
مصائب قوم عند قوم فوائد
فسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين ; وجعله لهم حقا، فضلا وكرما. وأكده لهم في الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكا ولا ريبا حيث قال: (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) القائل هو الله القوي العزيز الجبار المتكبر، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير. يقولها سبحانه معبرة عن إرادته التي لا ترد، وسنته التي لا تتخلف، وناموسه الذي يحكم الوجود. يقول أحد المفسرين رحمه الله :” إن هذا النصر قد يبطئ أحيانا – في تقدير البشر – لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله والله هو الحكيم الخبير يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه، وفق مشيئته وسنته وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر وقد لا تتكشف، ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح، ووعده القاطع واقع عن يقين، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين.
نعم نحن نرى رغم التكتم الإعلامي الأمريكي عن أوضاع جنودها العائدين من الحروب الخاسرة و ما يمرون بهم من مشكلات نفسية و انهيار معنوي وأيام عصيبة بشائر النصر وتثبت هذه الرؤية ما كشفت صحيفة ‘يو أس توداي‘ الأمريكية اخيرا عن أن أكثر من 12 ألف جندي أمريكي العائدين من العراق وأفغانستان يعاني من الاكتئاب الحاد أو ما يسمى بصدمة الحرب وذلك جراء ما شاهدوه في العراق وأفغانستان.
وتقول الصحيفة: إن أعداد المصابين والمعاقين من الجنود الذين خدموا في العراق هي أكبر عدد من الجنود الجرحى الذين تشهدهم أمريكا منذ حرب فيتنام، وقد شهد العام الماضي تردد 48.733 جنديًا أمريكيًا ممن خدموا في العراق وأفغانستان على المستشفيات والمستوصفات.
وتشير الصحيفة إلى أن الأمراض التي يعاني منها الجنود الأمريكيون تتنوع ما بين الإجهاد النفسي والصدمات العصبية فضلا عن الانهيار العقلي والنفسي، وتؤكد الصحيفة أن هذه الأمراض النفسية لا تؤثر على الجندي فقط بل تؤثر كذلك على عائلاتهم أيضًا.
وتابعت الصحيفة تقول إن 12422 جنديًا أمريكيًا توجهوا إلى المستشفيات النفسية للعلاج من صدمة الحرب، وتعرف الصحيفة هذا المرض الذي يسمى ‘صدمة ما بعد الحدث‘ أو صدمة الحرب بأنه مرض يصيب صاحبه بعد تعرضه لحدث مؤلم أصابه بالخوف الحاد أو العجز أو الرعب.
ويسبب هذا المرض خليطًا من الأعراض المختلفة التي تتنوع ما بين كوابيس أو هلاوس أو نكسات نفسية بالإضافة إلى الشعور بالكآبة والقلق والرعب الحاد، والمشاعر السلبية الأخرى.
وتورد الصحيفة حوارًا مع أحد المرضى الأمريكيين والذي لا يستطيع أن ينسى يوم أن ضرب بمروحيته بيتًا على ضفاف دجلة حيث اندلعت على إثر هذا القصف صرخات وبكاء الأطفال، وهي الصرخات التي لا يستطيع أن ينساها.
وإضافة إلى هذه القصة أوردت الصحيفة أمثلة كثيرة من الجنود الأمريكيين الذين يعانون من أمراض الاكتئاب والأرق والهلاوس إضافة إلى الكوابيس، وهو الأمر الذي يدفع الكثير منهم إلى إدمان الخمور والمخدرات هربًا من هذه الذكريات المؤلمة.
وكانت دراسة للجيش الأمريكي التي أجريت بين القوات العائدة من العراق كشفت عن أن واحد من كل ستة جنود يعاني من أعراض الاكتئاب الحاد أو صدمة الحرب وكشف تقرير حكومي أمريكي أخر، أن واحدًا بين كل خمسة مواطنين أمريكيين بالغين، أي حوالي 50 مليونًا يعانون أمراضاً عقلية.
كما كشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاجون) تزايد حالات الانتحار بين جنود الجيش الأميركي العام الحالي بمعدل هو الأسرع من نوعه منذ عقد من الزمن. وأوضح التقرير أنه منذ مطلع العام الحالي (2012) تم تسجيل 154 حالة انتحار وقعت خلال 155 يوماً بين القوات العاملة خارج الولايات المتحدة، وأن 50% منها وقعت في أفغانستان.
وقارن التقرير بين حالات الانتحار التي تم تسجيلها في الفترة من يناير وحتى مايو من العام الحالي بما كانت عليه في المدة نفسها من العام الماضي وأعوام 2010 و2009 وصولا إلى العام 2001، موضحا أنه تم تسجيل 130 حالة انتحار في المدة نفسها من العام الماضي، وأن معدل هذا العام زاد بنسبة 18%، كما زاد بنسبة 25% عن العامين السابقين.
ورجحت الدراسة التي أجراها قطاع الصحة فى الجيش الأمريكي أن يكون هناك علاقة بين تزايد حالات الانتحار والأعباء النفسية التى تسببت فيها الحروب التي خاضها الجيش الأمريكي خلال الأعوام الماضية.
وذكر الأطباء الذين أجروا الدراسة، فى بيان صحفي، أن معدل حالات الانتحار بين صفوف الجيش الأمريكي ارتفع بنسبة 80% خلال الفترة من عام 2004 حتى عام 2008.
تجدر الإشارة هنا أن هؤلاء الجنود يقومون في كثير من الأحيان بتمثيل الجرائم التي قاموا بها في البلدان المحتلة التي خدموا فيها، حيث أنهم قبل الانتحار يقتلون عدداً لا بأس بهم من السكان في صالات السينما أو الميادين العامة، و تزداد انتشار هذه الحالات بين الجنود العائدين من أفغانستان والعراق المحتلين.
ووفقاً لبيانات الجيش الأمريكي، فإن “نحو 40% من حالات الانتحار لها علاقة بأحداث ما بعد عام 2003 مثل حرب العراق والاعتداءات المستمرة فى أفغانستان“. وأشار الأطباء إلى أن ارتفاع معدلات الانتحار فى الجيش الأمريكي خلال الفترة الزمنية التى تناولتها الدراسة لم يسبق له مثيل خلال الثلاثين عاماً الماضية.
و تتلخص کل هذه الدراسات والتقارير إلى أن الجنود الأمريكيين أنفسهم لا يؤمنون بأن هذه الحروب التي تشنها أمراء الحرب و جنرالاتها في بيت الأبيض و بنتاجون ليست للتقديم المساعدة في إرساء الأمن و محاربة الإرهاب أو جلب الديمقراطية الكاذبة للشعوب المغلوبة على أمرها بل هي لأهداف خفية يعلمها كل من أوتي من العلم الشيء القليل و بما أننا نعلم ذلك منذ القدم أنهم لم يأتوا إلا للقضاء على الإسلام والمسلمين و تغريب مجتمعاتهم الملتزمة، فإننا نورد هذه المؤشرات و الإحصائيات حتى نظهر لهم تخبطهم و أن الله تعالى لهم بالمرصاد.
و لم تتوقف سلسلة مصائبهم عند هذا الحد بل إننا نرى ونسمع كل يوم عن ترك الحلفاء لأماكنهم و الفرار بجلودهم من مقبرة الغزاة و المعتدين، و تحمل هذه الانسحابات دلالات سياسية و عسكرية مهمة، حيث أنها تبين بوضوح تشبع الرأي العام من كثرة القتلى والجرحى في هذه الحرب الخاسرة، حيث رأينا كيف تقدم حزب هولاند في فرنسا بسبب وعوده التي قطعها على نفسه في إخراج القوات الفرنسية الغازية لأفغانستان و التعاطف الشعبي مع الخطة التي قدمها في انتخابات 2012.
و تحمل هذه الانسحابات أيضاً دلالات عسكرية هامة، منها أن الغزاة قد ملوا من الخسائر البشرية و المادية وأنهم قد أيقنوا أنه لا نصر في الأفق و أنهم على شفا انهيار اقتصادي مع الركود المتفشي في بلادهم و قرب إعلان إفلاس بنوكهم و شركاتهم ضائعة الصيت.
ولذلك انتقد أخيرا نواب الكونجرس الأمريكي بشدة استمرار الحرب في أفغانستان واعتبروها مضيعة للأموال وخسارة للأرواح.
وعبر عدد من أعضاء مجلس النواب الأمريكي المعارضين للحرب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن غضبهم من الفساد السائد في حكومة كرزأي وعن تشككهم في أي تقدم مستدام لحسم الصراع وعن استيائهم من إهدار الأرواح والأموال الذي لا يتوقف عند حد.
قال تعالى:
(فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
صدق الله العظيم.