مقالات الأعداد السابقة

مشاريع كبيرة وطموحة في أفغانستان (١- المشاريع الإقليمية)

محمد صادق الرافعي

 

عانت أفغانستان لأمد طويل من الحرب والاحتلال، وظلت غارقة في الفساد والفوضى. ولكنها اليوم وبفضل الجهود المتواصلة والمساعي الدقيقة، وبفضل الإصرار على تحقيق مشاريع كبيرة مصيرية من قبل المسؤولين الناصحين المخلصين؛ تفاجئنا بأمور جديدة وطموحات كبيرة، مما سيجعلها محط الأنظار في مختلف المجالات بإذن الله.

لقد ركزت الإمارة الإسلامية، منذ الاضطلاع بأعباء الحكم ودحر الاحتلال الأمريكي، على الاقتصاد وتحسين البنى التحتية التي تضررت بسبب الحرب والاحتلال في الماضي، واتخذت خطوات جديدة نحو النمو الاقتصادي والتقدم التجاري. إذ أدركت الإمارة بأن الاستقرار في السياسة والحكم يمر عبر الاستقرار في الاقتصاد وتحسين البنى التحتية، وأن الفقر هو المشكل الأساسي الذي يجبر الأفغان على الهجرة وترك الوطن، وهو الذي يقودهم إلى تعاطي المخدرات والإفساد في الأرض، وبالتالي خلق تحديات اجتماعية كبرى.

وباعتراف كثير من المحللين فإن الإمارة الإسلامية وضعت اليد على أصل المشكلة، وانطلقت نحو الإصلاح من الجذور، وذلك هو الحل الوحيد لقضية التحديات في أفغانستان.

هناك مشاريع كبيرة وطموحة، مثل: إنشاء مدن جديدة متقدمة، وبناء قنوات يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ومشاريع  أخرى إقليمية تربط الدول المجاورة بعضها ببعض، في مختلف القطاعات، وتجمعها على منافع ومصالح مشتركة، مما يضمن التعاون في المنطقة.

وفي هذا المقال نسلط الضوء على بعض هذه المشاريع، ونلفت الانتباه إلى عائداتها وثمراتها على أفغانستان والمنطقة، فهل أنت مستعد لترى أفغانستان الجديدة؟ أفغانستان التي لا تسمع عنها شيئا يؤذيك ويزعجك، أفغانستان التي تصب تركيزها، بعد التحرر من الاحتلال، على الاقتصاد، وتوفير الأمن الشامل من هذا الطريق.

 

۱- مشروع (كاسا-1000)

مشروع كاسا العملاق الذي يعتبر من أبرز المشاريع الكبيرة الإقليمية في أفغانستان، هو أحد المشاريع الطموحة التي تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الطاقة بين دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وهو خط نقل الطاقة بقدرة 500 كيلو واط عبر سبع ولايات و35 مديرية ليصل إلى باكستان، وسيضيء هذا المشروع في طريقه آلاف المنازل ومئات المصانع في أفغانستان.

تم وضع حجر الأساس للمشروع في مايو 2016 بحضور قادة الدول الأربعة؛ أفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، مما يُظهر التزامًا سياسيًا قويًا من جميع الأطراف بالمضي قدمًا في هذا المشروع.

ويبلغ طول مسار مشروع (كاسا-1000) 580 كيلومترًا من معبر شيرخان في ولاية قندوز شمال أفغانستان إلى معبر تورخم الحدودي في ننجرهار ثم يدخل باكستان، مما يمثل خطوة هامة نحو تحقيق أمن الطاقة والتنمية الاقتصادية في المنطقة. وذلك بتكلفة تصل إلى 1.16 مليار دولار. ويُعتبر (كاسا-1000) مشروعًا استراتيجيًا يُعزز قدرة أفغانستان على تلبية احتياجاتها من الطاقة.

 

تخيلوا مستقبلاً تكون فيه أفغانستان بمثابة جسر وليس حاجزًا کما دلت على ذلك طبيعتها وموقعها الجغرافي، ومشروع (كاسا-1000) هو بالضبط لهذا السبب. والهدف من المشروع هو نقل الكهرباء الإقليمية من قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان إلي باكستان عبر أفغانستان، وهي دول تمتلك موارد ضخمة من المياه والكهرباء. وسيكون لهذا المشروع فوائد واسعة النطاق لجميع هذه البلدان، وسوف تتمكن أفغانستان، التي تواجه حالياً نقصاً في الطاقة والكهرباء، من الوصول إلى مصدر دائم للكهرباء، مما سيساعد على تعزيز فرص العمل والبنية التحتية الحيوية، ويعزز من قدرة أفغانستان على تلبية احتياجاتها الطاقية، وستستفيد باكستان التي تعاني من مشاكل الطاقة من مصدر نظيف للطاقة، وتحصل الدول المصدرة، التي تنتج فائضاً من الكهرباء على سوق مربحة لفائض الطاقة لديها.

 

تم بناء مشروع (كاسا-1000) جزئياً وتم تركيب خطوط نقل في بعض المناطق، لكن التنفيذ الكامل لهذا المشروع يعتمد على التعاون الإقليمي الشامل. ولن يتمكن مشروع CASA، الذي تمت إزالة العوائق التي تواجهه، من إضاءة المنازل فحسب، بل ومن الممكن أن يوفر أيضاً مستقبلاً أفضل لأفغانستان وجيرانها.

وتولي الحكومة الأفغانية أهمية لمشروع (كاسا-1000)، حيث تعتبره جزءاً أساسياً من خطتها لتعزيز استقرار البلاد من خلال تطوير البنية التحتية للطاقة. والرحلات المتبادلة الأخيرة للمسؤولين الأفغان ولمسؤولي هذه الدول خير شاهد على عزم الإمارة الإسلامية في هذه الأرضية، وأن الجميع عازمون على مواصلة أعمال المشروع.

 

۲ـ مشروع TAPI

تخيلوا خط أنابيب يمر عبر أفغانستان حاملاً الغاز الطبيعي، هذا الهدف الطموح سيتحقق من خلال مشروع خط أنابيب الغاز TAPI، الذي سينقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى أفغانستان، ثم إلى باكستان، وأخيراً إلى الهند. هذا المشروع الضخم لديه القدرة على إفادة جميع الأطراف المعنية، حيث سيكون لدى تركمانستان طريقة جديدة لتصدير الغاز الطبيعي وتعزيز اقتصادها، وسوف تستفيد أفغانستان من رسوم العبور وإمكانية تطوير فرص العمل أثناء وبعد الاكتمال، ويمكن أن يُسهم في تحسين الوضع الاقتصادي لأفغانستان؛ عبر خلق فرص عمل وزيادة العائدات من رسوم العبور، وسوف تتمكن باكستان أيضاً من الحصول على مصدر أنظف وأكثر موثوقية للوقود، كما يتم تلبية حاجة الهند المتزايدة للطاقة. ويؤثر هذا الخط على تعزيز النمو الاقتصادي والتعاون الإقليمي، وتلعب أفغانستان دوراً رئيسياً في هذا الإطار.

وانتهى العمل على المشروع في تركمانسنان ووصل الخط إلى حدود أفغانستان. وقبل أشهر بدأ العمل عليه في أفغانستان. ووفقاً للمسؤولين، مع الانتهاء من هذا المشروع، سيُوفر لـ 12 ألف شخص في أفغانستان فرص عمل، وسیصل الدخل السنوي لأفغانستان من هذا المشروع إلی مليار دولار.

 

٣ – مشروع السكة الحديدية “أفغان ترانس”

يعد مشروع أفغان ترانس أحد المشاريع الإقليمية المهمة التي تهدف إلى تسهيل النقل وتنمية التجارة الدولية بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا عبر أفغانستان، ويلعب هذا المشروع دوراً رئيسياً في ربط دول آسيا الوسطى بدول جنوب آسيا.

ومن أجل تنفيذ المشروع؛ تم عقد عدة اجتماعات بين أفغانستان ودول آسيا الوسطى، وما زالت المفاوضات مستمرة. ويحتل هذا المشروع أولوية في البرامج الاقتصادية للإمارة الإسلامية، وأفغانستان تعلن استعدادها الكامل للتعاون في تنفيذه.

 

تم طرح مخطط خط سكة الحديد هذا بين أفغانستان وأوزبكستان وباكستان عام 2018 بهدف إنشاء ممر اقتصادي يربط آسيا الوسطى بمياه المحيط الهندي، ويبلغ طوله 760 كيلومتراً، بتكلفة سبعة مليارات دولار، وبقدرة على النقل تبلغ حوالي 20 مليون طن من البضائع سنوياً، وسيقلّص وقت تسليم البضائع بين أوزبكستان وباكستان بحوالي خمسة أيام.

ومن المقرر أن يكتمل مشروع السكك الحديدية المشترك مع أفغانستان وباكستان بحلول عام 2027.

ومع اكتمال مشروع السكك الحديدية الأفغانية العابرة للحدود، ستصبح أفغانستان عملياً نقطة اتصال تجارية بين دول وسط وجنوب آسيا.

وهذا المشروع سيربط مدينة (ترمذ) الأوزبكية بمدينة (بيشاور) عبر (مزار شريف، وبول خمري، وكابول، وجلال أباد)، وسوف يلعب دورًا حيويًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أفغانستان.

ومع اكتمال هذا المشروع، سيتم خلق العديد من فرص العمل للأفغان، وستزداد صادرات أفغانستان، وسينمو الدخل السنوي للبلاد. كما سيتم تعزيز علاقات أفغانستان مع أوزبكستان وباكستان.

 

أهمية المشروع بالنسبة لأفغانستان:

مشروع السكة الحديدية “أفغانستان ترانس” مهم للغاية لعدة أسباب:

٭ الاتصال الإقليمي: سيربط هذا المشروع أفغانستان بشبكة السكك الحديدية الإقليمية، وسيسمح للبلاد بالوصول إلى أسواق جديدة في وسط وجنوب آسيا. وازداد أخيراً وصول أفغانستان إلى أسواق جديدة، حيث أن باكستان تتخذ إجراءات بين حين وآخر لإغلاق المعابر الحدودية، وتضع عراقيل وضغوطاً للتجارة بين البلدين.

 

٭ التنمية الاقتصادية: ستجعل السكك الحديدية “أفغان ترانس” نقل البضائع والخدمات في أفغانستان أسهل وأرخص، وهو ما سيساعد بدوره على تعزيز التجارة والاستثمار وخلق فرص العمل في البلد.

 

٭ الترابط الاجتماعي: سيساعد هذا المشروع على ربط مناطق مختلفة من أفغانستان، وزيادة الزيارات والرحلات بينهم، وتسهيل سفر وتنقل الأشخاص في جميع أنحاء البلاد.

 

٭ تخفيض تكلفة النقل: إن مشروع أفغان ترانس والمشاريع المماثلة، خاصة في قطاع السكك الحديدية، مفيدة جدًا لأفغانستان، إذ أن السكك الحديدية هي وسيلة رخيصة وسريعة للاتصال بالدول الأخرى، ومن مميزات مشروع “أفغان ترانس” تخفيض تكلفة نقل البضائع بنسبة 40%، وهذا سيأتي بالتحول في أسعار البضائع الضرورية للشعب الأفغاني والتي تحتاجها أفغانستان أكثر من أي وقت مضى.

 

هذه عدة مشاريع من أبرز المشاريع التنموية الإقليمية والبنى التحتية التي تمثل رمزاً للأمل والتغيير في ظل الظروف الحالية، مما قد يفتح آفاقاً جديدة للتنمية المستدامة والأمن والسلام. ونجاح هذه المشاريع سيكون له تأثير إيجابي على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أفغانستان والمنطقة، وسيعزز من فرص التعاون الإقليمي والدولي في المستقبل بإذن الله وعونه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى