
مشروع السلام والمحاولات التخريبية
محمد عمر النيمروزي
قبل حوالي ثلاث سنوات، كنا جالسين على طاولة الإفطار في ساحة الجهاد، ننتظر الأذان. جاء صديق وقال: ادعوا للأسرى الذين في أيدي الظالمين، وذكر أسماء بعض الأسرى الأعزة.
فانتهزنا الفرصة ودعونا لإطلاق سراح أصدقائنا الأسرى. لكن لم أفكر أنا ولا أي من الأصدقاء الذين كانوا ينتظرون الإفطار على الطاولة أن تستجاب أدعيتهم بهذه السرعة، وأن يعود قرابة خمسة آلاف أسير إلى حضن عائلاتهم الدافئ. لكن لم يمض وقت طويل حتى تحقق هذا الحلم، وظهرت آية من مظاهر القوة الإلهية لنا جميعا، جميع الأصدقاء الذين ذكرناهم أو خطرت أسماؤهم ببالنا في ذلك الدعاء، يتنفسون الآن هواء الحرية اللطيف. اللهم لك الحمد.
واليوم، بعدما احتضر نظام كابول، وفقد كل أوراقه الرابحة، يحاول (أمر الله صالح) كعادته، أن يضع في طريق عملية السلام موانع وعراقيل، وأن يسلب بجهوده التخريبية المستمرّة، من الشعب الأفغاني هذه الفرصة الذهبية.
بينما تجري محادثات السلام في الدوحة ويتطلع الشعب الأفغاني إلى التحرر من الاحتلال وتحكيم الشريعة، سجّل (أمر الله صالح) في صفحته على فيسبوك، الكثير من الخزعبلات والكلام الفارغ الذي يظهر بوضوح وجهه الحقيقي، حيث كتب: “يجب إعدام هؤلاء المعتقلين من طالبان جميعا ليكونوا درساً للسائرين منهم، ويجب إعدام كل إرهابي يتمّ القبض عليه”.
لقد نسي (أمر الله صالح) أنه يزعم نفسه ممثلا للجمهورية والديمقراطية الزائفة. ففي نفس تلك الديمقراطية الزائفة لا ينبغي إعدام أسرى الحرب بهذا الأسلوب الذي يقول به (أمر الله صالح)، فلأسرى الحرب، بغض النظر عن الحقوق التي تمنحها الشريعة المحمدية، حقوق أيضًا من منظور هذه الديمقراطية الباطلة، التي يرىد (أمر الله صالح) أن يضعها تحت رجله.
نشكر الله تعالى على أن إمارة أفغانستان الإسلامية تقوم بالجهاد على أساس المبادئ والقيم الإسلامية والدينية والفقهية، وتعاملها مع الأسرى جميل وإنساني وإسلامي. حيث أن المرسوم الذي أرسله أمير المؤمنين نفسه إلى جميع المجاهدين منذ ما يقرب من عامين، يمنع ضرب الأسرى، فضلا عن قتلهم!
وفي هذا يكمن سرّ انتصار الإمارة الإسلامية وتقدّمها وهزيمة العدو وتراجعه، اتباع الإمارة الإسلامية للشريعة، وخضوع نظام كابول للقوانين الوضعية الديمقراطية الكاذبة.
والحقيقة أن استمرار الاحتلال، ووجود القوات الأجنبية في أفغانستان واستمرار الحرب فيها، أمر مربح جدا لصالح وحاشيته. فمنذ تولّيه ملف الأمن في كابول، أطلق عددًا من الخطط الأمنية، كإلصاق صور المتهمين على أسوار وأبواب المدينة، وزيادة القوات الامنية وتخصيص ميزانيات كبيرة لها، وتركيب كاميرات مراقبة في المدينة، لكن كل هذه الخطط الأمنية فشلت فشلا ذريعا.
والجانب المثير للاهتمام هو أنه كلما زاد عدد المشاريع التي أطلقها صالح، بالقدر نفسه اتجه أمن المدينة نحو التأزم وازداد خطورة. فعندما تولى (أمر الله صالح) أمن المدينة، كانت معظم مسائل الأمن في كابول مرتبطًة بالسرقة، ولكن مع ازدياد تحمس صالح، دخل ملف الأمن في كابول مرحلة جديدة تتحدى الصحفيين وطلاب الجامعات وحتى مسؤولي النظام، وجعلتهم ضحايا تخريبات (أمر الله صالح) وعصبته.
والسؤال هنا: من يقف وراء هذه القضايا الأمنية، وملفات القتل الممنهجة؟ وأي جماعة تستفيد من هذه العمليات الممنهجة؟
للإجابة على مثل هذه الأسئلة، يجب أن ندرس الوضع السياسي في البلاد.
في الواقع، وجود قوات الاحتلال هو الأزمة الرئيسية في البلد، وعليها تدور سائر المشكلات والمعضلات. وبناء على إدراك هذه الأزمة، تبذل الإمارة الإسلامية قصارى جهدها لحلّ مشكلات أفغانستان، فبحلّ هذه الأزمة الرئيسية، سيتم حل نصف مشكلات أفغانستان. لكن مسؤولي سلطة كابول هم المعارضون الأصليون لإنهاء الاحتلال، ويعتبرون وجود القوات الأجنبية سببًا لتطور أفغانستان وازدهارها! بالنظر إلى هذين الموقفين المختلفين، فإن لأي شخص لديه رؤية سياسية محدودة سيفهم ماذا يجري في الساحة.
في الواقع يريد معارضو إنهاء الاحتلال أن يجعلوا الوضع في البلاد فوضويًا للغاية، وأن يسعوا في تصخيم الجماعات الإرهابية مثل داعش لدرجة يشعر معها المجتمع الدولي وما يسمى بحلفاء النظام أن انسحاب القوات الأجنبية سوف يوسع نطاق قضايا الأمن، فكلما طال الاحتلال، طال اتكاؤهم على مقاعد السلطة، مما يؤدي إلى تدفق المزيد من الأموال إلى جيوبهم.
بات سكان كابول الآن متيقنين بأن نظام كابول نفسه، أو أفرادًا داخل نظام كابول، هم من يقفون وراء هذه الاغتيالات والتفجيرات المدروسة، لكن هناك عددًا قليلاً جدًا من الأشخاص من يمكنهم نشر مثل هذه الحقيقة في وسائل الإعلام؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا فعلوا ذلك، فسيكونون ضحايا، كما هناك العديد من الأشخاص الذين ينسبون هذه الأعمال صراحة إلى نظام كابول.
قال الإعلامي نجفي زاده، رئيس قناة طلوع تي في، في مقابلة له مع شبكة بي بي سي الفارسية قبل أيام: “هناك حوالي 20 ألف من قوات الأمن في كابول وتحدث هذه الأعمال! هذا فشل ذريع للحكومة الأفغانية. ندرك أنه لا توجد إرادة للتحقيق في هذه الجرائم، مما يجعلنا أكثر تشككًا في سبب عدم تعامل الحكومة مع الأمر بجدية. على سبيل المثال: عائلة (ياما سيافاش) زميلنا السابق في طلوع نيوز، لم تتمكن بعد من مشاهدة الفيديو الخاص بكاميرات مراقبة البنك المركزي، حيث تم وضع دراجة مفخخة أمامه، فعندما يفشل والد الضحية – ناهيك عن وسائل الإعلام – في الوصول إلى صورة بسيطة لموقف سيارات البنك، فإن الحكومة لديها أسئلة جادة للإجابة عليها. هناك عناصر داخل الحكومة قد لا يعجبهم عملنا”.
تكشف هذه التصريحات لنجفي زاده عن تورط الحكومة في هذه الجرائم.
والمشكلة الأساسية في أفغانستان هي الاحتلال، وهؤلاء الذين يرون في استمرار الاحتلال استمرارا لبقائهم في السلطة.