مقالات الأعداد السابقة

مشاريع كبيرة وطموحة في أفغانستان (الحلقة 2)

محمد صادق الرافعي

 

لقد أشرنا في الحلقة الأولى إلى المشاريع الإقليمية الطموحة التي تربط أفغانستان بالدول المجاورة وتربط الدول المجاورة بعضها ببعض والتي تعمل أفغانستان فيها كالجسر بين هذه الدول، وبإمكانها أن تلعب دوراً كبيراً في اقتصاد المنطقة عند إتمام تنفيذ هذه المشاريع.

 

وفي هذه الحلقة وما يتلوها، سنشير إلى المشاريع الداخلية الكبرى والتي تمثل تنمية للاقتصاد وتحسيناً لأوضاع المعاش في أفغانستان، و -بإذن الله- ستتحول بها أفغانستان والمنطقة.

ونظرًا إلى الموقع الجغرافي والجيوسياسي لأفغانستان؛ فإن إعادة إعمار الطرق وخطوط المواصلات فيها يعتبر مهمًا ومصيريًا لقارة آسيا، وتحديدًا لآسيا الوسطى وما حولها. ومن الممكن لأفغانستان أن تلعب دورها في هذه الأرضية، شريطة إعادة إعمار الطرق الرئيسية وإنشاء الطرق اللازمة الأخرى. ومن المؤسف أن موقع أفغانستان المهم أُهمل قسرًا في الخمسين عامًا الماضية، حيث جُرّت إلى حروب تأباها ويأباها شعبها الأبي، وأصبحت ضحية للألعاب السياسية، ووقعت فريسة للمفترسين الذين لا يهمهم إلا مغامراتهم وطموحاتهم. وبعد عودة الإمارة الإسلامية إلى الحكم، انعش الأمل لتحقيق ما أُهمِل وتنفيذ ما عُطّل.

 

1- مشروع الطرق السريعة

وللحروب المتتالية والفساد المتفشي في الإدارة السابقة؛ لم يتم الاستثمار في مجال إنشاء الطرق السريعة، ولم يُعتنى بهذا الأمر بشكل جيد، ورغم كل الادعاءات والشعارات الأمريكية بشأن تدفق الأموال إلى الحكومة الموالية لها والاستثمارات الأجنبية، لم نر شيئًا محسوسًا في هذا الجانب، ومازال الناس يعانون مشكلات عديدة في هذا المجال.

ومنذ اضطلعت الإمارة الإسلامية بأعباء الحكم، قامت بالجهود الحثيثة الدؤوبة لإعادة إعمار الطرق القديمة الرئيسية، وإنشاء طرق جديدة ثانوية وفرعية في مختلف مناطق أفغانستان، ما سهل حركة المرور للمواطنين وجعلهم يقطعون البلاد ليلاً ونهاراً بسرعة وسهولة غير مسبوقة.

 

ومما أولته الإمارة الإسلامية اهتماماً في السنوات الثلاثة، هي الطرق الرئيسية السريعة والتي تلعب دوراً بارزاً وحيويًا في الاقتصاد والمعيشة، وترتبط بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، ويتضمن الاهتمام بالمشروع الكبير الطموح الذي يشمل إعادة إحياء الطرق القديمة التي ترتبط بـ”طريق الحرير” الشهير والتي تصل جنوب وغرب آسيا بشرقها، ويشمل إعادة إنشاء طريق كابل-قندهار السريع، وإنشاء طريق هرات-قندهار، وطريق كابل – بدخشان إلى ممر واخان الإستراتيجي على الحدود الأفغانية الصينية، وطريق كابل – جلال آباد، وطريق جلال آباد-كابل يربط ننجرهار الواقعة في الشرق وولايتي كونر ولغمان المجاورتين لها بكابل، ويُستخدم الطريق أيضا كطريق عبور يربط أفغانستان بباكستان، الأمر الذي سيعزز التجارة والتبادلات بين الدول المجاورة.

 

أ- مشروع إعادة الإعمار الكبير لطريق قندهار-كابل السريع

هذا الطريق السريع يعتبر أحد الطرق الاقتصادية السريعة المهمة في البلاد، والذي يربط العاصمة كابول بقندهار، أكبر مدينة بعد كابل في البلاد، ويبلغ طول هذا الطريق السريع الحيوي مئات الكيلومترات، ويلعب دوراً لافتًا في النقل السريع للسلع والبضائع التجارية وتصدير المحاصيل والمنتجات الزراعية إلى الدول المجاورة. ومع اكتماله سيتم توفير مرافق الحياة والنقل.

 

لقد تعرض هذا الطريق، خلال عشرين عاماً من عمر الحكومة السابقة، لأضرار كبيرة؛ ويعود السبب في ذلك إلى استخدام مواد ذات نوعية رديئة أو منخفضة الجودة وعدم مراعاة المعايير في بنائه، ووجود الفساد واختلاس ميزانيات المشاريع من قبل مختلف الدوائر الحكومية وذوي النفوذ والسلطة.

وحاليًا وبعد سيطرة الإمارة الإسلامية على البلاد، يجري العمل على إعادة إعمار هذا الطريق بمراعاة المعايير في استخدام مواد ذات نوعية عالية وبمشاركة عدة شركات ذات الصلة ببناء الطرق.

 

ب- مشروع أنفاق سالنج الضخمة

و من المشاريع التي تتعلق بإعادة إعمار الطرق الرئيسية، مشروع أنفاق سالنج الضخمة، والذي يعد أكبر مشروع وطني واقتصادي في البلاد بعد مشروع قوشتيبة، حيث باكتماله ستتوفر المرافق اللازمة للتجارة والتسوق من شمال البلاد إلى جنوبها، وتتوسع “الترانزيت” الإقليمية بدءًا من آسيا المركزية مروراً بآسيا الجنوبية وانتهاءً إلى الأسواق العالمية. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا المشروع يوفر لآلاف العاطلين فرص عمل قيّمة، وفضلًا عن الولايات التسعة الشمالية فإنه يصل الموانئ الأربعة التجارية بالعاصمة كابل. وتعرض طريق سالنج للخراب والدمار خلال فترة حكم الجمهورية ولم يكن محط انتباه الحكومة آنذاك، ولكنه بقدوم الإمارة الإسلامية أصبح محط الانتباه والاهتمام، ويجري العمل على بنائه وعلى إعادة إعماره بجدية غير مسبوقة.

 

ج- الطريق الدائري

وهناك طريق رئيسي آخر يسمى بالطريق الدائري والذي يبلغ طوله 3200 كيلومتر، ويربط أفغانستان بأكملها، ويلعب دورًا رئيسيًا في ربط المدن الكبرى مثل: كابل، وقندهار، وهرات، ومزار شريف. وفي حالة تنفيذه، سيسهل التجارة ويحسن وسائل النقل ويربط المناطق النائية بالمدن الكبرى.

 

د- الطريق الرئيسي بين كابل وجلال آباد

أضف إلى ذلك مشروع طريق بديل بين كابل وجلال آباد، استجابة لمطالب الشعب، الأمر الذي يعكس رغبة الحكومة في تحسين ظروف الحياة اليومية للمواطنين. كما أن الحوادث المتكررة بسبب الازدحام المروري تشير إلى حاجة ملحة لمثل هذه المشاريع، مما يعزز من ثقة الشعب في قدرة الحكومة على الاستجابة لمطالبهم.

 

هـ- طريق الممر الشمالي

هناك طريق آخر يربط منطقة قندهار الشمالية مع عاصمة ولاية أوروزغان؛ مدينة تارينكوت، وأعلنت إدارة الأشغال العامة في ولاية قندهار عن الانتهاء من 45% من أعمال بناء طريق يسمى بالممر الشمالي بتكلفة تبلغ 120 مليون دولار. ويبلغ طول هذا الطريق 209 كيلومتر. وأوضح مسؤولون في الشركة المتعاقدة أن المرحلة الثانية من المشروع ستشمل ربط الولايات الجنوبية بشمال البلاد عبر ولايتي: دايكندي وباميان. ويعتبر هذا الطريق جزءًا مهمًا من شبكة البنية التحتية التي تهدف إلى تعزيز الربط الإقليمي وتسهيل حركة النقل بين مختلف مناطق البلاد.

 

أضف إلى ذلك ما أعلنته وزارة الأشغال العامة الأفغانية، أخيرًا عن بدء أعمال بناء 8 مساجد على امتداد طريق قندهار-هرات الرئيسي، ومن المتوقع أن تُستكمل هذه المشاريع خلال عام واحد. وأوضحت الوزارة أن هذه المساجد ستُقام في مديريات ميوند بولاية قندهار، وناد علي بولاية هلمند، وغلستان وفراه رود بولاية فراه، وخاشرود بولاية نيمروز، وشيندند وأدرسكن بولاية هرات.

ويأتي تنفيذ هذه المشاريع تنفيذاً لتوجيهات أمير المؤمنين، حفظه الله، حيث تم اعتماد خطة لبناء مساجد على طول الطرق الرئيسية في البلاد، بمعدل مسجد لكل 70 كيلومتراً. وتم تخصيص مساحة تبلغ ثلاثة جريب لكل مسجد، بحيث تستوعب هذه المساجد 300 مصلٍ في وقت واحد.

 

تخيلوا أنكم في المستقبل القريب -إن شاء الله- ستتمتعون برحلة أكثر هدوءًا وأمانًا في أفغانستان، وبالمناظر المخضرة الطبيعة والمياه الدائمة على جانبي الطريق. فإعادة إعمار هذا الطريق تتعدى مجرد تمهيد الطريق وتعبيده إلى تعزيز العلامات واللوحات وزيادة الأمن على طول الطريق، وإنشاء مراكز الاستراحة والمرافق الأخرى.

 

إن هذه الطرق لا تساعد المسافرين في الرحلات الطويلة فحسب، بل ستساعد أيضًا في تحسين وسائل النقل والتجارة وتطوير هذا الجانب في البلاد، وستكون هذه المشاريع عونًا للشعب الأفغاني لعيش حياة كريمة، وستكون رابطًا حيويًا للتجارة داخل أفغانستان، وتسهيل حركة المرور والتجارة في عموم البلاد. وإنشاء هذه الطرق يعزز التجارة الداخلية، ويربط بين الولايات بشكل أكثر كفاءة، مما يدعم التنمية الاقتصادية، وتعزيز الاقتصاد المحلي في المدن والقرى، وسيؤدي إلى النمو وخلق فرص العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين البنية التحتية يرسي أساسات التعافي الاقتصادي في المستقبل، ويساعد أيضًا السياحة، ويمكّن المسافرين من مشاهدة الآثار التاريخية الضخمة لأفغانستان وثقافتها الغنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى