
مشاريع السكك الحديدية ودورها في ازدهار البلاد
محمد إسحاق الصالحي
تعد السكك الحديدية من مشاريع البنى التحتية والتنموية التي تؤدي دورًا هامًا في عمليّة التنمية الاقتصادية وازدهار البلاد، فهي بمثابة العمود الفقري لقطاع النقل، كونها وسيلة نقل رخيصة وسريعة.
ويعتمد العالم على القطارات كوسيلة أساسية لنقل الركاب والبضائع وكجزء من تطور البلدان ونموها. ولا يخفى دور السكك الحديدية الحيوي والمهم في الإنعاش الاقتصادي للبلاد.
على مر التاريخ، وفي البلدان الراقية المتقدمة التي أحرزت قصب السبق في مجالات مختلفة وأصعدة شتى، كانت ولا زالت السكك الحديدية رمزاً عالمياً للازدهار والابتكار. وفي العصر الحديث، تحتل القطارات السريعة منزلة أساسية لجعل السفر بالسكك الحديدية أسرع وأكثر كفاءة وأكثر مراعاة للبيئة، وأسهل لنقل البضائع.
لم تتمكن أفغانستان، التي عانت لسنوات عديدة من الأحداث المأساوية والأزمات الخانقة والحروب المستمرة، من إحراز تقدم ملحوظ في إنشاء شبكة سكك حديدية داخلية وإقليمية ودولية، تُسهم في ربطها بدول شتى.
بدأت حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية، منذ تولي زمام الحكم في البلاد وبسط الأمن والأمان في أرجاء البلاد، باستئناف الأعمال في المشاريع الكبيرة من جديد. ومن أهم المشاريع التي تُعتبر ذات أهمية قصوى ولها جدوى كبيرة في تحسين الوضع الاقتصادي في أفغانستان هي شبكة السكك الحديدية.
من خلال إنشاء هذه الشبكة داخل البلاد وربط المدن ببعضها البعض، ووصل المحافظات بعضها ببعض؛ يمكن لرجال الأعمال الأفغان والتجار تسريع نقل البضائع من مدينة إلى أخرى ومن ولاية إلى أختها بتكاليف منخفضة جداً، كما أن توسيع شبكة السكك الحديدية سيربط البلاد بالدول القاصية والدانية، مثل: إيران، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وتركيا، ومن طريقها إلى الدول الأروبية، مما يسهل معه تصدير المنتجات لتلك الدول.
تسعى الإمارة الإسلامية جاهدة في بناء المشاريع التي تنعش الاقتصاد وتساهم في ازدهاره، وتعمل على تطوير شبكات السكك الحديدية باستمرار، وتعيرها اهتماماً بالغاً، حيث قامت بتنفيذ عدة مشاريع في هذا الجانب، ووقّعت مع العديد من البلدان اتفاقيات في هذا المجال، وآخرها الاتفاقية التي وقعتها مع كازاخستان، حيث قال (سيريك جومانغارين) نائب رئيس وزراء کازاخستان: إن کازاخستان ستستثمر 500 مليون دولار لبدء العمل على مشروع سكة حديد تورغندي – هرات – سبين بولدك، وأنه سيتم إنشاء شركة لوجستية ونقل في هرات لدفع تقدم المشروع.
كما أن تطوير السكك الحديدية يعزز بيئة الاستثمار ويشجع المستثمرين على القيام بدور اقتصادي أكبر، حيث تساهم السكك الحديدية في ربط المناطق التي كانت تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية وتحويلها إلى مناطق ذات جدوى اقتصادية، وكذلك فإن السكك الحديدية تربط البلاد بعضها ببعض في أسرع وقت.
من أهم السكك الحديدية في أفغانستان التي بدأت إمارةُ أفغانستان الإسلامية الاستثمار فيها:
١. مشروع سكة هرات – خواف
يشكل مشروع سكة حديد (هرات – خواف) جزءا أساسيا من المبادرات التي تتبناها حكومة أفغانستان لتحسين البنية التحتية للنقل، وتعزيز الروابط التجارية مع دول الجوار، ومن طريقها إلى دول أخرى.
يهدف المشروع، الذي يربط مدينة هرات (غربي أفغانستان) بمدينة خواف (شرقي إيران)، إلى تسهيل حركة التجارة بين أفغانستان ودول المنطقة، وسيكون لهذا المشروع الكبير، تأثيرات اقتصادية إيجابية على المدى الطويل، وسيغير وجه المدن وسيؤثر على رقي البلاد.
بدأ مشروع سكة حديد (هرات – خواف) في عام 2007م، عندما كانت الحكومة الأفغانية تسعى إلى تطوير بنية تحتية للنقل تسهم في تسهيل التجارة وتعزيز الروابط الاقتصادية مع الدول المجاورة. وفي ذلك الوقت، كانت أفغانستان بحاجة ماسة إلى تحسين شبكات النقل، خاصةً في ظل تزايد الضغط على المرافق الموجودة وارتفاع تكلفة النقل البري.
وتم توقيع اتفاقية بين أفغانستان وإيران في عام 2012م، لتطوير خط سكة حديد يربط بين مدينة هرات ومدينة خواف، كجزء من خطة كبرى لربط أفغانستان بشبكة السكك الحديدية الإقليمية والدولية.
وبدأت الأعمال في بناء الخط الحديدي عام 2016م، وتم افتتاح الجزء الأول في عام 2018م، بعدها بدأت الحكومة بتوسيع المشروع عبر التعاون مع شركات دولية، مستكملة الترتيبات المالية اللازمة لذلك.
وبعد تولي الإمارة الإسلامية الحكم في البلاد، استأنفت كثيرا من المشاريع التي لم تكتمل، ومن ضمنها هذا المشروع، حيث وقّعت في مارس/آذار 2024 عقدا لبناء الجزء التكميلي من خط السكك الحديدية بتكلفة إجمالية 53 مليون دولار. ويتعلق العقد بالمرحلة الثانية من الجزء الرابع من خط (خواف – هرات) الذي يمتد على 47 كيلومترًا.
ومن المتوقع أن يتم إنجاز المشروع خلال عامين. ومع اكتمال هذا الجزء، ستُربط مدينة هرات التي تعد باباً من أبواب التجارة والترانزيت، بشكل كامل بشبكة السكك الحديدية والموانئ الإيرانية، مما سيسهل حركة البضائع والركاب بين أفغانستان ودول المنطقة، ويعزز التبادل التجاري بين آسيا الوسطى والجنوبية.
يُعد هذا الجزء من المشروع آخر خطوة في ربط ولاية هرات بشبكة النقل الإقليمية، ما سيؤدي إلى تسريع نقل السلع وتعزيز القدرات الاقتصادية للمنطقة.
تعير حكومة الإمارة اهتمامًا كبيرًا بتطوير البنية التحتية للنقل، وخاصة مشروع سكة حديد )هرات – خواف(؛ لأن هذا المشروع يحمل فرصاً استثمارية مشتركة مع إيران وشركاء آخرين، لتحسين البنية التحتية للسكك الحديدية في أفغانستان.
يقول الخبراء الاقتصاديون: إن هذا المشروع يمثل فرصة كبيرة لأفغانستان لتعزيز مكانتها الاقتصادية في المنطقة؛ فلا يقتصر على تسهيل حركة التجارة، بل يسهم في تطوير بنية أفغانستان التحتية للنقل، وبالتالي تزيد القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية. ومن خلال تسهيل عملية النقل، ستتوفر للمستثمرين طرق أسرع وأرخص للوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، وسيسهم الخط الحديدي في خفض التكاليف، وبالتالي تسريع النمو الاقتصادي، كما أنه يتيح فرصًا تجارية جديدة في القطاعات الزراعية والصناعية.
فوائد هذا المشروع العملاق الضخم كثيرةٌ جدا، وفيما يلي نلقي الضوء على بعض الفوائد المرجوة من هذا المشروع:
١. تعزيز حركة التجارة الإقليمية والدولية
يُعدّ المشروع جزءا أساسيا من شبكة النقل التي تسهم في تسهيل حركة التجارة بين أفغانستان ودول المنطقة، مثل إيران، وتركيا، والإمارات، والهند، ويسرّع نقل البضائع وتقليل تكاليف النقل، ما يعزز قدرة أفغانستان على تصدير منتجاتها مثل الفواكه المجففة، والخضروات والمنتجات الصناعية الأخرى إلى الأسواق العالمية.
٢. تقليل كلفة النقل
يُعدّ النقل عبر السكك الحديدية أكثر كفاءة، وأسرع وصولا من حيث التكلفة والوقت مقارنة بالنقل البري؛ فمن خلال سكة حديد (هرات – خواف)، يمكن نقل كميات كبيرة من البضائع بتكلفة منخفضة مقارنة بالشاحنات البرية، ما يعزز تنافسية المنتجات الأفغانية في الأسواق العالمية، وهذا التوفير قد يؤدي إلى خفض أسعار المنتجات المحلية، ما يعزز القدرة الشرائية للمواطنين.
٣. تحفيز الاستثمار الأجنبي
يسهم تحسين البنية التحتية للنقل في زيادة جاذبية أفغانستان للمستثمرين الأجانب، ويعد المشروع مثالًا على التعاون الإقليمي بين أفغانستان وإيران، ويمكن أن يكون بوابة لجذب المزيد من الاستثمارات في قطاعات مثل التجارة، والصناعة، والزراعة، كما أن وجود شبكة نقل متطورة يزيد من فرص أفغانستان في استقطاب الشركات العالمية التي تبحث عن طرق أسرع وأرخص لتوزيع منتجاتها في المنطقة.
٤. تعزيز التبادل الاقتصادي بين دول المنطقة
يسهم المشروع في تعزيز التكامل الاقتصادي بين أفغانستان ودول الجوار، مما يعزز التعاون في مجالات التجارة والنقل، من خلال تسهيل حركة البضائع والركاب، ويعزز المشروع العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران وأفغانستان، مع إمكانية توسيع نطاق التعاون ليشمل دولا أخرى مثل تركيا وبلدان آسيا الوسطى.
يمكن لمشروع سكة حديد (هرات – خواف) أن يكون له تأثير اجتماعي إيجابي على المجتمع الأفغاني؛ فمن خلال توفير فرص العمل في مجالات البناء والصيانة، سيحسن المشروع من مستوى معيشة السكان المحليين في المناطق التي يمر بها الخط الحديدي.
بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم المشروع في تحسين الظروف الاجتماعية عبر توفير فرص اقتصادية جديدة، وخفض البطالة، وتعزيز المستوى المعيشي؛ فإن الشعب الأفغاني الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى توفير فرص للاشتغال والاكتساب.
۲. مشروع سكة قندهار – هرات
يعدّ مشروع سكة قندهار – هرات من أبرز المشاريع التي خططت إمارة أفغانستان الإسلامية لإنشائها، والذي سيُحدث تحولا محوريا وجذريا في اقتصاد أفغانستان في المستبقل.
صرّح المتحدث باسم الإمارة الإسلامية، المولوي ذبيح الله مجاهد، خلال مراسم إطلاق الأعمال التفصيلية لتصميم خط سكة الحديد قندهار – هرات، بأن هذا المشروع يُعدّ خطوة اقتصادية محورية على الصعيدين التجاري والترانزيتي، ومن خلاله يمكننا ربط أفغانستان بالعالم.
وأضاف أن العمل جارٍ على مدّ خط سكة الحديد، الذي يمتد من مدينة خواف الإيرانية إلى هرات، ومن ثم باتجاه قندهار – سبين بولدك.
وأوضح مجاهد أن الدول المجاورة لأفغانستان، التي تعتمد بشكل كبير على السكك الحديدية في نقل البضائع، ستستفيد من هذا المشروع، مما سيوفر فرصًا اقتصادية وترانزيتية هامة للبلاد.
وأشار إلى أن الحروب السابقة أعاقت تنفيذ هذا المشروع وأدت إلى توقف أعمال السكك الحديدية، إلا أن الإمـارة الإسلامية اتخذت خطوات حاسمة لاستكماله، وهي تتقدم بخطوات ثابثة وجادة نحو كل ما يفيد الشعب، ويقلل من معاناته.
يُذكر أن هذا المشروع سيربط أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وإيران بميناء كراتشي، مما سيوفر لأفغانستان فرصة ترانزيتية جديدة، تسهم في خفض تكاليف نقل البضائع.
وسيكون هذا المشروع بوصلة للتغيير في مستقبل البلاد؛ فهو لا يربط فقط بين محافظة هرات وقندهار، بل سيمتد حتى يصل إلى محافظات مختلفة، ومديريات عديدة.
صرّح المهندس آغا جول شاهد، ممثل شركة (هسک للخدمات الهندسية)، بأن طول المشروع سيبلغ 737.5 كيلومترًا، وسيمتد عبر خمس مراحل، من هرات إلى شيندند، ثم إلى فراه، ومن هناك إلى غور غوري في ولاية نيمروز، ثم إلى لشكرجاه في هلمند، وأخيرًا إلى قندهار.
ووفقًا له، أن المسح التفصيلي والتصميم لهذا المشروع سيتم تحت إشراف وزارة الأشغال العامة، بتكلفة قدرها 265 مليون أفغاني، ومن المتوقع أن يكتمل خلال ثمانية أشهر.
وأشار المهندس شاهد إلى أن المشروع سيوفر فرص عمل لحوالي 300 إلى 600 شخص خلال فترة المسح والتصميم، كما سيساهم في ربط أفغانستان بكلٍّ من آسيا الوسطى وجنوب آسيا، مما سيحقق فوائد اقتصادية كبيرة للبلاد.
۳. مشروع سكة حيرتان – مزار شريف
مشروع سكة حيرتان – مزار شريف؛ من المشاريع الطموحة التي ستساعد في إعمار البلاد وتقدمها، وستربط أفغانستان بدول عديدة مثل الصين، أوزبكستان، وباكستان، وكذلك يمكن ربط أفغانستان بوسط وجنوب آسيا.
سيربط المشروع بين حیرتان – مزار شریف، توركمن باشي – آقينه، وشیرخان بندر، ويصل طوله إلى 1148 كيلومتر، ويمر عبر ولايات: قندز، بلخ، جوزجان، فارياب، بادغيس وهرات، وسيسهّل وصول أفغانستان إلى شبكة السكك الحديدية في آسيا الوسطى وأوروبا.