مسلسل المنح الدراسیة وسوق السمسرة
گل آغا أفغانیار
إن للمنح الدراسیة -رغم معایبها- أهمیة كبیرة بین الشباب الدارسین. كلٌ یأمل الفوز بها؛ لكسب العلم من موارده وكسب التجارب العملیة نظراً إلی توفر الإمكانات في الجامعات الخارجیة الكبری. المنحة الدراسیة حق لجمیع أفراد الشعب، فكل من یملك الاستعداد والجدارة من حقه الفوز بهذه الفرصة. وأكثر الدول تتعامل مع شعبها على هذا الأساس، إلا الدولة العمیلة في أفغانستان، فإنها توزع المنح علی أساس التمیيز القومي والإقلیمي والسلطوي. وهذا الأمر أدی إلی الیأس والقنوط بین الطلبة المتفوقین الذین لا تتوافر فيهم الصفات السابقة.
هذا ویحصل الطلاب الأفغان علی مئات المنح الدراسیة سنویاً، في مجالات الدراسات العلیا (بكالوریوس، ماجستیر، دكتوراه)، وتستلم وزارة التعلیم العالي تلك المنح وتوزعها علی أساس التمیيزات العرقیة والمذهبیة بین الطلاب. وقد حدث أن طالباً متفوقاً قد حظي بمنحة دراسیة، وانتظر لها سنة كاملة، وقد انفق في إحرازها آلاف الأموال، ولكن في اللحظة الأخیرة -قبل إقلاع الطائرة- أُخبِر بأنه حُرم المنحة. إنها مصیبة أصیب بها كثیر من الطلاب علی مستوى أفغانستان. أحمد فراز، أحد هولاء الطلاب، وهو یعیش في إحدی الولایات النائیة، وقد انتظر سنة كاملة، وبعد سنة كاملة لما ذهب إلی وزارة التعلیم العالي، أُجیب بصراحة أن منحته ومنح كثیر من الطلاب أتیحت إلی أبناء الوزراء وأصحاب السلطة. لذلك باتت المنح الدراسیة حكراً علی أولاد الأغنیاء والمتنفذین، وبات أولاد الفقراء یركضون للحصول علی تعلیم ولكن دون طائل.
إنها مأساة الطالب الأفغاني. وفي مثل هذه الأوضاع الحرجة، تضیع فرصة التعلیم علی مئات الطلاب الأفغان المستحقین للدراسة في الخارج؛ وذلك لمشاكل وعراقیل یواجهها الطلاب من أجل الحصول علی المنح الدراسیة.
ولیست هذه هي نهایة المطاف، بل السمسرة وبیع المنح الدراسیة بأسعار نجومیة تثقل عواتق الطلاب المُولَعین بمواصلة الدراسة في الخارج. وقد قام “صبغة الله صابر” مراسل جریدة “العربي الجدید” بتحقیق میداني في هذا المجال، وحاور بعض الحائرین في وادي المنح الدراسیة، وإلیكم مقتطفات من تقریر “العربي الجدید”:
(یبحث المواطن الأفغاني، محمد ماجد، عن منحة دراسیة في القانون، منذ فترة طویلة، بعد أن صدّق شهاداته الجامعیة، من نائب في البرلمان الأفغاني، علّه یوفق في محاولته للسفر خارج البلاد ودراسة القانون. “لیست هذه هي المرة الأولی التي أتقدم فیها للحصول علی منحة دراسیة” هكذا ابتدر محمد حدیثه، بینما كان یرتب أوراقه أمام وزارة التعلیم العالي، متابعاً: “تعبت من الروتین الممل والطویل، فیما یحصل أبناء الأثریاء وكل من یدفع مبالغ ضخمة عبر سماسرة، یقفون أمام وزارة التعلیم، ویتواجدون في أسواق العاصمة والمدن الرئیسیة علی المنح الدراسیة بكل بساطة وسهولة.”
محمد ماجد لیس الطالب الأفغاني الوحید، الذي یشكو من فساد في توزیع المنح الدراسیة وبیعها، إذ تخرج أحمد مجید قبل عامین من كلیة القانون والشریعة في إحدی الجامعات الأفغانیة، وعلی الرغم من كونه من أوائل المتقدمین إلی المنح الدراسیة بمجرد الإعلان عنها، وتوثیق الأوراق المطلوبة من أعضاء البرلمان، إلا أنه لم یحظ حتى الآن بأیة فرصة، محملاً الفساد سبب حرمانه من المنح.
یقول مجید لـ”العربي الجدید”: الفساد في قطاع التعلیم في أفغانستان كبیر جداً، الحكومة الأفغانیة الحالیة اعترفت أن نحو ألف مدرسة أفغانیة تصرف رواتبها ومصاریفها شهریاً، لا وجود لها علی أرض الواقع، فما بالك بقطاع المنح الدراسیة؟”).
وقد زادت ” العربي الجدید” في جانب آخر من تقریره: (رصد كاتب التحقیق أمام وزارة التعلیم العالي والخارجیة وبالقرب من السفارات الأجنبیة، عدداً من السماسرة والوسطاء، الذین یقبلون علیك بمجرد دخولك إلی وزارة التعلیم العالي والإدارة المعنیة بالمنح الدراسیة.
أحد هؤلاء السماسرة، رفض ذكر إسمه، یبرر ما یفعلونه بأن أبناء كبار المسؤولین في الحكومة، أو الوزارة وأقارب نواب البرلمان، یحصدون المنح الدراسیة كلها، فیما یعمل الوسطاء علی توفیر المنح للجمیع عبر مبالغ بسیطة علی حد قوله. لكن محمد شفیع، خریج المرحلة الثانویة في إقلیم ننجرهار شرقي البلاد، یرفض ما قاله سمسار المنح، قائلاً: “توجهت إلی وزارة التعلیم العالي، للسؤال عن إجراءات الحصول علی منحة دراسیة في أروبا أو الهند. نصحني صدیق بالتوجه إلی أحد السماسرة المتواجدین أمام الوزارة، بدلاً من تضییع الوقت، لكن فوجئت بطلب السمسار مبلغ ۱۲ ألف دولار أمیركي حتی یسهل لي الأمر، بالطبع لا تملك أسرتي هذا المال.”
وعلی العكس من حالة محمد شفیع، فإن محمد آغا، تاجر في مدینة جلال آباد شرقي البلاد، ووالد الطالب أحمد، نجح في الحصول علی منحة دراسیة لابنه في الهند، عبر السماسرة. یقول: “السماسرة لهم علاقة مباشرة بالمسؤولین في وزارة التعلیم العالي والسفارات الأجنبیة. المنح الدراسیة في الدول الأروبیة قیمتها تتراوح بین ۷۰۰۰ دولار أمیركي إلی ۱۰۰۰۰ دولار أمیركي، بینما قیمة المنح الدراسیة في الهند بین ۲۵۰۰ دولار إلی ۳۵۰۰ دولار، أما باكستان وتركیا فقیمة المنح الدراسیة فیها حسب التوافق بین الطرفین”). انتهت مقتطفات جریدة “العربي الجدید”.
إن هذا الفساد الشامل في مجال المنح الدراسیة أدی بكثیر من الطلاب المتفوقین إلی الیأس والقنوط. وصار عندهم انطباع أن المنح لأبناء الأثریاء وأصحاب القدرة والوجاهة، لذلك لا ینبغي أن ننفق الأموال في الذهاب إلی كابل للتسجیل في المنح. المؤسف أن الدراسات العليا داخل البلاد ضعیفة جداً. لذلك یرجح كثیر من الطلاب عدم مواصلة الدراسة داخل البلاد؛ لأنها تضییع للعمر وحصول علی شهادة لا اعتبار لها في الإدارات، حیث لا يُقبل صاحبها. ونظراً لأهمیة التعلیم العالي، فإن هذه القضیة أزمة یعاني منها الشباب الأفغاني. وقد بدأ مسلسل المنح الدراسیة، وبدأ أبناء أصحاب المال والقدرة استلام المنح ثم الذهاب في الأیام المقبلة إلی الخارج، وأبناء الفقراء المتفوقین جالسین في بیوتهم ویشاهدون الأثریاء عبر شاشة التلفاز یودعون البلد لمواصلة الدراسة في الخارج.
لا ندري إلی متی سیدوم هذا الوضع المؤسف؟ ومتی سيحصل الطلاب الفقراء على حقهم من الدولة الفاسدة؟!