمكن من التسلل إلى مفاصل أجهزة الدولة وبناء شبكة متعاونين لا يقتصر دورها على نقل الأسرار أو توطيد علاقات التبعية مع الأعداء، بل تعمل تلك الشبكات عند الضرورة تحت الإمرة المباشرة لهؤلاء الأعداء، بدون الرجوع إلى قيادتهم المحلية المباشرة، وحتى خارج سلطة رئيس الدولة. مراكز القوى داخل النظام تبنى شبكات موالية لها داخل تلك الأجهزة خارج سياق التسلسل الوظيفي القائم، فتتكون أزدواجية داخل الأجهزة الحساسة. بل و يصبح المجال مفتوحاً لأكثر من دولة خارجية لتجنيد متعاونين داخل تلك الأجهزة، حتى أن كبار المتمولين المحليين / أو حتى الخارجيين/ يبنون شبكاتهم الخاصة لتكون سنداً لطموحاتهم. ولا يخلو الأمر من وجود نوادر من القوى الوطنية داخل تلك الأجهزة تكون إحتياطيا لأى عملية تغيير قد يتاح لها الفرصة. ذلك الحال من التمزق يحدث أيضا بسبب عقد تحالفات غير متكافئة مع القوى الكبرى الخارجية، أو معاهدات سلام مع أعداء الأمة والدين ومغتصبى الأوطان.
4ـ فساد الجهاز الإدارى للدولة:
ذلك الجهاز هو أداة للحكم وتسيير الأعمال والسيطرة على الأوضاع الداخلية، فإذا إستشرى الفساد في ذلك الجهاز إضطربت شئون الدولة وسقطت هيبتها وعمت الفوضى والإضطراب الذي قد يصل إلى إنفلات العنف وسيادة قانون الغاب. من أشهر أمراض الجهاز الإدارى هي الرشوة والإختلاس وسوء إسخدام صلاحية الوظيفة الرسمية في الحصول على المال والنفوذ. في هذا المناخ يتمكن الأغنياء والأقوياء من الحصول على حقوقهم والتجاوز على حقوق من هم أضعف منهم. كما يتمكن الأعداء من إختراق الجهاز الإدارى والحصول على أسرار الدولة والنفاذ إلى مفاصلها.
5 ـ التدهور الإقتصادى:
يترتب على النقاط الأربع السابقة تدهور الوضع الإقتصادى وإنتشار الفقر والأمراض الجسمانية والأخلاقية (يكاد الفقر أن يكون كفرا)، وتنتشر الجريمة بأنواعها، ويعم اليأس والإحباط بين الناس ويصبحون تربة خصبة للإضطرابات الإجتماعية والثورات، وتنتشر مهن الدعارة وتهريب المخدرات والتجسس لصالح من يدفع أكثر، فيكون الفقراء قاعدة لأجهزة الأمن لتجنيد المخبرين وشرطة قمع الإنتفاضات الشعبية، وتعذيب المعتقلين، وقاعدة للأعداء لتجنيد الجواسيس. فالتدهور الإقتصادى يؤدى الى كل أنواع التدهور الأخرى، وتفقد الدولة القدرة على ممارسة أى دور ذو قيمة، داخل أو خارج أراضيها. وتتوسع في الإستدانة من الخارج فتفقد المزيد من سيادتها وحرية قرارها، ويزداد الوضع الإقتصادى سوءا، وتتراكم الديون الربوية حتى يصعب سدادها ناهيك عن أصل الديون.
6 ـ دولة الإستبداد والقمع (الدولة البوليسية):
ظهور الإستبداد هو مؤشر لا يخطئ على وجود الفساد في إدارة الدولة ومرافقها وإنتشار التفسخ الإجتماعى والضعف الداخلي والخارجي. فالإستبداد هو الخيار الوحيد المتاح في يد السلطة الضعيفة الفاسدة من أجل إخضاع شعبها بوسائل العنف والقبضة الحديدية. فتنطلق أجهزة القمع الحكومي من شرطة وإستخبارات لتنهش الشعب بدون وازع من قانون أو ضمير، فتسلب أموال الناس وتعتدى على أمنهم وتهدر كرامتهم وتستحق حيوية المجتمع في مقابل الحفاظ على سلامة الحاكم ونظام حكمه، وفي ذلك حفاظًا على المصالح الذاتية لقادة تلك الأجهزة وقادتها، إذ يبنون الثروات والنفوذ والهيبة الإجتماعية عن طريق ذلك العنف الأمنى المسعور.
عند التمادى وتجاوز الحدود تقترب ثورة الشعب، وذلك ما حدث في الدول العربية التي شهدت غضبات هائلة سببها المباشر كان سياسة الإستبداد والقمع والسعار المتوحش الذي أصاب أجهزة الأمن.
يلاحظ في تلك الدول تضخم غير طبيعى في أجهزة الأمن من الناحية العددية، وتشعب صلاحيتها حتى لا يكاد يوجد نشاط رسمي إلا وهي بداخله، ولا نشاط شعبي إلا وهي تخترقه، ولا فرد إلا وهو يخضع للمراقبة بشكل ما. تلك هي الدولة البوليسية أو “دولة الأمن!!”. الولايات المتحدة تفضل تلك الأنظمة وتدعمها وتقويها، و تزودها بالمعدات والخبرات وترسم لقيادات الأجهزة الأمنية عقيدتهم الأمنية وتحدد لهم هوية الأعداء الداخليين وأسلوب مواجهة كل منهم. أى أن تلك الأجهزة تمارس (وظيفة إستعمارية بالنيابة) في مجال الأمن، وكذلك هو الحال في الدفاع، والسياسة الخارجية والإقتصادية بل وحتى التعليم والإعلام والفنون. إن نظام الإستبداد المفرط هو نظام إحتلال بالنيابة.
7 ـ تفكك أجهزة الأمن وفساد القضاء:
رغم الضخامة الظاهرية لأجهزة القمع في الدولة البوليسية، ورغم تجاوزها لمهامها الطبيعية، إلا أنها تتعرض سريعاً للعطب والفساد بسبب صلاحياتها غير المحدودة وضعف أو إنعدام الرقابة الرسمية عليها، كما أن الشعب أعجز من أن يدافع عن نفسه أمامها ناهيك عن أن يحاسبها.
تتعدد مراكز القوى داخل تلك الأجهزة بحيث تصبح مثل إتحاد لمنظمات إجرامية تتبع رؤوساً متعددة، وكل مسئول مهما تدنى مستواه يكون له مصادر دخلة غير المشروع ودائرة نفوذه. ويكون مناخ الفساد المستشري مساعداً لعمليات الإختراق الخارجي، خاصة إذا كان النظام نفسه يعقد صداقات وتحالفات إستراتيجية في كافة المجالات مع أخطر الأعداء، فيتمكن هؤلاء من إختراق الأجهزة الحساسة وفي مقدمتها أجهزة الأمن الداخلي والخارجي.
ــ فساد نظام القضاء يعتبر حتميا ومتلازما مع توسع صلاحيات أجهزة الأمن وفسادها. فيصبح القضاء تابعا للأمن بشكل شبه مباشر. وتكون أجهزة الأمن سببا في ضياع الأمن وضياع العادالة بسب إفساد القضاء وسيطرة تلك الأجهزة عليه. عندما يفقد القضاء إستقلاليته ويكون تابعا للسلطة التنفيذية الفاسدة، وتتفتح أبواب القضاة لتقبل الرشاوى، تقفل العدالة أبوبها في وجه الفقراء، ويفقد المواطن كل أمل في الحصول على حقوقه بالطريق الطبيعي، وعليه أن يلجأ إما إلى العنف أو إلى الأعمال غير المشروعة، أو الهجرة إلى بلد خارجي. 
ولأجل المزيد من البطش، يعمد النظام إلى إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة المدنيين وإرعابهم بأحكام ناجزة وغاية في القسوة، ومعدة سلفا قبل بدء المحاكمات.
وهكذا تكون أجهزة الأمن والقضاء متعددة الولاءات بين مراكز قوى الحكم، وقوى المال المحلية والخارجية، والحلفاء الإستراتيجيين في الخارج. وليس من المستحيل تماماً أن يظل هناك شئ من الولاء الوطنى أو الشعور الدينى بين القلائل.
8– الإظلام الإعلامي:
الحقيقة هي أكبر أعداء المستبدين الطغاة والمحتلين. فالأنظمة المستبدة وسلطات الإحتلال تتعمد إطفاء نور الحقيقة كى تنشر ما تشاء من أكاذيب وتضليل. فالكذب قوة سلبية لا تأخذ مداها إلا بغياب القوة الإيجابية للحقيقة. من أجل هذا إذا بزغ نور الحقيقة ولو من شمعة صغيرة، فإنها تهزم جحافل ظلام الأكاذيب مهما كانت ثقيلية. وقد فطنت القوى الصهيونية وكبار الطغاة في العالم إلى خطورة الإعلام ودورة في السيطرة على العقول وتشكيل الثقافات وبناء الرغبات والإهتمامات وترويج المذاهب والأفكار والسياسات، وترويج السلع الإستهلاكية. حتى الإنتخابات الرئاسية وما دونها ما هي إلا أنواع من الترويج الدعائي التجاري المعتمد على الإستثمار المالي في إستئجار الإعلام أو شراؤه. وكل حكومة تهتم بإعلامها المحلي لخدمة أهدافها في الحكم. والحكومات القوية ترى في الإعلام قوة إقتحام متقدمة تفتح الطريق لأهدافها الداخلية ومصالحها حول العالم. وتعتبره الولايات المتحدة واحدا من أهم قواها الناعمة، بل أن دوره أكبر من ذلك بكثير، فهو قدرة عدوان أمريكية شاملة ومتعددة الإستخدام. والإعلام معركة دائمة بين التيارات والمصالح السياسية العظمى وبين الأفكار والمبادئ وحتى الديانات. أما الدول الفاشلة والساقطة في شباك القوى الكبرى فإن إعلامها يمثل نفس الحالة من الإنحطاط، أى أنه (إعلام أمبريالي بالوكالة) و يؤدى رسالة الإعلام الإمبريالي ولكن داخل النطاق الوطني المحلي. من مهام الإعلام بالوكالة نشر الأكاذيب وتعميم ظلام الجهالة والتعصب. وقلب الحقائق وتصوير الباطل على أنه الحق، وتصوير المجاهدين الشرفاء على أنهم إرهابيون قتلة، وجعل الديمقراطية دينا، والإنحلال الخلقى إبداعا وفنا، والإسلام تخلفاً لا يناسب العصر الحديث. ويتجاهل الله الخالق ويجعل الذهب والدولار صنماً يعبد من دون الله، ويتخذ من الأخ عدواً، ومن العدو وليا حميما… وهكذا. إنه إعلام، ولكنه إعلام بالباطل وصد عن سبيل الله والحقيقة. هذه الحالة يكون الإظلام الإعلامي عملا حيوياً للإبقاء على كل مظاهر الإنحراف سالفة الذكر. فالنظام المستبد والقوى الإمبريالية العالمية تحجب الحقائق عن أعين الناس ولا تكشف إلا سفاسف الأمور والموضوعات المضللة التي تصرف الإنتباه عن الحقيقة وعن المسارالحقيقي للأحداث.
::::::::::::::::::
# تلك بوجه عام كانت أخطاء وتصدعات التكوين الداخلي لدولة فاشلة أو في طريقها إلى الفشل. و تعاني أكثر الدول مقدارا ما من تلك الأخطاء، بدون أن تصل إلى درجة الخطورة المذكورة.
وبالتالي يمكن السيطرة عليها ومنع حالة الإنحدار أوالوصول إلى حالة الإنفجار. ولكن حتى لو كانت تلك الأخطاء ما زالت مثل شروخ صغيرة على طلاء الجدار، فإن القوة الإمبريالية المتربصة والتي أتقنت فنون وعلوم (هندسة الفتنة) يمكنها الضغط على تك النقاط حتى درجة التفجير، هذا مالم تواجهها قيادة قوية واعية. 
# تراكمت لدى الإمبريالية الأمريكية خبرات لا يستهان بها بالنسبة لتفجير الدول، مستفيدة من نقاط الضعف مهما كانت ضئيلة في البنيان الداخلي للدولة المستهدفة. كما تراكمت لديها خبرات لا يستهان بها في السيطرة على الثورات بعد نشوبها، هذا إذا نشبت تلك الثورات بدون ترتيبهم المسبق، أي أنها ثورات إمتلكت زمام المبادرة، وبالتالي إتتخذ مساراً مستقلاً عن الولايات المتحدة ويصطدم بأطماعها. عندئذ يعالجونها بطرق متنوعة مستفيدين إلى أقصى ما هو ممكن ومتاح من الصعوبات التي تواجه الوضع الثوري الجديد، والعداوات الداخلية له، وهي عدوات طبيعية ولابد منها لأن الوضع الفاسد كان له أنصار ومستفيدين من إنحرافاته، وهناك أعوان الأجهزة المنحرفة التي قضت عليها الثورة وبنت بديلاً عنها أجهزة ثورية للإدارة والأمن والدفاع (وذلك فارق جوهري بين الثورات الحقيقية والثورات الكاذبة أو المتوهمة).
كما أن الصدام مع القوى الإمبريالية يعتبر سمة أساسية للتفريق بين هذين النوعين من الثورات: “الحقيقية” و”المتوهمة “، لأن الثورة بالضرورة تعني مساراً مستقلا وقوياً في كل مجالات الداخل، من إقتصاد إلى تعليم وثقافة ودفاع وأمن. وكذلك وبالضرورة مساراً مستقلاً وثورياً في السياسة الخارجية بحثاً عن علاقات عادلة ومتكافئة مع العالم، وبحثاً عن أصدقاء وحلفاء للمسار الجديد من بين الدول ذات النهج المستقل المشابه سياسياً وإقتصادياً، حتى ولو كانوا على قواعد أيدلوجية مختلفة، لأن أساس العلاقات بين الدول يقوم على العدالة والمساواة والإحترام المتبادل والمنافع المشتركة بين الشعوب. أما الخلافات والأيدلوجيات والثقافات فتترك للحوارات الشعبية أوالمتخصصة في مناخ هادئ خال من التوتر، ولكل طرف أن يقبل أو يرفض ما يشاء بدون توتر أو عداوات أوضغوط من أي نوع، لأن العقائد تنتشر بالقناعة والرضا وليس بالعنف والإكراه، فمساحة الضمير هي مساحة للإختيار وليس الجبر.
::::::::

ثانياً – المستوى الخارجي للعدوان:
وهي مجهودات العدوان والحرب القادمة من خارج حدود الدولة المستهدفة (أو الحركة الثورية أو الجهادية).
وهي كما ذكرنا تشتمل ثلاثة أنواع من الحروب هي:
أولا ــ حرب بالقوة الناعمة، أو (الحرب المستدامة).
ثانيا ــ حرب إستخبارية /غير تقليدية.
ثالثا ــ حرب نظامية / غير تقليدية.

:::::::::::::::::::::
1ـ حرب بالقوة الناعمة، أو (الحرب المستدامة):

وهي الأوسع إنتشارا من بين صور الحروب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة ضد الإنسانية جمعاء، وجمع الدول العدوة والصديقة. وليس هناك من دولة إلا وتعبر عن قدر من التذمر من تلك الحرب، والقوى المستنيرة في الغرب والشرق لا تمل من الصراخ والإحتجاج على تلك الحرب التي تسعى الى ” أمركة ” العالم كله تحت دعوى العولمة. وهي حرب تسعى إلى محو كافة الثقافات لصالح الثقافة الأمريكية، وكافة اللغات لصالح اللغة الإنجليزية باللهجة الأمريكية، وإخضاع سياسات دول العالم وتحويلها الى توابع أو على أحسن الفروض شركاء صغار ينالون النصيب الأصغر من غنائم تلقيها إليهم قوة العالم الأولى: الولايات المتحدة.
حرب عولمة الإقتصاد وفتح الحدود للتجارة وإنتقال رؤوس الأموال، ومعنى ذلك القضاء على إقتصاديات الدول الضعيفة وسيطرة الإقصاد الأمريكي الأقوى، والبنوك الصهيونية الأشد بأسا، والشركات متعددة الجنسيات التي ترسم سياسات الدول وتغير حدودها بل وتحدد مصائرها فتزيل دولا وتنشئ أخرى. ويمكن بالفعل تسمية تلك الحرب الناعمة بالحرب المستدامة أوالشاملة، لأنها دائمة لا تتوقف وتطال كل كائن بشري على ظهر المعمورة. و ” الأسلحة الناعمة ” المستخدمة في تلك الحرب هي:
سلاح الإعلام 2- سلاح الثقافه 3- سلاح الإقتصاد 4- سلاح الدبلوماسية 5- سلاح التجسس.

وليس هنا مجالنا للحديث التفصيلى عن كل سلاح وقدراته وتأثيره وكيفية إستخدمه ولكن نكتفي هنا بمجرد الإشارة عن دوره في حالة التمهيد لمراحل الحرب التالية ضد دولة أو ثورة مستهدفة أمريكياً،أى مطلوب إسقاطها والتخلص منها.
ومن المفروض في مرحلة لاحقة أن يلحق بتلك الحرب الناعمة النوع الثانى والذي أطلقنا عليه (حرب إستخبارية غير تقليدية) وهي حرب ذات طابع خشن عنيف وأكثر هجومية، ومن المفروض أنها تحسم المواجهة. ومن الأفضل لأمريكا أن ينتهي الأمر هكذا وإلا إضطرت إلى إستخدام الحل الأكثر مرارة، وهو الحرب المكشوفة، في ثوبها الأمريكي الجديد، الذي يمكن توصيفه بأنه (حرب عسكرية غير تقليدية).
والآن إلى تلك الأسلحة الناعمة، في حال إستهداف دولة أو حركة مقاومة أو ثورة شعبية أو جهادية من أجل القضاء عليها وتحطيمها.
سلاح الإعلام:
وظيفته هي شيطنة الخصم وتشويه صورته إلى أقصى حد ممكن بإستخدام الأكاذيب المطلقة أو أنصاف الحقائق المحرفة وشهادات الزور والأدلة الملفقة. وبالمثل تشويه الشخصيات القيادية والرموز الحالية أو التاريخية. وفي المقابل يتم تمجيد التيارات المعارضة والمبالغة في دورها وإلباسها مزايا غير موجودة في الواقع، وصبغها بصورة تكون مقبولة ومحببة داخل الوطن المستهدف على أنهم أبطال يسعون للخير العام. في نفس الوقت جعل صورتهم الخارجية مطابقة لمعايير الثقافة الغربية حتى يكون التدخل إلى جانبهم وضد نظام بلادهم عملا أخلاقيا ومقبولا من شعوب الغرب. فيوصفون مثلاً بأنهم يقاتلون من أجل الحرية أو يؤمنون بالديموقراطية، ويحترمون حقوق المرأة ويؤمنون بالتحرر والحداثة، إلى آخر تلك الخزعبلات اللفظية الخاوية. { لقد وصفوا مثلا تحالف الشمال الذي كان يقاتل ضد الإمارة الإسلامية وحركة طالبان بأنه حركة تحرر وطنى “!!”. ثم قاتل ذلك التحالف كقوة متقدمة لقوات الغزو الأمريكي. وهذا هو الفهم الإمبريالى لمعنى التحرر الوطنى }.
= يتم تزويد المعارضة بوسائل الإتصال الحديثة للغاية من أجل تمكينهم من الإتصال بالعالم الخارجي، وبث كافة إنتاجهم الدعائي، وحتى مبالغاتهم، وترويجها دولياً على أنها حقائق ناصعة ونضال شعبي ضد نظام (شيطانى). وللإشاعات والأكاذيب دور كبير وتأخذ حيزاً أساسيا في ذلك النشاط الإعلامي كله، سواء الإعلام الأمريكي “الدولي” أو ذلك المعارض القادم من داخل بلاد النظام المستهدف.
سلاح الثقافة:
ويستهدف الطبقة الأعلى تعليما والمطلعين على ثقافه الغرب والمعجبين بها. ويطلق عليهم مثقفين أو صفوة. المصادر الثقافية في الغرب تتولى تحقير شأن ثقافة النظام (أو الحركة الجهادية أو المقاومة أو الثورة..إلخ) أيا كان العدو المستهدف وأيدلوجيته، فتصورها بأبشع صور التخلف ومعاداة قيم الغرب المتقدم في العلوم والتكنولوجيا، والتأكيد على أن تخلف الخصم “المارق” تعود إلى عقائده المورثة أو حتى المستحدثة، وقيمة الإجتماعية التي يتمسك بها، وأن الحل الأوحد كى يتخلص من مشاكلة الداخلية بكافة أنواعها هو طرح كل ذلك جانباً، وإستبداله بما لدى الغرب من فكر وقيم وأخلاقيات وسلوك، ولا بد لذلك البلد المنكوب أن يتمتع بقيادة سياسية تسير على نهج الغرب وتتبع سياساته حتى تنفتح أمامهم آفاق التقدم والرفاهية، وينعم الشعب بالسعادة في إطار ” المجتمع الدولي” و “النظام الدولي”، حين يحظى برعاية أمريكا ودول الغرب الغنى المتطور.
3 ـ سلاح الإقتصاد:
ربما كان سلاح الإقتصاد هو الأشد قسوة في منظومة (الحرب بالقوى الناعمة)، ذلك لأنه يهز كيان سكان الدول المستهدفة، ويعرض الملايين لخطر الجوع والمرض وتفاقم كافة مشاكلهم الحياتية، وبذلك تضطرب أمور الدولة و تصبح على شفا إضطراب إجتماعى كبير. وذلك هو الهدف الأساس من فرض عقوبات إقتصادية على تلك الدول “المارقة” المعادية للولايات المتحدة، لدفع الشعوب إلى الثورة على أنظمة بلادها بسبب الجوع وعجز الحكومات عن علاج تلك المشكلة الخطيرة.
فالحكومة التي تفشل في حماية شعبها من الجوع ربما تفقد شرعيتها إذا لم يكن الإرتباط بين الحكومة ونظام الحكم موثقاً بروابط لايهدمها الجوع ولا حتى الحرب. وأهم تلك الروابط هو الدين، فإذا كان ذلك الإرتباط حقيقياً وصادقاً، أمكن تخطي تلك العقوبات، خاصة إذا كان النظام قائما على العدل والمساواة بين فئات المجتمع، ولا ينحاز إلى فئة الأغنياء على حساب الفقراء، ولم ينحرف الحكام وبطانتهم نحو أكل المال العام بالباطل، أوجميع الثروات بقوة السلطة التي بين أيديهم.
# وقبل شن حربها العدوانية على العراق فرضت الولايات المتحدة ومنظومة توابعها حصاراً إقتصادياً على العراق تسبب في وفاة مليون ونصف مليون مواطن عراقي ثلثهم من الأطفال. وبالمثل تعرضت أفغانستان قبل غزوها لسلسلة من العقوبات والحصار ومحاولات التجويع ومحاربة المحاصيل الأفغانية التي كانت تصدر إلى الخارج، وأوقفت أوروبا إستيراد الفاكهة الأفغانية، وتعرض الشعب الأفغاني ونظام حكمه الإسلامي إلى شتى أنواع المصاعب الإقتصادية والمعيشية. وحالياً تتعرض عدد من الدول المعادية أو الرافضة للهيمنة الأمريكية لحصار إقتصادى ظالم ومؤلم، تسب في إفقار الشعوب ومعاناتها، وذلك في دول مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا المحاصرة إقتصاديا منذ أكثر من نصف قرن. 
ونتيجة لإجراءات الحصار الإقتصادى تنحدر قيمة العملة المحلية وترتفع الأسعار، وتتأثر حركة البنوك وتفقد معظم وظيفتها وتهرب رؤوس الاموال المحلية نحو بنوك الدول الغربية، ويحظى ذلك برعاية وتشجيع أمريكا والمنظومة الغربية وتستفيد منه، وتمتنع الأموال الخارجية من الإستثمار في الإقتصاد المحلي.
4- الحرب الدبلوماسية:
الولايات المتحدة بصفتها الدولة الأقوى في العالم فإن من أبرز إمكاناتها هو عقد أوسع نطاق ممكن من التحالفات حول أى قضيه تهمها. لهذا فإن أعدء أمريكا سريعاً ما يتحولون إلى “أعداء العالم”، ويجدون أنفسهم معزولين سياسياً ثم معاقبين إقتصادياً ثم متعرضين لغزو مكون من تحالف دولي قد يزيد عن ثلاثين دولة كالذي شهدته العراق يوماً، أو يزيد عن أربعين دولة كما تعانى أفغانستان اليوم. وبعد تدمير الدولة المستهدفة توزع أمريكا هدايا رمزية من عقود “إعادة الأعمار” على حلفاءها في إرتكاب الجريمة. ثم تسارع إلى عقد مؤتمرات للمانحين لجباية الأموال لدعم الحكومة الكرتونية الجديدة، لتعاد صياغة تلك الدولة من الجذور وفي شتى النواحى، حتى لا تعود أبدا إلى ما كانت عليه، وتصبح إلى الأبد حطام دولة. وبعد الإحتلال فإن أى حركة إحتجاج أو مقاومة مسلحة سوف تجابه بتحالف شيطانى تقوده الولايات المتحدة تحت شعار “مكافحة الإرهاب”، يطارد ويسجن ويفرض الفقر والضياع على شعوب كاملة.
5 ـ التجسس:
وهو من أبرز سمات العصر الراهن، وربما كان أبرزها على الإطلاق. ولا ينحصر ضرره على الأعداء فقط، بل يطال الأصدقاء أيضا. وليس ضد الدول فقط بل ضد المواطنين الأفراد جميعاً. ونشاط التجسس في دول الغرب (الليبرالى!!) مثل نبضات القلب لا يتوقف إلا في حالة الموت. وشعار أمريكا وحضارة الغرب يكاد أن ينطق بالقول: (أنا أتجسس إذا أنا موجود)، فهو عندهم من علامات حياة الدول وحيويتها. يتوجه نشاط التجسس صوب “الدولة الهدف” بوتيرة أعلى مما هو مألوف في الحالات الأخرى، لأن المعلومات المتوفرة تكون أساساً للتخطيط وتطوير كل النشاطات الأخرى ضدها مستقبلا. 
::::::::::::::
2- حرب إستخبارية غير تقليدية

ولها عدة سمات: الأولى أنها حرب غير معلنة، والثانية أنها تدار بواسطة جهاز الإستخبارات الأمريكي “سى أى أيه”، من أجل هذا نطلق عليها هنا تسمية “حرب إستخبارات غير تقليدية”.
وسوف نتناول بإيجاز مجالات أنشطة تلك الحرب، ونلاحظ أن منها أنشطة إستخبارية تقليدية مثل التجسس و ضرب الجبهة الداخلية بالفتن والوقيعة. ثم هناك نشاطات هي أقرب للعمل العسكرى الخالص مثل الضرب بالمجموعات الخاصة المسلحة، وفي الأخير مجهودات بناء جيش التمرد الداخلي.
أولا ـ الضرب بالمجموعات الخاصة (عمليات تجسس شامل وعمليات إغتيال وتخريب وترويع):
التجسس الشامل: قلنا أن نشاط التجسس للولايات المتحدة والغرب عموماً هو نشاط دائم لايتوقف، ويتجه في شتى الإتجاهات، ولكن في حالة تطور العمل ضد “دولة مستهدفة” أمريكياً، أو “المارقة” بالإصطلاح الأمريكي، أو “داعمة للإرهاب”، أو ذات سجل جنائي معادي لحقوق الإنسان.. إلخ، فإن النشاط التجسسي يصبح عدوانياً أكثر بل ويتخلى عن سريته أحياناً. وكما يطال الحكومة المستهدفة ونظامها بشكل عام، فإنه يمتد أيضا ليشمل المعارضة بشتى أنواعها، لتختار أمريكا الأنسب، فتعين القيادات وتحدد الإختصاصات وتوزع الأدوار وتشرف على نشاطات المعارضة كافة، المسلح والدعائي والإغاثي الإنساني وعمليات الإمداد والتموين. أى أن المخابرات تصبح جيشاً من حيث العدد، وجيشاً من حيث النشاط العسكري الذي يضاف إلى مسئولياتها.
ــ ويلاحظ أن العقيدة العسكرية الجديدة للجيش الأمريكي تسير خلف العمل الإستخبارى، وفي أفضل الأحيان تعمل معه جنباً إلى جنب، وغالباً ما تنشب المشاكل بينهما كما حدث في حرب أفغانستان بعد عام 2001 ـ لهذا فإن الفجوات بين الجهازين العتيدين الجيش والإستخبارت، إستفادت منها حركة طالبان بشكل مذهل وحققت ضربات تكتيكية موجعة، بل وسبقاً إستراتيجياً ساهم في إحرازها للنصر في تلك الحرب الصعبة. 
ــ يتضح فيما أذيع حول (إستراتيجية التدخل الخفيف) التي إبتدعها “جون برينان” المرشح لقيادة جهازالإستخبارتات السى آى آيه، بعد أن قاد وحدة مكافحة الإرهاب لفترة حافلة شهدت إغتيال أسامة بن لادن، تلك الإستراتيجية تهدف إلى تخفيف حدة التدخل العسكرى الأمريكي وجعله مقصوراً على ضربات الإغتيال الجوى بواسطة الطائرات بدون طيار، وأيضاً إستخدام القوات الخاصة (على غرار ما حدث في عملية إغتيال بن لادن أو الهجمات الليلية المروعة ضد سكان القرى الأفغانية المعزولة). إن مفهوم “التدخل الخفيف” يتشابه كثيراُ مع ما نذكرة هنا عن “الحرب الإستخبارية غير التقليدية”. والصفتان التاليتان لتلك الحرب توضحان كثيراً ذلك المعنى.
1 ـ الضرب بالمجموعات الخاصة:
وهي مجموعات كوماندوز تحت إدارة الإستخبارات غالباً، وربما الجيش أحياناً. وتنفذ داخل الدولة المستهدفة عمليات تخريب وإغتيال وترويع للمدنين بشكل منهجى يهز إستقرار الدولة ويظهر نظام الحكم عاجزاً عن توفير الأمن والإستقرار. تلك العمليات ذات مردود إقتصادي سلبي على الدولة، وقد تستهدف الوحدة الوطنية وإحداث الشقاق الداخلي مثل إغتيال زعامات مؤثرة لمجموعات سياسية أو دينية أو عرقية، وقد تستهدف مساجد أو كنائس، أو مرافق عامة وأسواق ومدنيين، إضافة إلى الأهداف الحكومية وكبار الموظفين وقيادات الأمن والجيش والوزراء وربما مثقفين وفنانين.. إلخ.
وللعمل على هذا النحو داخل العاصمة منزلة كبرى لزعزعة النظام والتشهير به دولياً. وكل خطوة يتخذها النظام لإعادة ضبط الأمور سوف تواجه بهجوم إعلامي كاسح يندد بوحشيته وإهداره لحقوق الإنسان و الأقليات الدينية والعرقية، وقد ترفع ضده دعاوي أمام محكمة العدل الدولية، وتفرض عليه عقوبات دولية، وقد تصدر مذكرات جلب على كبار قادته، وفي النهاية يصبح الطريق مفتوحاُ أمام مجلس الأمن الدولي كى يصدر قرارا إستناداً على البند السابع الذي يشرع العدوان العسكرى على الدولة المستهدفة. المجموعات الخاصة التي تتسرب الى داخل الدولة المستهدفة يكون من بينها خبراء مختصين في حروب العصابات لتنظيم عمل المعارضة المسلحة في الداخل وإدارة حرب دعائية بمواد من “أرض المعركة” للتشهير بالنظام، سواء كانت أعمال العنف والجرائم من أفعاله أو من أفعال تلك المجموعات التخريبية الخاصة.
2 ـ بناء جيش التمرد:
تلك خطوة هامة لإسقاط النظام أو إضعافه إلى حد كبير، لدرجه تجبره على تغيير توجهاته الأساسية، وربما التخلي عن كبار رموزه أو القبول بمشاركة عناصر من قيادات التمرد، وهي العناصر التي دفعتها الإستخبارات الأمريكية إلى صدارة المشهد ومنحتها شهرة وإعترافا دوليا. ذلك التغيير في النظام وتلك الوجوه الجديدة التي تتصدر القيادة تحقق أولا وأخيرا مصالح الولايات المتحدة، وأول ضحاياها هو الشعب الذي سوف يكتشف بعد وقت قصير أنه الضحية الكبرى، وأنه فقد حاضره ومستقبل أجياله القادمة، وأن مهمة التغيير الحقيقي أصبحت أكثر صعوبة، وربما مستحيلة، إلا على المدى الطويل الذي يستهلك أجيالاً قادمة يصعب حصرها بدقة. تشمل تلك العملية / أى بناء جيش التمرد/ مجهودا سياسياً وآخر لوجستياً، من أجل إكتساب دعم حكومات حليفة للمشروع كله على مستويات عدة منها:
= السماح بخروج المتطوعين من مواطنيها للمشاركة في التمرد المسلح في الدولة المستهدفة. = السماح لمتطوعي البلاد الأخرى بالمرور عبر مطاراتها وأراضيها صوب حدود الدولة المستهدفة. = فتح المطارات، والموانئ البحرية، أمام حركة طائرات وسفن المخابرات الأمريكية لدعم التمرد. = تأمين المشاركات المالية في تكاليف الحملة بما في ذلك تمويل صفقات السلاح وتكاليف الدعم اللوجستي. = تأمين إسناد إعلامي واسع يدعم منظمات المعارضة المسلحة. = تأمين المساندة السياسية في المحافل الإقليمية والمؤسسات الدولية في خطوة أساسية وخطيرة لتدويل قضية المعارضة ضد النظام المستهدف، وتحريك الأمم المتحدة و مجلس الأمن.
:::::::::::
# جميع الخطوات السابقة إستخدمتها الولايات المتحدة عند تدويل القضية الأفغانية ضد السوفييت منذ عام 1980، فكانت تلك التجربة تطبيقاً مثالياً ناجحاً بشكل إستثنائي ساهم في هزيمة السوفييت بل وسقوط إمبراطوريتهم بدماء الشعب الأفغاني وجهاده الصادق ولكن بلا قيادة صادقة. فكانت الولايات المتحدة هي الرابح الأوحد الذي حاز كل الغنائم، وكان نصيب الشعب الأفغاني حرباً أهلية داخلية، ووصول عملاء أمريكا إلى الحكم تحت إسم “حكومة المجاهدين” برئاسة عناصر محسوبة على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وأشهر رموزهم ” برهان الدين ربانى” الذي تولى رئاسة الدولة، و”عبد الرسول سياف” رجل الدولة الأول بلا منصب محدد لأنه في الواقع يؤدى أدواراً أهم من كل منصب معروف. ثم لحق بهم تاليا الزعيم الإخوانى الثالث جلب الدين “حكمتيار” الذي تولى رئاسة الوزراء، ومن قبلهم الإخوانى القديم “صبغة الله مجددى” أول رئيس جمهورية في عهد حكومة المجاهدين عام 1992.
# في ذلك الوقت أسفر المجهود الأمريكي، السياسي/ اللوجستي/ الإعلامي، لدعم جهاد الشعبي الأفغاني ضد السوفييت إلى إستخدام الورقة الإسلامية بنجاح ساحق، ليس فقط متمثلا في منظمة المؤتمر الإسلامي التي إجتمعت في إسلام آباد في بدايات عام 1980 لتأييد الشعب الأفغاني ومساعدته إنسانيا للتغلب على آثار العدوان السوفيتي، بل نجح الأمريكيون في السيطرة على قادة الأحزاب الجهادية ” الأفغانية، وترويض الحركات الإسلامية الكبرى وإستخدامها في إطار الإستراتيجية الأمريكية لإستغلال مشاعر الشعوب، فيما أطلق عليه “الورقة الإسلامية” ضد الإتحاد السوفيتى. فكانت مجهودات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبعض الحركات الأخرى موظفة في إطار تلك الإستراتيجية. 
إحتاج الشعب الأفغاني حتى يسترد مكاسب جهادة إلى حركة جهادية تصحيحية قادتها حركة طالبان، أطاحت بحكومة ربانى ومساعدة سياف ومعهما مجددي.
تلك هي مخاطر تدويل قضية أي شعب. أى تسخير قضيته الأصلية، في طلب الحرية والإستقلال، وضمها في إطار مصالح الدول الكبرى وصراعاتها وأطماعها. وتحويل جهاد الشعب إلى مجرد “ورقة” في خدمة الإمبريالية الأمريكية، التي تسعى لأن تذيقه الويلات بأقسى ما كان عليه الوضع السابق. إن الورقة الإسلامية بشكلها الطائفي الجديد، في اليد الأمريكية سوف تستخدم بأبشع شكل ممكن من أجل تمزيق الدول والمكونات الإجتماعية في المنطقة العربية والإسلامية، وستحرق المنطقة بحرب طوائف ومذاهب وعرقيات بين المسلمين أنفسهم.
# تلك الاستراتيجية القديمة الجديدة تعمل الآن بكل نشاط وبقدر من النجاح في سوريا، حيث أعيد من داخل وخارج أراضيها إستخدام الورقه الإسلامية دوليا وباليد الأمريكية ضد النظام القائم هناك، ولكن من منطلق طائفي هذه المرة، من أجل إعادة تنظيم المنطقة العربية لإستقبال مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتصفيتها من أى مقاومة للوجود الأمريكي الإسرائيلى المهمين على الدول العربية، وإستعدادا لموقعة طائفية كبرى ضد إيران وكل التواجد الشيعى العربى في الشام وجزيرة العرب والعراق، على أن تنتقل تلك المعركة الطاحنة مستقبلا إلى شبه القارة الهندية ودول وسط وجنوب آسيا وأفغانستان. وليس ذلك حرصا أمريكيا على مصلحة السنة أو الشيعة / ولا يمكن أن يكون كذلك / ولكن لتأمين هيمنة إسرائيل كقوة إقليمية نووية عظمى على كل البلاد العربية وسعيها لضم خيبر والمدينة المنورة، بعد ضم القدس رسميا ونهائيا وإعلانها مدينة يهودية خالصة وتهديم المسجد الأقصى وبناء الهيكل اليهودى مكانه. ولتأكيد السيطرة الأمريكية الإقتصادية والإستراتيجية على المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية الممتدة من حدود الصين إلى الشواطئ العربية للمحيط الأطلسى. ولشغل الشعوبً العربية والإسلامية بحروب داخلية تفنى قواها البشرية والإقتصادية وتشغلها عن حقيقة ضياع دينها ومستقبلها وسقوط بلادها غنيمة باردة في يد إسرائيل والولايات المتحدة ودول الإستعمارالقديم في أوروبا.
ــ في سوريا حولت الولايات المتحدة الصراع هناك من صراع سياسى بين شعب ونظام حكم، إلى صراع إسئصالى بين مكونات طائفية، وفي حال نجاح تلك التجربة سيشهد ذلك البلد أول نظام في المنطقة يسقط نتيجة حرب طائفية، وذلك سيؤدى إلى تفكيك الشام وباقى بلاد العرب، وإنتشار الحروب الطائفية وإقامة كيانات مذهبية ضعيفة متحالفة مع إسرائيل والولايات المتحدة من أجل الإستقواء على بعضها البعض كما حدث خلال الحروب الصليبية، وسيكون ذلك مشجعا على الإستمرار والمضى في حروب حتى داخل الطائفة والمذهب الواحد، ناهيك عن حروب إستئصال ضد غير المسلمين داخل الدول العربية، وهو ما ظهرت بوادره المبكرة منذ سنوات في العراق ومصر تمهيدا للإنطلاق العاصف عندما تنضج الظروف، وتضغط اليد الإسرائيلية على زر التفجير.
::::::::::::::::::::::
ثالثا – حرب نظامية غير تقليدية:
وهي أسلوب عمل الجيش الأمريكي في المرحلة الجديدة التي بدأت بتولى أوباما فترة رئاسية ثانية في يناير 2013 حسب ما يتسرب حاليا عن الإدارة الأمريكية. وتلك استراتيجيه وليدة الفشل في حقيقة الأمر، بعد نكسة الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق. حيث ظهر جلياُ فشل البهرجة النارية غير المنطقية في هذين البلدين في ردع الشعوب عن الجهاد ضد المعتدين.
= هناك إذا الإنسحاب المهين من أفغانستان مضافاً إليه الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأوروبا والتي قد لا تشفي أبداً إلا بتغيرات جذرية في هيكلية ومكانة تلك الدول. وهناك أيضاً الخراب النفسي والعقلي بين جنود الجيش الأمريكي، بل وبوادر تمرد وثورة على حروب لا أخلاقية قامت على أسس كاذبه تخفي أهدافا غاية العدوانية والإنحطاط (مثل حرب إعادة زراعة الأفيون في أفغانستان). استراتيجية الفشل الجديدة أسموها (إستراتيجية التدخل الخفيف) وتفلسف أخرون فأسموها “حرب الجيل الرابع” وهي في الأساسى حرب أزرار، دور البطولة فيها تؤديه طائرات خالية من الطيارين، تقوم بمهام التجسس وعمليات الإغتيال الجوى. العنصر الآخر الذي أعلنوا عنه هو العمليات الخاصة. وهذه أيضاً ليست جديدة وتمارس منذ سنوات في أفغانستان ولم تسفر عن أى مكسب عسكرى ذو خطورة في قتالهم المباشر ضد المجاهدين، بل أنهم خسروا معظم تلك المواجهات التي يتقنها الأفغان بعد تاريخ طويل جدا وحافل بالحروب التقليدية وغير التقليدية. أما ضربات القوات الخاصة الأمريكية والأطلسية ضد القرويين الأفغان في ظلام الليل ومعهم الكلاب المفترسة، فمردودها الوحيد كان زيادة نقمة المواطنين وإنضمامهم بكثافة إلى قوات طالبان، بالسلاح وأمواج الإستشهاديين وأبطال العمليات النوعية التي توصف من ضباط الإحتلال أنفسهم بأنها قطع نموذجية من فنون قتال القوات الخاصة. يمكن القول بإختصار أن نتائج عمل القوات الخاصة الأمريكية كان في النهاية لصالح مجاهدى حركة طالبان. = وكما إتضح في أفغانستان وحربها التي مازالت دائرة إلى الآن، أن تلك القوات الخاصة لا تعمل منفردة بل لا بد أن ترافقها قوات محلية تقوم بالجزء الخطر من العمليات. والكثير جداً من عمليات القوات الخاصة الأمريكية والغربية في أفغانسان والتي كانت تستهدف غير المدنيين، أى توجه للإغارة على مواقع مجاهدى طالبان، تكبدت خسائر كبيرة ومنيت بالفشل. وذلك مستمر منذ الأيام الأولى لتلك الحرب أى منذ غارتهم على المجمع الإدارى للإمارة الإسلامية في قندهار، ثم على مطار منعزل في منطقة (رباط جعلى) عند الزواية الحدودية مع إيران وباكستان. ثم كانت الفضيحة الكبرى في المعركة التي أطلقوا عليها “أناكوندا” أى الأفعى العاصرة والتي دارت في منطقة زورمات جنوب مدينة جرديز، فكانت فضيحة للقوات الأمريكية أظهرت تدنى الأداء وإنهيار المعنويات وأكذوبة كبرى إسمها الجندى الأمركى، وقد شهد بذلك كاتب أمريكى تكلم عن تلك المعركة. كان ذلك في بداية عملية الإحتلال، وما تلا ذلك كان أفدح حتى أن الإسم الواقعى للقوات الأمريكية الخاصة المحمولة جوا كان ينبغى أن يكون ” قوات الفضائح الخاصة المحمولة جواً “. شهدت أفغانستان النموذج العملى للإستراتيجية الجديدة، التي تمت تجربتها بالفعل وأثبتت فشلها، ومجرد الإعلان عنها تحت مسميات جديدة براقة لا يبرهن إلا على إفلاس فعلى ينبئ بمستقبل أمريكى مظلم. # لأسباب عسكرية ونفسية لا تقوم القوات الخاصة الأمريكية بالعمل منفردة بغير قوات حليفة وصديقة تساندها، والإستثناء عن تلك القاعدة نادر. الروافد التي تساند تلك القوات على الأرض تمثل هي الأخرى عارا وفضيحة أخلاقية وعسكرية لذلك الجيش الأكذوبة، تلك الروافد هي: قوات المرتزقة وقوات عصابات المافيا. 
أولا ـ شركات المرتزقة: 
لأسباب كثيرة قررت تلك الدولة إعتماد وحدات المرتزقة تكوينا أساسيا ضمن قواتها المقاتلة، ويطلق عليهم رسميا لفظ “المتعاقدون”، أى أنهم قتلة محترفون ومقاولو دمار يعملون ضمن شركات كبرى عابرة للقارات. وهي في الحقيقة شركات للجريمة المنظمة تعمل خارج القانون ولكن تحت الحماية القانونية للولايات المتحدة، ولا يمكن محاكمتهم خارجها على أى جرائم يرتكبونها على أرض الغير. وفي الحقيقة فإن عملهم الأساسى هو إرتكاب الجرائم. وينشطون في شتى نواحى العمل القتالى وأعمال اللوجستيك والتدريب والحراسات وتأدية مهام مختلفة لصالح أجهزة.الإستخبارات الأمريكية، من إدارة المعدات المتطورة وصولا إلى عمليات التجسس والخطف والإغتيال وتعذيب المعتقلين. ويتقاضى الجنود المرتزقة رواتب مرتفعة جدا تراوحت خلال فترة إزدهار الحروب في العراق وأفغانستان من ألف إلى وثلاثة آلاف دولار في اليوم الواحد. وربما كان ذلك المبلغ كافيا لإعاشة جميع مجاهدى أفغانستان لعدة أسابيع. ومع ذلك فهناك الكثير من الدلائل على أن شركات المرتزقة تمارس تهريب المخدرات من أفغانستان خارجها، إلى جانب أنشطة إجرامية أخرى تنمى ثرواتها. 
ثانيا ـ عصابات المافيا:
وهي جزء أساسى من العمل العسكرى الأمريكي في الخارج. ومعروف تاريخيا أن الجيش الأمريكي إستعان بعصابات المافيا الإيطالية كى تستولى له على جزيرة صقلية، فسجلت لحسابه أول إنتصار عسكرى على جيش ألمانيا النازية فوق أرض القارة الأوربية خلال الحرب العالمية الثانية. ومعروف أن قوات مافيا المخدرات تمارس نشاطاُ هائلاُ في أفغانستان تحت إشراف وتوجيه وتعاون قوات الإحتلال أمريكى. وفي مقابل الهيرويين الذي تحصل عليه تقدم خدمات قتالية وإستخبارية ولوجستية. وهناك مافيات كثيرة / متنوعة الجنسيات / تعمل هناك في مجال تهريب المخدرات وما يتعلق بها من نشاطات مربحة مثل تجارة السلاح وقطع الغيار البشرية وإختطاف وتهريب الأطفال إلى جانب الإتجار في اليورانيوم والذهب والأحجار الكريمة والخامات الثمينة والنادرة والتحف والآثار التاريخية… إلخ. نشاط المرتزقة والمافيات كان ومازل واضحا في العراق، حيث عملوا هناك في تهريب النفط والآثار إلى جانب قطع الغيار البشرية والسلاح والمخدرات إلى آخر تلك القائمة. وفي أحداث سوريا حاليا ظهر نشاط المرتزقة والمافيات في نهب الآثار التاريخية إلى جانب تهريب السلاح والأفرد والمخدرات. وفي مناطق الربيع العربى في مصر وليبا وتونس هناك نشاط هائل في تهريب الأفراد والأسلحة والمخدرات بأنواعها. فحيثما ذهب الجيش الأمريكي وجيوش الناتو فإن قوات المرتزقة وقوات المافيا تعتبر جزءاً حيويا من التركيبة العسكرية والإستخبارية. 
ــ قلنا أن أدوات تلك الحرب (النظامية غير التقليدية) تجمع توليفة مكونة من القوات الخاصة، والطائرات بدون طيار، وقوات المرتزقة والمافيا. وهي من علامات عصر الإندحار الأمريكي الذي بدأ، وسوف تتسارع وتيرته كثيرا في عامنا الحالى 2013 وصولا إلى نهاية الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان / الذي قد يتم قبل حلول الموعد الذي حدده أوباما / أى بنهاية عام 2014 ، لأن بقاء قوات أمريكية في أفغانستان يقل عددها عن ثمانين ألف جندى يعتبر ضرباً في الجنون، ويعرض حياه القوات المتبقية لمخاطر جسيمة. فذلك هو أقل عدد من الجنود إحتفظ به السوفييت في أفغانستان، وعندما شرعوا في الإنسحاب فعلوا ذلك في مدة ستة أشهر لتقليل مخاطر الإحتفاظ بقوات أقل من الازم تكون رهينة تحت يد المجاهدين، وهو الخطأ الذي يعلن أوباما أنه ينوى إرتكابه، وهو ليس أقل من جريمة وطنية واستهتار بأرواح جنود بلاده. ربما كان السبب أنه لم يحصل على ضمانات مثل تلك التي حصل عليها السوفييت قبل سحب قواتهم. فحركة طالبان لا تنوى تقديم هدايا مجانية للمحتلين كما فعل قادة منظمات بيشاور الواقعين في شباك الأمريكيين وحلفائهم الإقليميين. فعدد القوات الأمريكية المتبقية حاليا في أفغانستان غير كاف، ومعنوياتها منهارة، وزاد من تدهورها خوف الجنود من مخاطر الإنسحاب البطئ والسجن المستمر وراء أسوار المجمعات الحصينة.
::::::::::::::::
# ومع كل ذلك فإن حرب الأزرار واردة جداً، بإستخدام الصواريخ وحتى بإستخدام الطائرات المأهولة، خاصة ضد عدو لا يمتلك مضادات جوية كافية (مثل ضربات الطيران الإسرائيلى ضد السودان وغزة)، أو عدو لا يمتلك وسائل ردع كافية، أو أن موقفه العام دوليا وإقليميا وداخليا ضعيف ومهتز ولا يسمح له بالتصعيد أوالردع (كما هي سوريا حاليا إزاء ضربات الطيران الإسرائيلى). أو أن حافز الضربة الأمريكية/الإسرائيلية كان قويا للغاية بحيث يبرر المخاطرة بحياة عدد من الطيارين حتى لو كان كبيراً. ــ أيضاً فإن شبح السلاح النووى يظل حاضراً حتى لو كان مستبعداً. فإن أكثر من 12000 سلاح نووى لدى الولايات المتحدة و400 سلاح نووى لدى إسرائيل، قد يغرى بإتخاذ ذلك السلاح الإنتحارى كأداة للإبتزاز السياسى الدولي والاقليمي، وهو أمر وارد لدى تلك الكيانات الهمجية. = إن توجيه ضربة عسكرية تقليدية أو حتى نووية، ضد خصم لا يمتلك قدرة الردع، هو عمل عدواني لا يمكن إستبعاده من قاموس الجرائم الأمريكية ضد شعوب العالم.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى